ذكرت في مقالي السابق "الحضارة بين الدين والإلحاد" أن الإسلام لا يتعارض مع قيم التقدم والتحضر، وأن هناك نقاطا كثيرة يلتقي فيها الإسلام مع الحضارة الغربية. لكن ذلك لا ينفي أن هناك أمورا أخرى نختلف فيها اختلافا جذريا مع الحضارة الغربية، ومع عبدتها من أبناء جلدتنا. من تلك القضايا: الحرية في ما يخص العلاقات الجنسية، وخاصة بين المثليين: الرجل مع الرجل والمراة مع المرأة، (المثلية الجنسية). في هذا الإطار، وحول موقفه من واقع المثلية الجنسية بالمغرب، صرح السيد أحمد عصيد "الممثل الدائم للحضارة الغربية، الناطق الرسمي باسم القيم الكونية في المغرب"، صرح مؤخرا أنه: يشجب المواقف السلبية التي يتخذها الكثير من المغاربة تجاه المثلية الجنسية وتجاه من يمارسها، وأن السبب في رفض المثلية الجنسية هوالدين والجهل والتقاليد، وأننا يجب أن نقبل ونتعايش مع المثلية الجنسية، ونعتبرها أمرا طبيعيا. كما طالبنا السيد أحمد عصيد أن نعطي المثليين جنسيا الحق الكامل في أن يتميزوا عن بقية المجتمع وأن يمارسوا مثليتهم، وأن يعبروا عنها دون تحفظ. و يرى السيد عصيد أن نشر العلم والقيم الكونية في المجتمع كفيل بالقضاء على الموقف السلبي تجاه المثلية الجنسية. طبعا لم يفوت السيد أحمد عصيد الفرصة كعادته ليربط بين الدين والجهل والتمييز من جهة ،وبين القيم الكونية والعلم والعدل من جة أخرى. بالنسبة لي فليس هذا الموقف غريبا، لأنني أعيش في الغرب وأعرف ماذا يعني الإيمان المطلق بما يسمى "القيم الكونية"، بل وأرى هذه القيم متمثلة في الواقع صباح مساء. فقبل أسابيع مثلا، كنت أبحث عن شراء سيارة بعدما قررت استبدال سيارتي "العتيقة". دخلت على موقع الكتروني معروف في هولندا. وفي إطار البحث في ذات الموقع، اتصلت بمالك سيارة معروضة للبيع فأجابتني امرأة. بعد الاتفاق معها على أمور البيع طلبت موعدا لأعاين السيارة، اقترحت المرأة أن آتي في وقت يكون فيه "شريكها" حاضرا، لأنها مشغولة وتقوم بدور" العناية" في البيت، كما قالت. وصلت العنوان في الوقت المتفق عليه، اتصلت بالمرأة وأخبرتها أنني أنتظر خارج البيت. خرجت شابة قد قصت شعرها كقصة الذكور، ووشمت ذراعيها بالكامل. وخرج معها ثلاثة كلاب، أطلوا علي برؤوسهم كأنها رؤوس الشياطين. تبادلنا التحية ثم سألتها: هل زوجك موجود؟ ابتسمت ثم أجابتني: تقصد "شريكي"؟ قلت نعم. قالت: "إنها" ستأتي حالا. رجعت إلى سيارتي أنتظر شريكها "التي" ستأتي، وأنا أسأل نفسي عن سبب هذا الخلط بين ضمائر التذكير والتأنيث. بعد لحظات حضرت السيارة وأخذت أنظر إليها بحيرة. هل سيكون النازل منها ذكرا أم أنثى؟ نزلت من السيارة امرأة، فخرجت التي كانت في البيت وقصدت النازلة من السيارة و نادتها: أهلا حبيبتي ثم قبلتها. استوعبت حينها الموقف ولو متأخرا، وعلمت أنني أمام مثليتين جنسيا. فهمت أن "الشريك" الذي كانت تقصده المرأة هو المرأة الأخرى، وفهمت أن "العناية "التي تقوم بها المرأة في البيت ليست عناية بالأطفال، وإنما هي عناية بالكلاب التي أطلت عندما فتح الباب. اشتريت منها السيارة وعدت إلى البيت. كان معي ابن عمي حاضرا في هذا كله - وهو إمام أيضا في فرنسا كان ضيفا عندي رفقة أسرته- ولأنه لا يفهم الهولندية شرحت له الموقف ونحن في الطريق، فاستغرب مثل استغرابي ثم ضحكنا من الموقف. قلت حينها في نفسي: قد تصلح هذه الواقعة موضوعا لفلم أو رواية تحت عنوان: "إمامان أمام مثليتين". لسوء الصدف لم نكن نرتدي الجلابيب، وإلا لاكتمل المشهد في جوار نادر بين المحافظة والانحلال. بعدما عدنا إلى البيت سألتني ابنته (ابن عمي): هل كان مالك هذه السيارة رجلا أم امرأة ؟ بدأت أصرف الكلام عن الموضوع وأتهرب من الجواب. وكنت قد أخبرت زوجتي بالقصة قبل ذلك. أسرت لها زوجتي في أذنها علها تتوقف عن طرح الأسئلة حول السيارة، فعلمت أنها أخبرتها بالأمر. سافرنا جميعا على متن تلك السيارة إلى مدينة بروكسيل. وفي الطريق كلما ذكر اسم السيارة ابتسمت النسوة خلسة، ونظرن إلى بعضهن في إيحاء أن في الأمر عيبا، يجب أن لا يذكر في حضرة الرجال. كلما ركبت تلك السيارة إلا وأحسست بداخلي أن شيئا ما ليس على ما يرام. ولو جاز لي لغسلتها غسل الجنابة، لإزالة ما علق بها من أدران المثلية. نعم، هكذا ننظر نحن المغاربة إلى المثلية الجنسية. إننا لا نجرأ حتى على ذكر اسمها داخل الأسر، فكيف نرضى بممارستها؟ وكيف يريد منا السيد عصيد أن نستسيغها، وديننا يحرمها، وطبائعنا تمجها؟ حتى لغتنا الدارجة ضاقت ذرعا بهذا الفعل الشنيع، فلا نجد للمثلية الجنسية مصطلحا في الدارجة، مما يدل على أن هذا الفعل دخيل علينا. صورة أخرى أذكرها لأبين من خلالها واقع الغرب - الذي يبشرنا به السيد عصيد- فيما يخص المثلية الجنسية. فمنذ مدة لم أقف على لفظي "الأب والأم" في الوثائق الإدارية. لقد استغني عن هذين اللفظين في الوثائق الرسمية (في هولندا التي أعيش فيها على الخصوص)، وأصبحت كل الوثائق الإدارية تستعمل لفظي: "الولي الأول والولي الثاني" بدل لفظي الأب والأم، لرفع الحرج عن الأولياء المثليين الذين لا هم آباء ولا هم أمهات. قد يقول قائل إن المثلية الجنسية أمر واقع في مجتمعنا فلماذا ننكره؟ للجواب عن ذلك أقول: نعم إن ذلك موجود كوجود الزنا والخمر والرشوة وغيرها من المحرمات. فهل كلما وجد محرم يجب أن نشرعنه؟ أم بالعكس يجب أن ننهى عنه وندعو إلى هجرانه؟ المفروض أن الله رزق الإنسان العقل ليضبط به غرائزه وشهواته، فالدين يؤطر العقل والعقل يؤطر الغريزة وهذا حال المؤمن. أما عبدة الغرائز فقد جعلوا غرائزهم فوق عقولهم وأصبح العقل خادما للغريزة، كلما اشتهت شيئا برره وحاول شرعنته، فوصلنا إلى مرحلة يمكن أن نسميها "شرعنة البهيمية". وصدق الله في وصف هذه الفئة من الناس إذ يقول تعالى: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ". إن المثلية الجنسية من الأفعال التي يحرمها الإسلام كما هومعلوم. فالسبيل الوحيد لإشباع الرغبة الجنسية في الإسلام هو