دخل طارق –سمي جده الأول بن زياد- البيت في وقت متأخر، لم يخبر والديه بقدومه، كانوا يظنون أن لا طائرات تقلع من باريس وهي مغطاة بالثلوج، وأنه سينتظر العطلة الربيعية للقدوم... حنينه للوطن أذاب الثلوج، الجاثية منها على مدرج الطائرات، وحتى التي تقي حفدة موليير الحرارة الاجتماعية "الزائدة" لأبناء عمومة بن لادن. ضاق ذرعا بهم، بنقاشاتهم الانتخابية السطحية حول "الهوية الوطنية الفرنسية"، بتكديسهم لبني جلدته في طائرات تجارية تكر بهم لبلدانهم، بعد أن فرت بهم قوارب الموت من أرضهم الخصبة بالنسل والعقيمة بفرص الشغل. ضاق ذرعا كذلك بهؤلاء المهاجرين، بتصرفاتهم التي لا تمت للمدنية بصلة، ببصقهم في الشوارع، صعودهم الميترو دون تذاكر، تكسيرهم زجاجه حينما يقصى المغرب أو تفوز الجزائر على مصر، حديثهم البذيء، تنقلهم في جماعات على شاكلة الصعاليك، حرقهم للسيارات، عدم احترامهم قانون السير، انقطاعهم عن الدراسة لممارسة مهن هامشية، تلويثهم للساحات والجادات والأنفاق: من "قوس النصر" إلى "برج إيفل" ، أمام "الأوبرا" وفي "سان لازار"، حيث تجدهم يتسولون بالجلابيب أو مرتديات الخمار...لا "يصورون" فقط شدق خبز، بل يصورون معه العالم العربي والإسلامي في أبشع مشهد، ويسوقونه مجانا للعنصريين واليمينيين المتطرفين ودعاة الإقصاء... هكذا إذن، يذهب كل "بخ" الذي "دفعه" طارق على زملائه الفرنسيين في الفصل الدراسي سدا، لا يغني تفوقه ولا نبوغه شيئا إن كان عرقه -حسب هؤلاء- مجرى للتخلف والبدوية الإرادية. بديهي أنه لم يغادر البيت وهو كاره لبلده، فقد أحبها مذ وجد حبا جما، أعطته أم منعته، فحب الوطن في نظره غير مشروط... جملة وإن أطنب في تكرارها المعلمون، لم يمل هو منها، لأنه لم يسمعها من معلميه، بل وعيها يقينا وعقد عليها قلبه، مذ رأى الأحرار منها ينبتون وإن في السجون دس بهم دهرا من الزمن، مذ رأى الأنوار منها مشرقة وإن علا محيا أهليها شيء من الكآبة... أجل الكآبة، ذلك السر الذي ما فتئ يبحث عن سبب وجيه له، لفهمه كسلوك جماعي، ك"منهجية تحليلية"، كعَرَضٍ نفسي يختلج الغالبية العظمى من المغاربة. يتعلق الأمر هنا بما يحبذ الصحفيون ورجال السياسة تسميته: السوداوية، وهو ما أسميه: الكآبة، la mélancolie، والتي تدارسها العديد من علماء النفس على الصعيد الفردي، وخمن الفلاسفة وعلى رأسهم Blaise Pascal فتطرقوا إلى المستوى الفردي كذلك، لكن أن تجد شعبا مكتئبا في جملته، "سوداويا" إن أردتم، فهذا أمر حقيق بأن يناقش، وأن يدعم بدراسات سوسيولوجية وأبحاث فلسفية وطنية تنطلق من الحالة المغربية. وفي تربص لتلكم الأبحاث، اكتفى طارق بكلمات الأستاذ الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي Frédéric Gabriel، لا زال صداها يتردد في ذهنه، لم يسبق قط أن استرق النظر للمجتمع المغربي من خلال هذه الكلمات، كلمات ليست كالكلمات... "الكآبة هي قناع الخوف" يملك طارق نسخا من مفاتيح البيت، فللبيت بابان، لكل واحد منهما "ساقطة" و"زكروم"، في قارعة الحي دائرة