يبدو أن جراحنا لا تكاد تندمل، حتى ندميها مرة أخرى. وكأن هذا الحزب قدره أن بأنكل أبناءه بلا رحمة وبلا هوادة. قدمنا الكثيرين قرابينا ونحن نعارض نظام الحسن الثاني، وتخلينا عن الكثيرين و نحن نوالي نظامه ونظام ولي عهده. أقدرنا أن نكبر كخليه سرطانية، كلما زاد حجمها زاد ضررها بمحيطها؟ أضروري أن ننزل من السفينة كلما اختلفنا مع ربانها؟ أضروري أن يرمي الربان من على ظهرما كل من انتقده أو اختلف معه؟ منذ بدأنا الرحلة، ونحن نسمع عن المجموعات، وكأننا في حصة للرياضيات. مجموعة عبد الله ابراهيم، مجموعة الفقيه البصري، مجموعة رفاق الشهداء، مجموعة نبير الأموي، مجموعة محمد الساسي، وبقليل من الحظ كنا سنجد أمامنا مجموعة محمد الكحص بعد ابتكار "اللائحة السوداء" في المؤتمر الوطني السابع، ثم مجوعة محمد اليازغي، وأخيرا وليس آخرا مجموعة أحمد الزايدي أو أحمد رضا شامي أو محمد اليازغي، فالتسميات تختلف غير أن الجرح واحد. خسر الأخ أحمد الزايدي، بانتخابه رئيسا للفريق الاشتراكي، وخسر الأخ الكاتب الأول بفرضه"ديمقراطيا" الأخت حسناء أبو زيد على رأس الفريق. وخسرنا معهما هيبتنا و ماء وجهنا أمام الأحزاب و المجتمع. عندما يصبح الدستور مسوغا للتمرد الحزبي، وعندما يصبح النظام الحزبي أكثر قدسية من الدستور، فنحن ندخل مرحلة العبث السياسي والتنظيمي. فلنسم ما حدث ما شئنا، ولنختلف حول زاوية النظر بين دستور للأمة، ودستور للاتحاديين. ستكثر التحليلات، وتتناطح النظريات، لكن كلها وبدون استثناء حق يراد به باطل. لأن النتيجه واحدة ووحيدة وهي جعل جراحنا أكثر غورا، وجعل الصليب أكثر ثباتا بدق مزيد من المسامير في الذات الاتحادية. بأي وجه سيجالس الأخ الكاتب الأول زعماء الأحزاب، ويدلي بأرائه، وهو لا يحظى باحترام جنوده تحت قبة البرلمان؟ بأي لسان سيعارض الأخ أحمد الزايدي وهو يتمرد على أكبر هيأة حزبية بعد المؤتمر؟ عنما كنا كاتحاديين نفاوض من أجل بداية مسلسل التناوب التوافقي، وعندما اقترح الأخ محمد اليازغي أن يتولى المخزن حقيبة الداخلية باستثناء ادريس البصري، أجابه الحسن الثاني" حتى تعرف أش كيدور فالحزب ديالك عاد تكلم على دار المخزن". ربما لم يتسنى لنا أن نعرف ماذا كان يحدث، لكننا حتما نواجه النتائج المرة. خدعة "الوزن السياسي للاتحاد" التي ابتكرها الأخ محمد اليازغي وهو يفاوض على الكعكة الحكومية، لن تنطلي على أحد. عندما تصبح مؤسسة مثل اللجنة الادارية بلا هيبة، فنحن لا نحترم وزننا السياسي فكيف سنحترم؟ عندما نسارع لعقد لجنة ادارية لنستفيد من قربنا من "السيليسيون" فلن نزكم الا أنوفنا لندخل في غيبوبة. بينما يبقى "السيليسيون" سليسيونا. غاب صوت العقل في الاتحاد منذ غابت روح "عبد الرحيم بوعبيد"، غابت الوطنية الصادقة منذ صلبنا "عبد الرحمان اليوسفي" فوق عمود "استكمال الاوراش" و ما تبقى من رحلة النار أنها أكلت بعضها البعض: وزارة بدون حقيبة، اقالة الكاتب الأول، الركض خلف العدالة والتنمية، الركض خلف الوزارة، مؤتمر بجولتين، موتمر بعيون مخزنية..والبقية تأتي. وكأن قادتنا خارج الزمن، وكأن نظريات تدبير الاختلااف لا تعنيهم، وكأن مهارات القيادة لا تعنيهم، وكأن العلم لا يعنيهم، وكأنهم لا يقرأون الا ما يكتبون، وكأنهم لا يصدقون الا ما يكذبون، وكأنهم لا يرون أكثر من مقر "العرعار". بالأمس لم نكن بحاجة إلى أكبر مقر حزبي في افريقيا لنصل إلى الجامعة، لم نكن بحاجة إلى كثرة السفريات لنوصل صوتنا للعالم. كان يكفي أن ينطلق "عبد الرحمان اليوسفي" ليقذف بالحق باطل الانفصاليين، ويعود منتصرا. لأنهم يعرفون مصداقيته ووطنيته. أي مصداقية لقائد يقبل "وزارة بدون حقيبة" ولو كان أعلم المغاربة بملف الصحراء؟ أي مصداقية لقائد لا يحظى باحترام جيشه؟ وأي مصداقية لجيش لا ينظبط لقيادته؟ وأي مصداقية لنا ونحن نتكلم عن خصال ديمقراطية لا تنحلى بها؟ شكرا لكما جميعا، فقد نجحتم في النيل من صورتنا أيها الرفاق. شكرا لأبناء المخزن من المعسكرين على التفنن في جلدنا وسلخنا. شكرا لمن يقطعون المغرب شرقا وغربا من أجل التهريج السياسي، وبناء أغلبيات على المقاس، قتلتم بالأمس مؤسسة الشبيبة الاتحادية والتي أخرجت أسماءا وازنة وجعلتموها ثكلى لا تلد إلا "فلالس الدواوين". شكرا لوأد صوت المفكرين و المثقفين في الحزب، وتعويضهم بأصحاب "الشكارة" و الاميين. نجحتم فيما فشل فيه النظام بعسكره، وداخليته، ومخزنه، وآلته التعذيبية. شكرا لأبناء المخزن من المعسكرين. وكاتحادي يؤمن بالفكرة، مازلت مؤمنا أنا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يحمل في أحشائه قوة ثالثة، قريبة من الوطنية بعيدة عن "الوثنية الوزارية" تؤمن بأن هذا الوطن لن تقوم له قائمة بتبخيس السياسة. وأن قوة الساسة في وطنيتهم وأخلاقهم و نكران ذاتهم. وبالتالي عاجلا أم آجلا سينتفضون. عاجلا ام آجلا سيخرجون ببديل. كما أومن أن من يبخسون السياسة، ليسو سوى حزمة من "الحشاشين" الذين حجزوا مسبقا مقعدهم في مزبلة التاريخ. وأن الأجيال القادمة لن تذكرهم مستقبلا إلا مردوفين بكلمة "حشاكوم".