19 سنة مرت عن الإفراج عنهم، ويطالبون بمراجعة مقررات الإنصاف والمصالحة "نحن معادلة قوية يصعب القفز عليها تماما في الصراع القائم حول الصحراء"، و"واهم وأهم واهم من يظن أن هذه الصفحة طويت بمجرد جرة قلم سريعة على مقرر تحكيمي جائر ومجحف"، هذه العبارات ليست إلا غيظا من فيض شهادات طويلة لبعض المعتقلين السياسيين الصحراويين في أكدز وقلعة امكونة، يرفضون من خلالها الطريقة التي تمت بها تسوية ملفاتهم وجبر ضررهم الجماعي في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة. بشرايا أبا حازم، والبشير بن عالي بن سيدي البشير، وسيدي أحمد رحال، ثلاثة معتقلين أفرج عنهم سنة 1991 وينتمون إلى ما يعرف بمجموعة أكدز وقلعة امكونة، جرى تكريمهم في جلسات استماع يوم السبت الماضي بمدينة خريبكة من طرف الإتحاد الدولي لدعم الحكم الذاتي للصحراء، قالوا إن "هناك من أوهم الناس في عدة منتديات ومحافل بالمصالحة مع ضحايا الجمر والرصاص في الأقاليم الصحراوية.. لكن حقيقة الأمر مناطحة وليس مصالحة"، وأضافوا "أولئك تسببوا للدولة في خلق جو من التوتر وعدم الثقة بين الضحايا وذويهم من جهة والدولة من جهة أخرى". وينبغي حسب نفس الضحايا الثلاثة، "إقامة الدعاوي القضائية على الجناة وتوثيق الإنتهاكات والتعويض وفق المعايير الأممية المعتمدة ونصوص القوانين الدولي"، ورفض "ضحايا الصراع العسكري والسياسي حول الصحراء"، ما اعتبروه "المقاربة الإختزالية التي اعتبرت الضحايا مجرمين والجلادين مدافعين عن أمن الدولة"، وجرى بذلك "العفو عن الضحايا كما الجلادين رغم أن القوانين الدولية لا تجيز العفو عن مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية". وقال بشرايا أبا حازم في جلسة الإستماع إليه يوم السبت الماضي بخريبكة، "نحن لا نؤمن إلا بما تراه العين المجردة وتلمسه اليد .. فأنا لا أريد إلا أن أقدم أمامكم شهادة حية عن مرحلة فظيعة عشناها وقاسينا مرارتها في رحلة عذاب مميتة، تراوحت مدة الاختطاف والاختفاء القسري فيها ما بين 11 و16 سنة"، وهي حسب صاحب الشهادة "من أغلا لحظات العمر، طفولة مغتصبة وشباب ضاع في زمن ما اصطلح على تسميته في المغرب سنوات الجمر والرصاص"، وأردف قائلا "ظن اخرون سامحهم الله أنها صفحة طويت وأن المصالحة في الأقاليم الصحراوية قطعت أشواطا.. لكن هيهيات العكس هو الصحيح". بالنسبة للضحية المذكور، الإنصاف والمصالحة "لا تعدو أن تكون استخفافا بمشاعر الضحايا وذوي حقوقهم في حقهم من التعويض الحقيقي المناسب الذي يضمد جراحهم العميقة"، فهم حسب ما جاء في شهاداتهم "تكبدوا معاناة الاختطاف القسري والتعذيب الرهيب، بطرق سادية ووحشية"، تمثلت في "الضرب والحرق بأعقاب السجائر والصدمات الكهربائية في الأماكن الحساسة من الجسد، وغطس الرؤوس في المياه القذرة"، وهي فصول التعذيب التي جرت في السنوات التي تلت حرب الرمال "وراء أسوار أطلال قصور الباشا الكلاوي المهجورة في أكدز وقلعة امكونة". "إنها مأساة يندى لها الجبين وتقشعر لها القلوب"، يحكي البشير بن عالي بن سيدي البشير، "نحن مجموعة أناخ عنها الدهر بأثقاله لما يزيد عن 17 سنة، داخل الزنازن المظلمة والمخافي السرية وتحت أبشع أنواع التعذيب والتنكيل"، ويضيف في نفس السياق، "لم يستثنى من ذلك الشيخ الطاعن ولا العجوز ولا النساء اللواتي انتهكت حرمتهن"، فحسب المعتقلين الصحراويين