انتخاب عمدة طنجة، منير ليموري، رئيسا لمجلس مجموعة الجماعات الترابية "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع"    "الكونفدرالية" تقرر تسطير برنامج احتجاجي تصعيدي ضد التراجعات التشريعية للحكومة وإخلافها لالتزاماتها    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    نظام الجزائر يرفع منسوب العداء ضد المغرب بعد الفشل في ملف الصحراء    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    البنك الدولي: المغرب يتصدر مغاربيا في مؤشرات الحكامة مع استمرار تحديات الاستقرار السياسي    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    وسط صمت رسمي.. أحزاب مغربية تواصل الترحيب بقرار المحكمة الجنائية وتجدد المطالبة بإسقاط التطبيع    برنامج الجولة الخامسة من دوري أبطال أوروبا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر        الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    ياسمين بيضي.. باحثة مغربية على طريق التميز في العلوم الطبية الحيوية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..        الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دجل.. تطرف.. عسكر..وخطر داهم
نشر في هسبريس يوم 21 - 01 - 2010


الخروج من فم الثعبان
ربع قرن في سجون الجزائر البوليساريو
ملحمة إدريس الزايدي
أرسلت رفقة عشرة آخرين لمخيم أوسرد الجديد.اشتغلنا في صناعة
الخروج من فم الثعبان
ربع قرن في سجون الجزائر البوليساريو
ملحمة إدريس الزايدي
ربع قرن في سجون الجزائر البوليساريو
ملحمة إدريس الزايدي
أرسلت رفقة عشرة آخرين لمخيم أوسرد الجديد.اشتغلنا في صناعة
عدنا للهلال فوجدنا تموينا إضافيا يتكون من العدس والفاصوليا والدقيق والحليب المجفف والأرز والشاي والسكر والسردين..إلخ كان مخصصا لشيوخ تحديد الهوية،كانت السلع رشوة عينية لإرشاء الشيوخ.لم نكن نبالي بوجهة التموين فنبذل قصارى احتيالنا لننهب ما نستطيع.
نحروا ناقة للشيوخ وأخذوني مع أسرى آخرين لنكون رهن إشارة الجيمع في التنظيف والطبخ وما شاكلهما.وجدنا محمد عبد العزيز يتحدث للشيوخ ويمازحهم ولعله لم ينتبه لوجودنا غير بعيدين عنه فراح يتحدث للشيوخ في شأن من يجب عدم تسجيلهم في عمليات تحديد الهوية، كان يعرف بالضبط من سيصوتون للمغرب من الصحراويين.كان ينفذ وصايا أسياده الجزائريين.رأينا وسمعنا كل شيء على المكشوف.يهددون الشيوخ بالقتل إن لم يفعلوا ما يؤمرون.وكانوا يدربون عددا كبيرا من غير الصحراويين على ما يجب أن يدلوا به. كانوا يعرفون أن اللعبة ليست في صالحهم ابتداء وانتهاء.
مع توالي السنين زال خوفنا تماما من المرتزقة وصرنا نجابههم ونستخدمهم أحيانا وفق مصالحنا. قابا حميد وموحا وعزيز قزيزيرة سرقوا من صندوق تسعة يونيو سبعة عشر مليون دينار.اتفقوا مع بعض شبان الجبهة على أن يدفعوا لهم المبلغ لإيصالهم إلى الحدود المغربية لكن الأوغاد غدروا بهم وأوصلوهم إلى نقطة الحراسة.وقد تحدثت إذاعة لندن عن القضية، بعد أن أعدما قابا وحمو.لكن قزيزيرة نجا بأعجوبة رغم مر العذاب.وكان لابد أن ننال نصيبنا بعد تلك العملية، فقد أخذونا في شاحنات إلى الصحراء القاحلة ليلا وسلطوا علينا خمسة عشر كتيبة، تتكون كل كتيبة من مائة وخمسين ابن زانية.وللأسف كانت طائرات المينورسو تمر فوقنا ونحن نجلد من الثالثة ليلا إلى العاشرة صباحا. وكيف يتدخل المينورسو وهم غارقون في الارتشاء وملذات النساء؟ في تلك المجزرة سقط كثير منا مغمى عليه واقترب آخرون من الهلاك.
