أكد عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، أن "تاريخ الاتحاد، منذ تأسيسه، مليء بالصراعات والأزمات والاستقالات وحالات التشنج وعدم الرضا"، مبرزا أن الاتحاد "منظمة ثقافية لازالت تشتغل بمنطق التطوع، كل حسب قدرته ووقته وكفاءته وجهوده"، ومبينا أن وزارة الثقافة لم تف بوعودها إزاء الاتحاد. وتطرق العلام، في حوار مع هسبريس، إلى سبب "تأجيل" مشروع المناظرة الوطنية للثقافة، كما تحدث عما سماه " الهروبات " من المسئولية، في تعليقه عن بعض الاستقالات داخل الاتحاد"، كما عرج على الحديث إلى حضور اتحاد كتاب المغرب بالمركز والهامش، وقضايا الطبع والنشر، والجوائز، وغير ذلك. نُرحب بك أستاذ عبد الرحيم العلام في جريدة هسبريس الإلكترونية، ونبدأ معك من المناظرة الوطنية للثقافة المغربية، التي بدأ الاتحاد الإعداد لها منذ مدة، وحضر لها في لقاء مهم في إفران؟ والآن هل تم التراجع عن تلك الديناميكية؟ لا .. لا أبدا، لم يتم التراجع عن تنظيم الاتحاد للمناظرة الوطنية حول الثقافة المغربية، فالاتحاد قد برمجها ضمن مشاريعه الثقافية، وأعد لها من الناحية النظرية والأدبية، كما يعتبرها أحد أهم رهاناته الثقافية الكبرى. لكن لا بأس من توضيح بعض الأمور والإرغامات الموازية المتحكمة في هذا التأجيل. ففضلا عن لقاء إيفران، حيث عقدت لجان المناظرة، مشكورة، اجتماعاتها وأعدت أوراقها، وصادقت عليها، سبق ذلك اجتماع للجان الفرعية بمدينة الرباط، بحضور ثلة وازنة من مثقفينا وكتابنا وفنانينا، من المهتمين بشؤون الثقافة والفكر والأدب والقراءة والفن ببلادنا. وفي اللحظة التي قمنا فيها بالتنسيق مع السلطات المحلية وبعض الجهات المعنية بإفران، بخصوص مقرات انعقاد المناظرة وإيواء المشاركين، وأمكنة تنظيم الأنشطة الفنية الموازية لفعاليات المناظرة، تفاجئنا وزارة الثقافة، باعتبارها الجهة التي وعدتنا بدعم المناظرة، بعدم وفائها لالتزاماتها. فقد كان وزير الثقافة شخصيا، هو من عبر عن رغبته في أن ينظم الاتحاد هذه المناظرة، قبل المؤتمر الأخير للاتحاد، أي حتى قبل أن ندرجها كنشاط مركزي في برنامج المكتب التنفيذي الجديد، حيث استقبلني شخصيا بمكتبه، بمعية بعض الإخوة أعضاء الاتحاد، ووعدنا بتنظيم المناظرة ودعمها. هل تحققت تلك الوعود؟ إلى اليوم، للأسف الشديد، لاحظنا أن تلك الوعود قد تبخرت، ربما نتيجة إكراهات معينة، لا نعلمها، ولكن تنظيم مناظرة وطنية من هذا الحجم سيخدم الثقافة ومستقبلها ببلادنا، وهو القطاع نفسه الذي تشرف عليه الوزارة الوصية. كذلك، كنا قد عرضنا الموضوع نفسه على السيد رئيس الحكومة الحالي، في الدفتر المطلبي الذي رفعناه إلى سيادته، إثر زيارتنا له بمقر رئاسة الحكومة، ضمن وفد وازن من أعضاء الاتحاد، فوعدنا بمباشرة كل المطالب التي عرضناها عليه، وتم تذكيره في هذا الأمر، وفي غيره من المطالب الأخرى الحيوية بالنسبة لنا، بموجب رسائل رسمية، وعبر اتصالات مباشرة بديوانه، لكن