لمن سيستمع الشعب المغربي، وعلى هدى "منْ" سيسير على طريق مملوء بالمفاجآت والخرجات التي أصبحت تأتي من أكثر من مصدر؟ أهو سيتبع آراء العلماء والحكماء والمجتهدين من أصحب الدين كي يعيش دنياه وعينه على آخرته يوم لقاء ربه، أم سيتبع آراء – بعض-الحقوقيين والمهندسين والشعراء والفنانين ؟ لقد أصبح للفتوى أكثر من مصدر، ومن الطبيعي أن يتيه المغربي المسلم بين طاحونة القيل والقال وكثرة السؤال عن الواضح والفاضح وعن الواقع والخيال. لقد أصبح المغربي يعاني من كثرة المطارق التي تطرق رأسه في هذه الأيام ومن دوران " زوبعات فكرية " تأتي من أكثر من متدخل سياسي واقتصادي وحقوقي واجتماعي. وإذا كانت تقنية " الزوبعة العقلية " تقنية من تقنيات التنشيط التربوي تعتمد إشراك التلاميذ في مناقشة موضوع التنشيط بغية إنتاج أفكار واقتراح حلول بشكل جماعي والإبداع فيها، فإن " الزوبعة العقلية" التي يعتمدها بعض القانونيين أو السياسيين أو الاقتصاديين في أمور دينية – ليست من اختصاصهم لأن أصحاب الاختصاص هم علماء الأمة – يعرض المجتمع لعدم التوازن الإيماني الذي هو ركن أساس في استقرار المجتمع وضبط العلاقات بين أفراده وجماعاته. فمن لا يؤمن بالله ( ولو كان نصرانيا أو يهوديا ) أو بالقانون المدني الذي يؤطر تحركاته، هو "حر، متحرر" مفترس قادر على فعل أي شيء لأن ليس هناك أي قوة خارجية تضبط سلوكه . الإباحية مكانَ العفة! ماذا يستطيع المواطن المقهور الذي لا يملك سلطة تأثير ولا بوق تنوير أن يفعل عندما يتحدث رجل القانون باسمه والسياسي ورجل الاقتصاد وعالم الاجتماع في غيابه وغياب رجل الدين " الملتزم" والعارف بحدود الله والذي يجب ألا يكل وألا يمل وألا يسقط أو ينط عن أي حد من حدود الله ؟ فمن المفروض أن يكون المسلم في بلد الإسلام- دائما- محاطا بعناية العلماء الأجلاء المترفعون عن الغنائم ، يصوّبون سلوكه ويشبعون فضوله ويرفعون شكوكه ويوجهونه الوجهة التي يرضاها ربه ومجتمعه .والسؤال هل المجتمع المغربي في حاجة اليوم " لنداء" حقوقيين يطالبون بالحرية الجنسية للراشدين وبإلغاء عقوبة الفساد؟ ماذا جرى ؟ بالأمس نادى حقوقيون بمنع " تعدد الزوجات" والذي هو حق ثابث في الكتاب وحرية جنسية ربانية في الاختيار وفضيلة أخلاقية اجتماعية " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ " ، وهنا تُمَس حرية الاختيار وحسن التقدير ، فالمسلم الذي يرى بالعقل أنه لن يستطيع النهوض بأعباء أكثر من زوجة فواحدة . فلم يكف دعاة التحرر ما حققوه من تراجع على سلّم القيم فبدأوا يطالبون – اتباعا لمسلسل مدروس ولتوصيات دولية- بأشياء غريبة عن المجتمع ولا يُقرّ بها الدين . فهاهم اليوم يطالبون برفع عقوبة الفساد وإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي ، للتأسيس للشيوعية الجنسية داخل المجتمع المغربي على النحو الذي هي عليه في الدول الغربية والتي تعتبر فيها علاقة –جنسية- رجل بامرأة علاقة عادية ، ولا تُعتبر جريمة ولو اقترفها الأزواج . فقد كوّن المجلس البريطاني للكنائس لجنة لتحديد موقف الكنيسة من العلاقات الجنسية غير المشروعة ، وبعد دراسة استمرت عامين ، أصدر المجلس المذكور في 18 أكتوبر عام 1966 تقريرا جاء فيه : "إن الزنا لا يجب أن ينظر إليه على أنه سبب تلقائي للطلاق ، ولكنه كفرصة للعفو والغفران". والسؤال ما هو قول المجلس العلمي الأعلى في النازلة ؟ فهذا أمر أصبح يهم المغاربة بعد خرجة المطالبة بالحرية الجنسية. فطرح الحقوقيين لمطلبهم هو بمثابة دخان ، وليس هناك دخان بدون نار . والمسؤولية تقع على عاتق لجنة الدراسات والأبحاث العلمية التابعة للمجلس العلمي الأعلى التي عليها أن تتحرك لتطفئ تلك النار في مهدها بالحجة والبرهان قبل أن تحرق تاريخ المغاربة المميز بالعفة والطهارة . سيقول قائل : "كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته" فالآباء مسؤولون عن تصرفات أبنائهم ، وهم ليسوا في حاجة لمن يذكرهم بذلك . وهذا خطأ يقع فيه المثقفون والعلماء والمسؤولون عن الإعلام والتوجيه ،فغياب المرشد الملتزم والوطني عن الساحة يعطي الحق " للآخر" كي يملأ الفراغ بمفاهيم جديدة مدمرة لشخصية الفرد وللمجتمع. وعلى كل عاقل أن يطرح السؤال تلو السؤال عن الأسباب التي دفعت أولئك الحقوقيين لطرح مطلبهم الغريب عن الثقافة المغربية. فهل هناك عراقيل –غير اقتصادية-تمنع الزواج الشرعي ؟ وما الآليات لرفع تلك العراقيل؟ وهل يتقبل المرء المسلم المغربي رفع عقوبة الفساد كي تزني زوجته وأخته أو ابته أمامه ؟ أم هل هو مستعد لتقبل الزنا بزوجات غيره أو بناتهم إن ألغي الفصل 490 ؟ لكن- ولو - في حالة إلغاء هذا الفصل وتمتع الزاني والزانية بحريتهما الجنسية في الدنيا فمن سيلغي عنهما عذاب الآخرة ؟ قال تعالى " الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ". ومسؤولية الزنا تقع على المرأة قبل الرجل . قال تعالى "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة "، لأن المرأة هي التي تعطي الضوء الأخضر للذكر (الرجل). ولو امتنعت منه ما استمر في تحرشه بها حتى تقع في مصائده. فالمرأة هي التي تفتنه بملابسها غير الشرعية الفاضحة، ونظراتها غير السوية المغرضة، وحركاتها غير الأخلاقية المثيرة، ومشيتها المترنحة والمتمايلة، وحركات أجزائها المائلة والمثيرة، وأطرافها العارية وصدرها المنكشف الفاضح وشعرها العاري المترنح . على خلاف قوله تعالى : "والسارق والسارقة ".ولقد أثبتت الإحصائيات العالمية ضلوع الرجال في السرقات أكثر بكثير من النساء. لماذا الحرية الجنسية للراشدين ؟ يعتقد بعض الحقوقيين بأن الحرية الجنسية تدخل في باب الحريات الفردية ، وحرية الفرد في جسده يفعل به ما يشاء بعيدا عن أي ضغوط خارجية .وكأنهم يرون بأن القوانين تحد من حرية الفرد ، وتقف حجرة معرقلة أمام تطوره وعطاءاته .فالتقاليد الدينية والثقافة القديمة والقوانين المقيدة يعتقدون بأنها تحد من حركة الفكر وحركة الأفراد فتطوق حريتهم بينما الحقيقة أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون تاريخ . والسؤال هل هناك علاقة بين حرية الجنس التي يدعو إليها الحقوقيون والعقلانية التي يدعو إليها دعاة الحرية من رواد " التنوير "؟ ذلك أن دعاة الحرية الجنسية -يظهر أنهم - لا يزالون يراوحون بفكرهم ما كان يروج في نهاية القرن الخامس عشر حيث بدأت تظهر(في الأدب) اتجاهات تطالب بالانغماس في اللذة ومباهج الحياة . ويبدو أن المطالبين بالحرية الجنسية "ابتدءوا من اللآخر" كما يقول المصريون. فعوض أن يطالبوا ببدء مرحلة النهضة والإصلاح (كما ابتدأ عصر التنوير) ثم بالعقلانية فالرومانسية أخيرا . فارتأى المطالبون بالحرية الجنسية في المغرب بالبدء بالرومانسية ، وفتح الآفاق أمام الأحلام والملذات والجنس والشهوات أمام الراشدين ، لتكون الرومانسية " النفق " المظلم الذي سيقود البلاد والعباد إلى سنين وربما قرونا أخرى من النوم العميق بعيدا عن الربيع الذي لفحهم نسيمه .و إن المطالبين بالحداثة ومنها الحرية الجنسية يظنون أنهم يمشون بخطوات ثابتة على أثر عصر التنوير ، بينما هم يمشون إلى سنوات ما قبل عصر التنوير متوجهين نحو الجاهلية الأولى حيث الجواري والغلمان وكؤوس المدام والغناء والمجون. فعندما يطالب الحقوقي بعدم تدخل عوامل خارجية للحد من الحرية الجنسية كحق إنساني فردي يسقط في الوجودية الجنسية " أنا أمارس الجنس فأنا موجود" فيتجاهل –بذلك- حرية الآخرين ( المجتمع) . فيتناقض فكره مع فكر أحد رواد الفلسفة الليبرالية " جون ستيوارت ميل الذي يقول : "السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو (جزءا منها) تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضاءها هو حماية النفس فقط، وإن السبب الوحيد الذي يعطي الحق لمجتمع حضاري في التدخل في إرادة عضو من أعضائه هو حماية الآخرين من أضرار ذلك التصرف". فالحرية الجنسية تصرف قد يجلب الخير والشر معا للمرء، وقد يجلب الشر – وحده- للمجتمع لا محالة لأنه يهدم الأخلاق ويقضي على السلف والخلف. هل يمكن إلغاء سلط الشخصية ؟ قد ينجح الحداثيون في زرع فكرة الحرية الجنسية عند بعض الناس وقد يفشلون في إقناع البعض الآخر بذلك ، فالساحة الثقافية مفتوحة أبوابها على كل الاتجاهات والتوجهات والاحتمالات . وقد يفلحون اليوم أو غدا في مشروعهم المنبثق عن الغرب عندما يحطم "الإنسان" بعض القيود ويلغي بعض السلط التي تتحكم في تصرفاته وتجعل شخصيته متوازنة . وبالتأمل قليلا في الأحداث التي يعرفها الإنسان في حياته ، سيستنتج بأن هذا الإنسان يحكم نفسه بنفسه ، وهو غير محتاج -في الغالب -لمن يذكره بقانون العقوبات على أثاره السلوكية . لأن بداخله سلط نفسية وعقلية تطالب هذا الإنسان بفعل الشيء أو عدم فعله. فسلطة " الهو" عند فرويد هي مجموعة الشحنات الغريزية والعمليات العقلية المكبوتة ، وسلطة "الأنا" الوسيط لتحقيق الرغبات بعد استشارة وموافقة سلطة" الأنا العليا" التي هي مجموعة القيم الأخلاقية والمجتمعية والمبادئ وهو ما يعبر عنه بالضمير تعمل في تناسق وتوافق في حالة الشخصية السوية. فمثلا هناك شاب يحس برغبة " الجماع " عن سلطة " الهو" فيتسلم الرسالة " الأنا" الشعور، لكن "الأنا" لا يعطي الجسد الأمر بالتحرك نحو امرأة لممارسة الجنس مباشرة، بل عليه استشارة " الأنا العليا" القيم والأخلاق والمبادئ التي على أساسها لن يوافق الأنا العليا على ممارسة الجنس خارج الشرعية. لماذا ؟ لأن هذا الإنسان ينبني توازنه النفسي والعقلي على مجموعة من المبادئ والقوانين الربانية "الخوف من عقاب الآخرة" والأخلاق الاجتماعية " الشوهة والخوف من الانغماس في الرذيلة والخوف من الإصابة بالأمراض (كالسيدا)... ، فيتراجع ويصبر إلى أن يستطيع الزواج. أما التحويم كالفراشة على البنات باسم الحرية الجنسية ، فهي محاولة للقضاء على الحصانة النفسية بقتل الأنا العليا " صمام الأمان " بالرذيلة وتعدي حدود الله .بعدها يخلو الجو " للهو والأنا " كي يتلاعبا بالفرد بالنزوات والغرائز المكبوتة نحو الضياع. لماذا الحرية بالضبط وليس شيئا آخر؟ كان من باب أولى أن يطالب الحقوقيون بتفعيل القوانين التي تدفع قدما نحو عصر التنوير الحقيقي والذي يعرّفه "إيمانويل كانت " بقوله: " إنه خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد." وإمانويل كانت هو صاحب الصرخة التنويرية : "اعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر. فالله زودكم بعقول وينبغي أن تستخدموها". ولو استخدم بعض الحقوقيين –المغاربة-عقولهم بالإضافة للإيمان لأدركوا أن مشكلة المغاربة لا توجد في الجنس وإنما في الاقتصاد ، أي في المال والأعمال . فحتى النساء اللواتي يتعاطين للبغاء إنما من أجل المال فقط . واحدة من ألف قد تتعاطى للجنس من أجل الجنس. إذن الحرية الجنسية لن تؤدي للتغيير أي إعطاء الحقوق لأصحابها على مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمع . وعوض إلهاء الشباب بالغريزة الجنسية أليس من الحكمة إشغالهم بإعمال عقولهم للبحث عن خلاصهم من الفقر والبطالة والحكرة ؟ لأن الحرية الجنسية كما يريدها بعض حقوقيو المغرب لم تتحقق حتى في الدول الغربية نفسها .فهل نسي أولئك الحقوقيون فضيحة "برلسكوني وروبي المغربية"؟ ، تلك العلاقة المشبوهة التي كانت من أسباب سقوط برلسكوني أخلاقيا وسياسيا. وهل تناسى الحقوقيون فضيحة (شائعة) "كلينتون مع مونيكا لوينسكي" ؟ وهل تعمد بعض حقوقيي الحرية الجنسية بالمغرب نسيان فضيحة " ستروس كان" مع خادمة فندق سوفوتيل في حي مانهاتن ؟ والتي صدمت الناس والمجتمع المالي العالمي حين كان ستروس مكبل اليدين وقيد إلى سجن جزيرة رايكرز ، وضيع الجنس عليه ترشحه لرئاسة فرنسا عن اليسار الذي يحكم اليوم. إنها فقط مؤشرات على ديمومة العفة بين البشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وكما سبق الذكر ، فحتى في الغرب لا توجد حرية جنسية بالمعنى الذي يريد لبعض الترويج له في المغرب. فحتى في إسرائيل، الرئيس الإسرائيلي "كاتساف" سقط من منصبه بسبب فضيحة جنسية بعد إدانته بالاغتصاب. وهي أدلة لا تدع للشك مجالا يوهم المواطن المغربي بأنه ضائع ومحكور وتطبق عليه قوانين جائرة . ويمكن القول بأن أقوى قانون طبق على الرجل وكان جائرا مضادا لمشيئة الله كان "منع تعدد الزوجات" الذي كان يعطي للرجل حق ممارسة حريته الجنسية طبقا للأخلاق والقيم الدينية والاجتماعية ، حيث كانت تتحق بذلك الزواج أغراض العفة والتعاون ودرء الفساد والانصهار.