أثرت الخلافات الشخصية الحادة بين قياديي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على أجواء انعقاد المؤتمر التاسع خاصة بعدما أكد الكاتب الأول عبد الواحد الراضي عدم تجديد ولايته الشيء الذي تجسد من خلال التسابق المحموم على خلافته، والاختلاف الحاد على مسطرة انتخاب خلفه. -1 التسابق المحموم نحو رئاسة الحزب اتسمت أجواء التحضير لهذا المؤتمر بتدافع العديد من القياديين حول الحصول على منصب الكتابة الأولى للحزب وإعلان ترشيحاتهم، قبل أن تقر اللجنة التحضيرية في مسطرة انتخاب الكاتب الأول المقبل للحزب . فقد سارع بعض القياديين، من داخل المكتب السياسي، إلى إعلان ترشيحهم لخلافة عبد الواحد الراضي خارج المساطر والضوابط القانونية التي لم يتم الحسم فيها من لدن اللجنة التحضيرية للمؤتمر. وقد أثار ذلك الامتعاض داخل صفوف الاتحاديين من هذا التسابق حول إعلان الترشيحات للكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي، بالإضافة إلى استياء بعض أعضاء اللجنة التحضيرية، بالنظر إلى أن هذه الترشيحات تربك عمل اللجنة التحضيرية، وتسهم في خلق انقسامات قوية داخل الحزب. وقد احتدم هذا التسابق المحموم، وارتفعت حمى التنافس بين أعضاء المكتب السياسي، خاصة بإعلان لشكر عن نيته للترشح لرئاسة الحزب، خلال إحدى جولاته بالمناطق الصحراوية للحصول على مساندة بعض أعيان الحزب لترشيحه. وبهذا الصدد كتب أحد الصحافيين ما يلي: "أسر إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، لأحد أقطاب الحزب بجهة الصحراء، بأنه ينوي الترشح للكتابة الأولى للحزب، خلفا لعبد الواحد الراضي. وقالت المصادر نفسها إن لشكر لم يخف انشغاله بقيادة الحزب في المرحلة المقبلة، خلال جولة قام بها إلى منطقة الصحراء، حيث أشرف على هيكلة ثلاث كتابات جهوية بكل من السمارة والداخلة والعيون، وهي الجولة التي رافقه خلالها، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، حسن الدرهم. وقالت المصادر إن لشكر نجح في إقناع الكثير من أعيان الحزب بمنطقة الصحراء بجدوى ترشيحه لخلافة الراضي، وهو الأمر الذي يمكن أن يدعمه بشكل قوي بالنظر إلى حجم وتمثيلية أقاليم الجنوب في المؤتمر الحزبي المقبل. ووفق مصادر «الصباح» فإن إدريس لشكر، الذي قضى أكثر من أسبوع متنقلا بين مدن الصحراء بجهاتها الثلاث، سعى إلى استمالة أصوات أقاليم الصحراء، من خلال توظيف انتمائه إلى «تغجيجت»، إحدى مناطق جهة كلميم، وتقديم نفسه مرشحا وحيدا يتحدر من الصحراء. ووفق كواليس اللقاءات الجانبية التي جرت بين عضو المكتب السياسي وبعض أقطاب الحزب في الصحراء، فإن إدريس لشكر يعول على دعم القواعد الحزبية في الأقاليم الجنوبية، قبل حسم موقفه النهائي بشأن سباقه لقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي. ويزيد إعلان إدريس لشكر نفسه مرشحا للكتابة الأولى للحزب، حدة التنافس بين المرشحين لخلافة الراضي، إذ برزت مجموعة من الأسماء القيادية، منهم من أعلن ترشيحه للكتابة الأولى علنا، كما هو الشأن بالنسبة إلى الحبيب المالكي، ومنهم من اختار التريث قبل حسم موقفه نهائيا كما هو الشأن بالنسبة إلى فتح الله ولعلو، الذي يدعمه الكاتب الأول للحزب عبد الواحد الراضي، وأحمد رضا الشامي، مدعوما من طرف محمد اليازغي..." 2- الاختلاف حول مسطرة انتخاب رئيس الحزب في سياق التسابق المحموم حول خلافة الراضي، وتراكم الخلافات الشخصية بين أعضاء القيادة الاتحادية، كان من الطبيعي أن يحتدم النقاش حول مسطرة اختيار أعضاء المكتب السياسي، وطريقة انتخاب الكاتب الأول المقبل للحزب. إذ دافع بعض القياديين عن أن تكون عملية الاختيار بشكل مباشر من المؤتمرين الحاضرين، بالمقابل، رأى البعض أن يقتصر انتخاب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي على أعضاء المجلس الوطني، في حين يلعب جهاز اللجنة المركزية دور الوسيط بين المجلس الوطني والمكتب السياسي. كما تركز الخلاف حول مسطرة الترشيح، ذلك أنه في الوقت الذي دافع طرف عن أن تقدم الترشيحات بشكل منفرد، ويمنح المؤتمر لكل مرشح القيام بحملته داخل الفروع الحزبية والأقاليم، دفع فريق آخر نحو اختيار الكاتب الأول من داخل المؤتمر، يليه المكتب السياسي، في حين كان يقترح طرف ثالث أن تشمل مسطرة الانتخاب منح الكاتب الأول المنتخب، حديثا، صلاحية اختيار أعضاء