قليلة هي تلك البرامج التلفزيونية التي تعنى بما هو تربوي وثقافي, وتناقش مواضيع لها ارتباط بالواقع المغربي، وتحاول طرح قضايا عديدة ومتنوعة وإثارة العديد من الأفكار والاقتراحات التي من شأنها أن توجه المتلقي إلى ما هو أفيد وأنفع.. ويعتبر برنامج جذور وأغصان- الذي يعده ويقدمه الدكتور والخبير التربوي خالد الصمدي على قناة السادسة كل يوم أحد على الساعة التاسعة وربع ليلا- من أبرز البرامج التى تذاع على هاته الأخيرة بالإضافة إلى العديد من الحلقات التي باتت تبث عبر قناة المغربية، وقد أضحي البرنامج يسجل أعلى نسب المشاهدة إذا ما قورن بالبرامج التي تبث في نفس القناة حسب مقدم البرنامج... واعتبارا للاهتمام المتزايد بالبرنامج، وإسهاما منا في إثارة النقاش حوله من إجل تطويره والمضي به قدما، ولكوني عاينت العديد من الحلقات التي يسجلها البرنامج ارتأيت أن أبدي ببعض من الملاحظات والاقتراحات علها تسهم في الارتقاء بالبرنامج وتطويره من قبل القائمين عليه. وحتى تكون الملاحظات ممنهجة وبشكل تراتبي سليم، ابتدأت ملاحظاتي أولا على مستوى مقدم البرنامج، ثم ثانيا على مستوى ضيوفه، والجانب الثالث من الملاحظات خصصته للجمهور الذي يتابع البرنامج، لأختم بمحور رابع كانت الملاحظات فيه على مستوى البرنامج من حيث الشكل وهي كالتالي: أولا: على مستوى مقدم البرنامج: 1) سبقت الإشارة مطلع الكلام أن معد ومقدم البرنامج هو الدكتور خالد الصمدي، وهو رجل نشط في المجال التربوي وله دكتوراه في علم الحديث , مزجه بين التكوين التربوي والشرعي جعله يقدم البرنامج بطريقة مشوقة ومثيرة، منطلقا في أحايين كثيرة من إشكالية الموضوع محاولا مع ضيوف الحلقة إبراز العديد من الأجوبة ليقوم في الأخير بتقديم العديد من الحلول والمقترحات للمشاهدين. غير أن مقدم البرنامج غالبا ما ينتقل من مقدم للبرنامج إلى ضيف فيه, فيستأثر بالكلام لوقت طويل أثناء طرحه لإشكالية أو سؤال ما أو عند انتقاله من محور في الموضوع إلى محور آخر الشيء الذي يجعل من الضيف حاضرا وغائبا في الآن نفسه، مع العلم أن وقت البرنامج لا يتعدى الخمسين دقيقة.. فيتحول المقدم والحالة هذه إلى ضيف بينما تغيب وظيفة ضيف البرنامج أو دعنا نقول تكون شبه غائبة تماما.. -2 ) البرنامج عبارة عن مائدة للنقاش يستضيف المقدم من خلاله ضيفين يناقشان موضوع الحلقة, والملاحظة في هاته الحالة أن التوزيع الزمني بين الضيوف يكون غير متكافئ تماما، فكثيرا ما يستأثر أحد الضيوف بالحديث لفترة طويلة وعند انتقال الحديث إلى الضيف الثاني تتم مقاطعته من طرف مقدم البرنامج فتنتهي الحلقة ولا تكاد تسمع أحد الضيفين إلا نادرا, وسبب هذه الهفوة في تقديري أمران اثنان: أحدهما يعود إلى مقدم البرنامج نفسه وقد سبقت الإشارة إلي ذلك آنفا، والثاني له ارتباط بطبيعة الضيف المشارك وسنأتي إليها في المحور الآتي. 3 ) الملاحظة الثالثة على مستوى مقدم البرنامج تتمثل في الأجوبة عن الأسئلة التي يتم طرحها, فباعتباره مقدما للبرنامج وظيفته بالأساس التمهيد للموضوع وإثارة الإشكالية وتوجيه الأسئلة، غير أنه غالبا ما يتجاوز هاته الخصوصية فينتقل عند طرحه لسؤال معين إلى الإجابة عنه موظفا في ذلك تكوينه الشرعي والتربوي، وغالبا ما يتم توجيه الضيف إلى الجواب الذي لمح إليه المقدم وهي عملية تتكرر في أغلب الحلقات. -4) المحاور والأسئلة التي يطرحها المقدم يتم إعداداها مسبقا وهي ظاهرة صحية من الناحية التربوية، غير أن التفكير في الأسئلة والإعداد للمحاور الآتية ومحاولة الربط بين السابق واللاحق، تجعل المقدم ينشغل في عملية ذهنية لا تتيح له التفاعل مع ما يطرحه الضيوف بالشكل الكافي والمطلوب, لاسيما وأن العديد من القضايا المثارة من قبل الضيف تحتاج إلى مزيد من التوضيح والإضافات. هذه هي جملة الملاحظات المتعلقة بمقدم البرنامج. ثانيا: على مستوى الضيوف: طبيعة البرنامج أنه يعالج القضايا التربوية والثقافية من وجهة نظر إسلامية، هذه الصبغة الإسلامية جعلت طبيعة الضيوف الذين يتم استدعاؤهم متخصصين في الدراسات الإسلامية، وغالبا ما يكونون أساتذة ثانويين أو جامعيين أو أعضاء في المجالس العلمية، وكثيرا ما يكون هناك انفصام بين طبيعة الموضوع والضيف المدعو لمناقشته, ومعلوم أن نجاح الحلقة مرتبط أساسا بالضيف