فأيهما يستوجب المطالبة به، تعدد الزوجات أم الحرية الجنسية خارج الزواج ، ليكون المرء حرا ويتمتع بحرية جنسية مقبولة اجتماعيا وكونيا؟. يقول بروحي (A.K.Brohi) الكاتب والمستشار القانوني الباكستاني (1915-1987م): "أود أن أوجز الفكرة الرئيسة في حججي بالاستشهاد بالقرآن الكريم: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} (سورة الأحزاب:72)، وأكاد أجزم أن نعمة الحرية هذه، هي الأمانة التي قبلها الإنسان ورفضتها السموات والأرض والجبال، هي أمانة لأنها نعمة تحمل معها، كالتزام، مسؤولية المحاسبة على النهج الذي يجب أن تستخدم به الحرية". ويرى الشيخ أبو زهرة محمد بن أحمد بن مصطفى (1898-1974م): "أن الحر حقا هو الشخص الذي تتجلى فيه المعاني الإنسانية العالية، الذي يعلو بنفسه عن سفاسف الأمور، ويتجه إلى معاليها ويضبط نفسه، فلا تنطلق أهواؤه ولا يكون عبدا لشهوة معينة، بل يكون سيد نفسه، فالحر من يبتدئ بالسيادة على نفسه، ومتى ساد نفسه وانضبطت أهواؤه وأحاسيسه يكون حرا بلا ريب". وهو بالضبط ما يدعو إليه رواد عصر التنوير الذين يريدون من الإنسان أن يستعمل عقله عوض عاطفته وغريزته الجنسية في مواجهة التحديات . وما الجنس الذي يدعو إلى تحريره بعض الحقوقيين إلا دعوة لتعميق النوم والانصراف عن الجادة تجنبا لمقارعة الواقع والوقوف في وجه الفاسدين أخلاقيا والمفسدين اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا . هناك ملفات وازنة تطرح على الساحة وحري بالحقوقيين أن يتابعونها وأن يساهموا في توعية مواطنيهم ويمنحوهم الاستشارات المجانية كي يستطيعوا اقتلاع حقوقهم من أيدي مغتصبيها ،ويدللوا لهم المصاعب والمساطر كي يستطيعوا فهم الواقع والوقوف على الثغرات لتحيين حججهم من أجل مجتمع يحترم بعضه بعضا ، وكي لا يتحول- هذا المجتمع- إلى ذئاب (الإنسان ذئب لأخيه الإنسان : توماس هوبز) تنهش الذكور فيه الإناث جنسيا في وقت يتحمل فيه الآباء التكاليف والنفقات من أجل تربية الفتاة التي يريد الراشد الانفراد بها كالشاة ليفرغ مكبوتاته ثم ينصرف مستعملا آليات التحايل وصنارة الوعد بالزواج إلى أن يقضي حاجته ، فيأتي آخر وآخر بعده ...فأين هي حقوق الوالدين عند الأبناء والمجتمع ومنها صيانة الشرف؟ ويتمنى كل غيور على دينه ووطنه أن تكون مثل هاته المطالب التي ترشح مرة بعد مرة نوعا من أنواع السفسطة العابرة وليست "خطة" غربية محكمة المعالم للقضاء على كل ما هو جميل بالمجتمع المغربي من إيمان وعفة وتضامن ووفاء تحت البند المشهور " تجفيف منابع الإرهاب ". فالذين يرون بأن تعدد الزوجات يؤثر في النمو الديموغرافي سلبا ويكرس الفقر، فينصحون بتأخير سن الزواج، أو بعطالة الشباب حتى لا يساهموا في إنجاب عاطلين جدد، يتناسون بأن هناك أولادا غير شرعيين يولدون بلا مأوى ، وأن هناك مهاجرين يتسللون عبر الحدود صحبة أطفالهم يغيرون عدد السكان يوميا ويساهمون في غلاء المعيشة. وأن الذين يرون بأن محافظة الناس على دينهم وعلى الروابط بينهم قد تخفي أعشاش الإرهاب مخطئون كذلك، فقاعدة ( "النقل" يولّد التطرف الديني خاطئة )،والتعميم في هذا الباب هو الأخطر لأن الخبث لا يعمم والطيبوبة أيضا لا تعمم ، ومادام بؤر الحروب محسوبة فإن نسبة الطيبوبة هي الغالبة . و ليس بالرذيلة سيُقْضى على الإرهاب وإنما بالتربية واحترام الإنسان لإنسانيته وجذوره وبالتوزيع العادل للثروات محليا ودوليا والابتعاد عن تغيير خلق الله باستنهاض الغافلين وصناعة انحرافهم السلبي.