صراعات مجانية لم يمضي على التوقيع بين يدي صاحب الجلالة على اتفاقية تنمية الجامعة المغربية بين وزارتي التربية والتكوين ووزارة المالية سوى أشهر قليلة. الاتفاقية التي تشكل عقود تنمية الجامعة إطارا تعاقديا مندمجا لتأهيل وتوسيع البنايات التحتية، والرفع من الطاقة الاستيعابية للجامعات، وتحديث تجهيزاتها، وتحسين شروط العرض التربوي، والنهوض بالبحث العلمي، إلى جانب الارتقاء بمستوى جودة الخدمات الاجتماعية لفائدة الطلبة الجامعيين، لكن يبدوا أن بعض أساتذة جامعة محمد الأول ورئيس هذه الأخيرة فهموا عقود تنمية الجامعة المغربية بشكل معكوس، وتحولت الجامعة إلى حلبة صراع كبيرة أبطالها هؤلاء الأساتذة الذين يدرسون شيء اسمه التعليم العالي يا حسراه! منذ أشهر فجر طالبان جدلا واسعا بكلية الحقوق عندما اتهما أستاذا بالتزوير والابتزاز، ووقف في صفهم عميد الكلية الذي قدم هو الأخر أدلة بشأن المنسوب إلى الأستاذ، لكن الغريب في الأمر أن تصريحات العميد جوبهت بنوع من اللامبالاة من قبل رئاسة الجامعة، فنحن نعلم أن الجامعة تتمتع بنوع من الاستقلالية عن الوزارة الوصية، وهذه اللامبالاة مدعاة لأسئلة كبيرة تطرح عن رئاسة الجامعة ودورها في مثل هذه المشاكل؟ وجدوى هذا المنصب أصلا ما دام الرئيس لم يتدخل للوقوف على حقيقة حقيقة هذه الفضيحة؟! ومؤخرا وجهت أستاذة ورئيسة فرع القانون الخاص بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بنفس الجامعة شكاية إلى السيد وكيل جلالة الملك بالمحكمة الابتدائية ضد زميلين لها تتهمهما بسبها ونعتها بأشد أنواع السب والقذف، على مسمع من الطلبة و الأساتذة اثر انتهاء عملية فرز الأصوات المتعلقة بانتخابات رؤساء الفروع بسبب فوزها بفرع القانون الخاص! ومؤخرا أيضا طوق عدد من الأساتذة مكتب عميد كلية الحقوق، ووقعت مشادات بينهم وبين العميد في تطور خطير يوحي بأن الأمور لا تبشر بخير في هذه الكلية! لقد تحولت كلية الحقوق إلى نموذج واضح للاستهتار بالمسؤولية والتسابق مع الزمن من أجل تحقيق الأغراض الشخصية، فلا أحد يبدوا انه يؤمن بمنطق الحوار! أن يصل الصراع بين الأساتذة إلى ردهات المحاكم فهذه فضيحة كبيرة، فالأمر يتعلق بأساتذة يدرسون شيء اسمه التعليم العالي يا حسراه! مدرسة التجارة والتسيير ليست هي الأخرى على ما يرام، فكل المؤشرات تشير إلى أن أحوالها ستصل لا محالة إلى الباب المسدود، الشد والجذب بين مديرها ورئيس الجامعة على مسائل اعتبرها بعض المهتمين بالتافهة، وإنما النزعة المشتركة لدى الطرفين في بسط السلطة هو ما يؤجج الصراع بشكل مستمر! أما كلية الطب فيبدو أنها تحتاج هي الأخرى إلى من يداوي أعطابها ينطبق عليها ما ينطبق على المؤسستين السابقتين: طواحين هواء دون جدوى! في الحقيقة الخاسر الأول في هذه الصراعات المجانية يبقى بالدرجة الأولى الطالب الذي بالرغم من انه لا ناقة ولا جمل له في هذه الصراعات، إلا أنه يتكبد أشد خسارة، وتتجلى هذه الخسارة في كون أن الأساتذة المتصارعين فيما بينهم وبين الإدارة سيبذلون قصار جهودهم حتى تستمر هذه الفوضى ومن جملة الأوراق التي تستعمل في هذا الصراع ورقة الطلبة، ولكم أن تتخيلوا حجم التحصيل الذي سيجنيه الطالب في نهاية السنة الدراسية، بلا شك بقايا من صور صراعات أساتذة لن تفيده في شيء! كما أن المنظومة التعليمية بشكل عام هي أيضا تأخذ قسطها من الخسارة، فتواجد الجامعات المغربية في حضيض الترتيب بالمقارنة مع الجامعات العالمية الأخرى إنما مرده بالإضافة إلى الاعطاب التي هي أعطاب لازمتها منذ إنطلاقها، تبقى أيضا هذه الصراعات لها يد