من أرض المجزرة إلى الرابوني حيث لم نأكل الطعام مدة خمسة أيام.بعدها مباشرة إلى مخيم السمارة الذي كان على رأسه ولاد ولد سيدي موسى ومحمد ولد زويدة المحسوب على محمد عبد العزيز، الذي نلقبه بالإضافة إلى الكابران ب "حميتو حدو هون".استقبلنا ابن اللقيطة بالشتم والكرباج وقال لنا "ما سترونه مني لم تروه في حياتكم: يلا الدفعة والشغلة الحارة والقيام بكري" وأضاف أن نصف غلط منا عقابه الموت تحت السياط.نعم الاستقبال. وانطلقوا بنا بسرعة للحفر وجمع الأحجار.كما منعوا عنا الطعام قرابة أسبوع وقالوا لنا إنه لولا الصليب الأحمر الدولي لما أبقوا علينا أحياء.من قلع الأحجار وزعونا على مجموعات تقوم كل واحدة بتنظيف فضلات البشر والحيوان أو تقديم الأعلاف للإبل أو أي عمل حقير قد يخطر على البال.في تلك اللحظات المريرة كنت أتساءل احيانا هل العالم موجود فعلا؟ ولوكان العالم موجودا حقيقة فكيف يسمح بوجود ديكتاتورية العسكر في الجزائر؟ ولماذا الجنود يصوتون؟ولماذا قلبوا الشاذلي بن جديد وصفوا محمد بوضياف لما حاولا أن يكونا رئيسين يملكان قرارا، دون أن يقول العالم المنافق: ماهذا الذي يحدث؟..لا لغة إلا لغة الجنرالات الذين صفوا عبد الحق بن حمودة الذي صدح بمعارضته لاستنزاف الشعب وثرواته باسم مساندة حق "الشعب الصحراوي".وقد شاهدته في أحد البرامج، عندما أمدنا الصليب الأحمر بجهاز التلفاز، يندد بالفساد الحكومي وتبذير خيرات البلاد جنوب تندوف،فقلت في نفسي إنهم لن يتركوه حيا.وذلك ما كان،وبعد أن اغتاله العسكر ألصقوا التهمة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ.
في مخيم السمارة بدأوا يستعدون لاستقبال كوفي أنان،أمين عام الأمم المتحدة الأسبق،وقد أشتغلنا على تهيئة المكان الذي ستنزل فيه طائرات الهيليكوبتر.وبينما كنا نشتغل دخلنا في حديث مع ضباط وحراس جزائريين.سألوني من أين أنت؟ قلت إنني مغربي، فسألوا عن المدينة، فقلت لهم إن كوني مغربيا يكفي.وقد استغربوا أن في المغرب حرية تنقل وأن المواطن يمكن أن يعيش أين يشاء بلا رخص.صديقي حميد اللبان استفزهم بالقول إنهم شعب "الحكرة" وأن مجاورة إسرائيل أهون من أن تكون لنا حدود مشتركة معهم، وأراهم أثار التعذيب في جسده فأخرسهم.
أفتح قوسا لأعوذ إلى قصة حميد اللبان الذي علمنا من خبراته العسكرية والميكانيكية التي ساعدتنا في تخريب الآليات التي تقع تحت أيدينا.ففي فاتح غشت من العام1981 كان السارجان الزبدة، المتخصص في إبطال مفعول الألغام، وعبد اللطيف واللبان قد سرقوا سيجارتين، فقتلت المرتزقة رفيقيه تحت التعذيب وبقي هو على قيد الحياة بأعجوبة.سيجارة أغلى عندهم من حياة بني البشر.
اللبان ذكر الضابط الجزائري بهذه الواقعة وقال له: كمغاربة لم نكن لنتصرف معكم بهذه الوحشية لأننا أبناء الأحرار ودماؤنا غير مختلطة.ليوتنان جزائري جادلني في قول اللبان فواجهته بالآتي: بما أنكم تقولون إن المغرب له مشكلة مع الشعب الصحراوي فلماذا جئت أنت من وهران لتحرسني ببندقيتك؟ هددنا بالعقاب فههدناه بأن نشتكيهم للصليب.أكثر من هذا آلمهم كلام أخينا الخناتي عبد الرزاق الذي نفى عنهم صفة الإسلام وحاججهم بأنهم لو كانوا مسلمين حقا لما كانت بينهم الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي أتهمه بأنهم يهضمون حقها السياسي في الوجود.لم نكن خائفين على شيء أو من أي شيء.وفي تلك الأيام سرقت أسلحة متنوعة من مستودع الدخيرة في المركز الخامس.
