بعد ترسيم العري والتفسخ والتنصير نظرية التطور والارتقاء الإلحادية على شاشة التلفزة المغربية يبدو أن عين الرقابة المسئولة على حماية الأمن الروحي للمغاربة عمياء، لذلك لم تبصر التوظيف السينمائي والتلفزي لعقيدة الصليب وفضاء الكنسية التي تحشر في الأفلام والمسلسلات الغربية والمكسيكية المدبلجة التي تستوردها القناتان الأولى والثانية، مما يجعلها مادة فعالة بيد المنصرين المستهدفين تحويل المغاربة عن دينهم. هذا بالإضافة إلى اشتمالها على مواد يعتبرها الكثير من المراقبين حربا ضروسا على الأمن الأخلاقي للمغاربة، وذلك لتضمنها لعدة أمور منها: - التجرؤ على القيم.. - العري الطافح الموحي جنسيا. - التفسخ الأخلاقي بكل صوره من: - انعدام خلق الحياء والفضيلة والعفة والشرف والأمانة.. - الدعاية للخيانة الزوجية بشكل درامي مشجع لها.. - إقامة العلاقات خارج الإطار الشرعي.. - الكلام البذيء.. - الترويج للسلوك المتسيب.. - نشر ثقافة الحرية الفردية والتحرر من القيود الدينية والعرفية وحتى القانونية.. إلا أن المصيبة تبلغ أوجها عندما يصبح الإلحاد مادة ثقافية تروج في القنوات الوطنية، خصوصا مع الدور الكبير الذي تلعبه الصورة الإعلامية في نشر القيم وتغيير القناعات، ففي الوقت الذي تحرص فيه الدول على حماية ثقافة بلدانها، ومواجهة ما يهدد مقوماتها، ويخدش هويتها، نجد قنواتنا الوطنية تسبح بعيدا عن المقصود منها، وتحلق في شذوذ عن السرب، وتأبى إلا أن تخدم هوية وقيم الغرب، في مشروعه الثقافي الفرانكفوني، وأن تكون وفية لقيمه العلمانية، وتستسيغ ترويج نظرياته الإلحادية الباطلة.. ومن ذلك الشريط الوثائقي المدبلج باللغة العربية الذي بثته القناة الأولى والذي يسوق لنظرة داروين الإلحادية ويشيد بها في مصادمة صارخة لنظرية الخَلق الإيمانية والتي تؤمن أن الله عز وجل خلق آدم من تراب ثم نفخ فيه الروح، فكان بشرا سويا، ثم خلق حواء من ضلعه فكانا أصل السلالة الإنسانية أو الجنس البشري. نظرية النشوء والارتقاء الداروينية لكن الفكر الغربي بعد الثورة على الدين وحربه لكل ما هو إلهي اعتمد النظريات المادية المنكرة لوجود قوة خارج الطبيعة خالقة للكون والإنسان، عقيدة له، وكانت النظرية الداروينية (1809-1882) (كما في كتابه "أصل الأنواع" 1859م)، القائلة: "أن أصل الإنسان قرد، تطورت جيناته، وارتقت أوصافه"، من أسسها. وتقوم نظرية التطور أساساً على أن الأنواع تتطور عضوياً بحيث تنتج أنواعاً جديدة، وكل نوع ينتج نوعاً آخر.. فعن طريق الوراثة المتسلسلة المتتابعة تنتج أنواعاً جديدة، وهذا أمر رد عليه حتى علماء الأحياء الغربيين، ومما ذكروه أن "داروين" لم يكن يعلم هو ولا علماء عصره شيئاً عن ناقلات الوراثة -الجينات- فهذه لم تكتشف إلا بعد داروين بزمان، وهذه الخلايا، كل خلية تحمل كل خصائص الجنس، أي: أن الخلية الإنسانية كأنها مصغر للإنسان ككل.. ولم يكن "داروين" ومن معه يعرفون هذا العلم؛ وإنما نظروا نظرة ظاهرية فقط، وهي أن هناك تشابها بين بعض الحيوانات وبين بعض. فقالوا: يمكن أن هذا أصله من هذا، فحكموا من الشكل الخارجي فقط، ولكننا عندما ننظر إلى الحقائق العلمية الدقيقة، والخلايا وما يتعلق بها، فإننا نجد الفروق المختلفة المتباينة جداً، بحيث لا يمكن ولا يصح بأي حال من الأحوال أن يقال إن هذا الجنس هو أصل لذلك الجنس أبداً. الآثار السلبية لنظرية داروين ومن الآثار السيئة لهذه النظرية تفرع نظرية الانتخاب الطبيعي التي يؤكد صاحبها فيها ضرورة نهاية الجنس الأضعف في مقابل بقاء الجنس الأقوى، مما