هم حالات تختلف عن معتقلي تازمامارت وبقية ضحايا الجمر والرصاص، "فنحن تم الزج بنا في أكدز وقلعة امكونة، مجموعات لم يتم التمييز فيها بين الأطفال والكبار وبين الذكور والإناث، كما لنا يسبق لنا أن مثلنا أمام المحاكمة"، ويقول أحدهم "نحن ضحايا للصراع السياسي والعسكري حول الصحراء وفقط.. لست مع هذا أو ذاك". واسترسل البشير في شهادته أمام ساكنة مدينة الفوسفاط، "إذ كان المغرب قد انخرط في المسلسل الحقوقي للتخلص من سنوات الجمر والرصاص والتصالح مع ذاكرته، وطي الماضي الأليم، فهول المخافي السرية يبرز بجلاء الاستحالة المطلقة لرد الاعتبار كاملا نظرا لحجم المعاناة وشساعة المأساة"، وتساءل أخيرا "كيف يمكن تعويض ضحية بما يناسب الضرر الذي عانى منه؟ من بإمكانه إرجاع الحق إلى أصحابه؟"، قبل أن يضيف "راجع المجلس الاستشاري ملفات معتقلي تاكونيت.. سنطالب صاحب الجلالة بالتدخل لتسوية ملفاتنا، فقد أصابنا الحيف من لدن هيأة التحكيم المستقلة،ومن لدن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان". نداء خريبكة: "عودوا .. فالمغرب لم يعد كما كنتم تعتقدون" وجهت مجموعة من العائدين من مخيمات تندوف، جرى تكريمها يوم السبت الماضي بخريبكة من طرف الإتحاد الدولي لدعم الحكم الذاتي للصحراء، "نداء خريبكة"، إلى أهاليهم وأفراد أسرهم وساكنة "مخيمات اللاجئين"، يدعونهم من خلاله إلى "الاحتكام للعقل والبصيرة والعودة إلى المغرب بعد أن طال الفراق". وجاء في النداء الذي جرت تلاوته بعد جلسات الاستماع المنظمة بخريبكة تحت شعار، "حفظ الذاكرة الجماعية لربح رهان الحكم الذاتي"، والذي حرره حسب محمد سقراط رئيس الإتحاد الدولي لدعم الحكم الذاتي، العائدون تحت إشراف دحان خليل، "نناشدكم بالله وبالدين وباللغة المشتركة أن تعودوا إلى وطنكم فإنه يتسع لنا جميعا، وخيراته أكثر مما تنازع عليه". ويضيف محررو النداء، "في المغرب ستكونون معززين مكرمين، وفيه ستسيرون أنفسكم بأنفسكم وتحافظون على شخصيتكم وخصوصيتكم"، وفيه أيضا "المغرب لم يعد كما كنتم تعتقدون أو كما يصور لكم.. تعالوا كي نعيد البسمة لأطفال سرقت منهم طفولتهممبكرا، ونخفف الام أم درفت من الدموع وديانا، ونواسي زوجة وجدت نفسها وحيدة بعد أن خطف الصراع أنيسها". 3025 ضحية صحراويا من أصل 8955 على صعيد المغرب كشفت معطيات إحصائية حصل عليها المعتقل السياسي البشير بن عالي بن سيدي البشير، أن مجموع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال سنوات "الجمر والرصاص"، يتربع على رأسهم المنحدرون من الصحراء بما مجموعه 3025 ضحية من أصل 8955 ضحية. وحسب نفس المصدر "الجهات الثلاث للصحراء كان لها الشرف في نيل أكبر قسط من الضحايا"،حيث اعتقل بجهة العيون الساقية الحمراء 2286 ضحية، بنسبة 25 في المائة، وجهة كلميمالسمارة ب656 ضحية أي نسبة سبعة في المائة، وجهة وادي الذهب الكويرةب83 ضحية. وبالنسبة لباقي جهات المغرب، فقد بلغ عدد ضحايا جهة سوس ماسة درعة 462، والغرب الشراردة بن إحسن 116 ضحية، فيما بلغ عدد ضحايا الشاوية ورديغة 81 ضحية، والدار البيضاء الكبرى 693 ضحية، ثم جهة مراكش تانسيفت 294 ضحية، و646 بالجهة الشرقية، وسلا زمور زعير 452 ضحية، ثم تادلة أزيلال ب1663 ضحية، ومكناس تافيلالت 926 ضحية، ففاس بولمان ب123 ضحية، وتازة الحسيمة تاونات 229 ضحية وأخيرا طنجة تطوان ب245 ضحية.