للشرطة، وعلى نفس القارعة، يتجول حارس ليلي يتقاضى أجره بمساهمة السكان. لا يخلد الأب للنوم باكرا، فقد ألف الانكباب على مذكراته، يخط بها عمره. عاصر مغرب الاحتقان السياسي، زج "رفيقان" له في السجن بتهمة التآمر على النظام في مظاهرة نظماها في "دهر المهراز" في ثمانينيات القرن الماضي، على عكسه هو، ف"التقية الشيعية" في السياسة عنده مبدأ للسلامة، لا تغادر قناعاته طرف لسانه. بعد أن تخرج من الجامعة، رُمِيَ به في "قرطة خنة"، دوار يبعد عن فاس 500 كلم شرقا، يسمونه دوار "واش جا؟"، ذلك أن سكانه يقضون يومهم يسألون: "واش جا الدو؟ واش جا الما؟ واش جا الكار؟ واش جا الرايس ديال الجماعة؟ واش جا الفقيه يصلي بينا؟ واش جا العامل يدشن الطريق اللي قالوا لينا؟". قضى به 6 سنوات، لا يسأل عن شيء من هذا، اللهم إلا ورده الصوفي الذي يسمعه للمدير صباح مساء:" واش جا الانتقال؟". 6 سنوات، شاب فيها رأسه، وهزل بدنه، وتسارع فيها نبض قلبه، وتناما فيها لديه إحساس مزمن بالخوف من كل شيء، ومن اللاشي،. خوف تمنعه كرامته وفحولته الذكورية والمعرفية من أن يبديه للناس، فكان أن أصبح رجلا منغلقا، لا يحدث أحدا، لازم البيت، حيث ينزوي إلى أريكته المقابلة للتلفاز، يمضي يومه في مشاهدة أطفال الفلوجة يذبحون مباشرة على الجزيرة، وأطفال لبنان يحملون كلاشينكوفا أطول منهم على المنار، وأطفال أنفكو يدفنون في الثلوج على صفحات المساء... يلعن الصهاينة والأمريكان، ويردد على مسامع زوجته مقولته الشهيرة: "المغرييييب... قرااااو عليه الطلبة !! " "الكآبة هي نفسها سبب وجود الكآبة" "الحاجة"، والدة طارق، تدخل البيت ظهرا بعد جولتها الصباحية، تطمئن على "الكوكوط"، فزوجها يحب أن يمزمز عظام "العنزي" وهو يشاهد "لونة الشبل" بابتسامتها الغير مكترثة، تحكي في "منتصف اليوم" عن مقتل 50 طفلا في قصف أمريكي على "وزيرستان" التي تبعد عن فاس 12 ألف كلم ، منطقة تشبه كثيرا "قرطة خنة"، التي لم يعد يعلم عنها شيئا مذ غادرها. يسألها عن حصيلتها الصباحية، تجيبه عن عجل: "بعد موجز الأخبار". هي لا تشاهد الجزيرة، تقول إنها تقتات على رفات ضحايا الحروب، حروب تدور رحاها في فيافي بعيدة عن المغرب بعده عن المشرق، فما شأنها هي بدارفور واليمن وانخفاض شعبية نتنياهو، لن تجني إلا حرق أعصابها، فهي ليست مسؤولة عن أمن الكرة الأرضية، وليس بيدها ما تفعله لإنقاذ هؤلاء، وإن هي أذعنت لإرادة الجزيرة، ستغدو هاوية لأخبار القتل، متفرجة على الظلم، وفي كثير من الأحيان، ضحية تلاعب إعلام لا يكتفي بالخبر بل يضيف إليه "كيتشاب " المحللين، الذين يرددون جميعا حتى دون تغيير الصيغة، وكإجابة عن كل التساؤلات: "هذه مؤامرة أمريكية صهيونية تقودها الأنظمة العربية الفاسدة من أجل طمس الهوية العربية ودحض إرادة الجماهير الشعبية في سعيها للتحرر بْلَا بْلَا بْلَا... " التحليل نفسه، يسردونه جميعا، حتى غدا المرء إذا دخل الحمام العمومي وتأخر صاحبه عن "طلق السخون" يهم في الصراخ "هذه مؤامرة أمريكية صهيونية مع الأنظمة