لم أشهد صورة أجمل في حياتي من صورة معتقلي تغجيجت الأربعة البشير حزام وعبد العزيز السلامي ومحمد شويس وأحمد حبيبي لحظة الإفراج عنهم ، الجميل في الصورة لا يتبدى في كون شخوصها ينتمون لبلدة واحدة وجمعتهم قضية واحدة ، ولكن جماليتها تقرأ دلاليا عبر استنطاق المنطلقات المرجعية لكل فرد من شخوص الصورة . وبالنظر إلى الانتماءات الإيديولوجية لمعتقلي تغجيجت السابقين يستحيل على الخبير بالبنية الفكرية للساسة المغاربة تصديق إنجماع أشخاص ينتمون لمرجعيات متصادمة ومتحاربة على فكرة واحدة وقضية واحدة ، لذلك علينا أن نبشر خبراء العلوم السياسية العرب والمغاربة بمدرسة فكرية وسياسية جديدة أسميها اختصارا " مدرسة تغجيجت " والتي سأعرض أهم ملامح تشكلها بالمقارنة مع مواقف التيارات السياسية التي ينتمي إليها هؤلاء المناضلون ، لذلك علينا ألا نتنازل عن الدعوة إلى منحهم جائزة " نوبل " للسلام مناصفة لتغليبهم نوازع حب الوطن على مخدرات الإيديولوجيا السياسية . ورغم عدم تكامل أجزاء الصورة بسبب الحبس القسري للمدون أبوبكر اليديب و مسير مقهى الإنترنيت عبد الله بوكفو واللذان ينطلقان من مرجعيات أمازيغية تنتصر للحق التواصلي باللغة الأم لمكون ثقافي له جذوره العميقة في التاريخ المغربي ، إلا أن دلالات التشكل النهائي لمدرسة تغجيجت تم التعبير عنها ابتداء من اعتقال عبد العزيز السلامي عضو حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و محمد شويس عضو التنظيم الطلابي اليساري النهج الديمقراطي القاعدي ، وانتهاء باعتقال البشير حزام عضو جماعة العدل والإحسان والذي دافع عن عضوي التنظيم اليساريين عبر مدونته انطلاقا من مقهى الانترنيت المملوك للناشط الأمازيغي عبد الله بوكفو ، ليستكمل مسلسل تشكل المدرسة بعد اعتقال أبوبكر اليديب الناشط الأمازيغي على خلفية دفاعه عن المعتقلين الثلاثة ومعهم أحمد حبيبي عضو الفرع المحلي " لأطاك المغرب " وعبد الله بوكفو مسير مقهى الإنترنيت بتغجيجت . كثير من المتابعين للوضع السياسي المغربي يتذكرون تصريحات الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي أحمد بن جلون لقناة الجزيرة القطرية عشية الانتخابات البرلمانية الأخيرة حينما طلب منه الإعلامي الحبيب الغريبي أن يعقب على تصريحات مسؤولة القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان ندية ياسين والتي عبرت فيها عن رفض جماعة العدل والإحسان المشاركة في الانتخابات البرلمانية ، قال بن جلون " نحن لا يجمعنا أي شيء مع هذه السيدة لا في الدنيا ولا في الآخرة " ، وكثير من المتابعين لا تخفى عنهم اشتراطات المرشد العام لجماعة العدل والإحسان لتوافق المكونات السياسية على ميثاق جامع لإنقاذ الوطن من عبثية الانتهازية والوصولية السياسية والتي أوردها في كتابه " حوار مع الفضلاء الديمقراطيين " إذ يشترط مرشد الجماعة التقاء الفرقاء السياسيين على أرضية الإسلام دون غيرها من المرجعيات . وحينما دافع البشير حزام عن عبد العزيز السلامي ومحمد شويس لم يشترط عليهم التخلي عن قناعاتهم الماركسية التي يحملونها ، وعندما عانق الرفاق البشير حزام لم يشترطوا عليه التخلي عن " ظلاميته " التي ينعت بها الماركسيون معتنقي المرجعيات الإسلامية . من الأسباب الرئيسية لقتل العمل النقابي والسياسي للمنظمة الطلابية المغربية " الاتحاد الوطني المغرب " نشوب الاقتتال بين المكونات السياسية للمنظمة الطلابية ، فلا يمر أسبوع أو شهر دون الاقتتال الحقيقي بين الماركسيين والإسلاميين من جهة ، وبين الماركسيين والأمازيغيين من جهة ثانية . فالماركسيون يتهمون الإسلاميين " بالظلامية والرجعية " ويتوعدونهم بالقتال الأبدي بالشعار المشهور " لا بديل ، لا بديل عن مواجهة القوى الظلامية " ، والإسلاميون يتهمون الماركسيين بالكفر والزندقة والإلحاد . ومن الجانب الآخر يحارب الماركسيون الأمازيغيين لأنهم يحيون النعرات الطائفية والعرقية المرفوضة عندهم بينما يدافع الأمازيغيون عن أطروحاتهم ضد الماركسيين بنفي الخطاب العنصري عن قناعاتهم . وبسبب هذه التشنجات التافهة ذبح طلاب بسيوف زملائهم ، وأصيب آخرون بإعاقات جسدية ونفسية مستدامة بفعل طعنات زملائهم في طلب العلم ، وبسبب مخدرات الإيديولوجيا عاشت أسر فقيرة ومسالمة عذاب فقد أبناءهم وخربت عائلات بعينها وأصيبت أمهات بالسكتات القلبية وأصيب آباء بالأمراض العقلية . وعلى المتابع تصور حجم الخدمات التي سيستفيد منها الطلاب المغاربة وجميع طلاب العالم لو تم الاقتداء بأفكار مدرسة تغجيجت في الوحدة والتوافق على أرضية مشتركة واحدة تجمع ولا تفرق ، تزرع الثقة وتحارب مخدرات الإيديولوجيا والتعصب المجاني . وعلينا تصور وضعية الجامعة المغربية عندما يفكر جميع الطلبة القاعديون كما يفكر الطالب القاعدي محمد شويس ، وعندما يفكر جميع الطلبة الإسلاميون مثلما يفكر المدون البشير حزام ، علينا تصور وضعية المجتمع المغربي عندما يفكر جميع المنتسبين للتيار الأمازيغي مثلما يفكر المدون أبوبكر اليديب ومسير مقهى الإنترنيت عبد الله بوكفو . النتيجة طبعا سيتوحد الطلاب صفا واحدا من أجل الدفاع عن مطالبهم النقابية العادلة دون مخدرات إيديولوجية ، والنتيجة الأهم أنهم سيوجهون طاقة الاقتتال الطويل نحو الاقتتال ضد الجهل والتعصب ، وحينها لن يكون بمقدور أي طالب مغربي الخوف على حياته وهو يلج مدرجات الجامعة ، لن يكون بمقدور أي عائلة مغربية الخوف على فلذات أكبادها من تجار المخدرات الإيديولوجية قاتلهم الله . وفي الأخير أطالب جميع المكونات الحقوقية والسياسية المغربية بتوشيح البشير حزام مرشدا روحيا رمزيا لجماعة العدل والإحسان ، وعبد العزيز السلامي كاتبا عاما رمزيا لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، ومحمد شويس كاتبا عاما فعليا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وأبوبكر اليديب مديرا رمزيا لفرع اليونسكو بالمغرب . كما أطالب القيمين على جائزة نوبل للسلام بمنحهم الجائزة مناصفة لدورهم البطولي في تخفيف حدة الاحتقان السياسي والطلابي بالمغرب .