المكتب السياسي، على أساس التصويت على فريقه من طرف أعضاء اللجنة الإدارية للحزب. وقد لعبت الخلافات الشخصية والحسابات السياسية للقياديين، خاصة أولئك المتنافسين حول رئاسة الحزب دورا كبيرا في احتدام الاختلاف وتباين المواقف بشأن مسطرة انتخاب الكاتب الأول المقبل للحزب. ولعل هذا ما عكسته نقاشات أعضاء المجلس الوطني للحزب بهذا الخصوص، حيث دافع غالبية أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، عن تبني مقترح يروم اعتماد النظام الفردي في انتخاب الكاتب الأول للحزب خلال أشغال المؤتمر الحزبي المقبل لقطع الطريق على محاولات محمد اليازغي، الكاتب الأول السابق للحزب، إقرار نظام انتخاب للكاتب الأول للحزب يعتمد ترشيح الأخير رفقة لائحة المكتب السياسي، إذ يكون الاسم الأول على رأس اللائحة هو المؤهل لشغل منصب زعيم الحزب. فعلى الرغم من محاولات اليازغي إقناع قادة داخل المكتب السياسي بوجاهة اقتراحه، فقد فشل بسبب رفض غالبيتهم الدفاع عن تصوره، نظرا لأن بعضهم قرأ في موقفه خطوة من اليازغي نحو العودة إلى مقعده في الكتابة الأولى للاتحاد. كما أن الكاتب الأول للحزب عبد الواحد الراضي اعترض على فكرة أن يتم الانتخاب الفردي للكاتب الأول في دورتين لاشتراط أن يحصل المرشح على الأغلبية المطلقة بنصف عدد الأصوات زائد واحد، مبديا تحفظه على تمديد عملية التصويت في دورتين. وقد حسم المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في طريقة انتخاب الكاتب الأول للحزب خلال المؤتمر الوطني التاسع، وذلك بالتصويت عليه في دورتين. كما قرر المجلس الوطني أن يقترح الكاتب الأول المنتخب لائحة أعضاء المكتب السياسي تعرض على أنظار اللجنة الإدارية للمصادقة عليها. وبرز خلال اجتماع المجلس توجهين أحدهما يقودها إدريس لشكر الذي دافع عن طريقة التصويت في دورة واحدة، وتوجه آخر بقيادة أحمد الزايدي رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب وأحد المرشحين لخلافة عبد الواحد الراضي، والذي دافع عن إجراء انتخاب الكاتب الأول للاتحاد في دورتين، الشيء الذي أقلق إدريس لشكر الذي كان يتخوف من أن يتم التحالف ضده في الدور الثاني. أما فيما يخص انتخاب الأجهزة التقريرية للحزب، فقد قرر المجلس أن يقوم الكاتب الأول الجديد باقتراح لائحة للمكتب السياسي، تعرض على اللجنة الإدارية للحزب التي يصل عدد أعضائها إلى 300 عضو مع فتح المجال لأعضاء اللجنة الإدارية للترشح الفردي. وبخصوص طريقة انتداب المؤتمرين، صادق المجلس الوطني على انتخاب 75 في المائة من المؤتمرين بناء على عدد الأصوات المحصل عليها في آخر محطتين انتخابيتين حسب كوطا لكل إقليم حسب أصواته في الانتخابات، واعتماد 25 في المائة من المؤتمرين حسب نسبة المنخرطين في صفوف الحزب حسب كل إقليم. 3- حدة المنافسة الانتخابية انحصرت المنافسة على الأمانة العامة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي في أربع قياديين، هم: فتح الله ولعلو، وإدريس لشكر، وأحمد الزايدي، والحبيب المالكي، بعد انسحاب محمد الطالبي من التنافس. لكن بدا منذ الوهلة الأولى أن التنافس سيتمحور بين كل من لشكر وأحمد الزايدي ، بخلاف كل من الحبيب المالكي وفتح الله ولعلو، اللذين عرفا كوجهين اتحاديين التصقا بالتجربة الحكومية للكاتب الأول السابق عبد الرحمان اليوسفي وما نجم عنها من تشتت وتراجع الحزب. - أحمد الزايدي والرهان على الجيل الجديد كان أحمد الزايدي يتوفر في هذه المنافسة على ميزة كونه لم يسبق له أن شارك في الحكومة، إضافة إلى أنه كان من المعارضين لاستمرار مشاركة حزبه في الحكومة بعد عام 2002، وهي ميزة قوية في سياق يوجه فيها الكثير من أعضاء الحزب أصابع الاتهام إلى التراجع الكبير الذي عرفه في السنوات الأخيرة يعود إلى استمراره في الحكومة. وقد نجح أحمد الزايدي، رئيس الفريق الاشتراكي في مجلس النواب، في إقناع عدد من الوجوه الجديدة في حزب القوات الشعبية للالتحاق بركبه وهو يدخل سباق المسافات الطويلة، من أجل مقعد الكاتب الأول للحزب. كما بنى الزايدي استراتيجته الانتخابية على الخروج بالحزب من أزمته التنظيمية وتجديد بنياته الهيكلية. فالاتحاد يمر بأزمة عميقة وخطيرة. ولذلك يعتبر دعوته اليوم من أجل أن يتحمل الجميع المسؤولية السياسية والأخلاقية والتاريخية لتصحيح وتجديد الاتحاد الاشتراكي. فحزبنا يعيش