تدخّل الإسرائيلي سِيمُون سكِيرَا، ضمن ندوة عن "أسئلة المتوسّط" انعقدت ضمن فعاليات المهرجان الدولي الثالث للسينما والذاكرة المشتركَة المقام بالناظور، معلنا أنّ انفتاح دول أوروبيّة على إعطاء يهود جنسياتها، في سياق مصالحة شرع ضمنها قبل 3 أشهر بنشر لوائح اسمية للمعنيّين بالأمر، لا يعني سوَى "مراكمة المزيد من جوازات السفر". وأردف سكِيرَا بلسان يصون الدارجة المغربيّة، وهو الذي يستضيف من قبل المنظّمين باعتباره "صوت حكمة يدعو للسلام"، أنّه ما زال يحافظ على "كلامه المغربيّ" بالرغم من مرور ما ينيف عن 47 منذ هجرته للوطن.. كما واصل ضمن لحظة نُوستَالجيَا لاقت الإعجاب: "لقد أخبرني والدي أنِّي إن نسيت العربيّة فإنّ المغرب سينسانِي.. وأنا لن أنسَى المغرب كما أنّه لن ينسَانِي". حضور الإسرائِيلي سكِيرَا إلى الناظور لم يكن مفاجأة المهرجان الدولي الذي يقيمه مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطيّة والسلم حتَّى ال10 من ماي الجاري، بل جاءت المباغتَة من إِيغَال بن نُون، وهو المستضاف باعتباره مؤرّخا حاملا لشهادَتي دكتورة في التاريخ، من جامعة باريس الثامنة وكذا المدرسة التطبيقيّة للدراسات العليا، وسبق له أن درَّس تاريخ المغرب المستقل في جامعة باريس الثامنة قبل أن ينتقل للتأطير بكل من جامعتي تل أبيب وبار إيلان. إِيغَال، وبشكل أثار المفاجأة لدى جميع الحاضرين إلى المركب الثقافي لاَكُورنِيش، قال إنّه سيتخلّّى عن قبّعة المؤرّخ والأكادِيمي التي استدعِي بها من أجل المشاركَة في الندوة الباحثة عن إجابات ل "أسئِلة المتوسِّط" وأنّه قرّر الكلام كمواطن إسرائِيليّ هو أيضا "مواطن منتم للمنطقة المتوسِّطيّة كما العالم". وأردف بن نُون أنّ العلاقات المغربية الإسرائيلية سريّة، رادّا الشروع في بنائها بين الطرفين، على المستويين السياسي والدبلوماسي، بحلول شهر فبراير من العام 1963 بعدما تموقعت السلطات المغربية، بشكل جيد، وسط النزاع ما بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، "بفضل هذا المجهود تم توقيع اتفاقيات سلام مع كل من مصر والأردن" يزيد إِيغَال. "هناك قصّة حب تجمع بين المغرب وإسرائيل، وهو أمر لا تعرفه الغالبيّة" تورد المداخلَة المثيرة للجدَل التي زاد بها بن نُون: "في غشت 1961 كان هناك اتفاق بين الملك الحسن الثاني والسلطات الإسرائيليّة لأجل تسهيل حركية اليهود المغاربة الراغبين في الهجرة الجماعيّة نحو الشرق الأوسط، وذلك مقابل مبالغ مالية، عن كل فرد، تأرجحت ما بين 50 و250 دولارا". وضمن سيل المفاجئات التي ارتأَى ذات الإسرائِيلي تفجِيرهَا بالنّاظور، وهي التي نالت من منظّمي المهرجان السينمائي الفاتح للنقاش قبل الجميع، استرسل إيغَال: "قُبيل استقلال المغرب عملت القيادات السياسية المغربيّة، من مختلف المشارب، من اليسار وكذا اليمين، على هذا التقارب بفعل وجود قابلية لديهم تجاه إسرائيل.. ويمكن هنا أن أذكر أسماء كل من عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة، وكذا أوفقير والدليمي، إلى جوار آخرين.. هؤلاء كانت علاقتهم بإسرائيل عادية، بل تمتدّ إلى درجة المحبّة". "أمام تعالي دعوات مقاطعة إسرائيل ومعاداة التطبيع معها لا يمكنني إلاّ أن أشكر منظمي هذا المهرجان على استجماع القوة والذكاء في استضافة إسرائيليّين في خطوة لها رمزيتها السياسيّة.. كما أشكر أيضا ساكنة الريف التي تستقبلنا