وعلى سبيل الاستطراد والتوضيح، فقد تناهى إلى علمنا من مصادر صحراوية كنا نتق فيها أن شبكة من الإسلاميين المتطرفين هي التي نفذت العملية لتمويل أنشطتها، بما في ذلك بناء مساجد لأغراض معينة. وقد التقيت واحدا من الفقرا إسمه محمد ولد الوركة، من ركيبات الفقرا، وهو ابن عم محمد عبد العزيز، وآخر إسمه محمد الناجم من ركيبات أولاد موسى، أخبراني بأنهما زارا أفغانستان ودرسا بها وتدربا لدى طالبان كما درسا في إيران أيام الخميني.كنت أجر الناجم للحديث فيستجيب لي، ومرة أخبرني أنه كان يستعد ليكون طيارا وأنه زار يوغوسلافيا وألمانيا الشرقية ودرس الميكانيك في إيطاليا. شخص آخر في وديات النحاير، يشتغل في سلك الأمن ايضا ضمن هؤلاء، ولا أنسى أسماء أخرى مثل البشير ولد سيدي حماد وولد محمد علي ولد الخطاري.
البوليساريو مخترقة من تنظيمات متطرفة.أنا متيقن من هذا وأتحمل مسؤوليتي فيما أصرح به وأوثقه، وعلى المغرب أن يحتاط من عودة تلك العناصر مستغلين نداء "إن الوطن غفور رحيم".
والجزائر تعرف ذلك جيدا لكنها تلعب أوراقها،والحل الوحيد لتلك الفئة الضالة أن يعودوا لجادة الصواب وأن يلتحقوا بالوطن، شرط أن لا يتركوا تندوف وراهم.عليهم أن يأتوا بتندوف ايضا وبعدها أهلا وسهلا. غير ذلك لعب صبية.
في اليوم الموالي اغتاظ منا الجزائريون كثيرا لكنهم لم يتجرؤوا على جدالنا، وبالمقابل أثقلوا علينا في الاشغال أكثر من اليوم السابق.لكننا كنا لا تبدي قلقا حتى لا يتلذذوا بتعذيبنا، وإمعانا في اللامبلاة كان عبد الرزاق الخناتي يشتغل ويغني الأغنية الشهيرة عن الحسن الثاني "حبيب الجماهير" أما اللبان حميد فكان يترنم بمقاطع من أغنية لعبد الحليم حافظ يمتدح فيها الملك الراحل بينما كنت أنا أرتجل" بلد الحبايب..الحسن هو حبيبنا"، فيما السيرجان محفوظ يردد "والله ما ننساك ولا نقطع رجاك..خلي الهم يتصرف دبا يفرج ربي..وايلي وايلي" ويختمها ب"عاش الحسن الثاني".كانت أغانينا أشد عليهم من الرصاص.وعند صلاة الظهر توقفنا بلا استئذان وصلينا جماعة و"الخاوة" ينظرون إلينا بغل يتطاير شررا من عيونهم.
قبل وصول كوفي أنان إلى المكان المعين نحروا ثلاثين ناقة،و سبقته الموسيقى العسكرية والخيالة الجزائريون وطبعا جاؤوا بالحمام من الرابوني.حمام السلام في أرض العصابة.لم يمض الأمين العام الأممي هناك إلا دقائق معدودة وتركهم يستشيطون غضبا.وبينما كان وفد أنان يقفل راجعا، كان الأسرى يطوون الخيام ويلملمون معدات الحفل المجهض. فيما بدأ بيع لحم النوق المنحورة مباشرة للناس.
وللترفيه على عناصر المينورسو،أمرونا ببناء مقر لهم في مخيم السمارة لإقامة لياليهم الحمراء.المعدات والأفرشة واللوازم كلها أتت من إسبانيا تبرع بها من يسمون ب "أصدقاء الشعب الصحراوي".صرنا نتقسط أخبار المينورسو ولياليهم الملاح مع الباغيات، وطبعا كان الموظفون الأمميون موضوع اختبارات لكافة وصفات السحر والشعوذة.كان مصدرنا وشاهد العيان يدعى محمد علي.