أزمة، يقول الزايدي، وهي الأخطر في تاريخه، ترجمت بتجميد الكثير من أبناء الحزب لنشاطهم وفقدانهم للثقة، وعجزه عن إدماج واستقطاب الطاقات الجديدة، وخاصة الشبابية والنسائية منها، مما أنتج نقصا حادا في تطوير وبلورة تفكير جماعي حول الأسئلة والقضايا التي تهم مواطنينا ومستقبل وطننا. وإذا كانت الأسباب العميقة في أزمة الحزب متعددة ومتداخلة، فإن الزايدي يعتبر أن هناك ثلاثة أسباب تحتل الصدارة أولها العجز عن إنتاج القيم بعد أن اخترقت الحزب الكثير من أمراض وأعطاب المجتمع كالحلقية، والوصولية وفقدان حس الصالح العام، والأنانية، وثقافة الريع، وضعف إعادة إنتاج القيم الفكرية والأخلاقية للاتحاد. وهو ما أفقد الحزب جاذبيته الأخلاقية. أما ثاني الأسباب، حسب أحمد الزايدي، فهي التي تعني التنظيم حيث تمادى الحزب في إغلاق مؤسساته وبنياته، مكتفيا بصراعات مواقع مدمرة ولا معنى لها، مست بالسوء سمعته كحزب ذي رسالة. وعلى مستوى القيادة، ظل الحزب يعاني كثيرا من غياب قيادة معبئة حول مشروع سياسي، عصري، ذي مصداقية. وبالتالي، فهو يرى أن «معركة التجديد لا بد أن تنطلق من تقوية روابطنا وعلاقتنا بالشباب، الذي شكل محركا أساسيا لكل معاركنا ومعارك شبابنا من أجل الحرية والكرامة والعدالة، خاصة أن جزءا غير يسير من شبابنا هو في حالة قلق دائم وتوجس من المستقبل، مما يجعل العمل معه لبناء مغرب العدالة والعقلانية خيارا استراتيجيا. - إدريس لشكر والرهان على القيادة الجريئة لخص إدريس لشكر مشروعه لقيادة الحزب في القول إن الاتحاد في حاجة إلى قيادة جريئة، وغير مجاملة لاستعادة المبادرة وفق شعار "مقاربة شمولية وهوية بارزة وأداة متجددة من أجل استعادة المبادرة". ولذلك فالأمر يحتاج إلى قيادة لا تمارس سياسة مجاملة ونازلة أو متهورة وهادئة، خصوصا أن استعادة المبادرة يتطلب نفسا طويلا للتمكن من تغيير موازين القوى". بحماسه وقدرته على خلق الجدل والبوليميك أينما حل، اعتبر لشكر أن مشروعه لقيادة الاتحاد يرتكز على أربعة محاور تتمثل في انبعاث المشروع الاشتراكي الديمقراطي، والنهضة المغربية المتأصلة والمنفتحة على الإنسية العالمية، والتحرك المتميز في المجال السياسي والعمل من أجل تطوير المنظومة السياسية برمتها، وبناء اتحاد الغد لاستعادة المبادرة في الفعل والريادة في الموقف. أما أبرز الأولويات التي يجب الانكباب عليها في المرحلة المقبلة، والكفيلة ببلورة هذا المشروع، فتتمثل حسب لشكر، في تجميع القوى المتشبعة بمبادئ المشروع الاشتراكي الديمقراطي. أما المنهجية المقترحة لبلوغ هذا الهدف، فلا يجب أن تقوم على توافقات فوقية بين القيادات، أو تصريحات موسمية، بل إنها تتطلب في نظره تكوين قناعات مشتركة حول الحلول المقترحة لمعالجة الإشكاليات سالفة الذكر. إن النهضة المغربية المتأصلة والمنفتحة على الإنسية العالمية، في حاجة، يقول لشكر، لتكون القناعات داخل الحزب راسخة بأن النهضة المغربية منطلقها البعد الاجتماعي. تحتاج النهضة التي يريدها إدريس لشكر للاتحاد إلى خمسة مرتكزات أساسية هي تقوية التماسك الثقافي من خلال تثمين المكونات الأمازيغية للهوية المغربية، وتفعيل البعد الجهوي، وتسخير أنماط التواصل والإعلام الجديدة، وجعل القضية النسائية في صلب الصراع المجتمعي، وإدماج الشباب في الفعل السياسي والمجتمعي. ومن خلال حملته الانتخابية، كان لشكر يستهدف استقطاب أوسع الشرائح القاعدية للحزب خاصة الشبيبة الاتحادية التي حاول منافسه الزايدي الاعتماد عليها، والتنظيم النسائي، بالإضافة إلى الفعاليات الاتحادية التي أفرزها حراك 20 فبراير، حيث انعكس ذلك من خلال بعض جوانب برنامجه الانتخابي الذي تضمن ما يلي : (أما ما اصطلح عليه بالربيع الديمقراطي، فقد جاء لتحرير الطاقات الشبابية حيث أبرز أنواعا جديدة للتعبير، وفك قيود المحظور، وفرض تسريع في وتيرة الإصلاحات، خاصة الدستورية منها، والتي كان الاتحاد الاشتراكي من السباقين إلى طرحها أثناء أشغال المؤتمر الوطني الثامن). وللضرب على الوتر الحساس للاتحاديين كقوة سياسية عريقة وذات تاريخ سياسي فعال، ركز لشكر على إرجاع إشعاع الحزب وإعادة عدد المنخرطين فيه إلى ما كان عليه قبل سنة 2008، حيث كانوا يتجاوزون 50 ألف عضو، وتوسيع شبكة فروع الحزب، واسترجاع مكانته في المجالس المنتخبة ابتداء من انتخابات 2013 البلدية. وبالموازاة