من كان يعتقد أن إحدى المناطق الأكثر جفافا في العالم، يمكن أن تكون واحدة من بين الأنظمة البيئية الأكثر نجاعة في العالم؟ فرغم الظروف المناخية القاسية، استطاع الإنسان استعمال قوى الطبيعة، من خلال خلق نظام زراعي منذ عدة قرون، فريد من نوعه، ذكي... وأيضا، أكثر بساطة. وفي زمن الثورة الايكولوجية، أصبحت التنمية المستدامة أحد أهم مواضيع هذا القرن. انطلاقا من النظريات الأكثر تعقيدا إلى الابتكارات البعيدة الاحتمال، كل شيء تم التفكير فيه، قصد الحد من تأثير الإنسان على بيئته. ورغم كل ذلك وكل هذه المجهودات وبعيدا في الصحراء، يوجد نظام يعود إلى آلاف السنين تمكن من البقاء على قيد الحياة في أقسى الظروف المناخية: إنها الواحات. ومن منطلق كونها ثمرة استغلال ذكي لقوى الطبيعة، تعتبر الواحات ابتكارا فريدا ومستقلا مندمجا بشكل تام في مناخ عادة لا تعطى له أي قيمة ، لكن ابتكار غني بالدروس. واستغلال هذا الفحوى الخاص وهذا المجال بكل خصوصياته، أتاح ميلاد فلاحة مدروسة بدقة متناهية، ووفق معادلة مع الطبيعة، فقد تستعمل حتى الثغرات، والقوى من أجل الحصول على الأحسن. العرض المتحفي المنظم من قبل فضاء الفنون والتراث القروي للقرض الفلاحي بالمغرب يوم 28 يناير 2010 ، يعكس روعة وغنى الزراعة في الواحات، التي تمثل خير مثال على التنمية المستدامة. " ليس مجرد معرض عادي... فهو مفهوم جديد للمتحف البيداغوجي، وللاكتشاف وسفر حقيقي تكويني يحمل الزائر إلى عالم متميز، وغني بالدروس... إنها تجرية تستحق أن تعاش، وتتقاسم" تقول مسؤولة عن الفنون والتراث بالمؤسسة المذكورة خلال الزيارة التي قام بها وفد صحافي عشية الخميس الماضي 28 يناير 2010. ويتمحور هذا المعرض حول موضوع أساسي، يرمي إلى تعميم التعريف بالفلاحة في المناطق الصحراوية، وتقاسم هذه المعرفة مع الجمهور العريض، والمهنيين، بغية الحفاظ على كل هذا هذه الغنى، الذي سيمثله هذا الموروث خلال القرون القادمة. "تمت دراسة التصميم السينوغرافي للمعرض بشكل يمكن الزائرين فهم مرحلة بمرحلة، انطلاقا من مختلف مكونات الفلاحة بالوسط الصحراوي، ومرورا بالمتغيرات التي خولت خلق تناغم الواحة والأخطار والإخفاقات التي تواجهها في الوقت الراهن هذه المناطق بسبب الاستغلال السيئ من قبل الإنسان، وصولا إلى الظروف المناخية، ومختلف الظواهر والأمراض". وفي انسجام تام، يتم استغلال الماء والتربة، والطقس عبر نظام يوفر المرودية دون إهدار جميع المحاصيل الزراعية التي أضحت عملة نادرة في أيامنا، ورغم أن الزراعة في الواحة تتميز بجانبها التقليدي، لكنها تنفرد بفعالة أكيدة، وهي تؤكد أن مسألة البيئة الإيكولوجية هي إرث، كما أن التنمية المستدامة هي أكثر من مجرد اعتقاد، ولكنها انشغال حقيقي منذ سنوات". إن تدبير المياه على سبيل المثال، يكمن في استعمال الوسائل التقليدية (الخطارات والسواقي...)، لكنه أيضا يبرز من خلال اعتماد الوسائل العصرية لتجميع المياه، على غرار السدود، هي تجهيزات فعالة مكنت المغرب من إعادة استعمال مياه الأنهار والأمطار، أو تجربة تحلية مياه البحر. ففضلا عن الزراعة في الواحات، يوفر المعرض فضاء مخصص كذلك للتصحر، ومصدره، والسياسات المعتمدة لمحاربته. "هناك مشاريع قيد الإنجاز حاليا لإعادة زراعة النخيل بجهات فكيك وطانطان" فالبيئة الصحراوية أصبحت أكثر هشاشة، نتيجة الظروف المناخية الحالية، فثلثي أشجار النخيل انقرضت في أقل من قرن..." ويتواصل المعرض عبر المرور من فضاء حديث يمثل مغارة تحتوي على نقوش صخرية، تعتبر إرثا ثمينا من للأجداد، ومتحفا يكشف عن قطع قديمة وتقنيات غزل الصوف، وحرث الأرض... التنمية المستدامة والبحث هي أيضا من الأمور التي تحظى بالأولوية من خلال عرض المنتجات الناشئة. الفلاحة على أبواب الصحراء: أكثر من مجرد معرض، بل تجربة تستحق أن تعاش. " هذا المفهوم يعتبر جديدا بالمغرب، فالمعرض المتحفي يمثل سفرا وعودة إلى الأصول. فهو عنوان لهندسة وسينوغرافيا متميزة تضاهي المعايير الدولية. وتمت إضافة مؤثرات صوتية للتذكير بخصوصة الواحات. خرير المياه.. رياح الصحراء الفريدة من نوعها ... وهناك أيضا، موسيقى المناطق الجنوبية... وكل هذا يمثل موروثا يحظى بكامل اهتمامنا".