تقرر بناء مسجد في مخيم السمارة، وكان القيمون على المسجد صحراويين متدينين، وقد عاملونا بإنسانية ولم أكن أجد فيهم غلظة الجزائريين ولا البوليساريو.لم يكن التحدث معهم في كثير من المواضيع صعبا.سألتهم عن السبب الذي جعلهم يبنون مسجدا بعد سنوات لم نر فيها شيئا يشيد إسمه بيت الله بل لم نسمع يوما أنهم رفعوا صوتهم بالآذان.مر بنا في تلك اللحظات المجرم محمد الأمين ولد الليلي، من توبالت، سكان طانطان، فسألنا ماذا تبنون؟ فقلنا له إننا نقيم بيت الله فسخر منا وقال: ابنوا لنا مرقصا، هذا أحسن.
كل شيء في ذلك العالم العجائبي وهم وسراب وأسماء بلا مسميات.من يسمع ولاية العيون أو ولاية السمارة أو مركز كذا قد يظن أن الأمر يتعلق بشعب ما على وجه الكرة الأرضية بينما الأصل في تكوين هذه الجرثومة هو أحد الثمار المرة لسيء الذكر هواري بومدين، الذي خطط لخلق شعب هجين من أزواد ومالي وموريتانيين وجعل لهم دولة وشعارا بل علما وطنيا هو نسخة من العلم الفلسطيني بتعديلات بسيطة.علم وسط علم، ودولة وسط دولة.فقد ارتأت بصيرة العسكر العمياء أن تجمع كل هذا الخليط غير المتجانس من أطراف الصحراء الكبرى لخلق كيان يكون شوكة في خاصرة المغرب، وبالتالي النفاذ إلى المحيط الأطلسي وفي الطريق إلى البحر تضع يدها على ثروات الحديد وباقي خيرات أرض المغرب.وقد صادفت بشرا يعتبرون "شعبا صحراويا" لا يعرفون العربية ولا الإسلام ولا عادات أهل الصحراء ولا علم لهم بطعام إسمه الخبز.وبهذه الخلطة العجيبة من الكائنات كونت الجزائر محافظات ومراكز وجعلت على رأس كل منها جلادا ليستفيد ويكون جزءا من العصابة.
وإذا جادلوا بأن في الأمر شعبا ينتمي للصحراء فلا أطلب أكثر من أن يثبتوا لي أن محمد ديديه، وزير الجاليات وقائد الإمدادات العسكرية، ليس موريتانيا، وأن السويدي ولد وكاك ليس لقيطا مجهول النسب.
لنعد إلى مخيم السمارة الذي أرادوا أن ينشئوا فيها ضيعات وأغراسا ليبرهنوا أنهم مزارعون.الجزر لم ينبت، البصل مات تحت التراب، الطماطم لم تنبت، وما كان يقاوم الصحراء و ينبت نتركه حتى يستوى فنسرقه.أتذكر، في ظل هذه المسخرة، صحراويا كانوا كلفوه بمسؤولية الأغراس وكان له كلب يدعى "عركاب"، وبعد فراره إلى المغرب ترك رسالة لقائد الموقع جاء فيها " أترك لك يا داها عركاب إرثا لك ولمحمد عبد العزيز".وكان القاسمي رشيد هو من عثر على تلك الوثيقة التاريخية.
ضموني إلى مجموعة من أربعة وعشرين أسيرا وذهبوا بنا إلى الرابوني، ومن هناك إلى مركز الطنجي قرب بير الطولات، جنوب تندوف، حيث توجد رادارات المراقبة الجزائرية.كان قائد المركز ابن ولد البلال،ومن تلك النقطة كانت السلع المهربة إلى موريتانيا تتكون من السكر والزيت والدقيق وعبره تدخل السجائر والعطور في اتجاه الجزائر.أما بهية، قائد المنطقة كلها، فكان أحد مشاهير القتلة، وقد أعدم مغربيا يدعى الحاج، وكان فقيها ورعا ووطنيا، بتهمة الكسل أثناء العمل.وفي تلك النقطة الجغرافية الملعونة فقدنا ايضا اثنين من خيرة الشبان هما زكاغ من محاميد الغزلان ومحمد في حفرة مغطاة تهدمت عليهما بعد أن مرت فوقها دبابة، كما توفي شاب آخر يسمى إبراهيم تهدم عليه بئر.في مركز الطنجي أيضا تعرفنا على هوية كثير من كبار المهربين الموريتانيين.وشاهدنا مئات الشاحنات في حركة دائبة لا ترصدها الرادارات.