مع ذلك، قاد إدريس لشكر حملته الانتخابية مبكرا في الأقاليم والجهات ليكون خليفة للراضي، حيث زار عدة مناطق بالمغرب كمنطقة كلميم، وسوس وغيرها. وفي محاولة كسب بعض الوجوه القديمة والنافذة في الحزب، تكلف بالدفاع عن ملف خالد عليوة، القيادي السابق الذي تم اعتقاله على خلفية تداعيات فترة رئاسته لمؤسسة القرض السياحي والعقاري، ليشحذ همم الاتحاديين للالتفاف حوله في قضية يعتبر كسب رهانها طريقا سالكا نحو الكتابة الأولى للاتحاد. - المناظرة الانتخابية لم تقتصر الحملة الانتخابية للمرشحين على الزيارات والجولات في الأقاليم، وعقد اللقاءات والتجمعات، بل شملت أيضا عقد ندوات صحافية اتخذت في بعض الأحيان شكل مناظرات سياسية على غرار تلك المناظرات السياسية التي تنظم بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية أو الفرنسية. فقد استضافت يومية الصباح قياديي الحزب، الحبيب المالكي وإدريس لشكر، لمناقشة محاور تفاصيل البرنامج الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي، وقراءته لحصيلة الحكومة الحالية، وتدبيره للانتخابات التشريعية المقبلة، ومسألة تجديد النخب البرلمانية والصراع القائم حول اللائحة الوطنية، ثم أخيرا، كيف ينظر الاتحاد إلى انتخابات 25 نونبر2011. وهكذا دافع إدريس لشكر عن موقف الاتحاد الاشتراكي منذ مشاركته في أول تجربة حكومية، معتبرا أن التعامل مع مشاركة الاتحاد الاشتراكي في فترة الانتقال الديمقراطي تم بشكل عددي وليس كيفيا، مذكرا بمساهمة الحزب في الانتقال. كما أشار إلى أن التاريخ سجل أن الحزب كانت له القدرة على المساهمة، إلى جانب الملك الراحل الحسن الثاني، في ضمان انتقال ديمقراطي هادئ وسلس، وهي اللحظة، يقول لشكر، «التي شكل خلالها الحزب صمام أمان، لإنقاذ البلاد وإجراء تمرين لمختلف مؤسسات البلاد، في أفق التحضير لانتقال دستوري حقيقي »، مشيرا إلى أن هذا المجهود الذي بذل في ظروف استثنائية، ماليا وسياسيا واقتصاديا، وما أحاط بالمرحلة من ظروف، كان له تأثير على الحزب الذي خطا بالبلاد نحو التجاوز الإيجابي لأخطاء الماضي وخلق حالة من التعايش، واعتبر إدريس لشكر أن الذي وقع مع حجم الخصاص الاجتماعي، «أن الكتلة الناخبة لم ترحم الاتحاد الاشتراكي»، كما لم تُحترم المنهجية الديمقراطية سنة 2002، واليوم ونحن على مسافة زمنية من انتخابات 25 نونبر، كانت نظرة الناخب ستختلف لو أن الحزب اتخذ قرارا آخر غير المشاركة في حكومة "جطو"، مشيرا إلى أن هذا الأمر جر على الحزب "كبوة" انتخابات 2007 التي احتل خلالها الاتحاد الاشتراكي الرتبة الخامسة، كما أن تدبير المرحلة لم يكن جيدا، وهي أمور وقف عليها المؤتمر الأخير للحزب. ومن خلال هذا الخطاب النقدي، أراد لشكر أن يحمل القيادة السابقة للحزب مسؤولية عدم تدبير المرحلة الثانية للتناوب، وانتقاد المشاركة الاتحادية في حكومة جطو، موجها بذلك انتقادا مبطنا لمنافسيه فتح الله ولعلو، والمالكي. ولعل هذا ما استوعبه المالكي، ليرد، في إطار هذه المناظرة الصحافية بأن «الحزب فاعل تاريخي مستقبلي، وليس ظرفيا يستهلك، له رؤية وثوابت وتعاقد مع الشعب المغربي وله ذاكرة، وشدد المالكي على ضرورة أن يؤخذ بعين الاعتبار البعد التاريخي لاستيعاب مواقف الفاعلين السياسيين وتقديم تشخيص للراهن، مشيرا إلى أن الاتحاد الاشتراكي، بهذا المعنى، أسهم في التأسيس لانتقال ديمقراطي منذ سنة 1998. وقد تم «تدبير الانتقال على أساس التوافق، وكانت للأمر كلفته والاتحاد علم أنه سيرفع هذه الكلفة، بما فيها تدبير التناقضات الداخلية وتراكمات الماضي، لأنه فضّل تغليب الوطنية ومصلحة البلاد». وأضاف المالكي أنه لولا انتقال 1998 لما كان دستور 2011، ف"الأمر لا يتعلق بمساهمة موسمية بل بثابت، لأن رسالة الاتحاد الاشتراكي هي التغيير الديمقراطي، وهذا يخضع لمنطق مرحلي" وفي سابقة من نوعها، احتضن البرنامج الذي بثته قناة دوزيم "مباشرة معكم" مناظرة جمعت المرشحين الخمسة أحمد الزايدي، إدريس لشكر، لحبيب المالكي فتح الله ولعلو، ومحمد الطالبي المحسوب على تيار الشبيبة الاتحادية، حيث تابع الملايين من المغاربة المهتمين بالشأن الحزبي وغيرهم، أطوار هذه المناظرة التلفزيونية التي تميزت بنوع من الهدوء المشوب بالحذر بين المرشحين الخمسة أثناء النقاش، حيث حاولوا عدم السقوط بقدر الإمكان في المواجهات الثنائية