صنع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحدث السياسي بإعلانه عن موعد انعقاد مؤتمره الوطني التاسع لانتخاب كاتب أول بديل لعبد الواحد الراضي، أكثر مما صنعه حينما أعلن خروجه للمعارضة عقب الهزيمة التي مني بها في الاستحقاقات البرلمانية، والتي دفعت به إلى مراتب متأخرة لم تكن كافية ليعلن نفسه طرفا من أطراف حكومة عبد الإله بنكيران. قال عبد الواحد الراضي إن الموعد سيكون محطة لإعادة بناء الحزب. لقد خرج حبيب المالكي عن صمته منذ مدة طويلة، وأعلن من على صفحات جريدة الحزب أنه يستعد ليكون الكاتب الأول الجديد لحزب المهدي وعمر، وأنه لن يتردد في إعادة التوهج لحزب القوات الشعبية، لذلك ليس ضروريا أن ينتظر موعد المؤتمر ليعلن نفسه مرشحا. وقاد إدريس لشكر حملته الانتخابية مبكرا في الأقاليم والجهات ليكون خليفة للراضي. بل إنه لم يفوت الفرصة اليوم في قضية خالد عليوة ليشحذ همم الاتحاديين للإلتفاف حوله في قضية يعتبر كسب رهانها طريقا سالكا نحو الكتابة الأولى للاتحاد. وبدا وكأن إدريس لشكر يؤمن بمنطق «بداخل كل نقمة توجد نعمة». فالنقمة التي نزلت على عليوة ومن خلالها على الاتحاد الاشتراكي، قد تكون نعمة على إدريس لشكر إذا ما كسب رهان مغادرة الوزير الاتحادي في حكومة اليوسفي أبواب السجن. وهو نفس الرهان الذي لا يخفيه فتح الله ولعلو، الذي تكاد مسؤوليته في عمدية الرباط تذيبه في تدبير الشأن المحلي أكثر من التفاته إلى ما يقع في الشأن السياسي للبلد. أما احمد الزايدي فيجر خلفه عددا من شباب الحزب. فيما يشكل محمد الطالبي الحصان الأسود لهذا السباق نحو الكتابة الأولى لحزب القوات الشعبية. أما حينما نقرأ ما الذي يملكه كل مرشح من هؤلاء، نجد أن الاتحاد الاشتراكي في حاجة لصدمة حقيقية ليعيد بناء نفسه. فمبررات المالكي النظرية مقنعة إلى حد ما. فالرجل جرب السياسة في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كما جرب تدبير الشأن العام باسمه منذ أول حكومة تناوب قادها عبد الرحمان اليوسفي. لذلك يعتقد أنه مؤهل ليكون الرجل البديل لعبد الواحد الراضي. وله ما يكفي من المؤهلات والعلاقات هنا وهناك كسبها بتواجده القريب من القوات الشعبية في أكثر من محطة جعلته لا يخسر مقعده الانتخابي في أبي الجعد، هناك في معقل شرقاوة. زادته مسؤوليته الحكومية سواء وهو على رأس وزارة الفلاحة، أو وزارة التربية الوطنية بعد ذلك، حضورا أكبر. اليوم يراهن ابن شرقاوة على مقعد الكاتب الأول، الذي خسره في آخر مؤتمر وطني عقده الاتحاد الاشتراكي. غير أن قرار إعلان المالكي مرشحا للكتابة الأولى لم يمر هادئا. لقد تحرك محمد الأشعري، عضو المكتب السياسي للحزب ومن خلفه ما أصبح يعرف بتيار الأشعري المكون في نواته الصلبة من العربي عجول وعلي بوعبيد ، ليعلن غضبه. بوليميك سياسي ستصل تداعياته إلى اجتماعات المكتب السياسي الذي انقسم على نفسه. وتكونت بداخله أكثر من كتلة بعضها اعتبر خطوة المالكي