لم نتلق إلى اليوم أي رد فعل في الموضوع، لا إيجابي ولا سلبي، دون أن ننكر، هنا، تفاعل السيد رئيس الحكومة الإيجابي مع بعض المطالب الأخرى الموازية لفائدة الاتحاد. وأمام هذا الوضع، الذي أضحى معروفا ومتداولا بين أعضاء الاتحاد وفي الصحافة ولدى الرأي العام، وأمام التزامنا بتنظيم هذه المناظرة، حدث في اتصال مع مؤسستين حزبيتين، أن عبرتا عن استعدادهما لدعم هذه المناظرة، ما اعتبرناه نحن التفاتة مسؤولة من أحزابنا الوطنية، وعودة مؤثرة لها للانخراط في الشأن الثقافي، بعد أن شغلتها السياسة كثيرا. وبما أن هذا الأمر لا يتنافى قط مع مبادئ الاتحاد والقيم التي تأسس عليها، فسنحرص، من جهتنا، على التفاعل الإيجابي مع جميع المبادرات الوطنية الصادقة، في الحكومة أو في المعارضة، أو خارجهما، في سبيل خدمة ثقافتنا الوطنية، بعيدا عن أية إملاءات أو إرغامات موازية، وأيضا بعيدا عن أية تقاطبات أو تيارات إيديولوجية متحكمة. ومن يستحضر إفرازات المؤتمر الأخير للاتحاد، سيلمس عن كثب أن اتحاد كتاب المغرب، قد قطع أشواطا مهمة، في سبيل الحفاظ على استقلاليته ومواقفه ومبادئه، شعورا من الجميع بضرورة القطع مع بعض سلوكات الماضي، خاصة أمام الإصلاحات والمتغيرات التي تعرفها بلادنا، والتي لم تعد تسمح لاتحادنا بأن يتخلف عن ركبها. يقال إن هناك احتقان بين أعضاء المكتب: استقالة لغتيري، وهناك سوء تفاهم بنيكم وبين الكاتب العام، وهناك اختلاف في المواقع (اختلافك مع ليلى الشافعي في قضية أنوزلا وخروجها ببيان متضامن معه من خارج الاتحاد)، وهناك أعضاء يتحدث الكل عن ضعفهم ومستواهم الذي لا يشرف اتحاد الكتاب.. كيف تتعاملون مع هذا الوضع؟ مع أن هناك من يقول إنك تستغل هذا التشرذم، لكي تتصرف لوحدك وتدير الاتحاد بشكل شخصي وبمزاجية أحيانا؟ أولا، علينا أن نعلم أن هذه منظمة ثقافية لازالت، للأسف الشديد، تشتغل بمنطق التطوع، كل حسب قدرته ووقته وكفاءته وجهوده. وقد عودنا الاتحاد منذ تأسيسه على الاختلاف في وجهات النظر، وذلك لا يفسد للود قضية. بل عودنا الاتحاد على الصراع الإيجابي أحيانا والسلبي أحيانا أخرى. وتاريخ الاتحاد، منذ تأسيسه، مليء بالصراعات والأزمات والاستقالات وحالات التشنج وعدم الرضا، منذ ولاية أول رئيس للاتحاد، لكن منظمتنا ظلت دائما حاضرة ومتجددة، يضعها أعضاؤها فوق أية مصلحة ذاتية أو ضيقة. اليوم، ربما تغيرت نظرتنا إلى الأمور بعض الشيء، على مستوى الوعي والأخلاق وشروط المرحلة، وأيضا على مستوى طبيعة علاقتنا بهذه المنظمة الثقافية العتيدة، وقد خرجت من معطفها مجموعة من الإطارات الثقافية الأخرى. لكن الاتحاد ظل، مع ذلك، بيتا رمزيا لجميع أعضائه، هؤلاء الذي ما فتئوا يعلنون تشبثهم به، فضاء ثقافيا وجمعويا، راكم من الأسئلة والمواقف والحضور الشيء الكثير. لقد حدث، ولأول مرة في تاريخ الاتحاد، أن تعاقدنا فيما بيننا في المكتب التنفيذي على ميثاق أخلاقي، يقضي بمواصلة الجميع لهذه