وإيلاء الحزب ما يستحق من احترام كمدرسة عريقة في العمل السياسي، مما أفقد هذه المناظرة حرارة النقاش، وقوة المواجهة. فقد أجمع المرشحون الخمسة على أن الحزب عرف اختلالات متعددة، واعترفوا بزيغهم النسبي عن بعض المبادئ التي أرساها مؤسسو الحزب وعلى رأسهم الراحل عبد الرحيم بوعبيد، مبدين بعض التعاليق حول بعض مشاهد الروبورطاج الذي قدمه هذا البرنامج عن مسار الحزب بدءا بمشاهد من جنازة عبد الرحيم بوعبيد بالرباط، ومشاهد من بعض المؤتمرات، وتحاليل صادرة عن بعض الأساتذة وآراء بعض المواطنين، ولقطات من بعض مقرات حزب الاتحاد الاشتراكي بالبيضاء تستعد للمؤتمر المقبل بتأطير بعض الشباب، حيث علق لشكر على ذلك بأنها قمة الحيوية خصوصا أن كاميرا دوزيم نقلت الكيفية التي تهيئ بها أجهزة الفروع للمؤتمر دون "مآدب غذائية أو أهازيج عكس بعض الأحزاب الأخرى. أما الزايدي فقد أشار في معرض حديثه إلى أن المؤتمر ليس مؤتمر الفرصة الأخيرة بل هو مؤتمر الامل، وأن السياسة اخلاق، وأن برنامجه يتحدد في خارطة الطريق إلى المستقبل والى استقلال القرار السيادي للحزب من الدولة. كما فضل الزايدي اللعب على الوتر الإقليمي والقبلي، حينما ذكر بأن الراحل المهدي بنبركة: مسقط رأسه ببنسليمان نسبة الى قبيلة البركة" علما أن الزايدي ابن منطقة زيايدة بابن سليمان المدان لها بمدها لأصوات الساكنة ". أما فتح الله ولعلو فقد تميز في هذه المناظرة باندفاعه الكبير ونقاشه القوي رغم كبر سنه فهو لديه الحماس الكبير لقيادة سفينة الاتحاد حيث أن أهم ما جاء على لسان فتح الله ولعلو: (أن الاتحاد ليس بيت مغلق... وتفاؤلي بالمستقبل كبير.. رغم أني أكبر المترشيحن سنا... نحن مع الانفتاح لكن قيادة الاتحاد يجب أن تبقى اتحادية... المؤتمر 1975 كان مؤتمر الانطلاقة، واعتبر بأن المؤتمر التاسع هو انطلاقة جديدة في مسار الحزب، متمنيا أن تعود الشبيبة الاتحادية كما كانت في1975، في إشارة ضمنية لاستقطاب أصوات الشبيبة الاتحادية، مؤكدا دعوته لوحدة الحزب في إشارة لاستقطاب بعض القياديين الذين جمدوا نشاطهم كثلاثي الحزب الاشعري عجول وبوعبيد، أو ما يعرف بتيار الأشعري، الذي كان مناوئا، لترشح المالكي. في حين حاول لحبيب المالكي أن يوظف الإرث النضالي لبوعبيد، حيث قال بشأن المؤتمر أنه مؤتمر تاريخي واستحضر مقولة شهيرة للفقيد عبدالرحيم بوعبيد بان الاتحاد الاشتراكي هو نهر جارف لا يجف مهما كانت فصول السنة، مؤكدا أنه (تلميذ عبد الرحيم بوعبيد) وأن الاتحاد مستقل في قرارته وله السيادة... بينما ركز الطالبي، أصغر المرشحين سنا، على (أسطورية) الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية السياسية، مشيرا بأنه رقم ومعادلة صعبة في المغرب، منتقدا حكومة بنكيران مقارنة بحكومة عبدالرحمن اليوسفي الذي كان يتكلم باسم المغاربة في البرلمان وليس باسم الحزب، عكس بنكيران الدي يتكلم باسم الحزب في البرلمان، حيث خلص إلى أننا (نحن أمام قوى محافظة، ونلاحظ تراجع في الحريات العامة وهناك ... ضرب في صفوف المحتجين ...) لكن الملفت للنظر أنه عند انتهاء الحصة المخصصة للبرنامج، وبعدما أشار جامع كلحسن، مقدم البرنامج، على المرشحين لتناول الكلمة في دقيقة لكل منهم، فاجأ المرشح " محمد الطالبي" المتتبعين ومعهم المرشحين الأربعة بسحب ترشيحه، وإلغاء الندوة الصحافية التي كان يعتزم تنظيمها لتسليط الضوء على برنامجه الانتخابي. وهذا ما جعل بعض الباحثين يعتبرون بأن الطالبي لم يكن إلا أرنب سباق لأحد المرشحين الأربعة. III – انعقاد المؤتمر الاتحادي التاسع بعد انتهاء الحملة الانتخابية للمرشحين، انطلقت يوم الجمعة 14 دجنبر 2012 ببوزنيقة أشغال المؤتمر الوطني التاسع لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تحت شعار "معا من أجل بناء مغرب الديمقراطية والحداثة". وقد تميزت الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر بحضور رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وعدد من أعضاء الحكومة، والأمناء العامين للأحزاب السياسية. بالإضافة إلى فعاليات نقابية وشخصيات تنتمي إلى عالم الفكر والثقافة. كما حضر أشغال هذه الجلسة ممثلو الاممية الاشتراكية في اوروبا والعالم العربي وإفريقيا، وعدد من الدبلوماسيين المعتمدين بالمغرب. وقد شارك في أشغال هذا المؤتمر، الذي يعد الأول منذ اختيار الحزب الدخول في المعارضة بعد 11 سنة من المشاركة في الحكومة ، أزيد من 1780 مؤتمرا منهم أعضاء بالصفة ومنتخبون يمثلون مختلف الأقاليم والجهات، حيث تم تحديد حصة كل إقليم على أساس 25 في المائة من نسبة عدد المنخرطين و75 في المائة من عدد الأصوات التي حصل عليها كل إقليم في الانتخابات التشريعية الأخيرة. 