الفاسدة اللي ما بغاوناش نكسلو عظامنا، حيت إلى تكسلنا غدي نتورو... !!!" من جهتها، الحاجة لا تريد أن تثور، تريد فقط أن تقسم ميزانيتها بين طماطم 15 درهم و فواتير الكهرباء التي تتراوح بين 50 و 500 درهم لنفس الأسرة ذات الاستهلاك نفسه ! "جاد أبردان" يتحلى بالواقعية حينما يتحدث عن ضحايا فيضانات الغرب، على الأقل، هو لا يبتسم عند تلاوة أنباء القتل والقصف كما تفعل "لونة"، تقول الحاجة وهي تتحول إلى 2M. في أحد التقارير ، يتعرف الزوج إلى المسجد المتداع للسقوط، الزقاق الوحيد الذي يخترق الدوار، حجرته الدراسية... أجل، إنها "قرطة خنة"، رجال كثر ببدل وربطات عنق، يشرحون كيف غدي يجي الضو، غدي يجي الما، غدي يجي الكار... أما رئيس الجماعة فقد جاء... أخيرا !! بحسرة وألم، يطأطئ رأسه ثم يعاود رفعه متنهدا بعد أن انتهى الروبورتاج، يعيد السؤال: كيف كانت الحصيلة؟ تجيبه بفخر ومحيا ملئه التفاؤل: "اتفقنا مع والدي حليمة، سيمتنعون عن إلحاق الأذى بها، وسيسعون لدى أسرة المغتصب حتى يعترف بابنه، وقد وافقوا على أن تعمل في شركة جمع القمامة حتى تعيل طفلها"... يجيبها زوجها: "ولم تتحدثين وكأنه إنجاز خارق، أنت بفعلك الشنيع هذا مع مثيلاتك تساهمن في تفشي الفساد، لو احتشمت واستترت ولزمت البيت لما اغتصبت..." تعقب زوجته بابتسامة ساخرة:" غدا سنطلق العنان للمغتصبين حتى يتجولوا بحرية في الشوارع، وسنحبس النساء في البيت، ولن يخرجن إلا وقد ارتدين خياما تمشي على الأرض، وليضرب عنق كل جنين ولد من زنى أو اغتصاب... يا زوجي العزيز، مشكلتك أنك تصرف الأفعال في الماضي فلا تجني إلا الحسرة، فبدل أن تقدم الحل تنشغل باللوم ورفض وجود المشكل، وكأنك تريد مجتمعا فاضلا، يتشابه فيه الناس، يكونون فيه كلهم أتقياء، وهذا أمر مستحيل، أما والفساد والمشاكل موجودة وواقعة، فوجب مواجهتها، ومن الجبن الاكتفاء بتوزيع النصح ورمي الناس بالتهم...قد خرب الإعلام الموجه عقلك فصرت ترى في الناس ذئابا فلا تلتمس لأحد عذرا، وقد طلقتك الواقعية فانحبست في مثاليتك، وصرت تنظر للعالم بسوداوية فلا ترى إلا نصف الكأس الفارغ، فلا أراك إلا تائها في دائرة مفرغة، ترمي بك الكآبة للكآبة، وتغذيها جزيرتك ومساءك، فلا ترى في العالم خيرا يحمد، فترحب بالأحزان وإن لم تصبك، وتكره التفاؤل وإن اجتمع من الأسباب ما يدفعك إليه... فليأخذ الله لنا الحق في من كانوا السبب..." "الكآبة مرض يصيب الحس" أيقظ طارق والديه، فرحا به بل طارا فرحا، طمأنهما على أحواله، حكا لهما بسخرية عن العنصرية المبطنة التي يعاني منها، سأل والده عن الجديد، فهم يسرد عليه بحسرة: "إسرائيل قررت استكمال مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية، والبشير سوف يترشح للانتخابات، أما مبارك فقد اقتلع مرارته لمواجهة البرادعي، وكيم جون إيل ..." أجابه ابنه مقاطعا: "أبي ! ما الجديد في بلدنا، ما الجديد في ما يعنيني ويعنيك؟" يجيبه الأب وقد رفع حاجبه الأيمن كناية عن عدم الاكتراث: " لا زال الطلبة المعطلون يبرحون