في جملة واحدة، اغتيال الفقيد الحسناوي وكل طالب هو عمل إجرامي ووحشي بكل المقاييس، وهو فعل شنيع لا يمكن أن يبرره دين ولا إيديولوجية ولا خلاف ولا سياسة، فالقتل لا يبرر، والدم الذي يراق لا يمكن أن تغسله ملايين المبررات والتعليلات. وأي حديث غير الإدانة والشجب والاستنكار والاستبشاع لن يقبل من أحد. سقط اليوم هذا الشاب على يد عصابة إجرامية دموية إرهابية قاتلة في ساحة الجامعة، فأجرت الفجيعة على كثير من الألسن والأقلام دعاء له وعزاء لأهله وأمنيات طيبة لبلدنا ومنها: 1-كم نتمنى أن يحاكم القتلة محاكمة عادلة، وأن يكشف القضاء عن خفايا هذا الملف الذي غذاه الشحن الثوري العنيف، فكانت النتيجة سيوفا تحمل ومدى تشحذ وأرواحا تزهق. 2-وكم نتمنى أن يكون مقتله آخر مسمار في نعش خطابات التجييش والترهيب والعنف والكراهية الذي يبث بعضهم سمومها في الجامعات والمعاهد والثانويات بعد أن أفلسوا جماهيريا وإيديولوجيا. 3-ونتمنى أن يكون الحادث على بشاعته وشناعته أيضا انطلاقة لجامعة مغربية خالية من الكراهية والعنف والصدام، تؤمن بقيم الحوار والاختلاف والتعايش وساحة للعلم والمعرفة والتنوير. وهي رسالة على كل قوى المجتمع الحية السياسية والعلمية والثقافية والمدنية والإعلامية أن تسهم في إفشائها بفتح نقاش مجتمعي جدي لاستئصال آفة العنف والابتعاد عن توظيف الجامعة المغربية في المزايدات السياسية وتصفية الحسابات الحزبية. 4-ونتمنى أن يكون رحيله مقدمة لتصفية تركة الماضي، لأن الماضي يلاحقنا ولا يمكننا أن نتنكر له أو نقفز على وقائعه وحقائقه، ولأن "لعنة الدم" تلاحق سافكه، فلابد من نكئ جراح الماضي القريب التي ما زالت موشومة في ذاكرة الأجيال بكل جرأة وشجاعة، وفي مقدمتها أحداث فترة التسعينيات بفاس ووجدة -التي كانت من بين أسباب فاجعة الحسناوي- لتحديد المسؤولية الجنائية والسياسية. 5-ثم نتمنى أن نطوي صفحة الاغتيالات السياسية، فما لم نطو صفحة تلك الأحداث المؤلمة، وما لم نعرف من قتل الطالب عيسى آيت الجيد والمعطي بومليل وغيرهم، ما لم نفتح تحقيقا نزيها محايدا مستقلا لنعرف الجناة الحقيقين وأدوات التنفيذ، ما لم نرح أهل القتلى وذويهم ونجيبهم على السؤال المؤرق الحارق من قتل أبناءهم*؟ فنحن نلعب بمصير أجيال نورثها حقدا إيديولوجيا أعمى. 6-نتمنى ولمصلحة الوطن أن تتشكل لجنة لتقصي الحقائق برلمانية أو من المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتسليط الضوء على هذه الحقبة وكشف ملابساتها، لينصف المظلومون وتسترد الحقوق ويجبر الضرر وتهدأ الخواطر وتخبو الأحقاد والضغائن، لأن ظهور الحقيقة نصف العدل، وعلى الجميع أن يتحمل المسؤولية وأن لا يوفروا غطاء إيديولوجيا أو دينيا أو سياسيا للإرهاب والقتل. وختاما، بدون شك أن القتل جريمة كبرى في كل الشرائع والقوانين، لكن الجريمة الأكبر أن يعاقب على الجريمة من لم يرتكبها، وأن يتحمل وزرها من لم يجترحها، الجريمة الكبرى أن يحرم أبناء عمر محب من والدهم بجريرة جريمة كل الأدلة تؤكد أنه بريء منها، الجريمة الأكبر أن يقضي طلبة العدل والإحسان 20 سنة من زهرة أعمارهم في جريمة تثبت كل الوقائع والشهود أنهم أبرياء منها، الجريمة الأكبر أن يستمر الجناة والمحرضون والمخططون والمستبدون والفاسدون يغتالون أمن المغرب ومستقبله وتعايشه وشبابه بدون حساب ولا عقاب، والجريمة الأعظم أن نشارك بصمتنا وسلبيتنا وخلافاتنا في ذلك، لأننا حينها نكون كما قالت المناضلة حسناء أبو زيد:"نحن قتلة الحسناوي وآيت الجيد وأومليل وفخيش والفيزازي.".!!! *تحية إجلال وإكبار لوالدة المرحوم الحسناوي التي أعلنت أنها تصفح عن قتلة ابنها، فهي بقلب الأم وعاطفتها ونقاء فطرتها، كانت أما للجميع فتعالت عن مصابها واعتبرت الجاني والضحية أبناءها.