الرحلة والعمل النبيلين بشكل جماعي وتشاركي. صحيح أنني، ربما، أشتغل بإيقاع سريع نوعا ما، وهي ملاحظة أبداها أحد إخوتي في المكتب التنفيذي، لكنه إيقاع لا يتعارض مع التدبير الإيجابي والديموقراطي للمرحلة، دون أن أدعي الكمال أو امتلاك الحلول السحرية. أمام هذا الوضع، يحدث مع توغلنا في الزمن الثقافي للاتحاد، أن يصاب البعض بعثرات، إما نتيجة عياء، أو انشغال طارئ، أو نتيجة رد فعل بطيء أو متسرع، وحتى نتيجة لعدم قدرة بعض الأعضاء على فهم الأمور، وتمثل التغيرات التي طالت المرحلة وزمننا الثقافي، فتجدهم يختارون ربما الطريق الأسلم، في نظرهم. والتاريخ يذكرنا بعديد "الهروبات" من المسؤولية، سواء في الاتحاد أو في غيره من الجمعيات، بعد أن اختار مرتكبوها الانخراط فيها عن طواعية، علما بأن الاستقالة لا تعفي صاحبها من المحاسبة. فالعمل الجمعوي، رغم كونه يرتكز على التطوع، تبقى له قواعده وشروطه وشفافيته، كما أن له فضاءه الديمقراطي، الذي هو الاجتماعات، والتصويت إن اقتضى الحال. هذه باختصار وتبسيط شديد وبواقعية أشد ما يجري عادة في كواليس الاتحاد، دون أن أقدم الأمثلة على ذلك، فهي معروفة ومتداولة ومعزولة. أما قراراتنا ومواقفنا، فتتخذ بالإجماع أو بالأغلبية، ولم نعتد أن نستجيب لرغبة أو لتصور عضو واحد أو اثنين. إذ في هذه الحالة، يفقد الرأي الآخر صوته، ليرتهن إلى صوت الجماعة، لكنه يظل، مع ذلك، محتفظا بصوابه وببعض وجاهته ومصداقيته. حتى اليوم، نحن نشتغل في وئام، ولا مشاكل لدي شخصيا مع أي عضو في المكتب التنفيذي، نختلف ونتحاور وقد نصطدم أحيانا، فقط حفاظا على هذه المنظمة، فكل واحد منا يشتغل وفق ما يمليه عليه ضميره، وما يسمح له به وقته واستطاعته، وقد التأمنا أخيرا في اجتماع للمجلس الإداري للاتحاد، بما عرفه من نجاح لافت، ربما لم يستسغه البعض، لكن القافلة، مع ذلك، ستظل سائرة. أزمات اتحاد كتاب المغرب لا تبدو أنها جديدة؟ نحن نتحدث عن ظاهرة قديمة، لا أعتقد أن تجلياتها ستتوقف بعصا سحرية. والكل، هنا، يتذكر أزمات الاتحاد السابقة، وكذا الاستقالات التي عرفتها مكاتبه التنفيذية ومكاتب فروعه، وعثرات الاتحاد قبل المؤتمر الأخير خير دليل على ذلك. لكن بالرغم من ذلك، ظل الاتحاد صامدا وشامخا، كما كان يجد دائما من يسانده ويرعاه ولا يفرط فيه، وأنا واحد منهم. بناء على ما ذكرته، إذن، لا مجال، هنا، للحديث عن التشرذم داخل الاتحاد، فنحن لسنا حكومة أو حزبا سياسيا أو منظمة حكومية. كل ما هنالك أننا نشتغل، تقديرا للثقة التي وضعها فينا إخوتنا في المؤتمر الأخير، وطبقا لما يخوله لنا القانونان الأساسي والداخلي للاتحاد، في جو مافتئت أحرص، شخصيا، على أن تسوده روح المحبة والتفاهم والمسؤولية، علما بأنني بشر لست منزها عن الخطأ، لكن الرئيس غالبا ما يكون المستهدف الأول والأخير، وكثيرا ما يتم تحميله المسؤولية وحده، وأنا أتقبلها، في حين أنها، في الأصل، هي مسؤولية جماعية. إن عثرات