وقتها جريئة وضرورية على الأقل لينفض الاتحاد عن نفسه الغبار، ويعلن نفسه حاضرا بقوة في المشهد الحزبي الوطني، خصوصا وأن أشهر المعارضة التي عاد الاتحاد ليجربها، لم تعط ما كان منتظرا منها. والبعض الثاني رأى فيها خطوة قد لا تفيد الحزب، الذي هو في حاجة إلى وجوه جديدة هي غير كل هذه الصقور التي جربت العمل السياسي وقادت حزب المهدي وعمر إلى ما هو عليه اليوم من تشرذم وتفكك وهوان وصلت نتائجه حد ضياع كل قلاعه السابقة ومدنه العمالية كالدار البيضاءوالرباط والمحمدية وفاس وطنجة.. أما الفريق الثالث فهو الذي اختار الصمت في انتظار أن تنجلي الصورة أكثر وتتضح الرؤية، وإن كانت بعض رموزه ظلت لا تخفي رغبتها في أن يتلقى الاتحاد صدمة جديدة وقوية لن يقدر عليها المالكي، «المتهم» بقربه من دار المخزن التي جربها قبل أن يجرب اليوسفي ومعه الاتحاد الاشتراكي التناوب التوافقي، خصوصا وأن المالكي لن يكون غير وجه العملة الثاني لعبد الواحد الراضي في تدبير شؤون الحزب. تدبير يغلب عليه البحث عن التوافقات والقدرة على تبسيط كل القضايا الخلافية التي تندلع بداخله، وكسب المعارك بدون صراع حقيقي يفرز الصالح من الطالح. لذلك يحتاج الاتحاد الاشتراكي اليوم إلى وجه جديد. العارفون ببيت الحزب يتحدثون على أن الاتحاد الاشتراكي ضيع خطوة على غاية كبيرة من الأهمية وهي التيار الذي تكون عقب استحقاقات 2007 من عدد من الوجوه الشابة والجديدة التي كان يفترض أن تأخذ المشعل قبل عبد الواحد الراضي. واليوم يحتاج الحزب لنفس هذا التوجه قبل المؤتمر الوطني التاسع، توجه يفترض أن يضع قطيعة من «الأقدمين» الذين استنفدوا كل مخزونهم الفكري والسياسي منذ جاء محمد اليازغي إلى الكتابة الأولى وبعده عبد الواحد الراضي، وقبلهما عبد الرحمان اليوسفي. لقد كان الحزب في حاجة من قبل لرجال من هذا العيار، بالنظر إلى أن الاتحاد كان يقود معارضة شرسة قوامها الخلاف مع القصر حول اقتسام السلطة، وهي المعارضة التي عمرت أربعين سنة قبل أن يقسم الطرفان على المصحف، ويقرران الانخراط في تناوب لتفادي السكتة القلبية التي كان المغرب مهددا بها. أما اليوم، فقد تغيرت الصورة منذ دخل الاتحاد تجربة تدبير الشأن العام مع حكومة التناوب وبعدها حكومة إدريس جطو ثم عباس الفاسي، مع ما تركته كل هذه التجارب من آثار جانبية يؤدي اليوم ثمنها الغالي. لذلك فقد أصبح في حاجة لسياسة جديدة بوجوه جديدة أيضا تضع خلفها تجربة الحزب السياسية وتاريخه النضالي ورموزه وشهداءه، كدافعة نحو الحاضر والمستقبل. أي أن الاتحاد، يقول متتبع للشأن الحزبي لحزب القوات الشعبية، يجب أن يترك خلف ظهره كل ذلك التاريخ لا لكي ينساه، ولكن لكي لا يعتبره هدفا في حد ذاته، في الوقت الذي يجب أن يكون صيغة لشحن العزائم للمضي بالحزب إلى الأمام. كل هذه الحمولة الفكرية والسياسية هي التي تتملك الاتحاديين والاتحاديات اليوم وهم في طريقهم للمؤتمر الوطني التاسع. لن يكون حبيب المالكي بمفرده