تتحدث عن وجود تعصب غير مبرر مبالغ فيه من طرف بعض الجماهير الكروية، وعن وجود سمسرة وغش وتزوير، تطفو على السطح فقاعاته بين الحين والحين، ينال اللعبة.. كل هذا التعصب وهذا "الاستغلال" قائمان بارزان معترف بهما،، فيناقشك "المتتبعون" في علاقة اللعب بالحياة وأهميته داخلها كمكون ترفيهي ضروري للإحساس بمتعتها، ويسرد "الآخر" سيلا من التهم آخر ما يمكن أن يقال بشأنها أن صديقنا هذا لم يقرأ من المقال إلا اسم الكاتب، وأنه يمكن تماما أن تكون تهمه تلك صائبة لو احتفظ بها لموضوع آخر ذي صلة بمضامين ما أورده!! والحالة هذه، فقد أعادنا أصحابنا هؤلاء إلى مربع نقاش سابق، كان من ضمن ما ورد في تعليقاتهم، طرح أسئلة أقل ما يقال عنها غريبة جدا بالنظر إلى مستوى واضعيها وسياقها ومجال وضعها: - {نفترض أن هناك خالقا، فهل يكون هو الله؟} - {"هب" أن هناك خالقا، كيف نفسر المعراج وانبلاج الماء وشق الصدر وانشقاق القمر؟} - {لماذا يربط الدين التاريخ بالبشر مع أن الطبيعة أقدم وجودا من الإنسان؟} - {لماذا لم يبرز الله ""الخجول"" للإفصاح عن وجوده؟}، ولا ندري أين تكون قيمة الدين والإيمان والاعتقاد حالة البروز!!؟ - {لماذا هناك اختلاف في الأديان؟ وأيها أصدق؟}، وكأن اختلاف الروايات ينفي وجود الراوي!! مع أنه ينفي أن تكون كلها صحيحة، وعليه وجب البحث عن الصحيح. وغير ذلك كثير من الأسئلة والأحكام والاستنتاجات... الواردة في تلك التعليقات، مما يتنافى مع مفهوم الدين أصلا، لأن التصديق به يغير تماما قواعد التحليل وطرق الاستدلال.. كما أن طرح هذه الأسئلة ينم عن قصور في الإلمام بالوضع النسقي وكذا نقص في الإدراك الدلالي.. ذلك أن افتراض وجود خالق، يعني التسليم بإثبات ما أخبر به موجوداته عن نفسه من أسماء وصفات، وكذا ما يُطلب منهم من أدوار وما حدد لهم من مهام وغايات... وإلا فما ينبغي له أن يكون خالقا، ولا أن توجد له مخلوقات.. كما يقتضي(الافتراض) التسليم أيضا بتحكمه(الخالق) في قوانينه -المادية- التي هو من وضعها، وبالتالي يمكنه تغييرها في أي اتجاه متى شاء.. من جانب آخر فإن الرسالة موجهة إلى من يهمه الأمر، وعليه فنصوصها مرتبطة بمعيشه ومصيره والأحكام المنظمة لذلك، وبالتالي فالتاريخ بالنسبة إليه هو ما ارتبط بوجوده.. ثم يأتي دور الملاحظات أو الاعترافات أو الطروحات،، ومنها أن {الإلحاد ليس طرحا}!! ولا ندري ما هو الطرح إذن؟ وأين هو؟ وما هو تفسير الوجود؟ هل هو الصدفة التي لا إرادة لها أم ماذا؟، ومنها أيضا: {نحن لا نقول أن العقل يفسر ويبرر كل شيء!!}، وما دام الأمر كذلك، لماذا إذن يتم الاقتصار على قبول ما فسره العقل وبرره فقط فيما ارتبط بالدين دون غيره مما يشمله الاعتراف بعجز العقل حياله؟؟!!! في الجانب الآخر، وعلى المستوى السطحي المبدئي فقط(دون الغوص في بحور التفاصيل العلمية المادية الدقيقة الغير معللة)، هناك أيضا صيبا من الأسئلة ليست أقل إحراجا ولا تشكيكا: كيف يمكن التصديق أنه كان هناك "ماموتا" أو "ديناصورا"؟؟ مع واقع الاختلاف وإمكانية التزوير؟؟ وكيف يمكن للعامة(غير المتخصصين، أو غير المطلعين على الأقل) التسليم بوجود "الميتوكندري" ودوره في خلايا الجسم، دون تصديق رواية الأخصائي وتواتر الشهادات بشأنها؟!! ولماذا يتم قبول تطور/تحول من قرد إلى إنسان، ولا يتصور ذلك التحول في الاتجاه المعاكس(أطرح السؤال هنا فقط من الجانب المنهجي، لأنه لا يوجد أصلا تسليم برواية المسخ الخِلقي، وإنما يذهب الكثير إلى تأويل "المسخ" الخُلقي)؟!! الشاهد أن الحكم للأسف إنما هو على الهوية والمصدر، وليس على المضمون والجوهر!! في ما يتعلق بالتعدد والاختلاف والتزوير والتحريف، نعم.. نحن أيضا نقول -كما تقولون- أن نصوصا قد شابها تحريف وتزوير، غير أنكم لا تعترفون أن ذلك لا يعني البتة أنه لا أصل لوجودها!! إذن نتفق أولا أن ذات صيغة موجودة بالقوة، ثم، بعد ذلك، نتحراها لتحديد صيغة وجودها الفعلي!! أما في ما يتعلق {"بهوس" المسلمين لنشر دينهم}، فإن نشر الدين عام بين جل الأديان(المسيحيون خاضوا حروبا عسكرية ومولوا بعثات ضخمة (حروب اقتصادية وثقافية وإعلامية...))، بل بين كل الأفكار(المفكرون هم محاضرون في التاريخ والجغرافيا)،، ثم أين العيب في السعي لتقاسم أفكار يراها أصحابها نافعة(في الحقل الذي تقدم فيه)، ما دام المتلقي له حرية الاتباع أو الابتعاد؟!! وما هو البديل المقترح والحكمة والتصرف المثالي: الانعزال والصمت مثلا؟؟!!! حقيقة، هراء أن يكون كل هذا التراث، وهذا التفسير للتاريخ وصراعاته بين قوتي الخير والشر... خرف.. إن ثبات حضور مبدأ التدين في النفس البشرية إن كان سببه وحدة الأصل، مع الاختلاف الجذري في كل المكونات الشخصانية الأخرى(اللغة، اللون...)، فإنه يعني قوة "الجين" العصية على الاضمحلال، ووراءه ما وراءه من غريزة وفطرة محركها وركيزتها الوحدانية الموجودة في كائن ما!! للإشارة فقط، فإن المصطلحات بدورها توجِد أزمة خاصة مع تشبث بعضنا بتصنيفات معينة تحت مسمى إرث العلوم(مع الإنكار على الخصم استعمال مصطلحات حقل معين بنفس الداعي)، ومن ذلك وضع الدين كمرادف للخرافة -بحمولتها القدحية المنتقصة من قدر المنعوت- في مقابل العقلانية!! مع أنه يمكن استعمال "الغيب" أو "الإيمان" أو "الروحانيات"... والتي ليست عقلانية في تصنيف انتمائها، غير أنها دوال محايدة الحمولة.. فليس الإنسان مجبرا على استهلاك قاموس بعينه، حيث أن إمكانية النحت اللغوي والتوليد والاشتقاق والابتكار...، تبقى دائما قائمة.. حسنات أصدقائي أنهم متابعون مواكبون، ومطلعون على مذاهب الفلسفة، غير أنهم يفتقدون حس التجرد وبصمة المتأمل الشخصية، لذا المرجو منهم تمثل ما يدعون إليه من الموضوعية والتجرد والترفع عن الأحقاد والكراهية والضغائن، وذلك بالنظر في متن الموضوع ونقده -أو حتى انتقاده- من داخله، دون البحث عن سبب تأخر المقال، والرجوع إلى أرشيف النعوت والسب المتكونة عبر ترسبات أزمنة جيولوجية ربما تكون وهمية ليست إلا..