الاتحاد وإخفاقاته، يمكن اعتبارها، في عمومها، مظهرا من مظاهر أزمة الثقافة والمثقفين في زمن التحولات الكبرى التي نعيشها. صحيح، كما قلت، أن جوانب من أزمة الاتحاد يحملها معه منذ تأسيسه، إذ ظل خلال مراحل تطوره، سجين تجاذب بين ممارسات تقليدية وأخرى تستشرف الحداثة، لم تجد خلال أزيد من خمسة عقود من عمر الاتحاد، الرغبة الكافية ولا الشرط المناسب للقطع معها. من هنا، فقد آن أَوانُ تحويل الاتحاد إلى مؤسسة للعمل الثقافي؛ مؤسسة حاضرة وفاعلة في قلب المشروع الثقافي الوطني. كما أنه آن أوان كتابة تاريخ اتحاد كتاب المغرب، انطلاقا من أسئلته ومواقفه ورهاناته، ومن سيرورة المثقفين والكتاب المغاربة الذين ساهموا في تأسيسه. وإن من شان ذلك كله أن يتيح للكتاب وللمثقفين المغاربة الفرصة لتشخيص موضوعي للعوائق الرئيسية، التي اعترضت مسيرته التنظيمية، وتبيان كيف واجهها وتغلب عليها. إن مسؤولية الكتاب تجاه منظمتهم تبدو اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مضاعفة، لا تستدعي المواجهة والتشرذم، بقدر ما تستلزم تضافر جهود الجميع للحفاظ على منظمتهم والنهوض بها، سواء من داخل هياكلها التنظيمية أو من خارجها، فالاتحاد سيظل ثابتا أما نحن فعابرون. مجموعة من الكتاب يقولون إن هناك قطيعة بين الإتحاد والرأي العام، وهناك من يقول أن دوره مؤخرا انحصر على نعي الكتاب الذين يتوفون، بعبارة أخرى متى يخرج اتحاد كتاب المغرب من صف المهادنة؟ ألا تستحق الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية ثورة حقيقية؟ من يقول هذا الكلام هو شخص غير منصف وربما جاحد، اعتبارا لما يتم القيام به في هذا الإطار. فمن يقول بالقطيعة مع الرأي العام، هو إنسان لا يتتبع مسار اتحادنا وحضوره وتواصله وإشعاعه. لقد اعتاد الاتحاد دائما على التفاعل الإيجابي مع الرأي العام، المحلي والخارجي، سواء عبر بلاغاته أو موقعه الإلكتروني، أو عبر شبكة التواصل الاجتماعي. فجميع مواقفنا وبياناتنا وبلاغاتنا منشورة ومغطاة إعلاميا، وعبر وسائط الإعلام المختلفة، ومجلة الاتحاد "آفاق". فضلا عن حرصنا على أن نتفاعل مع محيطنا الداخلي والخارجي، وحتى على أعلى مستوى، بتبليغه بمواقفنا وهواجسنا ورغائبنا. قد يكون الإعلام مقصرا نوعا ما، لكن حضورنا وتفاعلنا المتواصل مع الرأي العام، يبقى مضيئا ومؤثرا. ومن المناسب الإشارة، في هذا الإطار، إلى بعض الأدوار التي قام بها الاتحاد في إطار تفاعله الإيجابي مع ما ترتب عن الحركات الاحتجاجية ببلادنا، بآرائه وأوراقه وتصوراته على مستوى عدد من الأوراش والتظاهرات والمشارورات ولقاءات التفكير. فعلى مستوى المواقف والاستشارات المتعلقة بالإصلاحات الدستورية الأخيرة، نسجل أن اتحاد الكتاب كان حاضرا، بمساهمته في عرض تصوره للإصلاح الثقافي ببلادنا، كما وضَّح موقفه من المسألة اللغوية والتعاقد الاجتماعي، وتقديمه لتصوره حول إصلاح الشأن الثقافي ببلادنا، بناء على طلب من