بدفء حفاوتها".. عبارة أصرّ علَى إسمَاعِهَا بن نُون وهو يرسم على محيَّاه ابتسَامة رِضَا.. وهو نفس المتدخّل الذي اعتبر أنّ "إيجاد الحل للنزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيّين يبقَى أمرا سهل الصياغة وصعب التحقق"، حيث أفصح عن رؤيته بوضوح وهو يزيد: "حل الدولتين موجود، لكنّ العيش غير ممكن في وسط مشتّت جيو اقتصاديا وسياسيا.. طال الأمر أو قصر، سنضطر لولوج ملعب به دولة واحدة بنشيد وطني واحد، تماما كما هو الأمر في الدول المتقدّمة". صلاح الوديع، وهو الحاضر بنفس الندوة والجالس وسط المتابعين لتفاصيلها، تدخّل بعد ذكر إِيغَال بنُّون لأسماء عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة، وكذا أوفقير والدليمي، مع قرنها ب "الحب تجاه إسرائيل".. وقال الوديع إنّ "موضوع العلاقة بين إسرائيل والمغرب مستويات عدّة.. فالمغاربة الذين هاجروا نحو إسرائيل، ولهم علاقات اجتماعية مع بلدهم، لهم الحق في التصرّف ضمن هذا النطاق، لكن هذا لا يعني السكوت عن الظلم التاريخي الواقع على الإسرائيليّين من طرف القوات العسكرية الإسرائيليّة، ومن ذلك وقف الحوار فقط لأن الفلسطينيّين اتفقوا في ما بينهم.. وهذا عيب على فكر يعتبر نفسه إنسانيا". واسترسل الناشط السياسيّ والثقافيّ: "الأسماء التاريخية المغربية التي أثيرت ضمن هذا النقاش لا يمكن أن نقول إنّها كانت تتوفر على إعجاب بإسرائيل.. أبدا.. هذا مستحيل.."، وواصل: "لا يمكن التطبيع مع الصهيونيَّة، هذا رفض حوله إجماع.. ودولة إسرائيل موسومة بالصهيونية أكثر من أشياء أخرى.. هي ليست منتجا لنا". كلاَم بن نُون، وهو واحد من 3 إسرائِيليّين ارتأى المهرجان الدولي الثالث للسينما والذاكرة المشتركَة استضافتهم، جلب عليه غضب المنظّمين الذين خيروه، مباشرة بعد انتهاء مداخلته، ما بين التقيّد بالفندق بعيدا عن فضاءات الاحتفالية السينمائية المقامة بالنّاظور، أو الحصول على تذكرة سفر تسرّع من مغادرته للتراب المغربيّ.. وذلك في مفاجأة نالت من الإسرائِيليّ إيغَال بن نُون وأبانت عن عدم تقبّله للمباغتَة رغما عن عشقِه للبصم عليها. جدير بالذكر أيضا أنّ مجموع المهرجانيّين، الملتئم شملهم ضمن "السينما والذاكرة" بالناظور، شرعُوا في مناقشة نصّ بيان عمّم بعدها على الرأي العام الوطني والدولي، من أجل إدانة تصرّف بن نُون وتخطِّيه للغرض الذي استقدم لأجله بناء على وضعيته الأكاديميَّة.. وقد علمت هسبريس أنّ أوّل الباصمين على هذه الخطوة هم من ألقوا مداخلاتهم بنفس الندوة قبل أن يجدوا أنفسهم جنبا إلى جنب مع "إسرائِيليّ يبحر ضدّ التيّار".. حيث تمّ إعلان "التبرأ من هذه التصريحات التي لا تمثل بأي شكل القيم التي يتم الإيمان بها". من جهة أخرى سجل المنظّمون، ممثلين في مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، وعلى نفس الوثيقة البيان، أنّ "مواقفهم متناغمة مع مواقف التونسيين والجزائريين المشاركين بالموعد الرافضين للتطبيع والتطاول على رموز النضال الديمقراطي"، مسترسلا: "يذكر المركز بالقيم التي أنشئ من أجلها، وهي قيم كونية تهدف إلى التقارب بين الشعوب ونشر العدل والمساواة، ويعلن رفضه القاطع لأي استغلال للصفة الأكاديمية ولجوّ الانفتاح السائد في مغرب بغاية تمرير الطروحات الصهيونية التي تمَسّ القضايا العادلة للشعوب"، هذا قبل أن يعلن "الإدانة القاطعة لهذه التصريحات وشجبه التام لهذا السلوك".