أجمع فاعلون في مجال الإعلام بالمغرب على أن اتهام رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، لمؤسسات إعلامية بأنها تحوّلت إلى أدوات في أيدي جهات معينة من أجل ضرب الحكومة وحزب العدالة والتنمية، تعد "هجوماً غير مقبول على السلطة الرابعة، وسلوكاً غير ديمقراطي لرئيس حكومة يتقمص دور الضحية باللجوء إلى أطروحة المؤامرة". وأعرب الفاعلون، في تصريحات لهسبريس، عن رفضهم التام وصف بنكيران جريدة هسبريس الإلكترونية، ومنابر إعلامية أخرى بأنها "باعت الطرح"، وذلك خلال لقاء تواصلي جمعه يوم الأحد مع مسؤولي حزبه الجهويين والإقليميين والمحليين، شنّ فيه الأمين العام ل"العدالة والتنمية" حملة غير مسبوقة على الصحافة المغربية، وكال لها اتهامات خطيرة. مفتاح: سلطة الإكراه نور الدين مفتاح، رئيس فيدرالية الناشرين المغاربة، أفاد أن الطريقة التي هاجم بها عبد الإله بنكيران الصحافة عموماً، وبعض المنابر خصوصاً، غير مقبولة بتاتاً لعدة أسباب، أهمها أن موقعه كرئيس حكومة لا يعطيه حق تنقيط وسائل الإعلام، وثانياً لأن اتهاماته لم تبن على أدلة ووقائع واضحة، وثالثاً لأن مجال هذه الاتهامات ليس منبر الخطابة أمام أعضاء من حزبه. الصحافي ذاته، الذي يتواجد على رأس إدارة نشر أسبوعية "الأيام"، أشار أنه في الدول الديمقراطية لا يتم تحميل الصحافة سلطة الإكراه، بل لها هامش واسع من الحرية في الانتقاد، وأحيانا حتى المبالغة فيه، أما الحكومة التي تمثل السلطة التنفيذية، فيجب أن يكون لها نوع من الصبر أمام هذه الانتقادات". واستطرد أن "الصحافة تتحدث باسم الجمهور، ولها كامل الحق قي اختيار خطها التحريري شرط احترام القوانين المعمول بها"، مضيفا أنه "إذا كان بنكيران يعتقد أن هناك من خالف القانون، فعليه اللجوء إلى القضاء وليس إلى التشهير". ولفت مفتاح إلى أن بنكيران سبق له في بداية عمله الحكومي أن أثار اسم جريدتين، وهو ما دفع فدرالية الناشرين المغاربة والنقابة الوطنية للصحافة المغربية لزيارته من أجل تنبيهه، وتبليغه احتجاج التنظيمين على سلوكه، ليعتذر بنكيران عن ذلك، ويؤكد لهما أنه لن يكرر ما قاله، قبل أن يعود للنوع نفسه من التصريحات يوم الأحد الماضي. وأردف: "نحن لا نقول إن الصحافة ملائكية، ولكنها مثل جميع القطاعات وفي كل دول العالم، تصيب وتخطئ، وليست الحكومة هي المؤهلة لمنحها النقاط، أو أن تميز فيها بين المقبول وغير المقبول، فهذا يعتبر تدخلاً في العملية الديمقراطية التي تشكل الصحافة جزءاً منها". بن الصديق: ظاهرة صوتية أما أحمد بن الصديق، عضو المكتب التنفيذي للجنة حماية حرية التعبير والصحافة "الحرية الآن"، فذهب إلى أن تصريحات بنكيران، كيفما كانت أهميتها وحجمها، لا يجب تضخيمها، بل يتعين التعامل معها بحجم ما يملكه من سلطة" وفق تعبيره. ووصف بن الصديق رئيس الحكومة بكونه "ظاهرة صوتية تستغلها السلطة الحقيقية في المغرب"، مستدركاً أن "الكثير من المنابر الإعلامية تنخرط، سواء بقصد أو دون قصد، في عملية التخدير التي يريدها بنكيران، بتتبع خطواته وخطوات لشكر والفزازي وغيرهم. وأضاف بن الصديق أن "بنكيران يبرع في تقمص دور الضحية، ويبحث في كل مكان عن جهات يتهمها بعرقلة عمله، وهو ما يعكس تهربه من المسؤولية واستنجاده بإستراتيجية "فكرة المؤامرة" على حد قوله. وتابع المتحدث بأن فكرة المؤامرة إستراتيجية الضعفاء والجبناء والدكتاتوريين، لأنهم لا يتحلمون النقد"، مستطرداً: "إذا اتهم بنكيران هسبريس بأنها باعت الماتش، فعليه أن يتأكد أنه باع البطولة بأكملها من زمان". العوني: بوق وحائط قصير ومن جهته، أكد محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير، أن الحكومة المغربية التي أتت بعد حراك 20 فبراير، وبعد الربيع الديمقراطي، تريد من الإعلام أن يصير بوقاً لها، وتخلط بشكل خطير بين وظائفه الأساسية من إخبار وتنوير وتربية وترفيه، وبين رغبتها أن يضطلع بوظائف الدعاية لها. واعتبر رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير، أنه في الوقت الذي انتظر فيه الصحافيون أن يقدم بنكيران اعتذاره عمّا قام به لحبيب الشوباني في حق الصحافية خديجة الرحالي، أتى هذا الهجوم الغريب على وسائل الإعلام إبّان احتفال العالم بحرية الصحافة. وأضاف العوني: "لو وجّه بنكيران انتقاداته لوسائل الإعلام بناءً على عدم تقديمها الخدمة العمومية، أو عدم انتباهها لانشغالات المواطنين، أو حتى تجاوزها للقانون وأخلاقيات المهنة، لصفقنا له، إلا أن توجهه لوسائل الإعلام أتى في سياق انتقادها لحزبه، وهو ما يؤكد الهجوم الذي تشنه الدولة والحكومة منذ مدة على الصحافة، التي تحوّلت إلى حائط قصير تقفزان عليه في أي وقت". ولفت رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير، إلى أن هجوم بنكيران على الصحافة يأتي في ظرفية تتلقى فيها هذه الأخيرة الضربات من داخلها، ويواجه فيه الإعلاميون المغاربة منافسة شرسة من وسائل الإعلام الأجنبية، ويتقلص فيه معدل قراءة الصحافة ونسب المشاهدة والاستماع للتلفزيون والراديو". وأكمل أن الجسم الصحافي بالمغرب يعاني في الوقت الحالي من تضييق وانتهاك لحقوقه، مستدلا بأمثلة من قبيل محاكمة فاطمة التواتي، جراء دعوى رفعها ضدها حميد شباط، والاعتداء الذي طال الصحافي محمد الشرقي من طرف أحد أطر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومتابعة علي أنوزلا في إطار قانون الإرهاب.