ظاهرة "التشرميل" التي برزت فجأة وشدت أنظار الرأي العام الوطني وانتباه وسائل الإعلام الدولية، شبيهة إلى حد بعيد بالشهب الاصطناعية تنطلق بسرعة فائقة وتضيء السماء في لمحة بصر وتنتهي بنفس السرعة. الظاهرة/الموضة التي اعتنقها شبان لا يبدو أنهم معوزون، دوخت الناس بعد الحملة التي واكبتها وقدمتها كميليشيات تهدد سلامة الوطن والمواطنين قبل أن تبدأ الهالة في التلاشي. "المشرملون" رواد موضة التسعينات في مطلع تسعينيات القرن الماضي التي تعتبر أزهى سنوات الهجرة إلى الشمال، وأيضا سنوات القمة بالنسبة لتجارة المخدرات وزراعتها، انتشرت في مدن وقرى الشمال موضة الملابس الرياضية وتصفيفة الشعر الإيطالية "coupe italien"، وكانت علامة "نايكي" عنوانا لدخول نادي "المرفحين" وحلما بالنسبة للمراهقين، حينها كان حذاء "النايك" رمزا للشاب العصري والكل يحلم بانتعال ذالك الحذاء الساحر الذي يتجاوز سعره في أدنى الحالات 1000 درهم، وهو مبلغ وازن في تلك المرحلة. بعد حوالي عقدين من الزمن ستظهر ماركة "نايكي" بعد أن فقدت الكثير من بريقها وتحولت من عنوان للتمدن إلى حذاء رياضي يعبر عن قلة ذوق في الشمال على الأقل، عادت "نايكي" إذن لتكون هذه الماركة عنوانا لشكل آخر من المبارزات الشبابية أطلق عليها محترفوها "التشرميل". وهذه المرة كانت فضاءات الدارالبيضاء، أكبر المدن المغربية ومسرح أحلام "المشرملين"، حلبة للتباهي بهذه الماركة التي تشبه علامتها التجارية سيف الساموراي. ورغم ما تداولته الصحف حول "المشرملين" وما تلاها من حملات أمنية شرسة إلا أن انتعال "نايك" مع قصة الشعر الإيطالية المعروفة في أوساط المافيا الإيطالية في سنوات السبعينات وحتى التسعينيات لا يجوز أن يكون قرينة إدانة في حق هؤلاء، وبقي السؤال معلقا هل "المشرملون" البيضاويون محترفو إجرام أم مجرد "معتنقي" موضة؟ "نايكي" تقود إلى السجن مع بداية بروز الظاهرة المعروفة "بالتشرميل" تهافتت وسائل الإعلام وتفننت في توصيف هذه المجموعات، وبحكم الإحساس الدفين والانطباع السيكولوجي المسيطر على سكان العاصمة الاقتصادية تحولت الظاهرة إلى وصم يلاحق كل من انتعل حذاء "نايكي" مع تسريحة شعر "إيطالية". فباستثناء بعض الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام لبعض الشبان يحملون سيوفا وتتوفر فيهم نفس مواصفات "المشرملين" لم يتم تقديم أدلة كافية على تورط هؤلاء في أعمال إجرامية، وحتى الصور المتداولة بعضها لا علاقة له بالظاهرة فبعض الصور تعود لشباب كان يشارك في "الحضرة" أو في طقوس موروثة من الشيعة "عاشوراء". لكن انتشار الجريمة والاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون في شوارع البيضاء دفعت الناس إلى تصديق الروايات المتداولة عن الظاهرة بغض النظر عن مدى صحتها. بعد وصول الظاهرة إلى ذروتها الإعلامية وبداية بروز "تجاوزات" في حق شبان لمجرد الاشتباه فيهم، خاصة بعد تداول وسائل إعلام لأخبار وشهادات تؤكد تورط رجال سلطة وأمنيين في حلق رؤوس بعض "المشعككين" واعتقال كل من تجتمع فيه صفتي "نايكي" وتسريحة الشعر، بدأت حماسة الجميع في التراجع وأخذ التفكير الهادئ يعود للمتتبعين. في الأحاديث اليومية على مقاعد المقاهي وعلى متن سيارات الجرة والحافلات وحتى القطارات العابرة للمدينة، أكثر الروايات المتداولة حاليا، تشكك في حقيقة "التشرميل"، بعض هذه الدردشات المسموعة تتغطى بسؤال مهم، كيف لشباب ينتعل حذاء قيمته تتجاوز 1000 درهم ولباس رياضي رفيع وساعات قيمة أن يكون محترفا الإجرام أو سارقا؟ أمر محير فعلا...