في تدهور هذه المنظزمة! مغامرات طلابية الصورة التي ننفرد بنشرها ( أعلاه)، هي صورة معبرة كثيرا: طلبة من جامعة محمد الأول في حالة لا شعور وهستيرية كبيرة يرشقون سيارة شرطة قبل أن يفر الشرطي بجلده ويترك السيارة لهم، ويعبثوا بها عبثا، ومنهم من تفطرت قريحته ودخل إلى كلية الأداب ا ليلقي في الطلبة موعظة، وكأن مستعمرا اخترق أجواء ما يسمى في عرف الطلبة "بالحرم الجامعي" لتنطلق بعد ذلك مجموعة من الذين يقدمون أنفسهم بأنهم حماة هذا الحرم والمتصدون الدائمون لتدخلات " المخزن" ويصدروا في حق السيارة قرار القلب هكذا نظم الطلبة إذن انقلابهم العظيم، انقلاب ربما يدخل في إطار ما يسمى بإنزال البرنامج المرحلي على أرض الواقع؟ كما أكد لنا البعض، فالشرطي لم يكن يعتدي على أحد زملائهم، بل كان يقوم بواجبه بتسليم استدعاء لأحد الأشخاص الذين كانوا يقطنون في محيط الكلية، وكما نعلم أيضا فتلك الطريق لا تدخل فيما يسمى بالحرم الجامعي مع تحفظنا الشديد على هذا المصطلح ولا نعتقد بان جامعة محمد الأول توجد في دولة غير الدولة المغربية الكاملة السيادة ونعتها ومحيطها بالحرم الجامعي إنما نزعة تستحوذ على بعض حاملي الأفكار الاستئصالية النابعة من انغلاق وجنوح نحو العنف! الجميع يعلم أن الفصيل الطلابي الذي قاد عملية "قلب السيارة" هو فصيل يضم في غالبيته مجموعة من المتعصبين لأفكارهم والرافضين لأي حوار ، سواء كان ذلك مع زملاء لهم في فصائل أخرى أو مع مؤسسات الدولة، فالخيار الثوري الذي أكل عليه الدهر وشرب، يبدوا أنه ما زال يستغوي بعضهم في تحد حتى للتاريخ، فحتى الدول التي كانت مهد التيارات الثورية أصبحت اليوم مندمجة في تيار جارف اسمه العولمة وقوانين الأسواق المفتوحة فأي ظلام دامس هذا الذي يعيشه هؤلاء المساكين! لو بعث ماركس اليوم وحدثوه عن ما جرى لأخبرهم بان ذلك عمل صبياني لا يقترفه إلا من يريد أن يحقق بعض النجومية في محيط الجامعة، فهؤلاء يعرفون حق المعرفة بأن نجوميتهم لن تتجاوز أسوار الجامعة، لأن ما يطرحون من نقاش وأفكار وما يجنون من أعمال يرفضها المجتمع المغربي رفضا قاطعا! لقد ساندنا الطلبة الذين كانوا يدافعون عن ملفات مطلبية جدية و مشروعة ووقفنا إلى جانب طلبة بعينهم وجدنا الحقيقة بجانبهم، وقفنا مع طلبة الماستر تخصص القضاء والتحكيم عندما " حكرهم " أحد الأساتذة، وصل إلى حد ابتزازهم، وقلنا حينها بأن أقل ما يمكن أن يصدر في هذا الأستاذ هو قرار التوقيف النهائي عن مزاولة مهنة شريفة إسمها " التعليم"، وساندنا أيضا كما ساندنا الطلبة بعض الأساتذة الذين تعرضوا للاهانة داخل الجامعة، أما أن نساند هؤلاء الخارجين على القانون فذلك من سابع المستحيلات، نحن نكتب باستمرار من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون، فلا يمكن أن ينقلب المرء على هذه القناعات الراسخة وتستهويه هذه الأعمال الكاريكاتيرية فقط لأنه عمل شاذ، ويضع الجناة في منزلة البطولة لدى وسط ضيق محيط بهم. إن الأمر يجب أن يتعامل معه في سياقه الطبيعي، حتى يدرك من أهمل دراسته وأبتعد عن المطالب الحقيقية للطلبة بأن البطولة لا تصنع بالفوضى، وأن عموم الطلبة ما طالبوا يوما بقلب السيارات ولا بإحراق المحلات! من المؤكد أن نشوة كبيرة لازمت الطلبة، عندما أقدموا على فعلتهم، ولكن من المؤكد أيضا بأن العديد منهم شعر بندم وخوف كبيرين عند حلول الظلام، فالكثير منهم عندما عادوا إلى مساكنهم فرادا تخلوا عن ثوريتهم في إنتظار صباح يجمعهم على بطولة أخرى! فكم من بطولة يحتاج هؤلاء ليرفعوا من مستوى البحث العلمي يا ترى؟! [email protected]