هو من يراهن على مقعد الكتابة الأولى للحزب، ولكن ستكون ثمة أسماء أخرى حاضرة بقوة للدفاع عن حظوظها. سيكون إدريس لشكر أيضا من الوجوه التي دخلت السباق لمنصب الكتابة الأولى للحزب بعد كل المعارك التي خاضها منذ دفع برفيقه محمد اليازغي إلى الاستقالة من منصبه بعد الذي حدث مع حكومة عباس الفاسي، ودفاعه المستميت عن خروج الحزب للمعارضة وقتها، قبل أن يعود لصمته بحقيبة وزارية أشبه بحقيبة اليازغي، التي سميت تفكها ب«الصاكادو». ولن يخلف فتح الله ولعلو الموعد ليجرب حظه مرة أخرى، وإن كانت معاركه أقل ضررا من معارك « خصومه». لذلك لا يتم الالتفات إليه كثيرا. أما رابع المرشحين، فهو الإعلامي أحمد الزايدي الذي يترأس اليوم الفريق الاشتراكي في مجلس النواب، والذي استطاع أن يكسب ود من يسميهم بالجيل الجديد لحزب القوات الشعبية. في حين يشكل محمد الطالبي بالنظر إلى أنه لم يجرب الكثير من المحن التي جربها منافسوه، الحصان الأسود لهذا السباق. قد تكون خطوة الطالبي رمزية، لكنها من الصعب أن تقوده غدا إلى مقعد الكتابة الأولى للاتحاد الإشتراكي. بين خروج الاتحاد الاشتراكي للمعارضة والرجة التي يعرفها اليوم حول من سيخلف غدا عبد الواحد الراضي في مهمة الكاتب الأول للحزب، لا يبدو أي رابط غير أن حزب المهدي وعمر يرفض أن يموت. فسواء تعلق الأمر بجلد الذات أو جلد الآخر، لا بد لحزب القوات الشعبية أن يعلن عن نفسه حزبا حيا يرزق. غير أنه بين الحياة والموت يوجد خيط رفيع قد يحافظ عليه حفدة المهدي وعمر في مؤتمرهم القادم، وقد يتم التخلي عنه.
إدريس لشكر..رفيق اليازغي الذي انقلب عليه ظل ادريس لشكر من أشد المقربين من محمد اليازغي حينما كان يتواجه مع خصمه التقليدي عبد الرحمان اليوسفي. بل إن لشكر قاد أكثر من حملة من أجل حماية رفيقه اليازغي من السهام التي كانت موجهة له في تدبير العديد من الأزمات التي عاشها حزب المهدي وعمر. لكن لشكر سينقلب مائة وثمانين درجة، ويفتح النار على اليازغي لأنه خسر في اختبار التفاوض باسم الاتحاد الاشتراكي خلال تكوين حكومة عباس الفاسي، إلى درجة أنه كان من أشد المتحمسين لإسقاطه من الكتابة الأولى. اليوم يختار ادريس لشكر الدخول في مغامرة الترشيح لمنصب الكتابة الأولى للحزب بعد أن تغيرت الصورة، ولم يعد حزب القوات الشعبية يدخل مؤتمراته الوطنية بمرشح واحد يجب أن تردد القاعة خلفه بدون توقف " اليوسفي أو اليازغي أو الأموي يا رفيق.. لا زلنا على الطريق". يلخص ادريس لشكر مشروعه لقيادة الحزب في القول إن الاتحاد في حاجة إلى قيادة جريئة، وغير مجاملة لاستعادة المبادرة. وفق شعار "مقاربة شمولية٬ هوية بارزة٬ أداة متجددة من أجل استعادة المبادرة". ولذلك فالأمر يحتاج إلى قيادة لا تمارس سياسة مجاملة ونازلة أو متهورة وهادئة٬ خصوصا وأن استعادة المبادرة يتطلب نفسا طويلا للتمكن من تغيير موازين القوى. بحماسه وقدرته على خلق الجدل والبوليميك أينما حل، يعتبر لشكر أن مشروعه