اللجنة المكلفة بوضع برنامج الحكومة الحالية، كما أبرز تصوره للسياسات الثقافية، مستشعرا الإكراهات التي تواجهها في بلادنا. بل وثمة من يذهب اليوم إلى أن الاتحاد قد استعاد حضوره وتوازنه وقوته في المشهد العام ببلادنا، ولا أدل على ذلك من مواقفه وبياناته المساندة أو المنتقدة لقضايانا ومشاكلنا السياسية والاجتماعية والثقافية، حيث حضر الاتحاد بندائه التاريخي بمدينة العيون (نداء الصحراء)، وبتقديمه، لتصوره حول المسألة التعليمية ببلادنا إلى المجلس الأعلى للتعليم، بناء على طلب منه، فضلا عن موقفه الشهير بخصوص مسألة الارتباك الحاصل لدى الحكومة والمعارضة، على حد سواء، وغير ذلك من الحالات التي يحسب لاتحادنا الخوض فيها والتعبير عن مواقفه تجاهها. سيظل الاتحاد بحضوره وحرصه على كل الإنجازات التي حققها، بتآزر جهود أعضائه وتطوعهم، مؤسسةً ملتزمةً بقيم الحداثة والحرية والإبداع، حريصا على توسيع مساحة تلك القيم والدفاع عنها والإخلاص لجوهرها، من أجل استشراف ثقافة مغربية حديثة، منحازة إلى المثل المذكورة، مدافعا عنها في تفاعل مع متغيرات مجتمعنا. نرى أن الجمعيات الهامشية تقوم بملتقيات وطنية وعالمية في مدن هامشية، أي أن الهوامش تنتج الثقافة، فهل ينحصر دور الإتحاد في المركز؟ بالعكس، اتحاد كتاب المغرب، كما يعلم الجميع، يتوفر اليوم على خمسة وعشرين فرعا، موزعة في عدد من مناطق المغرب، من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه، ومن بينها عدد من الفروع التي تتواجد بمناطق نائية وهامشية، لكنها تعرف حركية ثقافية نشيطة، تعكس إشعاع الاتحاد الثقافي على امتداد التراب الوطني. وحتى خارج المناطق التي تتواجد بها فروع الاتحاد، فإن أنشطة هذا الأخير وصلت إلى أقاصي المغرب وتخومه، بما فيها المناطق الصحراوية والنائية (أرفود ومرزوكة والعيون وأزيلال وشيشاوة... على سبيل المثال)، ما يعكس امتداد الحضور الثقافي للاتحاد وانتشار أنشطته، في المراكز وخارجها، اعتبارا للأنشطة الكبيرة والمؤثرة والناجحة التي تباشرها فروع الاتحاد، في إطار أنشطتها المحلية أو بالتنسيق مع المكتب التنفيذي. ومن بين خطط الاتحاد الجديدة، الانفتاح أكثر على المناطق النائية، حتى لا نقول الهامشية، تماشيا مع سياسة الجهوية التي انخرطت فيها بلادنا، وأيضا لكون ما يسمى تجاوزا بالهوامش، رغم عزلتها ومعاناتها ثقافيا، نجدها اليوم هي الأكثر ترحيبا بكل ما هو ثقافي وإبداعي، واقع عايناه، نحن في الاتحاد، عن كثب، أي عبر عديد المحطات والتظاهرات الثقافية الناجحة التي نظمناها هنا وهناك، كان آخرها تأسيس فرعين جديدين للاتحاد بمدينتي العيون وخريبكة، وتنظيم أنشطة موازية بالمدينتين، وكذا تنظيمنا للملتقى الشعري الأول بالمضيق، ما يفرض علينا، اليوم، مواصلة الانخراط في صلب هذا التوجه، اعتبارا لنتائجه الإيجابية والمؤثرة والمضيئة. وقريبا سننظم ندوة حول "الإبداع الأدبي الحساني"، بمدينة الداخلة، بالصحراء المغربية، فضلا عن تنظيم الدورة الرابعة للمهرجان الوطني للقصة القصيرة بالمغرب، بمدينة الفقيه بنصالح، وغيرها من أشكال الحضور المتوهج للاتحاد خارج المركز طبعا. لماذا يفوز المغاربة بجوائز قيمة في الخليج ومصر وفي أوروبا، ولا يعترف بهم في بلدهم. فؤاد العروي مثالاً؟ أولا، علينا أن نعتبر الحضور الجديد لكتابنا المغاربة على مستوى الجوائز التي يحصلون عليها، هنا وهناك، ظاهرة صحية ومرغوب فيها، نحن الذين كثيرا ما اشتكينا من تجاهل المشرق العربي عموما لنا ولكتابنا ولإنتاجنا الفكري والأدبي. اليوم، يتم الاعتراف بذلك كله، في العالمين العربي والغربي، ما تعكسه طبيعة التطور الحاصل في مشهدنا الفكري والأدبي والفني، ونوعية الجوائز المحصل عليها. أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من السؤال، فالأمر، في اعتقادي، يعود ربما لندرة الجوائز التي تمنحها الدولة المغربية، غير المشجعة أصلا، فضلا عن هزالة قيمتها المعنوية والمادية.. لكن هذا لا يمنع من القول باحتفاء الدولة والمجتمع المدني بكتابنا وأدبائنا وفنانينا المغاربة، ربما ليس بالشكل المرتجى، في إطار محافل موازية، من قبيل مهرجانات السينما الوطنية والدولية، ولقاءات التكريم والاحتفاء بتجارب رموز ثقافتنا الوطنية، المنظمة هنا وهناك. ويكفي أن نستحضر، هنا، عديد فروع الاتحاد التي ما فتئت تعمل على ترسيخ ثقافة الاعتراف في مجتمعنا، بما تنظمه من لقاءات الاحتفاء بمثقفينا وكتابنا، في تنوع أجيالهم وحساسياتهم التعبيرية والفنية واللغوية. والمكتب التنفيذي نفسه لم يكن غائبا عن مثل هذه المناسبات، وكلنا نتذكر ذلك الاحتفاء الباذخ بالروائي محمد الأشعري بالرباط، بمناسبة حصوله على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية. كذلك كان الاحتفاء بالأديب المغربي الكبير فؤاد العروي بأزمور، في لقاء تكريمي كبير، تقديرا لعطائه الأدبي المؤثر. لابد أيضا أن نستحضر، هنا، "جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب"، كي نلمس مدى الاعتبار الذي يوليه الاتحاد لهذه الفئة من المبدعين الشباب. فضلا عن ذلك، كان الاتحاد دائما حاضرا في المحافل العربية، في دفاعه المستميت عن الكاتب المغربي، والعربي. وأخيرا فقط، تمكن الاتحاد من انتزاع جائزة مهمة، هي "جائزة القدس" لفائدة الأديبة المغربية خناتة بنونة، من بين عدد من الترشيحات العربية، وهي الجائزة التي يمنحها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وتسلمتها الأديبة خناتة في حفل بهيج بسلطنة عمان، بحضور الاتحادات وروابط الأدباء والكتاب بالعالم العربي. كل هذه الأشكال من الحضور، وغيرها، تجعل الاتحاد في صلب هذا الأفق الرمزي الذي تؤسسه الثقافة المغربية اليوم، بشكل يجعل الإقبال على منتجيها ومنتوجها لافتا ومؤثرا ومرغوبا فيه. اشتكى العديد من المبدعين الذين تمّ التنويه بأعمالهم خلال جائزة اتحاد كتاب المغرب بانعدام توزيع كتبهم الفائزة، وليس سوءَه فحسب.. فإذا حدثَ ووزعت بعض الأعمال، فتكون الفائزة فقط وليس المنوه بها. هل هذا الخلل مسئولية الإتحاد أم جهة أخرى؟ نحن اعتدنا في الاتحاد على أن نطبع الكتب لكي توزع، وليس لكي نخزنها في المستودع، وإلا فما فائدة طبع الكتب في هذه الحالة. فحتى مستودع المرجوعات الضيق لا يسمح بتكديس الكتب داخله. من حسن حظنا، أمام تفاقم مشكل التوزيع عندنا، أننا زبون قديم ووفي لشركة التوزيع سبريس، المكلفة بتوزيع منشورات الاتحاد. وقد اعتدنا على نقل منشوراتنا مباشرة من المطبعة إلى فرع شركة التوزيع، الكائن بالرباط، دون أن تمر حتى بمقر الاتحاد. وبما أن منشورات الاتحاد غالبا ما تكون مدعمة، فقد اعتدنا، أيضا، أن نطبعها بكميات معقولة، قابلة للتوزيع، مع تقديم كمية منها لصاحب الكتاب، والاحتفاظ بحصة قليلة منها لأرشيف الاتحاد. ومتى توصلنا بالمرجوعات، نقوم، بتزويد صاحب الكتاب، متى طلب ذلك، ببعض النسخ الإضافية، وكذا الاستجابة لبعض الطلبات التي نتوصل بها من جمعيات ومؤسسات تعليمية، وغيرها، قصد تمكينها من منشورات الاتحاد، على سبيل توزيعها على التلاميذ أو تقديمها في إطار مسابقات أو جوائز.. على هذا النحو، وباختصار شديد، تتم عملية توزيع منشورات الاتحاد، بما فيها منشورات جائزة الاتحاد. علما بأننا لسنا مسؤولين على إيصال منشورات الاتحاد إلى جميع نقاط التوزيع والبيع، فتلك مسؤولية شركة التوزيع، مع أننا نحرص دائما على تنبيه الشركة إلى نقاط للبيع بعينها، حسب طبيعة الكتاب الموزع، وحسب المناطق التي تتواجد بها الجامعات والكليات والمعاهد، متى تعلق الأمر بكتب متخصصة. كذلك اعتدنا على تمكين وسائل الإعلام من منشورات الاتحاد للتعريف بها، فضلا عن التغطية الإلكترونية الموازية لها. بالنسبة لطبع الكتب، هل يقتصر الطبع فقط على ذوي العضوية؟ في غالب الأحيان، وخاصة أمام تزايد طلبات النشر والمخطوطات التي يتوصل بها الاتحاد، في غياب ميزانية تفي بالاستجابة لرغائب جميع الأعضاء في النشر، وكذا الاستجابة للطلبات التي نتوصل بها من حين لآخر، من قبل كتاب آخرين لهم وضعهم الأدبي والاعتباري، وهم ليسوا أعضاء في الاتحاد، لكن ميزانية الاتحاد وحتى الدعم الذي نتوصل به لهذا الغرض، تبقى هزيلة جدا، ولا يمكنها، بالتالي، أن تستجيب لعديد الطلبات التي نتوصل بها في هذا الإطار. ورغم هذا الوضع وهذه الإكراهات، فإن ذلك لا يمنع من أن يستجيب الاتحاد لبعض طلبات الكتاب غير الأعضاء في الاتحاد، اعتبارا لقيمة الكتاب المعروض للنشر ولطبيعة الحضور الأدبي لصاحبه. وقد وافق المكتب التنفيذي أخيرا، على سبيل المثال، على نشر كتاب لشاعر مغربي شاب، له حضور لافت في مشهدنا الشعري، رغم أنه ليس عضوا في الاتحاد. نتمنى أن تسعفنا الظروف للاستجابة لجميع طلبات النشر المتراكمة لدينا، سواء من أعضاء الاتحاد أو من خارجه. كما نتمنى أن يتحول الاتحاد إلى ناشر رسمي، له مطبعته الخاصة، وهو تمن مشروع لكنه ليس مستحيلا.