المناسب واحترام التخصصات في هذا المجال لا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار، فكون الموضوع مثلا مرتبطا بالصحة أو الفن أو الإعلام أو التربية البدنية يستدعي ذلك حضور طبيب أو فنان أو إعلامي أو رياضي.. والمشاهد عندما يلحظ أن تمت انسجاما بين الموضوع والضيف المشارك تكون دافعيته للمتابعة بنسبة أكبر ولوقت أطول.. هذه الملاحظة تتفرع عنها ملاحظة أخرى تتعلق بضيف البرنامج- وبما أن مقدم البرنامج هو المعد له فإن الملاحظة تعنيه أيضا- وهي ملاحظة لها ارتباط بالجانب العلمي والمنهجي للضيف من حيث تكوينه وطريقة تفاعله مع الأسئلة, وعديدة هي تلك الحلقات التي يكون فيها الضيف بعيدا في نقاشه عن موضوع الحلقة، أو أنه لا يقدم ما يتطلع إليه المشاهد المغربي من بناء للقيم وتنمية للمعارف وتصحيح للمفاهيم.. بكلمة موجزة لا بد أن يكون للضيف تكوينا مقدرا بالإضافة إلى براعته في الإلقاء والتفاعل والإقناع.. هذه هي جملة الملاحظات المتعلقة بضيوف البرنامج. ثالثا: على مستوى الحضور: 1) يتم استدعاء عدد من الضيوف ينحصر عددهم بين العشرين والثلاثين وغالبا ما توجه الدعوة لفئة من الشباب تنحصر أعمارهم بين العشرين والثلاثين، وهم أحد العناصر الأساسية التي ينبني عليها نجاح البرنامج، ويحرص المقدم في كل حلقاته على إشراكهم والتفاعل معهم عن طريق الاستفسارات أو الإضافات.. بيد أن الملاحظ والحالة هذه أنه نادرا ما يكون هناك تفاعل مع الحضور من قبل الضيوف، مع العلم أن العديد من التساؤلات التي يطرحها الحضور هي نفس الأسئلة التي تروج في أذهان المشاهدين أثناء متابعتهم للبرنامج أو على الأقل ينتظر إجابات عنها وهو ما لايتم في كثير من الأحيان.. -2) طبيعة الحضور الذي يشارك في البرنامج أثناء عملية التسجيل جميل أن يكون له ارتباط بموضوع الحلقة فالنقاش حول موضوع الأطفال يستدعي حضور نماذج منهم، والنقاش حول المراهقة يستدعي حضور شباب مراهقين، والنقاش حول تربية الأبناء يستدعي حضور آباء وأمهات، وهي عملية تتيح لنا في الآن نفسه تنوعا في الضيوف في مختلف الحلقات. رابعا:على مستوى البرنامج ككل: 1) مراحل البرنامج بشكل عام تتم بتقديم للموضوع وإثارة لإشكاليته وطرح العديد من الأسئلة ثم نقل الكلمة إلى الضيوف ثم إلى الحضور من أجل التفاعل مع الموضوع ثم يختم المقدم البرنامج ببعض الاقتراحات والنصائح ليقوم في آخر البرنامج بعرض نماذج من االكتب أو الوسائل الرقمية التي لها ارتباط بالموضوع.. وهي نفس المنهجية التي تمر بها مختلف حلقات البرنامج, وإلى حد الساعة لا يوجد هناك أي إبداع ولا تجديد في طريقة السير العام للبرنامج، وفي تقديري أن إرفاق البرنامج ببعض التقارير أو الإحصائيات أو الروبورتاجات ذات الصلة بالموضوع، من شأنه أن يعطي للبرنامج قيمة احترافية وواقعية خاصة ما لهذه التقارير والإحصاءات والروبورتاجات من تأثير على المتتبعين. 2) أثناء تسجيل البرنامج يتم تسجيل حلقتين متتاليتين مع فاصل يدوم إلى حوالي نصف ساعة وهي عملية متعبة للغاية إن علي مستوى مقدم البرنامج أو ضيوفه أو على مستوى حضوره.. وهو ماينعكس سلبا على مردودية الحلقة التي تسجل بعد فترة الاستراحة، فيلاحظ بعض التعب البدني على المشاركين في البرنامج، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع ملحوظ على المستوى الذهني خاصة إذا علمنا أن عملية التسجيل تدوم إلى أربع أو خمس ساعات !!! عموما هذه جل الملاحظات التي بدت لي وأنا أتأمل مراحل البرنامج، وأعتقد أن تجاوزها سيسهم بشكل أو بآخر في تطوير البرنامج وتقديم خدمة متكاملة للمشاهد المغربي الذي يستحق كل التقدير والاهتمام.. والاعتناء بمثل هذه البرامج التربوية والثقافية التي تناقش مواضيع ذات ارتباط بالمواطن وتسعى إلى توجيهه توجيها سليما، تستدعي منا دعمها والإشادة بها بكل الوسائل الممكنة خاصة في ظل ندرتها وضعف الإمكانات المادية التي تخصص لها، وأعتقد أن دعم المشاهد المغربي لمثل هاته البرامج من حيث المتابعة والاهتمام يعطي لها قو ة ورغبة في الاستمرار، وبرنامج جذور وأغصان من البرامج المغربية التي بدأت تجد لها مكانا معتبرا في قلوب المشاهد المغربي بمختلف فئاته العمرية وهو ما دفع بقناة المغربية إلى بث العديد من حلقاته وتفكير الأولى في احتضانه. وبالله التوفيق