يقول شومان : ((إذا،أردت أن تتعرف إلى أخلاق الشعوب،فاستمع إلى موسيقاها)) ،أما فيلسوف التشاؤم شوبنهاور،فقد وجد مع الموسيقى وحدها :((حبل النجاة الوحيد وطريقنا للخلاص من عالم الشر الذي يسيطر على الأرض)). هكذا،وأنا حزين جدا جراء ما يتمدد حولي كل آن،من شرور شتى، تدينني باعتباري إنسانا،مادامت تمس أي فرد محسوب على الصنف البشري،في جوهره وماهيته الأصليتين،لا يمكنني غير العثور في الجمال الموسيقي عامة ،و تأليفات مبدع استثنائي جدا، كما يجسده عازف الكمان الشهير،الهولندي أندريه ريو،تحليقا دائما نكاية في الزمان والمكان والسياقات المفروضة ووثائق بلادة البيروقراطية الإدارية.سفر،صوب فردوس أرضي -غير أرضي،حيث الحرية والخيال والانتشاء اللذيذ ثم خاصة الرغبة اللا-متناهية في أن تكون حقا إنسانا دون الخجل من نفسك،والتباهي بالإحساس الجديد، حد أن يغدو نصفك إلهيا والثاني ملائكيا.من يريد شاهدا على هذا،فليكتف فقط بارتشاف بعض من رحيق، أغنية السيدة فيروز"كانوا ياحبيبي" ،وهي تعزف ثانية من طرف الموسيقار الأسطوري أندريه ريو. هذا الفنان،الذي اعتبر البعض موهبته موازية لموزارت،بل لاتنقصه تلك العبقرية فوق الإنسانية ربما،التي سترتقي به سريعا نحو صف قمم موسيقية خالدة، أمثال : شوبان،تشايكوفسكي،دميتري شوستاكوفيتش،ريمسكي كورساكوف،سيرجي رخمانينوف،إلخ.أقول،بأن أندريه ريو،صاحب مشروع تقديم روائع الموسيقى الكلاسيكية،بناء على شعار "الحياة الجميلة"،خلق بكل تأكيد كي يكون موسيقيا فقط، بالتالي،انتماؤه إلى تلك الفئة النادرة في العالم،المشبعة حرية وذكاء،فتدرك منذ يومها الأول صميميا ماتريده،ثم تريد بكل جوارحها ماتفعله،فتكون سعيدة وتسعد معها باقي البشرية. ولد أندريه ريو،في مدينة ماسترخت الهولندية يوم 1أكتوبر .1949كان والده، مخرج فرقة مسرحية كلاسيكية.بدأ يعزف الكمان، ولم يتجاوز بعد عمره سن الخامسة.عام 1974 ،التحق بالمعهد الموسيقي في بروكسيل، حيث تتلمذ على يد أفضل الأساتذة الأكاديميين،فتخرج منها سنة1977متوجا بالجائزة الأولى.تزوج عام 1975 ،من صديقة طفولته مارجوري ،وأنجب منها ولدين هما "بيار" و"مارك". انضم إلى فرقة "ليمبورخ"،كعازف كمان وسجل أول أسطوانة له سنة 1994،سميت في الولاياتالمتحدةالأمريكية ب"من هولندا، مع الحب"،أما في أوروبا فقد اشتهرت ب''رقصة الفالس الثانية"،التي لاقت إعجابا جماهيريا منقطع النظير،وحققت أفضل المبيعات بحيث تجاوزت 10ملايين أسطوانة امتد إشعاعها إلى أكثر من 30بلدا. إذن،الطبيب الروحي كما نعته واحد من الجمهور :((الذي يعزف بكمانه على أوتار قلوبنا…،وجعلنا نرى جمال الحياة بقلوبنا قبل أن نراه بعيوننا)) ، ستعبر شهرته فضاءات الصين والهند والدول العربية،وقدم عروضا في أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا والمكسيك وبلجيكا وألمانيا وغيرها من البلدان،ذات الثقافات المتنوعة والمرجعيات الفنية المتباينة،غير أن موسيقى أندريه ريو،احتلت العقول دائما كما سكنت القلوب.هكذا،قاربت مداخل مبيعاته مثلا عام 2009،قيمة67مليون يورو محتلا المرتبة السادسة.السنة ذاتها،التي حصل خلالها على وسام الفروسية للفنون والآداب،من الجمهورية الفرنسية، نظرا لجهوده التعريفية بالنغم السيمفوني والكلاسيكي في جميع أنحاء العالم.ثم لاننسى أيضا،تتويجه بوسام الأسد الهولندي سنة2002 . تلتقي جل الآراء،على أن سر نجاح أندريه ريو،يتمثل في قدرته الكبيرة على إعادة الأجيال الشابة،إلى دور الأوبرا والصالات الموسيقية،وتحفيزه مختلف الفئات العمرية بمن فيهم الأطفال،على ولوج تمثل عوالم الموسيقى الكلاسيكية،بعد أن بقيت حكرا على الكبار والشيوخ.لقد وسع قاعدة جمهور السماع الأوركسترالي،لأنه أحدث متعة وتشويقا عند عشاق للغناء صاروا يقبلون على العروض الكلاسيكية وقد تخلصت مع متعة لحظة الإبداع عند أندريه ريو،من الرصانة التقليدية والقوالب الجامدة للأوركسترا الكلاسيكية. للتدليل على هذا المنحى،يمكننا أن نستعيد سريعا محطات من منجز أندريه ريو.فقد،أعاد توزيع موسيقى فيلم (العراب)(1972) ،بصيغة جديدة وهي من تأليف الموسيقار الايطالي''نينو روتا''،كما وضع موسيقى فيلم (تيتانيك) في قالب سيمفوني،أو موسيقى "عالجوا العالم" لمايكل جاكسون.كذلك،مزج السيمفونية الخامسة لبيتهوفن برقصة السالسا،وموسيقى "روميو وجولييت"للروسي تشايكوفسكي،أو موسيقى "أوبرا كارمن" للفرنسي جورج بيزيه،وكذا"نشيد الفرح" لبيتهوفن…،موسيقى زوربا اليونانية،إلخ. بناء عليه،أليس حري بجوقة"فناني الغناء العربي" في ضجيجه الحالي،أن يحزموا حقائبهم ويرحلوا إلى أرض بعيدة دون إياب ،على الأقل حياء من أرض، يوجد فوقها موسيقي من عيار أندريه ريو؟.