تنعقد القمة العربية الحالية بمدينة سرت الليبية وسط جو مشحون على الصعيدين العربي والدولي. فالقمة الحالية تأتي بعد تفاقم الوضع في الأراضي المحتلة خصوصا وأن المباحثات الأخيرة بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" لم تفض إلى إخراج محادثات السلام من النفق المسدود. فأمريكا، وعلى لسان المتحدث باسم البيت الأبيض "روبرت غيبس"، لا تفهم خطة إسرائيل التي تدل على رغبة جامحة في خلق مستوطنات جديدة في القدسالشرقية. كل هذا يدل على أن تجاوز الخلافات بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط أمر بعيد المنال في ظل التعنت الذي تبديه القيادة الإسرائيلية. إن المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات. فالرئيس بشار الأسد يعتبر أن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، وهو الاتجاه الذي تذهب إليه الفصائل اللبنانية، وهذا ما يجعل من هذه القمة مصيرية حول ماهية وجود مبادرة السلام العربية المعلنة منذ سنة 2002 ببيروت. في هذا الصدد، المغرب وبحكم رئاسة جلالة الملك محمد السادس للجنة القدس، ستكون قراراته مصيرية في ظل الاختلاف حول ترك المبادرة العربية للسلام أو العمل على إحيائها وجعلها أكثر فاعلية من خلال دعم إجراء المفاوضات غير المباشرة كما يميل إليه طرح الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون". السؤال المطروح والذي تمليه الظروف الحالية التي تعيشها عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط :هل يجب على العرب إلغاء المبادرة العربية للسلام أم يجب إيقاف المبادرة ؟ فالإلغاء لا يمكن أن يكون صحيا بالنسبة للموقف العربي في ظل الانقسامات التي تعرفها الساحة السياسية الفلسطينية بين مختلف الفصائل، وهذا ما يؤدي إلى التصعيد وتأجيج الشارع العربي. إن إيقاف مبادرة السلام أقرب إلى الصواب من خلال جعل المنتظم الدولي أمام مسؤولياته في تحريك العملية بالضغط على إسرائيل. المغرب وبحكم التحولات السياسية والتحولات الجيوسياسية في الخريطة الدولية مطالب بديناميكية قوية في اقتراحاته. مشروع القرار الذي ستتم مناقشته خلال القمة حول "خطة تحرك لإنقاذ القدس" وكذلك لجنة" الترويكا" العربية التي ستكون مهمتها بحث القضايا الخلافية بين الدول العربية جد مهم بالنسبة لمكانة المغرب داخل محيطه العربي. فالانقسام العربي، كما شدد عليه عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية ، يجب معالجته بأقصى سرعة لكي تكون التحديات سهلة التجاوز. فالصراع الليبي-اللبناني غير مجد لعملية السلام. في السياق نفسه، يبقى الخلاف القائم في منطقة المغرب العربي في حاجة إلى تسوية جدية ومسؤولة كما ذهب إلى ذلك المبعوث الأممي "كريستوفر روس" الذي طالب الجزائر بالتعاون من أجل الخروج من النفق المسدود. إن تطوير آليات العمل العربي المشترك، والذي يندرج ضمن المواضيع المهمة المطروحة على أعمال القمة، زيادة على المقترح العربي بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وتطورات الملف الإيراني.فهذه الآليات المطلوبة لا يمكن أن تعرف طريقها إلى التفعيل إلا من خلال جعل العلاقات العربية-العربية خالية من النفاق والمجاملات غير المجدية. الطريقة التي تدار بها هذه الخلافات هي مشكل وعمق الخلاف في حد ذاته، فما يقع من تصدع بين الدول ينعكس كثيرا على أمنها واقتصادياتها. المفاوضات لإيجاد تسوية عادلة وشاملة للنزاعات العربية -العربية هي الوسيلة لبناء خطوات الثقة التي ستجعل من العمل العربي المشترك أكثر قوة وأكثر مسؤولية، فالصراع العربي الإسرائيلي لا يمكن أن يعرف نهايته إلا من خلال نشر ثقافة الحوار الملتزم والمسؤول في مختلف القضايا العربية- العربية. (*) محلل سياسي