مكانهم أمام قارعة البرلمان، كيلوغرام الطماطم بلغ 15 درهما، مشردو الفيضانات لم يتم إيواءهم بعد... هذا هو الجديد برمته". يتحول إلى أمه فتجيب :" ابن خالتك الذي ولج التكوين المهني اشتغل محاسبا في إحدى الشركات، أما شقيقه فلا زال ينتظر تطبيق الحكومة وعودها في إدماجه في القطاع العام، جهتنا حققت نموا في مؤشر التنمية البشرية في العشر سنوات الأخيرة، السيد "لحليمي" تمكن من حساب مؤشرات جهوية بدل المؤشر الوطني للتنمية البشرية، وفي جمعيتي سنطلق مشروعا للتوعية بالحفاظ على البيئة تماشيا مع الميثاق الوطني..." يعقب الأب "هيييييه... خرافات". حينذاك، تذكر طارق ما قاله أستاذ الفلسفة الذي درسه في الثانوية: " حينما يضطهد شعب ما، حينما تقمع إرادته في النهوض دهرا من الزمن، يتطبع على القعود ومبارحة المكان، وينمو لديه إحساس بالخوف الغير مبرر أحيانا، خوف يقود إلى الانعزال والعزوف عن المشاركة في الحياة اليومية، فيعم إحساس بالكآبة، يولد تناميا للإحساس بالكآبة، وهكذا دواليك، حتى تغدو الكآبة عقيدة ونبراسا. فيشوه بذلك الحس الإنساني، أقصد بذلك الحواس الملتقطة للإشارات القادمة من المحيط، أكان اجتماعيا، مهنيا، عائليا أو حتى سياسيا، فلا تلتقط الإشارات بعفوية، وإنما يتم تأويلها عبر موشور الكآبة: Prisme de mélancolie ذي الأضلاع الثلاث: سوداوية، سطحية، تآمر. أو ما أسميه أنا: "نظارات سوداء، كشكوشة، وقاليك". فبشكل كاريكاتوري، يمكن أن نتصور المواطن المغربي المكتئب بطبعه، مرتديا نظارات سوداء سميكة، تظهر له العالم بلون واحد، لونه المفضل، لون الخوف الذي تحول لكآبة، اللون الذي يقي من التيه في ألوان الطيف الأخرى، والرؤية السوداوية يا بني ليست اختيارا، بل عَرَض نفسي غريزي، ينم عن الخوف المتجذر في المخيال النفسي الجماعي لشعب ما، لا تلم المغاربة إذن، بل لم ماضيهم وحاضرهم. المواطن نفسه يحب الكشكوشة، لا يهمه إن كان كأس الشاي ملقما بفليو أو الشيبة أو النعناع، ما يهمه هو سماكة الكشكوشة فحسب، إنه ذاك الذي يعمم خلاصات الماضي على الحاضر، دون أن يتفحص الحاضر، ذاك الذي يقفز إلى نظره السلبي من الشيء، ويتحاشى عنوة الإيجابي منه، وهذا ليس من سلامة الحس والمنطق في شيء. فحين يسمع الإنسان السوي خبرا من قبيل: " تدشين مسرح في الفنيدق" فإنه يستخلص: "بدأنا الاهتمام بالثقافة، بالمناطق النائية كذلك، هنالك تأخير، ولكن أن تبدأ متأخرا خير من أن لا تبدأ، وما يجب الآن هو تعميم المشروع على كل المناطق" أما السوداوي، فيقول "أويلي أويلي على مسرح، هادشي لي خاصنا؟ مسرح ! طفرناه، وديرو لنا فين نخدمو..." ومن هذا التعقيب نستخلص: رغبة في تحقير الإنجازات، انعدام الثقة في المسؤولين، سطحية في الطرح تنم عن المطلب الشخصي، فمن البديهي أن لا يطالب العاطل بشيء غير الشغل، لكن ليس كل المغاربة عاطلين، فأنى لهم إذن هذه السطحية؟ إنها وليدة "فض" أو "فسخ" العقد الاجتماعي الذي يربط المسؤول بالمواطن، والذي بموجبه ينخرط المواطنون بشكل فعلي في النقاش، في تحديد الأولويات، في تقييم أداء المسؤول، وهو الواجب الذي أحجم عنه المواطنون، فتعززت الفجوة حتى غدت الحكومة تفصل وتخيط وحدها، والشعب ينعق بما لا يعلم في واد آخر. فها هي ذي الحكومة تمطر مشاريعها علينا من ميثاق البيئة إلى البرنامج الاستعجالي إلى المغرب الأخضر... مخططات مصيرية لا يدري عنها المغاربة شيئا، يصفونها بالهراء، ويناقشونها بسطحية، سطحية تعكسها جرائد صفراء تقول للناس ما يريدون: "لا أمل، لا جديد، لا ثقة..."، بدل أن تقوم بواجبها المهني بإيصال المعلومة، ولا شيء غير المعلومة، والبيداغوجي بشرحها وتبسيطها بأقلام أهل الحل والعقد، لا الهواة من صحفيي الفضائح الجنسية ومناقرات الأحزاب. وإلى جانب السوداوية والسطحية، يتميز المنهج التحليلي للشعوب الكئيبة بتشبثه ب"نظرية المؤامرة"، وهي نظرية بموجبها: يتم اختلاق علاقات سببية افتراضية بين عناصر تتمتع بالقوة والبطش لتحقيق نواياها السيئة التي يجني وبالها عناصر تعاني من الضعف وتكتفي بدور الضحية. يحب المغاربة صياغة هذه النظرية حينما يبدؤون جملهم ب"قاليك أسيدي...". وبتطبيقها على العالم العربي، يقول بعض المحللين " إن وضعية العالم العربي الآن ليست محض صدفة، بل هي مخطط أمريكي صهيوني غربي لإبقاء أنظمة دكتاتوية جاثية على العرب خدمة لإسرائيل حتى تضعف الدين الإسلامي والعروبة". حسن، طرح يبدو للوهلة الأولى ذا مصداقية، لكنه يتداعى للسقوط حينما نأخذ بعين الاعتبار عناصر تحليل موضوعية، من قبيل: الحديث عن العالم العربي ككتلة جيوسياسية وهوياتية واحدة يفتقر للواقعية، فلا الدين ولا اللغة ولا المستوى الاقتصادي والفكري هو نفسه في كل الدول العربية، فما علاقة الفقر الفاضح لليمن بالغنى الفاحش للإمارات، وما علاقة شيعة الكويت بسنة المغرب، وما علاقة حرية التعبير والفكر الاقتصادي الطموح للمغرب على علله بالموات والفساد العسكري في الجزائر، وكيف يمكن اعتبار الجزائر كنظام شقيقة للمغرب؟؟" ما نخلص إليه... بديهي أن الشعوب التي خضعت للاضطهاد دهرا من الزمن تصاب بالكآبة، وهي لا تلام في ذلك بقدر ما يلام الفاعلون. أعراض هذه العلة ثلاث: الرؤية السوداوية، التحليل السطحي، ونظرية التآمر كمنهج لفهم الواقع. وعلة كهذه تحجب الحقيقة عن الشعب وتبني سدا منيعا بينه وبين المسؤولين عن مصيره، ما يؤدي إلى عدم انخراط الشعب في صنع القرار، عن طريق العزوف السياسي وانعدام الثقة والتقوقع في تيارات موازية (تطرف ديني، صراع هوياتي، إحساس بعدم الانتماء للوطن...) قد تكون عواقبها وخيمة. إلى ذلك، يتعذر علاج الكآبة كعرض نفسي، فليس للكآبة نهاية ما دامت تغذي نفسها بنفسها، لكن يبقى بالإمكان قطع الأوردة التي تغذيها، وذلك بحث الإعلام على لعب الدور المنوط به، وهو دور إيصال المعلومة مع احترام ذكاء القارئ، وهو ما يتجلى في عدم انتقائية الأخبار حسب معيار الفضائحية والإثارة، والاضطلاع بالمسؤولية البيداغوجية في مجتمع يعاني من آفة الأمية، وهو ما يجب أن يتولاه المتخصصون وليس الهواة والديماغوجيون. [email protected]