38 قتيلا لم تحدد هوياتهم ومعلومات عن مقابر بعين السبع و دار بوعزة في ظل ظرفية مناخية وسياسية صعبة، تميزت بالجفاف وموسم فلاحي سيء، أقدمت الحكومة في ماي 1981 على إقرار زيادات مهولة في أسعار المواد الغذائية، الأمر الذي ألحق أضرارا كبيرة بالشرائح الفقيرة وذوي الدخل المحدود، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أعلنت عن إضراب عام لمدة 24 ساعة في مجموع التراب الوطني يوم 20 يونيو، وقبلها بيومين كان الاتحاد المغربي للشغل بدوره قد نظم إضرابا بمدينة الدارالبيضاء، فاشتعلت بذلك شرارة ما سمي ب «انتفاضة الخبز» رد فعل السلطة على احتجاجات الشارع كان عنيفا، واستخدمت فرق كاملة من رجال التدخل السريع والدرك والقوات المساعدة، كما تم استقدام أفراد من القوات المسلحة عبر طائرات عسكرية وأخرى مدنية من المناطق الجنوبية بموازاة ذلك استعملت الدبابات للترهيب النفسي وحلقت طائرات الهيليكوبتر على علو جد منخفض، وعاشت المدينة أجواء حرب حقيقية تم خلالها إطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين، وسقط عدد من القتلى والجرحى واعتقل المئات، فيما ظلت عشرات الملفات لمجهولي المصير طي النسيان، حتى أزاحت عنها الغطاء هيئة الإنصاف والمصالحة بهدف طي صفحة الماضي، لكن حدث اكتشاف المقبرة الجماعية بثكنة الوقاية المدنية الحي المحمدي، شكل دافعا لعائلات الضحايا والحقوقيين للمطالبة بكشف الحقيقة، وهي المهمة التي تكلفت بها لجنة متابعة التوصيات وصدر بشأنها مؤخرا تقرير للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، فهل تم كشف الحقيقة كاملة أم لازالت العديد من جوانبها مظلمة؟ هل هناك مقابر أخرى؟ كل البيضاويين الذين عاشوا الحدث، يتذكرون تفاصيل هذا اليوم، قتلى وجرحى في الشوارع ومعتقلون ومجهولو مصير، الفوضى والرعب عمت معظم الأحياء بلا استثناء خاصة التجمعات الشعبية، وقد قدرت تنظيمات المعارضة عدد القتلى ب 600 شخص، فيما صرح ادريس البصري وزير الداخلية حينها، أن عدد القتلى هو 66 فقط، ونفى أن يكون بينهم من توفي بالرصاص الحي. ووصف في تصريحه الضحايا الذين سقطوا ب « شهداء كوميرا» أما هيئة الإنصاف والمصالحة، فقد توصلت بعد تحرياتها إلى أن عدد القتلى هو 114 شخصا، فيما تؤكد السجلات الطبية أن العدد الإجمالي لضحايا الأحداث هو 142 حالة. في اليومين المواليين للأحداث، تم دفن 77 قتيلا في سرية تامة داخل ثكنة الوقاية المدنية الحي المحمدي، وهي المقبرة التي كشفت عنها تحريات هيئة الإنصاف والمصالحة استنادا إلى محاضر الشرطة وتقارير المنظمات الحقوقية وسجلات وزارة الصحة، هذه المقبرة الجماعية مازال المدفونون بها إلى اليوم غير محددي الهوية، رغم أنه أعيد دفنهم في مقابر فردية غير بعيد عن المقبرة المكتشفة، بشهادات بيضاء لا تحمل أية أسماء أو تواريخ في انتظار نتائج التحاليل الجينية. ويبقى الرقم الرسمي والمعلن عنه للقتلى حاليا هو 114 دفن منهم 76 قتيلا بشكل جماعي، فيما 38 شخصا على الأقل لازالوا في عداد مجهولي المصير لم تحدد هوياتهم ولا أماكن دفنهم، فهل يمكن الحديث عن مقابر أخرى للقتلى تنتظر الكشف عنها؟ سعيد مسرور رئيس جمعية 20 يونيو صرح للجريدة أنه دون كشف عن هويات الرفات المستخرج لا يمكن الحديث عن كشف للحقيقة، فكل مالدينا هو 76 رفاتا، لكننا نجهل لمن تعود بالضبط بين قتلى هذه الأحداث، وعليه يحق لكل عائلات الضحايا أن تعتقد بوجود رفات مفقوديها هناك أو تعتقد العكس، هذه العائلات تعلق آمالها على نتائج التحليلات الجينية منذ خمس سنوات، في وقت أعلن مسؤولو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عن عدم جدوى هذه الأخيرة. مسرور أضاف أن الجمعية تتوفر على معلومات جديدة حول دفن بعض الضحايا في قبور فردية بمقبرة الشهداء ومعطيات سبق ووردت إلى هيئة الإنصاف والمصالحة لم يتم التحقق منها، بالإضافة إلى معطيات أخرى حول دفن بعض الجثث في الساحة المجاورة لمقر عمالة عين السبع حاليا وفقا لشهادات تحصلت عليها جمعية ضحايا 20 يونيو. وتتوفر الجمعية أيضا على قرائن تفيد استقبال أحد المستوصفات قرب مركز الطب الشرعي بمقبرة الرحمة، لعدد من الضحايا مسجلين تحت مسمى (إكس 81)، وهو الأمر الذي اطلع عليه أحد أعضاء الجمعية بالصدفة خلال بحثه عن دلائل حول وفاة شقيقته في نفس الأحداث. وقد اطلع رفقة المسؤولين الطبيين بالمستوصف المذكور، على عدة سجلات تعود لسنة 1981، وتفيد شهادته أنه فوجئ بتسجيل عدد كبير من الضحايا تحت إسم (إكس 81)، ولحد الآن يجهل مكان دفن هؤلاء القتلى هل تم في مقبرة جماعية أم بشكل فردي داخل مقبرة الرحمة المجاورة؟ لكن الجمعية عبرت عن استعدادها للتعاون مع المجلس للتحقق من المعطيات السالفة. 28 قتيلا في زنزانة في البناية التي تحتضن حاليا مقر عمالة البرنوصي بشارع أبي ذر الغفاري، والتي كانت فيما قبل مقرا للمقاطعة 46، توصلت هيئة الإنصاف والمصالحة إلى أن عدد القتلى بلغ في هذه المقاطعة 28 قتيلا، أغلبهم أطفال صغار وشبان قضوا اختناقا. «الأحداث المغربية» التقت أحد الناجين من جحيم المقاطعة 46 روى تفاصيل مريعة ولحظات حرجة عاشها المعتقلون لما يزيد عن العشر ساعات. صباح 20 يونيو 81، كان هذا الشاب في زيارة لأقاربه بالبرنوصي، وفجأة وجد نفسه في مواجهة دورية للقوات المساعدة، اعتقل بطريقة تعسفية وعنيفة حيث تم الزج به في سيارة إلى جانب حشد من الشبان، مباشرة توجهت السيارة إلى مقر المقاطعة 46 هناك بدأت الهراوات والعصي تنهال عليهم من كل جانب على طول ممر بطول عشرة أمتار يفصل السيارة عن مدخل المقاطعة، بعد تسجيل الأسماء والعناوين الكاملة تم تكديس 150 معتقلا تقريبا في غرفة لا تتجاوز مساحتها عشرين مترا مربعا، لدرجة أن المعتقلين أصبحوا مرغمين على رفع أيديهم إلى الأعلى حتى يتمكنوا من إفساح المجال للوافدين الجدد، بات الحراس يجدون صعوبة كبيرة في إغلاق أبوابها، ونظرا لارتفاع حرارة الصيف وقلة الأوكسيجين وضيق المكان. سجلت عدة حالات اختناق وإغماءات، فيما سجلت أول حالة وفاة بعد الظهر، ولما شرع الشبان في الاستغاثة والمناداة على أحد الحراس (متقاعد حاليا) لإخباره بالوفاة، أجاب بصوت مرتفع «حتى تموتوا كاملين ...» ولم تبلغ التاسعة ليلا حتى سقط 20 قتيلا أغلبهم لم