1- من العار أن تحتفل الدولة المغربية الحديثة بمرور ألف ومائتي سنة على تأسيسها، ومع ذلك، أي مع كل هذا العمر الطويل، بمجرد أن تتهاطل مليمترات قليلة من الأمطار على مدنها وقراها، يموت الناس بالعشرات، في الوقت الذي تعيش فيه دول القارة الأوروبية المجاورة لنا، وأمريكا والصين واليابان وغيرها من دول العالم المتقدم تهاطل الأمطار بشكل مسترسل، وبكميات غزيرة على مدار السنة، دون أن نسمع عن سقوط ضحايا. تعمّدت عقْد هذه المقارنة، رغم عدم جوازها، فقط من باب السخرية والتندّر من المسؤولين المغاربة، الذين لا يخجلون من أنفسهم عندما يصرحون بأن المغرب كان أول بلد يعترف باستقلالية الولاياتالمتحدةالأمريكية في القرن الثامن عشر، رغم أن هذه الأخيرة، ورغم "حداثة" سنها، صعدت إلى السماء في رمشة عين بفضل ديمقراطيتها الحقيقية، وتركت المغرب "العجوز" الذي كان أول من اعترف باستقلاليتها يعيش أسفل سافلين! 2- إن الأرواح التي تتساقط عندنا هذه الأيام بالعشرات ليست الأمطار مسؤولة عن إزهاقها، وإنما "المسؤولون" الذين يسيّرون شؤون هذه المملكة الحزينة هم المسؤولون عن ذلك. فلو كان هؤلاء يعملون لحساب المصلحة العمومية عوض مصلحتهم الخاصة، لكان المغرب يتوفر على بنية تحتية وفوقية قوية، ولما خلفت الأمطار التي تتهاطل من سمائه اليوم أي خسائر، لا في الأرواح ولا في البنيان. هؤلاء "المسؤولون" الذين يأكلون أموال الشعب ويستنزفونها ويحولونها إلى أرصدتهم البنكية هم المسؤولون عما يجري، وهم من يتحمل مسؤولية إزهاق الأرواح التي صعدت وما زالت تصعد إلى السماء تباعا. فلا يجدر بنا أن نلوم هذه الأمطار إذن، بل علينا أن نلوم هؤلاء المجرمين! 3- نعم، إنهم مجرمون، وكيف لا نسميهم كذلك، وهم الذين يشيّدون "المدن" على جنبات الأودية وحتى في باطنها، وفي أماكن مهددة بالسيول والفيضانات، على الرغم من أنهم يعرفون مسبقا أن ذلك يشكل خطرا حقيقيا، وتهديدا مستمرا لحياة المواطنين وممتلكاتهم. والكارثة الأكبر هي أنهم حتى عندما ينشؤون هذه "المدن"، لا يجهزونها بالبنية التحتية اللازمة، من أجل تصريف مياه الأمطار، أضف إلى ذلك أنهم يخلقون "مدنا" للسكن الصفيحي، مع ما يشكله هذا "السكن" على حياة الناس من مخاطر لا تعدّ ولا تحصى. هؤلاء جميعا، يستحقون أن يمثلوا أمام محاكم الجنايات، بتهمة قتل المواطنين الأبرياء عن سبق إصرار وترصّد! 4- إن من حق أي مواطن مغربي أن يشعر بالخزي والعار وهو يرى طرقا بكاملها تذهب أدراج الرياح بفعل مياه الأمطار رغم حداثة تشييدها، والقناطر التي بنتها وزارة التجهيز تتهدم فوق الأودية "بحال يْلا بْناوها بالما والزميطة"! في الوقت الذي ما تزال فيه الطرق والقناطر التي شيّدها الاستعمار الفرنسي والاسباني بسواعد المغاربة إبّان فترة الحماية خلال النصف الأول من القرن الماضي صامدة إلى حدود اليوم. إن مشكلتنا الكبرى والعويصة تكمن في غياب المحاسبة والعقاب، فمع كل فصل شتاء تتكرر نفس الكوارث، وتزهق أرواح المواطنين وكأنهم مجرد حشرات، دون أن نسمع عن فتح أي تحقيق، لا من طرف البرلمان ولا من طرف أي جهة أخرى، حتى صار إزهاق أرواح المغاربة الأبرياء وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم شيئا عاديا مع كل موسم أمطار، فما حدث هذه السنة، سبق وأن وقع مثله في السنة الماضية، هل تمّ فتح أي تحقيق؟ بالعما يْلا شفنا شي حاجة! 5- ولكن، ما الجدوى من فتح أي تحقيق؟ الم يسبق لهم أن فتحوا تحقيقات انتهى مصيرها كلها إلى رفوف النسيان؟ لقد فتحوا تحقيقا في أحداث سيدي إفني الأليمة، وعوض أن يعاقبوا الذين اعتدوا على المواطنين، فعلوا العكس وعاقبوا المواطنين! وفي كل سنة يصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا يجْرد فيه الاختلالات المالية والتسييرية التي تعرفها الجماعات الحضرية والقروية والمؤسسات العمومية، وتنتهي هذه التقارير بدورها إلى رفوف الإهمال والنسيان، حتى أن أحمد الميداوي، لم يُخرج بعد تقرير مجلسه بخصوص السنة الماضية إلى حيّز الوجود، رغم أن القانون يلزمه بذلك، لاعتقاده ربما، أن تقارير مجلسه بلا جدوى ولا فائدة. 6- وإذا كانت الدولة المغربية دولة لا يحاسب فيها المسؤولون حتى عندما يرتكبون أخطاء فظيعة، فالذي يجب فعله هو وضع حدّ لهذا الإفلات من العقاب. أجل، يجب وضع حدّ لهذه "السيبة"، فكرامة المواطن المغربي يجب أن تصان، وكفى من الاستهتار بها. والبداية يجب أن تكون من مدينة مكناس، التي قضى فيها أكثر من أربعين شخصا لحد الآن، بعد انهيار صومعة وجزء من سقف مسجد "باب بردعاين". يجب أن يتم فتح تحقيق شامل وعاجل في هذه الكارثة الإنسانية، و "رأس الخيط" الذي يجب أن ينطلق منه التحقيق هو ما جاء على ألسنة السكان الذين قالوا بأنهم سبق أن اشتكوا للسلطات المحلية من أن مئذنة المسجد توجد بها تصدعات وشقوق أدت إلى تساقط أجزاء منها، وتخترقها في الأسفل قناة للصرف الصحي . فإذا صحّ هذا الكلام، وكانت هناك فعلا شكايات وتحذيرات سابقة من طرف هؤلاء السكان، فمسؤولو السلطة المحلية بعين المكان يجب أن يمثلوا أمام المحكمة كي يكونوا عبرة للآخرين، لعل وعسى أن يتوقف هذا الاستهتار المريع بممتلكات وأرواح المغاربة، أما زيارة وزير العدل محمد الناصري إلى الجرحى في المستشفى، وإن كانت مبادرة إنسانية جيدة، إلا أنها وحدها لا تكفي. يجب على السيد الناصري أن يفتح تحقيقا شاملا ويسهر على الوصول به إلى النهاية، حتى لا تظل زيارته إلى المستشفى لعيادة الجرحى مجرد عملية لذرّ الرماد في عيون أهالي الضحايا! [email protected] mailto:[email protected]