لقيادة الاتحاد يرتكز على أربعة محاور تتمثل في انبعاث المشروع الاشتراكي الديمقراطي٬ والنهضة المغربية المتأصلة والمنفتحة على الإنسية العالمية٬ والتحرك المتميز في المجال السياسي والعمل من أجل تطوير المنظومة السياسية برمتها٬ وبناء اتحاد الغد لاستعادة المبادرة في الفعل والريادة في الموقف. أما أبرز الأولويات التي يجب الانكباب عليها في المرحلة المقبلة، والكفيلة ببلورة هذا المشروع، فتتمثل حسب لشكر، في تجميع القوى المتشبعة بمبادئ المشروع الاشتراكي الديمقراطي. أما المنهجية المقترحة لبلوغ هذا الهدف٬ فلا يجب أن تقوم على توافقات فوقية بين القيادات٬ أو تصريحات موسمية٬ بل إنها تتطلب تكوين قناعات مشتركة حول الحلول المقترحة لمعالجة الإشكاليات سالفة الذكر. إن النهضة المغربية المتأصلة والمنفتحة على الإنسية العالمية، في حاجة، يقول لشكر، لتكون القناعات داخل الحزب راسخة بأن النهضة المغربية منطلقها البعد الاجتماعي. أما ما اصطلح عليه بالربيع الديمقراطي٬ فقد جاء لتحرير الطاقات الشبابية حيث أبرز أنواعا جديدة للتعبير٬ وفك قيود المحظور٬ وفرض تسريعا في وتيرة الإصلاحات٬ خاصة الدستورية منها، والتي يفخر ادريس لشكر بأن الاتحاد الاشتراكي كان من السباقين إلى طرحها أثناء أشغال المؤتمر الوطني الثامن. تحتاج النهضة التي يريدها ادريس لشكر للإتحاد إلى خمسة مرتكزات أساسية هي تقوية التماسك الثقافي من خلال تثمين المكونات الأمازيغية للهوية المغربية، وتفعيل البعد الجهوي، وتسخير أنماط التواصل والإعلام الجديدة، وجعل القضية النسائية في صلب الصراع المجتمعي، وإدماج الشباب في الفعل السياسي والمجتمعي.
أحمد الزايدي..الرهان على الجيل الجديد نجح أحمد الزايدي، رئيس الفريق الإشتراكي في مجلس النواب، في إقناع عدد من الوجوه الجديدة في حزب القوات الشعبية للإلتحاق بركبه وهو يدخل سباق المسافات الطويلة، من أجل مقعد الكاتب الأول للحزب. وبقدر ما وصف المتتبعون هذه الخطوة بالجريئة، لأنها استطاعت أن تعيد بعض الغاضبين، وتشرك في الهم الإتحادي أولائك الذين كانت لهم مواقف مشرفة باسم الاتحاد، بقدر ما علق آخرون أن صناديق الاقتراع حينما يتعلق الأمر بمؤتمر وطني اتحادي تحسم عن طريق التحالفات والحسابات التي يبدو أن لشكر والمالكي، ثم ولعلو بدرجة أقل كسبوا بعضا منها. يعترف الزايدي أن الاتحاد يمر بأزمة عميقة وخطيرة. ولذلك يعتبر دعوته اليوم من أجل أن يتحمل الجميع المسؤولية السياسية والأخلاقية والتاريخية لتصحيح وتجديد الاتحاد الاشتراكي . فحزبنا يعيش أزمة، يقول الزايدي، وهي الأخطر في تاريخه، ترجمت بتجميد الكثير من أبناء الحزب لنشاطهم وفقدانهم للثقة، وعجزه عن إدماج واستقطاب الطاقات الجديدة، وخاصة الشبابية والنسائية منها، مما أنتج نقصا حادا في تطوير وبلورة تفكير جماعي حول الأسئلة والقضايا التي تهم مواطنينا ومستقبل وطننا. وإذا كانت الأسباب العميقة في أزمة الحزب متعددة ومتداخلة، فإن الزايدي