يتعدوا الخامسة عشرة. في هذه الزنزانة لم تراع حرمة الموتى بل تم تكديسهم والصعود فوق جثثهم من أجل الوصول إلى إحدى الفتحات فوق البوابة لاستنشاق بعض الهواء، داست الأقدام جثثهم دون رحمة، وبما أن أغلبية المعتقلين جرحى فقد امتزجت روائح الدم والعرق بمشاهد الموت، في حدود الرابعة من فجر اليوم الموالي، فتحت بوابة الزنزانة، ونقل الحراس جثث الموتى بطريقة جماعية في سيارة «صطافيط» على دفعتين إلى وجهة مجهولة، أما المعتقلون، فنقلوا في شاحنتين عسكريتين صباحا إلى ثكنة عين حرودة قضوا بها ستة أيام قبل محاكمتهم بعقوبات تتراوح بين ستة أشهر وعشرين سنة. القتل بدم بارد قرب المحطة الطرقية أولاد زيان، وتحديدا درب الكبير، لازال (لحسن الزاكي) يتذكر بأسى كبير وحزن بالغ واقعة مقتل زوجته الحامل رفقة جنينها، إذ بعد الانتهاء مباشرة من تناول وجبة الغذاء، تناهت إلى أسماعهم أصداء صخب يعم الشوارع القريبة والأزقة المجاورة، فتوجهوا نحو الباب مدفوعين بحب الاستطلاع، كما غصت النوافذ والشرفات بمواطنين أدهشتهم رؤية عناصر الجيش المدججين بأسلحتهم يحاولون تطويق المنطقة، والأعداد الكبيرة لقوات التدخل السريع (السيمي) المدججة بالهراوات، تعتقل كل من تصادفه في طريقها. ظل لحسن وزوجته رفقة أبنائهما يتابعون التحركات بذهول مرت أمامهم فرقة من الجنود على بعد 50 مترا تقريبا، ودون سابق إنذار اتخذ أحد الجنود وضعية هجومية، حيث استوى على إحدى ركبتيه وسدد البندقية باتجاههم، ظل الجميع يحدقون دون حراك نظرا لجهلهم بخطورة الوضع، لكن الفاجعة وقعت بالفعل حين أطلق الجندي عدة طلقات نارية، الأولى أصابت الزوجة واخترقت عنقها وتسببت في مقتلها على الفور بالإضافة إلى وفاة جنينها, والرصاصات الأخرى تسببت في عدد من الجرحى، ظلت الجثة مرمية أمام عتبة المنزل تسبح وسط الدماء، وكلما حاول أحد سحب الضحية إلى داخل المنزل إلا وتلقى عدة طلقات تحذيرية، فالجنود ظلوا مرابطين عند مداخل الأزقة، ما حال دون نقل الجثة، وحتى منتصف الليل، كانت لاتزال في مكانها إلى أن حضرت سيارة تابعة إلى القوات المساعدة بعد ساعتين تقريبا، تولى أفرادها المسلحون سحب الجثة دون تحديد هويتها أو اطلاع ذويها على الوجهة التي أخذت إليها، بعد تقديم ملفها استفادت هذه الأسرة من تعويض مادي، لكن مكان دفنها والرفات ظلا مجهولين إلى اليوم. ملاكم دولي وكومندو أحداث 20 يونيو رغم مرور سنين طويلة على وقوعها، لازالت منحوتة في ذاكرة عائشة الخنوسي زوجة أحد الضحايا، فعزاؤها اليوم في مسكنها البسيط بالبرنوصي حي طارق رزمة من الاوراق المتعلقة بزوجها محمد فازة (37 سنة) الملاكم الدولي السابق، مثل بطاقة عضوية النادي الذي كان يزاول به تداريبه (سبورتينغ روش نوار) وشهادة اعتراف من رئيس اللجنة المنظمة لألعاب البحر المتوسط بتركيا، وميداليات عدة بعد مشوار دولي في فرنسا وايطاليا وتركيا بلغ 28 انتصارا و8 تعادلات من مجموع 65 مباراة دولية0 كل ذلك لم يشفع لهذا البطل صبيحة أحداث 20 يونيو من اقتحام بيته حوالي الساعة العاشرة صباحا من قبل أفراد كومندو عسكري، تولى تنفيذ عمليات خاطفة لمداهمة بعض الدور والمنازل لإفزاع المواطنين والتأثير عليهم نفسيا، لحظتها كان يتناول وجبة الفطور رفقة زوجته وابنتيه فتم اعتقاله واقتياده بإحدى سيارات القوات المسلحة إلى جهة غير معلومة، كانت تلك آخر مرة ترى فيها عائشة زوجها ولم تعرف هل هو حي أم ميت؟ وظلت هي وابنتيها دون معيل لمدة ربع قرن، حتى ظهر اسمه ضمن لائحة القتلى التي أصدرها التقرير الرئيسي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، تم تعويضها ماديا لكن هذه الحادثة تسببت لها في تدهور صحي كبير، وإجراء عدة عمليات جراحية، إضافة إلى معاناة نفسية طويلة، هي الآن تنتظر نتائج التحاليل الجينية لتحديد مكان دفن زوجها ورفاته. معتقلون ومعطوبون في غرفة منسية بدرب الفقرا يقطن عبد اللطيف مفتاح (49 سنة) وسط القذارة وهو يمعن الإلتفاف ببعض الأسمال البالية، عينان غائرتان وشعر أشعث، شحوب ونحافة، وشبح بشري يصارع الموت، بين الفينة والأخرى يدخل مفتاح في نوبات سعال عنيفة ومؤلمة، ترغمه على تحريك يده ببطء لإزالة خيوط اللعاب المتدلي من شفتيه أوتفادي مضايقة الذباب لوجهه النحيف0 في بداية الثمانينيات، كان مفتاح طالبا جامعيا، حظه السيء حوله في لمح البصر إلى واحد من المعتقلين، قضى 14 سنة في سجن عكاشة، إلى حين الاستفادة من العفو الملكي سنة 1994، لكن سنوات الاعتقال الطويلة أثرت على أحواله الصحية بشكل واضح، حيث وجد نفسه بعد الإفراج عنه مصابا بمرض رئوي خطير واضطراب عقلي، وحيدا وعاجزا كليا عن ممارسة أي نشاط مهني أو حتى تدبر أحواله في ظل عدم استفادته من تغطية صحية تمكنه من تحمل مصاريف العلاج المكلفة0 بأحد أزقة درب الفقرا، كان الطفل اسماعيل مرمار 15 سنة منهمكا في اللعب رفقة أقرانه، ولم يكن على علم بأسباب الاضطرابات، وإنما التحق بالحشود بعدما استهواه مشهد الجنود وقوات الأمن, فجأة وبطريقة مباغتة سمع أزيز الرصاص، أصابه قناص على مستوى الركبة اليسرى، يتذكر اسماعيل كيف نقل في سيارة (رونو 12) إلى مستشفى ابن رشد، والفوضى التي عمت جناح المستعجلات بفعل توافد القتلى والجرحى، هذه الفوضى أخرت إجراء العملية الجراحية لساقه حتى صباح اليوم الموالي . وحسب قوله، فإن العملية تمت بإشراف البروفسور عبد الرحيم الهاروشي الذي رفض تسليمه إلى الجهات الأمنية حتى اكتمال مدة علاجه، في حين رغب المحققون في استنطاقه بعد حمله على متن نقالة، لكن إصرار الهاروشي جعله يقضي 15 يوما بالمستشفى قبل انتقاله إلى كوميسارية بلفدير، وفيها أطلق سراحه من أجل مواصلة العلاج بعد إجراء عمليتين جراحيتين على الركبة، اسماعيل الآن رجل يقارب الخمسين سنة معاق في رجله اليسرى، يجد صعوبة كبيرة في استخدامها أثناء المشي أو وضعية الجلوس عاطل عن العمل وعازب لم يستفد لا من تعويض ولا من تغطية صحية، تغرورق عيناه بالدموع وهو يتساءل عن ذنبه في كل ما حصل. مصطفى المانوزي : رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف هل يعقل إعطاء هوية لرفات في قبر جماعي دون تحاليل جينية ؟ حددت هيئة الإنصاف والمصالحة في تقريرها الختامي، عدد الضحايا المتوفين خلال أحداث 1981 في 114 ضحية، واستندت في ذلك إلى سجل مصلحة حفظ الأموات بعين الشق التي استقبلت 69 جثة ومستوصف بن امسيك الذي وصلته 17 جثة، إضافة إلى 28 وفاة حصلت بالمقاطعة 46 بالبرنوصي، فيما لم تتمكن الهيئة من تحديد عدد الجثث التي قد تكون نقلت إلى كل من مستشفى ابن رشد والصوفي، كما أن التقرير الرئيسي الصادر عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مؤخرا، لا يقدم أي حصر لعدد الضحايا المتوفين في هذه الأحداث ولا حتى النتائج التي توصل إليها المجلس بخصوص مراكز تجميع الجثث التي اتضح أنها تفوق ثلاثة وفق استنتاجات هيئة الإنصاف و المصالحة. واستنادا للتقرير الرئيسي دجنبر 2009، فإن الرفات المستخرج من ثكنة الوقاية المدنية بالحي المحمدي لم يخضع لتحريات معمقة لتحديد هويات أصحابه ولا لعملية استخراج المعطيات الأنتروبولوجية الخاصة بها، كما أن لجنة الإشراف على التحليل الجيني المكونة من وزارة العدل (مديرية الشؤون الجنائية) ووزارة الداخلية (المختبر الوطني للشرطة العلمية) والقيادة العليا للدرك الملكي (المختبر الجيني للدرك الملكي)، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، رأت أنه ليس هناك جدوى من إجراء التحليل الجيني على مجموع الرفات المستخرج منه، مع العلم أنه عند استخراج الرفات أخذت منه عينات عظمية لهذا الغرض، كما أن أسر الضحايا أخذت منهما عينات لعابية لتحليلها جينيا, فكيف يعقل تحديد مكان دفن رفات ما وإعطاؤه هوية شخصية في قبر جماعي دون اللجوء إلى دراسة المعطيات الانتربولوجية والتحليلات الجينية ؟ وبالنسبة ل 76 من الضحايا المتوفين الذين حسمت لجنة المتابعة في كونهم دفنوا في ثكنة الوقاية المدنية، فإنها لم تحدد عناصر الاستناد التي دفعتها إلى الخروج بهذه القناعة، وبالتالي من المحتمل جدا أن يكون بينهم عدد من الضحايا المحددة هوياتهم الشخصية (76 حالة) ومن المحتمل أيضا أن يضم القبر الجماعي متوفين في هذه الأحداث ممن مازالت هوياتهم مجهولة و يصل عددهم إلى 38 حالة. أحمد حرزني : رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان التحري في ملفات المختفين دائما مفتوح فهي محفوظة ولم تقبر لماذا تأخر رد المجلس على الانتقادات الموجهة لتقريره الأخير ؟ بداية، لابد من القول إن التقرير الرئيسي الذي أصدره المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، تتدارسه حاليا العديد من الجمعيات والمهتمين، عبروا عن ملاحظات وسجلوا ما أسموه انتقادات وتناقضات، وبصراحة، لانريد أن نجيب على كل ملاحظة على حدة، نفضل حاليا ترك الوقت والمجال حتى تكتمل ملاحظات الإخوة في الجمعيات والمهتمين الحقوقيين بصفة عامة، وحينها نصدر توضيحات شاملة وتسمية التقرير ب «الرئيسي» ترجع إلى كون هناك ملاحق ستلي التقرير الحالي ميزنا بينها وربحا للوقت صدر التقرير الرئيسي في انتظار الملاحق التي ستخرج تباعا فهي في طور الطبع حاليا. وهل يمكن اعتبار التقرير إغلاقا لملف أحداث 1981 بالدار البيضاء؟ بالنسبة للدار البيضاء، إذا أردنا احترام المعايير والأعراف الدولية في هذا الموضوع، لايمكن الحديث عن إغلاق نهائي للملفات إلا بعد إجراء المراسيم مع عائلات الضحايا، ونحن نشتغل على هذا الموضوع نتفاوض مع مقاول يهيء القبور ويصور المقبرة، عندما يكتمل ذلك سنفعل مثلما فعلنا في الناظور، حيث ستتم المراسيم مع العائلات إذاك يمكن اعتبار الملف قد أغلق نهائيا، أما حاليا فلا نستطيع القول بإغلاق الملف0 لكن خلاصات التقرير تحدثت عن عدم جدوى التحاليل الجينية ؟ الناس يعتقدون أن التحاليل الجينية وصفة سحرية وبسيطة، أولا لابد قبل نبش القبور من إذن العائلات المعنية والسلطات، وأن يساعدك الحظ لتجد الرفات في حالات جيدة، لأنه حسب التربة وحسب المدة الزمنية، يمكن لبعض العناصر أن تجعل من التحاليل الجينية أمرا غير مجد بتاتا، وفوق ذلك حتى في حال العثور على بقايا من الرفات لابد من وجود الدوائر العائلية الأقرب مثل الإخوان والأخوات، وإلا ستصبح نسبة التأكد من التحاليل جد ضعيفة، ينضاف إلى ذلك الكلفة الزمنية والمادية، فالتحليلات ليست مثل عملية لكشف الحمل، الأمر جد معقد وطويل. والأرجح هو عدم جدوى التحاليل على الرفات المكتشف بالثكنة، في وقت لا يوجد حتى مطالبة به بشكل جدي من طرف العائلات، كل ماهناك أن البعض يزايد على العائلات، وهذه الأمور أخلاقيا المرجع فيها هو العائلات وأسر الضحايا، ليس من حق أي شخص المزايدة على الناس، الذين عانوا جراء فقدان آبائهم أو إخوانهم، فغالبية هؤلاء سلموا أن الأشخاص المعنيين انتقلوا إلى رحمة الله و إعادة الاعتبار إليهم هي الأهم، فالأمر لا يحتمل مزايدات . وبالنسبة ل 38 حالة التي تدخل في إطار مجهولي المصير فالأعراف الدولية بالنسبة للمختفين تنص على أن لا تغلق الملفات وتبقى مفتوحة، ونحن من جهتنا في حال توفر معطيات جدية وليست خيالية، مستعدون للتحقق منها وكل من لديه معطيات نطلب منه أن يتقدم بها للمجلس لأن حالات الإحتفاء القسري لا يطالها التقادم، ووقتما يظهر عنصر جديد بخصوصها، المؤسسة المكلفة من واجبها أن تنظر في المعطيات، وإذا كانت معطيات لدى أي طرف فمرحبا. ومن ناحية أخرى، كل الملاحظات أو المطالب أو التناقضات المسجلة على التقرير، أنا مستعد للإدلاء بكل التوضيحات في شأنها لكن لا يمكن في الوقت الراهن أن يعقب المجلس على انتقادات هذه الجمعية في الصفحة الفلانية، وغدا على جمعية في توضيح آخر بوتيرة يومية، لأن الفائدة لن تتحقق حينها. كيف سيتعامل المجلس مع 38 حالة مجهولة المصير؟ قلت إن ملفات مجهولي المصير تبقى مفتوحة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن المجلس سيعثر عليها، فهو ليس سلطة قضائية ولا يتوفر على شرطة قضائية، قام بتحريات نظامية، لكن في حدود، كما أن بعض الحالات وصلت إلى نهايتها، وهذا يعني أنه في حال توفر عناصر أخرى عند العائلات أو الدولة أو أي جهة أخرى، حينها نأخذها بعين الاعتبار في إطار الإمكانيات والحدود المتوفرة لنا كمجلس، لانريد أن نوهم أحدا ونقول إننا نفتش وننقب على الجثث، وقعت تحريات وكانت لنا الشجاعة لإعلان حل بعض الملفات، ومنها من لم نستطع حله لحد الساعة، سيبقى محفوظا إلى أن تظهر عناصر جديدة، والمجلس ليس مؤسسة للتحري أو التنقيب، لكن باب التحري في ملفات الاختفاء القسري دائما مفتوح، فهي محفوظة ولم تقبر. وماذا عن ملفات الضحايا التي اعتبرت خارج الأجل القانوني ؟ هنا أيضا الأعراف الجاري بها العمل، إذا أسست لجنة وحددت آجال لا يمكن العودة إلى فتح الملف مرة أخرى، وإلا سنفتقد الجدية المطلوبة، وضع الملفات واكبه إعلان قوي في هذه المسائل، ولا أحد يستطيع القول إنه لم يكن في علمه، اجتماعات هيئة الإنصاف والمصالحة كانت تمرر يوميا في التلفزة والأخبار راجت على نطاق واسع، لكن للأسف بعض الضحايا كانت لديهم شكوك أو مخاوف أو لم يصدقوا أنه سيكون هناك تعويضات، تصور معي أن تغلق ملفا وبعد خمس سنوات يأتي شخص ويطالب بتعويض. وفوق ذلك، الهيئة التحكيمية لم تعد موجودة والملفات خارج الأجل أو الاختصاص، صدرت فيها أحكام بأنها خارج الأجل ولا تؤخذ بعين الاعتبار ولم يعد هناك حق لمراجعتها، نحن ورثة هيئة الإنصاف والمصالحة في جانب واحد فقط هو متابعة تنفيد ما قررته فقط، ليس لنا صلاحية أن ننوب عنها أو ننسخ قراراتها أو اتخاذ قرارات بالطريقة التي كانت تتخذها، لسنا لجنة تحكيمية، وإنما مؤسسة استشارية مكلفة بمتابعة التنفيذ، إذا كان المقرر فيه التعويض، يجب أن أكافح لكي يأخذ المستفيد تعويضها وإذا كان القرار أن الملف خارج الأجل وبالتالي لا حق له في التعويض، فليس لي الحق أو صلاحية المطالبة له بالتعويض، وهذا شيء واضح لكافة الحقوقيين ومبدأ أممي معروف، حيث إن مجهولي المصير وحدهم لا تغلق ملفاتهم أو ترتبط بأجل محدد. كيف ترد على الانتقادات الموجهة لنظام التغطية الصحية ؟ نظام التغطية الصحية هو نظام تعاضدي بين المواطنين، وليست الدولة توزع الأموال والنفقات، مواطنون يؤدون الواجبات ويستفيدون من التعويضات، وهو النظام المعمول به في المغرب والعالم كله، الدولة ماذا بوسعها أن تعمل؟ قد تنوب عن المنخرطين في الأداءات وماسوى ذلك، لا يمكن مطالبتها بأمور غير منطقية، وإلا سنصبح نطالب لفئة معينة من المواطنين بامتيازات على باقي المواطنين الآخرين، نظام التعاضدية إذا كان المستفيد يعاني مرضا مزمنا يعوض مائة في المائة، ولكن لا تعويض عن غير هذه الأمراض، فنظام التغطية الصحية الموجه إلى الضحايا يضمن تعويضا مائة في المائة في حالة المرض المزمن بعد التأشير من الطبيب، وهم يؤدون مثل كافة المواطنين، علما أنهم استفادوا من تعويضات هامة، والأغلبية الساحقة منهم يمارسون أنشطة مختلفة في الوقت الراهن، وغير ذلك سنصبح نطالب بامتيازات وليس حقوق . سعيد مسرور رئيس جمعية 20 يونيو نبش الرفات عملية شكلية لدر الرماد في العيون فقط ماهي أهم ملاحظاتكم حول التقرير الرئيسي؟ أول ما تسجله الجمعية هو أن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يعتبر أحداث 20 يونيو 1981 من الملفات الكبرى في الوقت الذي لا يترجم ذلك في سلوكه وتعاطيه مع هذا الملف خاصة بعدما نفض المجلس يديه من الملفات الساخنة مثل المقابر الجماعية والأخطاء التي شابت المقررات التحكيمية الخاصة بضحايا أحداث 1981، فالتقرير الرئيسي للمجلس تحدث عن 114 وفاة حدد منها 76 فقط، مما يعني أن 38 حالة تبقى مجهولة ولم تقد إليها لا تحريات هيئة الإنصاف والمصالحة ولا تحريات لجنة المتابعة المنبثقة عن المجلس، فهل الأمر يتعلق بقصور في التحريات أم إرادة مبيتة لإغلاق الملف؟ خاصة أنه لم يتم استدعاء أي من ضحايا 20 يونيو إلى جلسات الإستماع العمومية والحال أن شهادات الضحايا وعائلاتهم، لاشك كانت ستفيد في كشف الحقيقة وتحديد مكان دفن القتلى. وبخصوص القتلى الذين تم استخراخ رفاتهم بثكنة الوقاية المدنية فهم لم يخضعوا لأي تحريات معمقة لتحديد الهوية أو دراسة المعطيات الأنتروبولوجية أو التيقن من جدوى إجراء التحليل الجيني، وهنا نتساءل كيف تم دفن الرفات في مقابر فردية دون توفر الشروط القانونية والعلمية والدينية، لقد كانت عملية نبش الرفات شكلية فقط لدر الرماد في العيون، حيث إن هوية الرفات لازالت مجهولة. وماذا عن إشكالية الملفات خارج الأجل القانوني؟ العديد من عائلات الشهداء اليوم لا تعرف مكان دفن ذويها على الرغم من أن أغلبها تقيم في نفس العناوين إبان الأحداث، فالتقصير كان واضحا في التواصل والتعاون الوثيق مع المهتمين من جمعيات وحقوقيين وضحايا وباحثين، لأن الاعتماد فقط في سجلات المستشفيات ومراكز الطب الشرعي والمقابر، لا يمكن أن تؤدي إلى نتائج مرضية، فالقوات الأمنية كانت تجمع الجثث في سيارات الشرطة وشاحنات الجيش دون التأكد من الهويات أوالعناوين، وأغلب الحالات التي تم التعرف عليها كانت أساسا بالمقاطعة 46 بالبرنوصي، أما الذين تم سحبهم إلى البيوت قبل مصادرة جثثهم من قبل الدوريات أو تم انتشالهم في الشوارع، فقد تم تسجيلهم جميعا تحت علامة (إكس) والوصول إلى هوياتهم كان يتطلب وقتا وجهدا أكبر من الذي حدده المجلس. ناهيك عن ضحايا الإصابات الخطيرة التي يجترون تبعاتها إلى اليوم وضحايا الاعتقال التعسفي الذين قضوا سنوات طويلة من السجن ضاعت معها فرصهم في الحياة وغادروها بأمراض عضوية ونفسية وحتى عقلية، وكل هؤلاء ممن صنفت ملفاتهم خارج الأجل القانوني بدعوى عدم وضع ملفاتهم لدى الهيئة أو عدم إتمام الوثائق اللازمة داخل الأجل الزمني المحدد، لا ينبغي أن يسقط حقهم في الإنصاف والجبر، لذلك الجمعية متشبثة بمطلب رفع مذكرة إلى جلالة الملك في هذا الشأن لإعادة النظر في الملفات التي صنفت خارج الأجل القانوني وإنصاف كافة الضحايا على قدم المساواة. هل تم تفعيل التغطية الصحية وجبر الضرر الجماعي لفائدة الضحايا؟ فيما يخص تعميم التغطية الصحية على ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، استفاد منها حوالي 400 شخص أغلبهم من ذوي حقوق القتلى والمعتقلين السابقين، فيما لازال عدد كبير من الضحايا تتوفر الجمعية على ملفاتهم الكاملة يجترون أمراضا وعاهات دون تغطية صحية، بدعوى وجود ملفاتهم خارج الأجل، ثم إن صيغة التغطية الصحية الممنوحة إلى الضحايا في إطار صندوق منظمات الاحتياط الإجتماعي، موجهة في الأصل إلى موظفي الدولة وأعوانها، فليس في مقدور الضحايا أداء قيمة الأدوية وانتظار صرف التعويضات فيما بعد، ثم إن التغطية الصحية لا تغطي مجموع الأمراض التي يحتاجها الضحايا وعائلاتهم.