1 – انتخاب الكاتب الأول للحزب طبقا للتعديلات التي تضمنها المقرر التنظيمي للحزب كما وافق عليه المجلس الوطني في 4 نونبر 2012، التي همت طريقة انتخاب الكاتب الأول من المؤتمر، وذلك بإجرائها في دورتين عوض دورة واحدة، كما كان من قبل، تمكن إدريس لشكر وأحمد الزايدي من المرور إلى الدور الثاني من انتخابات الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية صباح اليوم الأحد ببوزنيقة. وهكذا حصل إدريس لشكر على 543 صوتا من أصل حوالي 1580 المعبر عنها، فيما حصل الزايدي على 443 صوتا وذلك حسب نتائج الفرز التي جرت بحضور عدد من ممثلي وسائل الإعلام الوطنية. أما فتح الله ولعلو والحبيب المالكي فقد حصلا بالتوالي على 345 و258 صوتا. وبهذه النتيجة التي تم الإعلان عنها أقصي كل من فتح الله ولعلو والحبيب المالكي من السباق، ليبقى التنافس على الكتابة الأولى منحصرا بين لشكر والزايدي. وبعد عملية التصويت الثانية، زكت نتيجة الدور الثاني التقدم الذي حققه لشكر في الدور الأول، بل إن الفارق بينه وبين أحمد الزايدي، الذي نافسه في الدور الثاني، انتقل من 100 صوت في الدور الأول (543 مقابل 443) إلى 198 صوتا. وهكذا أعلن عبد الواحد الراضي رئيس المؤتمر التاسع للاتحاد، بعد عملية الفرز عن تفوق لشكر، الذي حصل على 848 صوتا، مقابل 650 صوتا للزايدي، ليصبح إدريس لشكر خامس أمين عام للاتحاد الاشتراكي بعد كل من عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي وعبد الواحد الراضي. ولعل فوز لشكر بهذا المنصب في مواجهة منافسه أحمد الزايدي، يرجع بالأساس إلى عدة أسباب من بينها : - التجربة التنظيمية التي راكمها إدريس لشكر طيلة مسيرته النضالية داخل الحزب، ولعل هذا ما جعل اليازغي يعتمد عليه في تنافسه على منصب الكتابة الأولى للحزب في مواجهة اليوسفي - دعم المؤتمرين الاتحاديين المنتمين إلى جهات الجنوب، والفروع الاتحادية بجهة سوس ماسة درعة، لإدريس لشكر، خاصة بعد الجولات التي قام بها في هذه المناطق خلال حملته الانتخابية، وتوظيفه لانتمائه لمنطقة كلميم لاجتذاب أصوات المؤتمرين الصحراويين. - تمرس لشكر بلعبة الحسابات والتحالفات، إذ بعدما دخل المتنافسان قبل الجولة الحاسمة في تدبير التحالفات لاستقطاب أكثر من 600 صوت، الذين صوتوا لصالح ولعلو والمالكي، وأصوات من تعمد عدم التصويت، نجح لشكر في تحويل أصوات المؤيدين للمالكي في الجولة الأولى لصالحه مقابل وعد المالكي ومؤيديه بضمان حصولهم على مقاعد ضمن اللجنة الإدارية للحزب. - اتفاق أغلب المؤتمرين على أن لشكر يعتبر رجل المرحلة على غرار شباط وبنكيران. فعلى الرغم من أن ولعلو والمالكي أعربا عن دعمهما للزايدي في الجولة الثانية، في مواجهة لشكر، الذي يصفونه ب"الشعبوي"، إلا أن أنصار الأخير كانوا يرون أنه الأقدر على تدبير شؤون الاتحاد في المرحلة الراهنة. ولتكريس تتويجه على رأس الحزب، ألقى لشكر كلمة شكر في ختام المؤتمر تضمنت ما يلي : "أخواتي، إخواني، في هذه اللحظة التاريخية، يأخذني فكري إلى إخواني المرشحين لهذه المسؤولية النبيلة. إلى أخي أحمد الزايدي الذي نشط الدور الثاني، والذي أهنئه بالنتيجة التي حققها وأقول له إن المنافسة لا تعني الإقصاء والتباري لا يؤدي إلى التنافر. مسيرتنا جميعاً مستمرة خدمة لحزبنا العريق. لن يفوتني أن أوجه إلى أخي ورفيقي في المسؤولية لسنوات، الحبيب المالكي الذي كان سباقاً لإضفاء طابع الانفتاح والشفافية في تحضير هذه المحطة. فكلكم تعرفون قدراته النظرية والتنظيمية التي تجعل منه طاقة تُغني الحزب، سياسياً وفكرياً وتنظيمياً. ويأخذني فكري إلى أخي فتح الله ولعلو الذي أقول له إنه قائد فذ، عايش المؤسسين، وصاحب المراحل الكبرى للنضال، وسيظل بالنسبة لي أخاً نستقي منه الرأي النافذ. لقد اخترتموني لأخلف شخصية قوية وأستاذاً لنا في الحكمة والرزانة والبيداغوجية النضالية: زعيمنا المحنك الأخ عبد الوحد الراضي. الكلمات غير كافية لقول ما يخالجني من عواطف التقدير والاحترام