سوغ ظهور العنصرية العرقية، ومبدأ الافتخار بالعرق، لذا نجد الدول الغربية تعتبر نفسها من أعراق فاضلة مقابل أعراق شعوب العالم، بل اعتمد على هذه النظرية مجرمو الحرب ومقترفو الإبادات العرقية في تصفياتهم للسكان الأصليين لعدة دول كالهنود الحمر في أمريكا، وشعوب "الابوريجينيز" في أستراليا، و"الباسكيمو" بكندا. كما أنها مسخت العقيدة النصرانية عند الغرب التي تنسب خلق الإنسان للرب، فانتشر الإلحاد على نطاق واسع، وكان أخطر ما جاءت به أو ما ترتب عنها هو انتفاء فكرة الغاية والقصد فأصبح ظهور البشر وتطوره أمرا عشوائيا (مما يولد الحيرة والضياع، ولا شك أن هذا هو السبب الرئيسي في ارتفاع نسبة الانتحار في الغرب..). نظرية داروين تجعل الإنسان والحيوان سيان، الأمر الذي يقتل حرص الإنسان على الامتثال للقيم والمبادئ والأخلاق، فما دامت كل عناصر الحياة تقبل التطور فالقيم والمبادئ هي الأخرى خاضعة لهذا التطور، فيصبح لزاما القول بتطور الأديان وأنها خاضعة لنواميس التاريخ وتطورات المجتمعات، وبهذا تضيع الأديان ويصير القول بأن الإسلام مثلا منظم لحياة البشر قولا خاطئا، لأن مبادئه وقيمه ليس لها حد ثابت، ومن هنا نعلم ارتباط الفكر العلماني الداعي لإبعاد الدين عن حياة المجتمعات، بالعقائد الباطلة والإلحادية كنظرية "داروين".. القناة الوطنية الأولى تروج لنظرية داروين والغرب يتنكر لها قناتنا الوطنية الأولى عرضت علينا يوم الأربعاء 10 فبراير المنصرم، الفيلم الوثائقي الذي يتحدث عن نظرية "داروين"، ويصور رحلته التي قام بها، ويشيد بأبحاثه التي استخرج منها نظرية النشوء والارتقاء التي سلم له بها الفكر الغربي المادي بعد ثورته على الدين والكنيسة وتقديسه للعقل والعلوم التجريبية المادية.. لكن الغرب، وبعد ظهور الدراسات العلمية الصحيحة في قضية أصل خلق الإنسان واستبعاد تطور وارتقاء جنسه، بل منذ سنة 1932م تأسست في بريطانيا حركة علم الخليقة وهي أول حركة لأنصار الخليقة في العالم، تناهض نظرية داروين، وفي العقود الأخيرة بدأت بعض دوله تتحفظ من نظرية "داروين". والغريب كما أسلفنا أن القناة الأولى تعمد إلى الترويج لنظرية داروين الإلحادية في الوقت الذي تحتدم الدعوة في البلدان العلمانية الأوربية إلى إعادة النظر في الأخذ بها، كما هو شأن العديد من العلماء والجمعيات البريطانية والأمريكية الذين يسمون بالخليقيون حيث ما فتئوا يناضلون من أجل إبطال نظرية "داروين"، وإثبات نظرية الخلق، أي أن الإنسان خلق على أصله الموجود عليه. وكان آخر ما رد به لإبطال نظرية "داروين"، ما أعلنه فريق بحث من علماء أصول الجنس البشري من جامعتي "كين ستيت" وكاليفورنيا، بعدما كشفوا النقاب عن أقدم أثر معروف للبشر على وجه الأرض، وهو هيكل عظمي إثيوبي يبلغ عمره حوالي أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة أطلق عليه اسم "أردي"، معلنين أن اكتشاف "أردي" يثبت أن البشر لم يتطوروا عن أسلاف يشبهون قردة الشمبانزي، مبطلين بذلك الافتراضات القديمة بأن الإنسان تطور من أصل قرد. وكتب الباحثون في تقريرهم بمجلة "ساينس": "أن "أردي" واحدة من أسلاف البشر، وأن السلالات المنحدرة منها لم تكن قردة شمبانزي، ولا أي نوع من القردة المعروفة حاليا". فمن له المصلحة في أن ينشر الإلحاد في بيوت المغاربة؟ ومن يقف وراء ترويج الفكر الدارويني الإلحادي في إعلامنا الوطني؟ ومن يستهدف عقيدة المسلمين، تارة بالنصرانية في الأفلام والمسلسلات والرسوم المتحركة، وتارة بالعقائد الباطلة، وتارة بالنظريات الإلحادية الزائفة؟