يعتبر أن هناك ثلاثة أسباب تحتل الصدارة أولها العجز عن إنتاج القيم بعد أن اخترقت الحزب الكثير من أمراض وأعطاب المجتمع كالحلقية، والوصولية وفقدان حس الصالح العام، والأنانية، وثقافة الريع، وضعف إعادة إنتاج القيم الفكرية والأخلاقية للاتحاد. وهو ما أفقد الحزب جاذبيته الأخلاقية. أما ثاني الأسباب، حسب أحمد الزايدي، فهي التي تعني التنظيم حيث تمادى الحزب في إغلاق مؤسساته وبنياته، مكتفيا بصراعات مواقع مدمرة ولا معنى لها، مست بالسوء سمعته كحزب ذي رسالة. وعلى مستوى القيادة، ظل الحزب يعاني كثيرا من غياب قيادة معبئة حول مشروع سياسي، عصري ، ذي مصداقية. ويعترف الزايدي أن «معركة التجديد، لا بد أن تنطلق من تقوية روابطنا وعلاقتنا بالشباب، الذي شكل محركا أساسيا لكل معاركنا ومعارك شبابنا من أجل الحرية والكرامة والعدالة، خاصة وأن جزءا غير يسير من شبابنا هو في حالة قلق دائم وتوجس من المستقبل، مما يجعل العمل معه لبناء مغرب العدالة والعقلانية خيارا استراتيجيا. هل يمكن لخطاب الزايدي الرامي إلى دغدغة مشاعر الاتحاديين اليوم وهو يواجه «صقور» حزب المهدي وعمر، أن يكسب الرهان في بوزنيقة؟
الحبيب المالكي.. رجل دار المخزن الذي دخل السباق مبكرا لم يكن حبيب المالكي خصما لذوذا لنظام الحسن الثاني على الرغم من أن ابن أبي الجعد كان يحمل بطاقة حزب المهدي وعمر، وظل يخوض رفقته كل المعارك الانتخابية التي تجعل منه اليوم من أقدم برلمانيي المنطقة. لذلك ظل يعتبر من الاتحاديين المقربين لدار المخزن بالنظر للمهام التي شغلها قبل حكومة التناوب. اليوم يضع حبيب المالكي، الذي كان وزيرا للفلاحة ثم للتربية والتعليم، نصب عينيه منصب الكتابة الأولى للإتحاد الإشتراكي التي دخل سباقها مبكرا، حيث اختار منذ مدة أن يعلن من خلال صفحات جريدة الحزب عن قراره بالترشيح لهذا المنصب. يشرح حبيب المالكي هذا الاختيار بكون المؤتمر التاسع للحزب، ينعقد في سياق تاريخي وطني إقليمي ودولي مرتبط بأحداث كبرى، لها تأثير كبير على مسارات التحول الجارية في بلادنا. يعترف المالكي أن المؤتمر الوطني التاسع لحزب القوات الشعبية ينعقد في لحظة تراجع كبرى في المشهدنا السياسي، حتَّمت على الاتحاد خيار المعارضة، بهدف حماية المكتسبات مع فتح آفاق جديدة. لا يخفي المالكي أن أول تعاقد يسعى إليه هو أن تكون المحاسبة على أساس التصورات والبرامج المرتبطة بتقلد المسؤولية. ثم إن التفكير في حاضر ومستقبل الحزب، لا يمكن أن يكون إيجابيا، إلا عندما نفكر في الواقع السياسي والأداة الحزبية، في سياق الشروط التاريخية والسياسية المرتبطة بهما. إن الأحزاب، يقول حبيب المالكي في شرحه لمشروعه السياسي، مثل كل الظواهر والمؤسسات داخل المجتمع، مشروطة في أشكال أدائها بسياقات وشروط عامة متعددة، تترك آثارها بصورة أو أخرى على المسار العام لهذه الظواهر والمؤسسات، ومن بينها الحزب الذي يجمعنا، والذي نحن مطالبون بالتفكير في كيفية إعادة