بالنظر لما قام به من تدبير حكيم للحزب في فترة صعبة. أحييه هنا وأؤكد له أنني سأكون أحرص الناس على أن أخلفه بأحسن ما أوتيت من قدرة وطاقة. ولي اليقين أنني سأجد فيه النصح والمشورة المعهودة فيه. أخواتي، إخواني، ما كان أن ينجح مؤتمرنا التاسع لولا التزامكم جميعاً بهدف أساسي ألا وهو الوقوف وقفة إنسان واحد، متملكين لقرارنا، واضعين اللبنة الأولى لانبعاث المشروع الاشتراكي الديمقراطي، والنهضة المغربية، والاصلاح السياسي، والتطور التنظيمي للأداة الحزبية. أنتم الذي صنعتم الجديد دائماً وأنتم الذين ستؤسسون للحقبة التاريخية الجديدة. يقولون الاتحاد الاشتراكي انتهى نقول لهم، إننا عائدون، منطلقون في العمل جميعاً، متحدين، فاتحين لآفاق جديدة للعمل السياسي في سبيل بناء المغرب الحداثي، ومن أجل مقاومة الحرمان..." كما تلقى لشكر برقية تهنئة من لدن الملك محمد السادس على إثر انتخابه كاتبا أول جديدا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أعرب له فيها عن متمنياته له بكامل التوفيق في مهامه الجديدة، ليتم استقباله بعد ذلك بالقصر الملكي. 2- تداعيات فوز لشكر برئاسة الحزب كانت لانتخاب لشكر على رأس أكبر حزب يساري بالمغرب تداعيات أثرت بشكل كبير على انسجام صفوف قيادته . فقد صدمت نتائج التصويت في الدور الثاني لانتخاب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، عددا كبيرا من المؤتمرين ودفعتهم المفاجأة إلى اتخاذ قرار الانسحاب مباشرة بعد إعلان عبد الواحد الراضي رئيس المؤتمر عن انتخاب إدريس لشكر كاتبا أول للحزب. بالإضافة إلى أن عدم توقع احتمال فوز إدريس لشكر، قد دفع ببعض قياديي وأعضاء الحزب إلى تقديم استقالتهم من الحزب، أولاها أتت من علي بوعبيد نجل القائد التاريخي للحزب عبد الرحيم بوعبيد، ثم أعقبتها استقالة محمد الحبابي أحد المؤسسين التاريخيين للاتحاد، قبل أن يستقيل عن قطاع الشباب منتصر الساخي ... ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد صرح الزايدي بالتشكيك في نزاهة الانتخابات والطعن في انتخاب لشكر كاتبا أولا للاتحاد واتهامه بأنه مارس ضغوطا على بعض المؤتمرين في حصوله على هذا الفوز، وذلك على غرار الطعون التي وجهت لانتخاب الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال حميد شباط، ورفع هذا الأمر إلى القضاء للبت فيه. وهذا بالطبع ما يعكس الاختلالات التي ما زالت تشوب نضج الديمقراطية الداخلية للأحزاب في المغرب. ونتيجة لهذا الوضع، عمل الزايدي بعد فشله في الوصول إلى قيادة الحزب وعدم نجاحه في التدليل على صحة ما صرح به من اتهامات، إلى الإعلان عن إنشاء تيار الديمقراطية والانفتاح في ماي من سنة 2013، سعيا وراء كسب الاعتراف به داخل الحزب، وهو ما وجد عقبات أمامه بسبب الفيتو الذي فرضه الكاتب الأول الجديد. فقد كان الإعلان عن ذلك التيار بمثابة عدم اعتراف بالقيادة الجديدة للحزب التي أفرزها المؤتمر الأخير، وتأكيدا على فكرة تعايش مؤسسيه داخل الحزب نفسه مع قيادة لا يعترف بها، في مفارقة غير مسبوقة داخل الاتحاد الاشتراكي، إذا استثنينا مرحلة بداية الثمانينيات التي خرج منها تيار «رفاق الشهداء» الذي سيصبح فيما بعد حزب الطليعة، مع الإشارة إلى أن التيار المذكور لم يكن أيضا معترفا به داخل الحزب آنذاك. وبالتالي، فقد وجد الاتحاديون أنفسهم بعد مؤتمرهم التاسع في وضع حرج يهدد ما تبقى من وحدتهم التنظيمية وتموقعهم الهش داخل المشهد الحزبي. ففي الوقت الذي طالب فيه تيار الزايدي بمأسسة التيارات في الحزب، تجد قيادة هذا الأخير نفسها في مأزق تجاه ذلك المطلب. فالاعتراف بالتيار وهذا هو المقصود يعني الإقرار جزئيا بعدم مشروعية نتائج المؤتمر الأخير، وعدم الاعتراف به يعني تعريض الوحدة التنظيمية للحزب لخطر الانشقاق. وأمام هذا الوضع المسدود فضل أحمد الزايدي أن يحول رئاسة الفريق النيابي للحزب داخل مجلس النواب إلى منبر بديل لتيار الديمقراطية والانفتاح، في محاولة للجمع بين المتناقضات، أي رئاسة فريق الحزب وفي الوقت نفسه عدم الاعتراف بقيادته. مما جعل قيادة الحزب تتخذ عدة إجراءات للتحكم في هذه الوضعية .