في الوقت الذي عافانا الله سبحانه وتعالى من أنفلونزا الطيور وجنون البقر وأنفلونزا الخنازير..، يصاب الكثير من المغاربة بأنفلونزا أشد خطرا، إنها أنفلونزا الأفلام التركية والمكسيكية والمهرجانات.. "" وهذه الأنفلونزا أشد من الأولى فإن الأولى تفسد الأجساد وقد تقتلها، أما الثانية فإنها تفسد القلوب والأرواح وتقتلها، ورحم الله أحد السلف إذ قال: "عجبا لأمر الناس يبكون على من مات جسده ولا يبكون على من مات قلبه" (ومن غرائب الاتفاقات أن مقابر كثيرة في المدن الساحلية المغربية تجدها قرب الشواطئ بل ملتصقة بها، تعظ وتذكر المار بها، غير أن آلافا من الناس يمرون من وسطها (كما هو الحال في مدينة سلا مثلا) ليبلغوا رمال العري والتفسخ والفجور، دون أدنى إحساس بحقيقة البرزخ..) . نعم قد أصيب الكثير ممن ابتلي من المغاربة بداء إدمان مشاهدة التلفاز وأغلبهن بأنفلونزا الأفلام التركية وقبلها المكسيكية فأثر ذلك تأثيرا كبيرا على سلوكياتهن ولباسهن الذي عرف تمييعا كبيرا حتى صار العاقل يظن أن بعض الفتيات اللائي يشاهدهن في الشارع لربما كن يردن الدخول إلى الحمام أو غرفة النوم فأخطأن الباب ليجدن أنفسهن في الشارع. لقد أصبح الإسلام غريبا عند بعض الناس ممن ينتسبون إلى دين الإسلام إلى درجة أصبحت الزوجة أو البنت تخرج من البيت أمام محارمها وقد وضعت المساحيق ووضعت من الزينة مالا مزيد عنه وعرت من جسدها ما استطاعت، ثم كسرت باب الحياء قبل أن تفتح باب المنزل، لتمتثل عن وعي أو عن تقليد للنموذج الحداثي الذي رغب علمانيو الغرب أن تكون عليه بعدما أعمل كل ما في وسعه لجر الدول الإسلامية لمنحدر العلمانية والحداثة والحضارة القذرة التي تجعل من الجسد أيقونة الحياة ومن الروح شيئا تافها، فالروح حسب التنظير المادي لا تحيى إلا بمتعة الجسد.. ولعل المتتبع لارتباط تطور الزي المغربي النسائي بالإعلام سرعان ما يكتشف أن الأفلام المكسيكية والتركية أنتجت جيلا من الفتيات تخلين عن خلق الحياء وعن الكثير من القيم الإسلامية، لا هدف عند الكثيرات منهن سوى الظفر بفارس مخنث مثل "مهند" أو غيره من ممثلي الإغراء أو أن توجه لها أضواء الشهرة اعترافا بجرأتها في إظهار جسدها العاري، فلباسهن صار لا يغطي غير العورة المغلظة وإلا فغالب الصدر مكشوف، والسيقان والفخذ والأذرع صارت تعريتها من أساسيات الأناقة. وفي الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة من الدولة إعلاما هادفا يساعدهم على وظيفة التربية الحسنة لأبنائهم بعدما فقدوا الأمل في تعليم تنتفي فيه الظروف المناسبة لتحصيل ذلك، تخرج عليهم القناة الثانية التي تمول بأموالهم بإنجاز اعتبرته رديفا للحداثة، تمثل في دبلجة مسلسل مكسيكي بالدارجة المغربية، وبكل استغباء للمغاربة صرح زهير الزيروي مسؤول البث والترجمة بالقناة أن اختيار هذا المسلسل لدبلجته بالدارجة لم يكن اعتباطيا، بل وقع انتقاؤه بناء على وجود شبه على مستوى القيم السائدة داخل المجتمعين.. إن هذا الكلام يدل دلالة واضحة على أن القائمين على الإعلام العمومي يريدون أن تسود في المغرب قيم اجتماعية علمانية سائدة في الغرب. ألا يكفي هذا الانفجار الجنسي الذي عمَّ كل شوارع المغرب حتى صار من بقي لديه حياء يستحيي من المرور بشارع كشارع فال ولد عمير بالعاصمة، نظرا لكونه أصبح ساحة لتباري الفتيات في العري والتهتك والانحلال، في مناظر يخيل لمن لا يعرف حقيقة المغرب أن نساءنا كلهن صرن كنساء المكسيك، فهل هذا هو معنى القرب الذي قصده زهير الزريوي عندما صرح أن قناته الثانية تقوم بانتهاج سياسة القرب عن طريق الترجمة بالدارجة؟ إن دبلجة الأفلام المكسيكية بالدارجة المغربية يقصد من ورائه تمرير ما تروج له من مفاهيم علمانية حول ممارسة الجنس والخيانة الزوجية والتنافس من أجل المال وتحقيق المتع، وهو إجراء ينسجم مع الإعلان العلماني عن منظومة قيم أخلاقية جديدة يجب أن تأخذ مكانها في ممارسات المغاربة، كما يمكن اعتباره استجابة للإملاءات الفرانكفونية المحاربة للغة العربية. كما يمكن اعتباره أيضا آلية من آليات تحقيق الحريات الفردية المتسيبة المخالفة لقيمنا المجتمعية المنبثقة من ديننا الحنيف على مستوى الممارسة، لتسهيل إقرارها قانونيا في المستقبل على المدى المتوسط ريثما تتآكل منظومة القيم الإسلامية بفعل مثل هاته المسلسلات وما تنشره المنابر الإعلامية العلمانية المكتوبة والمسموعة والمرئية، التي تدعو الناس إلى العيش في عالم المتعة الذي يصبح الإنسان فيه مجرد سلعة تستهلك مقابل منفعة مادية تحدد سلفا، عالم لا قيمة فيه ولا خلق سوى ما استجاب لنداء الغريزة البهيمية التي جاء الإسلام من أجل ضبطها حتى يعيش الإنسان بروحه وعقله حياة العبودية التي خلقه الله سبحانه من أجلها.