بنائه. فلا يعقل، بمنطق العقل والتاريخ، أن نحول المبادئ والمقدمات التي توافقنا بشأنها إلى مطلقات، بحكم أن التحولات التي تجري في التاريخ، تضعنا باستمرار أمام خيارات جديدة. ومن حق حزبنا أن يرتب - في ضوء تفاعله معها - المبادئ والأهداف، وكذا الإجراءات التاريخية المناسبة لمشروعه في الإصلاح والتقدم. وزاد المالكي في شرح تصوره للمرحلة بالتوقف عند أشكال الاحتجاج في العالم، والصور التي اتخذت هذه الأشكال فيما أصبح يعرف ب « الربيع الديمقراطي « التي شملت مجتمعنا أيضا، حيث برز فاعلون جدد في مشهدنا السياسي، كما استعملت أنماط احتجاج وآليات جديدة لم تكن مألوفة في محيطنا السياسي. تحرك حبيب الملكي وهو يخوض حملته الانتخابية فكريا، فيما يشبه الصد لما حملته تصورات فتح الله ولعلو ذات التوجه الاقتصادي. لكنه لم ينس الشق السياسي لأنه يعرف أن صناديق الاقتراع لن يحسمها لا الفكر ولا الإقتصاد. ولعل نقط قوة المالكي اليوم وهو في طريقه إلى بوزنيقة لن تكون أفضل من الأعيان الذين التحقوا بالحزب في السنوات الأخيرة فيما عرف وقتها بالانفتاح. لذلك تحرك في هذا الاتجاه، وصنع من حوله فريقا قد يقلب كل الحسابات نهاية الأسبوع المقبل.
محمد الطالبي..الشاب الذي سيواجه صقور الاتحاد الكثيرون طرحوا السؤال عن قدرة الطالبي وصموده في وجه إعصار صقور الاتحاد الإشتراكي في كسب معركة المؤتمر الوطني التاسع بعد أن قرر الترشيح لمنصب الكتابة الأولى. والقليلون يرددون أنه قد يشكل الحصان الأسود لهذه المجموعة. لكن الطالبي يعترف أنه دخل السباق متحديا الصقور المتمسكين بالتناوب على زعامة الاتحاد. لقد أراد محمد الطالبي أن يقول للإتحاديين إن حزب المهدي وعمر في حاجة إلى تجديد فعلي وليس مجرد شعار يردده أولائك الذين شكلوا جزءا من الأزمة التي يعانيها الحزب منذ أزيد من عقد من الزمن، والتي تتجلى في تراجع وزنه السياسي والانتخابي. هؤلاء الذين يتشبث العديد منهم بالترشح للكتابة الأولى للحزب في الوقت الذي كان عليهم بالأحرى أن يعلنوا اعتزالهم معترك الحياة السياسية بعدما خبروه لعقود طويلة، احتراما للأجيال الصاعدة من المناضلين. لا يخفي محمد الطالبي أن ترشيحه لمنصب الكتابة الأولى جاء استجابة لرغبة عدد كبير من رفاق الدرب والنضال، سواء داخل الجامعة أو الشبيبة الاتحادية، وتحصينا لفكرة التجديد السياسي والفكري، ومن أجل إعطاء الحزب دفعة جديدة، للقيام بمهام النضال الوطني، من أجل المشروع الوطني، الذي مازال منحصرا بين أيدي تيارات محافظة، وظلامية. إن قرار الترشيح لمنصب الكاتب الأول للحزب ليس للجميع بل للاتحاديين والاتحاديات العاضين على المبادئ بالنواجذ، يشرح الطالبي متمنيا أن يلقى دعم أحرار وحرات الاتحاد، لأن المعركة مع لوبي الفساد ليست سهلة أبدا، ولكن الأحرار ينتصرون أبدا. بشهادة خصومه والأصدقاء، لا يتوفر الطالبي على النفوذ والتأثير الذي يتمتع به منافسوه على الزعامة، لكنه يجسد صوت الشباب الغاضب داخل الاتحاد الاشتراكي. هل يحقق الطالبي المفاجأة ويسقط نهاية الأسبوع المقبل في بوزنيقة من يسميهم بصقور الاتحاد الاشتراكي؟