الزواج الشرعي، ولا يكون شرعيا إلا إذا تم بين رجل وامرأة. وبناء عليه، فالذي يتعاطى المثلية الجنسية (ذكرا كان أم أنثى) يرتكب ذنبا من أكبر الذنوب في الإسلام. ويجب عليه ما يلي: - أن يعترف في قرارات نفسه فعلا بأن ما يقوم به معصية لله تعالى، وأن لا يحاول تبرير ذلك. - أن يتوقف عن ممارسة هذه الرذيلة وأن يتوب إلى الله منها، وأن يبحث عن الوسائل التي يمكن أن تساعده على ذلك، دينية كانت أم طبية علمية. - إن لم يتوقف، فليس أقل من أن يستر نفسه، ويبقي فعله الشنيع بينه وبين الله تعالى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كل أمتي معافى إلا المجاهرون). فإذا كانت المثلية معصية، فإن المجاهرة بها معصية أخرى في حد ذاتها. أما محاولة شرعنتها وتحليلها فقد تؤدي إلى الكفر والعياذ بالله. فمن المسلم به لدى المسلمين أن من أنكر معلوما من الدين بالضرورة فقد كفر، لأنه يكذب القرآن، ويستدرك على الله تعالى. إن اتباع منطق السيد عصيد وغيره من المؤمنين بالقيم الكونية من شأنه أن يقضي على قيم المغاربة الأصيلة، كالعفة والحياء والأصالة. حيث إن هذا المنطق يشرعن لكل من لديه رغية أو نزوة جنسية أن يمارسها، كما شاء ومتى شاء ومع من شاء، في إباحية وحرية مطلقة، (طبعا يضبطها قانون على مقاسهم) . لقد عهدنا في مجتمعنا المغربي تقدير العفة والتطلع إليها، وكان ولا يزال الذين لا يجدون نكاحا يتسلحون بالصبر والعفة، وجهاد النفس ومقاومة الشهوة واحتساب ذلك عند الله. يقول الله تعالى:{ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} . وكلما أراد شخص الزواج والارتباط بحث أولا عن العفة. وكم من النساء يغيب عنهن أزواجهن مددا طويلة، أو يطلقن أو يترملن وهن في سن مبكر، وكم من الأزواج والزوجات لايشبعون رغباتهم الجنسية داخل بيت الزوجية لخلل ما في العلاقة. فهل نشجع كل هؤلاء على ممارسة الجنس باعتباره أمرا فطريا دون مراعاة لديننا وأعرافنا وتقاليدنا؟ أم نحثهم على الصبر والعفة؟ إننا نرى ما يفعله الانسياق وراء الرغبات الجنسية في مجتمعاتنا، لقد انتشرت ظواهر غريبة دخيلة على هوية المغاربة وأصالتهم، كالمعانقة وتبادل القبل الساخنة بين الجنسين في الأماكن العامة. لكن يبدو أن مشهد الفسق لازال ناقصا في نظر عبيد القيم الكونية، إنهم يريدون أن يتم تأثيث المشهد بتبادل القبل والعناق بين الرجل والرجل وبين المرأة والمرأة. حينها ستكتمل بهيمية المشهد، وسننال شهادة اعتراف من قبل "الناطق الرسمي باسم القيم الكونية" أننا أصبحنا في مصاف الدول المتقدمة. في الختام أقول للسيد عصيد ومن خلاله لمريديه: إنك ما فتئت تفتخر وتعتز بهويتك الأمازيغية، وتدعو إلى التمسك بها والعض عليها بالنواجذ. فكيف تجاوزت قيمك الأمازيغية التي ترفض المثلية الجنسية؟ ورضيت قيما دخيلة تبيحها؟ فهل الهوية الأمازيغية رداء ترتديه وتنزعه متى تشاء؟ لست أدري من كان هذا حاله هل يستحق فعلا حمل راية الدفاع عن الأماويغية؟ [email protected]