، وهكذا قرر الكاتب الأول للحزب إدريس لشكر القيام بتجميد عضوية الزايدي، بسبب ما اعتبره ازدواجية تتمثل في قيادة الفريق وتزعم تيارفي الحزب. وبعد رهان قوة بين الطرفين جمدت لفترة عمل مجلس النواب، تنازل الزايدي بوساطة من الراضي للشكر عن رئاسة الفريق النيابي الاتحادي ولم تقتصر هذه التداعيات على معارضة الزايدي وانتقاداته، بل شملت أيضا مختلف فروع الحزب، بالإضافة إلى منظماته الموازية التي تجلت في التجاذب الذي عرفه الذراع النقابي للحزب بين أنصار فاتحي، وكذا ما تخلل المؤتمر الثامن للشبيبة الاتحادية من صراع بين أنصار لشكر ومنافسيهم بلغ إلى حد العراك بالكراسي. 3- انتخاب الأجهزة التقريرية للحزب نظرا للأجواء المتوترة التي أعقبت إعلان فوز لشكر برئاسة الحزب، حيث انسحب العديد من المؤتمرين بما فيهم بعض القياديين كفتح الله ولعلو وغيره ، تم تأجيل انتخاب أعضاء اللجنة الإدارية، التي كان مقررا أن تجتمع بعد انتخابها، لانتخاب أعضاء المكتب السياسي للاتحاد . وقد حددت نهاية الأسبوع الأول من سنة 2013 لانتخاب اعضاء اللجنة الإدارية للحزب والتي تضمنت 266 عضوا توزعت وفق لائحة عامة اشتملت على قياديين أعيد انتخابهم كالمالكي، وعبد الهادي خيرات، وعبد القادر باينة، وأحمد الزايدي، ومحمد بوبكري وغيرهم من الأسماء المعروفة، ولائحة النساء التي ضمت بدورها أسماء معروفة كوفاء حجي، ورشيدة بنمسعود، وعائشة لخماس، وفاطمة بلمودن، وحسناء أبوزيد، وأمينة أوشلح، ولائحة الشباب التي أفرزت 15 عضوا . وبالتالي، فقد التأمت دورة اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بدعوة من رئاسة المؤتمر يوم السبت 19 يناير 2013 بالمقر المركزي بالرباط من أجل إنجاز مهمتين أساسيتين متمثلتين أولا في هيكلة اللجنة الإدارية، وثانيا لانتخاب المكتب السياسي. وبعد عملية التصويت أسفرت النتائج عما يلي : فيما يخص النقطة الأولى تم انتخاب الحبيب المالكي رئيسا للجنة الإدارية (ب203 أصوات مقابل (73) صوتا لمحمد كرم، وانتخب نائبين له هما كمال الهشومي نائبا وفاطنة سرحان نائبة. كما انتخب حسن نجمي وبلوط كمقررين. أما فيما يخص النقطة الثانية المتعلقة بانتخاب أعضاء المكتب السياسي فكانت النتائج على الشكل التالي مرتبين حسب الأصوات المحصل عليها : * عبد الحميد جماهري /*محمد بوبكري /*محمد محب /*احمد رضى الشامي /*محمد درويش/*سفيان خيرات/*عبد المقصود الراشدي /*كمال الديساوي /*عبد الكبير طبيح /*مصطفى المتوكل الساحلي /*مصطفى عجاب /*عبد الحميد فاتحي /* محمد علمي /*سعيد شباعتو /*احمد ابوه /*يونس مجاهد/*محمد المريني /*عبد الوهاب بلفقيه/*عبد الله العروجي/*عبد الجليل طليمات/*حسن الدرهم. بالإضافة إلى العضوات فاطمة بلمودن /* حسناء ابو زيد /* حنان رحاب /*امينة الطالبي /*بديعة الراضي /*وفاء حجي /* خديجة القرياني/* فتيحة سداس /* السعدية بنسهلي/* امنة اوشلح /*رقية الدرهم . غير أن انتخاب هذه الأجهزة التقريرية للحزب لم يسلم من التقاطب السياسي الذي ترتب عن فوز لشكر برئاسة الحزب. فقد انسحب رضى الشامي من المكتب السياسي، بالإضافة إلى ما نشره بوبكري من اتهامات لرئيس الحزب على أعمدة بعض الصحف وتجميد عدة قياديين لنشاطهم . في حين قدم البعض الآخر استقالته من الحزب كالقيدوم محمد لحبابي. وعموما، فإن الخلافات الشخصية بين القياديين، وتعويض نظام التوافقات الذي كان معمولا به في انتخاب الكتاب الأولين السابقين والذي كان آخرهم الكاتب الأول السابق عبد الواحد الراضي، بآلية انتخابية جديدة اعتمدت على نظام ذي دورتين ، قد ساهم، وفي غياب شخصية كاريزمية تحظى بقبول جل أعضاء الحزب، في توسيع حدة التقاطب السياسي داخل الحزب. ولعل هذا ما تنبه إليه أحد قياديي الحزب عندما أجاب خلال استجواب صحافي عن سؤال بشأن التناقض التنظيمي الذي يعرفه الحزب بما يلي : " جزء من هذا التناقض مترتب عن نتائج المؤتمر الوطني التاسع، وهناك جزء ثان يجتره الحزب منذ 2007. لقد اخترنا آلية لانتخاب الكاتب الأول لم تكن مدروسة بشكل جيد، وهي آلية تنص على أنه يتم انتخاب الكاتب الأول في دورتين، أي إمكانية أن يكون في الدور الأول عدد من المرشحين، وأن تنحصر المنافسة على الكتابة الأولى، في الدور الثاني، بين مرشحين. وللتاريخ، فقد كان الأخ إدريس لشكر ومساندوه ضد هذه الآلية، وصوتنا ضدها، لكن المجلس الوطني صوت بالأغلبية على انتخاب الكاتب الأول في دورتين. لقد كنا ضد هذه الآلية لأننا كنا نعرف أن انتخاب الكاتب الأول في دورتين يخلق تقاطبا حادا، فيتحول المؤتمر في الدور الثاني إلى أغلبية.