ذات يوم شاهدنا قافلة عسكرية جزائرية تمر من هناك.كانت دورية تبحث عن مهربي السجائر.بعد مرور القافلة أخذونا مباشرة إلى مركز السجناء لاستقبال قافلة بريطانية تابعة لجمعية "قوس قزح".أفرغنا الزيوت والسكر وأمرونا بترك قطع الغيار والأدوية والملابس الجلدية التي وزعت لاحقا على الدرك الجزائري في تندوف، بينما أعطيت سراويل "الجينز" لعناصر أمن الحدود التابعين للمخابرات الجزائرية.أما بقايا الملابس وما عاف الضبع فأرسلوها إلى تعاونية تحت تصرف السالك ولد ببيه، أحد قياديي البوليساريو.سألنا ضاحكا:أهذا ما تبقى؟ بعد أسبوع رأينا الدرك والأمن يرتدون الملابس الإنجليزية، وبذلك أشرقت ألوان "قوس قزح" ملابس على أجساد الجزائريين.وأكثر من الاستيلاء على أطنان الملابس، كان عناصر المرتزقة يستولون على السيارات رباعية الدفع واللاندروفر القادمة من ليبيا، أيام الحرب، ويعمدون إلى إخفائها في حفر، نحن من كان يحفرها، ويغلفونها في أكياس جيدة ويطلونها بزيوت المحركات المستعملة، ويدعون أنه تم تدميرها أثناء المواجهات العسكرية.وأكبر اختصاصي في هذه العمليات هو محمد لامين ولد البوهالي.هذا ما اكتشفناه وقصه علينا الصحراوين الذين عايشوه.
المجتمع الدولي لا يعلم حقائق مرعبة عن هذه العصابة وبالتالي لا يقدر مدى الويلات التي يمكن أن تصنعها في المنطقة المغاربية وأفريقيا والعالم بأسره، فهم بالإضافة إلى الاتجار في الشعوب وأرواح الخلائق، لهم صلات بكبار القلة المرتزقين الدوليين مثل كارلوس، وقد عقد كبار الجلادين مثل خندود والبشير الصغير لقاءات مع المرتزق كارلوس في السفارة الجزائرية بروما، مثلما التقوا المرتزق المعروف أبونضال. وكيف يمكن للعالم أن يكشف الحقائق، وهم يقتلون بدم بارد كل رجالات الإعلام الذين لا يسايرون طروحاتهم أو يهددون بفضح جرائمهم ضد الإنسانية؟
أناشد العالم الحر الذي يؤمن بالعدل ويناهض الاستعباد أن يزور ويحقق في ما يقع في المخيمات من مناكر أخلاقية وإنسانية وحقوقية، حيث تقدم بنات الصحراء للكوبيين والأجانب من كل الملل للترفيه عليهم ومضاجعتهم وممارسة البغاء مكرهات مع العائدين من جبهات القتال.إنها فلسفة جديدة لإكرام الضيف على الطريقة التي توافق فلسفة محمد عبد العزيز وأسياده في وهران، وأخلاق الصحراويين بريئة من كل هذا العبث الذي يمارس، للأسف، في القرن الواحد والعشرين.
وللتاريخ أسجل نقطا مضيئة في قلب الظلمات، ومن ذلك ما ريناه من رجل شهم يسمى مصطفى برزاني الذي ما إن تولى مسؤولية مخيم أوسر حتى بادر إلى رفع العذاب عنا وأزال الكرابيج من يد السجانين ونحر النوق لنا، بل وأصر على ألا يتم إيقاظنا باكرا جدا، ومثله بعض أفراد الشعب الجزائري الذين أقنعناهم بصواب طرحنا وعدالة قضيتنا فصاروا ينقلون أخبارنا إلى أسرهم وأمهاتهم اللواتي كن يرسلن إلينا المأكولات والحلويات والعطر سرا.
[email protected] mailto:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.