فتح الله ولعلو..الاقتصادي الذي يريد تحريك الاتحاد يعترف فتح الله ولعلو، الذي سبق أن دخل سباق الكتابة الأولى في آخر مؤتمر عقده الاتحاد الإشتراكي سينتخب عبد الواحد الراضي كاتبا أول للحزب، أنه يدخل السباق اليوم بعد أن تلقى الكثير من رسائل الدعم التي أشارت عليه بضرورة ركوب التحدي مرة أخرى. ولا يخفي ولعلو أن طموحه الوحيد في هذه الظرفية الدقيقة، هو أن يساهم مع كل الاتحاديات والاتحاديين في إعادة بناء الاتحاد وإخراجه من المنغلق الذي يعيش فيه منذ قرابة العشر سنوات. ليس الاتحاديون وحدهم من هم في حاجة إلى اتحاد جديد ومتجدد، بل البلاد في كليتها تحتاج إلى اتحاد اشتراكي قوي ومنيع وذي مصداقية لخدمة مشروع التقدم والحداثة، يقول فتح الله ولعلو. ومن تم فإن مساءلتي لضميري، يضيف وزير المالية في أول حكومة تناوب، واحترامي لطموحات الاتحاديين هما اللذان دفعاني لهذا الترشح، لنبني جميعا من جديد، وفي مرحلة هي بالضرورة انتقالية، هذا الاتحاد الاشتراكي القوي والمنيع المطالب بأن يسترجع حركيته وجاذبيته، فكرا وممارسة. إن الأمر لن يكون سهلا وميسرا، فالظرفية صعبة والتحديات كبيرة. الوضع صعب عالميا وجهويا ووطنيا، صعب بالنظر لوضعية الحزب الحالية وصعب قياسا مع إكراهات الظرفية وانتظارات المواطنات والمواطنين. ويشدد ولعلو على أن اندلاع حراك الشباب الذي عرفته بلادنا، والذي يتجلى في الوجه المشرق لحركة 20 فبراير وشعاراتها، فرض على حزبنا الانخراط فيه لأننا اعتبرناه امتدادا وتعزيزا لنضالنا التاريخي من أجل دمقرطة البنيات السياسية وتحقيق مطالب الإصلاح الدستوري التي رفعها وناضل من أجلها الاتحاد منذ السبعينيات. يدخل فتح الله ولعلو السباق بأدوات الإقناع السياسي من كون البلاد تعيش وضعا مقلقا بتواجد ائتلاف حكومي محافظ، وغير قادر على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهو وضع سياسي يضرب المكتسبات التي حققها المغرب منذ حكومة التناوب. ثمة مخاطر، يقول ولعلو، تتجلى في التراجع عن المنجزات والمكاسب الاقتصادية والتي تهم الرفع من معدل النمو ومحاربة الفقر والبطالة، وعجز مالية الدولة ومستوى مديونيتها الخارجية والداخلية، وعجز الحسابات الخارجية ووضعية المؤسسات العمومية والمنظومة التمويلية. كل هذا الوضع السياسي والاقتصادي الذي شرحه فتح الله ولعلو هو الذي يشكل ورقته الرابحة في مؤتمر الاتحاد نهاية الأسبوع المقبل. إنه يراهن على أن يرفع من حدة الخطاب ويتجاوز دغدغة العواطف عن حزب الشهداء والمناضلين ليرسم لمن سيختار غدا صورة حزب فيها أيضا رجال سياسة واقتصاد. ويخلص ولعلو في ندائه إلى ضرورة أن يكون المؤتمر الوطني التاسع هو مؤتمر المحافظة على الوجود المحدد لمستقبل الحزب، وأن نكون مقتنعين بأن مستقبل الحزب وتقويته هو مكون أساسي لضمان مستقبل البلاد.