سياقات: 1) أوردت وكالات الأنباء في الأيام الأخيرة الماضية أن هناك تنسيقا في التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتم بموجبه تنفيذ صفقة لتبادل الأسرى. حيث الجانب الإسرائيلي ملزم بالإفراج عن ألف أسير فلسطيني، مقابل الإفراج عن الجندي المخطوف جلعاد شاليت. هذه الصفقة التي عمرت ما يكفي من الوقت، ربما للتأكد من ثبات هذا الطرف أو ذاك على مواقفهما، لا تنتظر إلا التصديق النهائي لتدخل حيز التنفيذ تحت إشراف الوسيط الألماني. أما العراب المصري الذي دأب على لعب دور الوسيط ،مزهوا تارة بوزنه القومي ودوره الطلائعي، وتارة أخرى مدفوعا بإكراهات الجوار والارتباط العضوي ، فإنه لا يرغب من الآن فصاعدا أن يأكل العرب الثوم بفمه . 2) في سياق مماثل استقبلت مدينة طنجة المغربية قبل بضعة أسابيع وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني،وهي واحدة من مهندسي الحرب على غزة .وقيل ما قيل حول دواعي هذه الزيارة اللامرحب بها شعبيا ، فأنكر بعض المسؤولين خبر حضورها ،فيما انبرت بعض الفعاليات إلى الترويج لمنفعة هذه الزيارة على الإقتصاد الوطني وعلى الدبلوماسية الموازية ، بل هناك حتى من يدافع عن براءة مبادرة هذه الوزيرة التي تطالب لجنة دولية عليا برأسها كمجرمة حرب. 3)لا تزال بعض الفعاليات الأمازيغية تساوم وتزايد على كسب ود الإسرائيليين، سعيا وراء اعتراف ناجز بهويتها وعدالة مطالبها، فلربما أكثرت من الشكوى وأبدت من القلق على مصيرها المهدد من طرف ذوي القربى ما أفقدها الصواب وجعلها تقدم على هذه الخطوة الغير محسوبة . وإلا فماذا تعني جمعية الصداقة الإسرائيلية الأمازيغية أكثر من كسر الطوق الشعبي المحكم على رقبة غول التطبيع الذي يزحف حثيثا ،ومن إحداث ترعة في جدار المقاومة الشعبية العربية والإسلامية لكل أشكال الاستسلام لكيان مغتصب قائم على منطق حق القوة. وماذا تعني هذه الجمعية بالنسبة للإسرائيليين أكثر من إسفنجة لامتصاص النقمة من آثار العدوان والغطرسة ،وتلميع الصورة التي لطختها آثار الدماء. لكن ماذا تعني الجمعية ذاتها بالنسبة للأمازيغيين في أفضل الحالات؟ تمسك بقشة حريصة على نجاتها من الغرق في محيط من التهديدات، ورهان على حصان خاسر ومحاصر بمتاريس الإصرار الشعبي على رفض الأمر الواقع . ألم نتعظ من التجربة الموريطانية في هذا التطبيع؟ 4) في مثل هذه الأيام من السنة الماضية كانت أجساد المئات من عناصر الأمن الداخلي الفلسطيني وعموم المدنيين تتمزق وتتطاير أشلاء،في منظر رهيب ومقزز نذر أن شهدت له البشرية مثيلا. بضع دقائق فقط كانت كافية لإراقة دماء كانت تسيل أنهارا بفعل مباغتة ماكرة من نخبة العمليات الخاصة بالجيش الإسرائيلي. مشهد يذكرنا بأفلام الرعب الشهيرة ترك في نفوسنا حسرة لا تندمل، وطبع على قلوبنا انكسارا يصعب جبره.: مآلات: 1)بعد حين ستطل علينا وسائل الإعلام الدولية بخبر تنفيذ الإتفاق الفلسطيني الإسرائيلي بشأن التبادل،وسيتم تفعيل مبادرة "واحد مقابل ألف" المثيرة للسخرية والشفقة من حال الهوان العربي. جندي إسرائيلي مغمور سيوضع في كفة وتأبى سياسة الإستكبار العالمي إلا أن تعادلها بحوالي ألف من المناضلين الفلسطينيين أهل الحق المغتصب.وبتزامن مع هذا الحدث ستدبج يوميات التهليل العربية افتتاحياتها،وبالبنط العريض،بعناوين الإنجاز الكبير الذي تحقق، وستسوق عبر منابرها المنكوبة،عفوا المكتوبة منطق الإنكسار والرضا بالمتاح ضدا على العزة المنشودة من طرف الشرفاء من الشعب الفلسطيني والأمة العربية ومن ورائهم الضمير الحي للمجتمع الدولي. 2) حلت تسيبي ليفني، وكما كان متوقعا لها بمدينة البوغاز محفوفة بأحزمة من رجال الأمن والحراسة الشخصية، مشمولة برضا أهل الضيافة. نفذت برنامجها غير منقوص، جابت مدن المملكة واستضيفت هنا وهناك، ماذا كان في الأمر إذن؟ ترحيب"من تحت الطاولة" من طرف بعض من بني جلدتها من المنتفعين ولصوص المال، معطوف عليهم بعض ممن ضيعوا بوصلة الهوية وفوضوا أمرهم إلى رياح الإستيلاب العاصفة.و ميزة هؤلاء أنهم دأبوا على النفاق ورجحوا الخيار النفعي على الخيار المبدئي. ثم تبخيس لأدوار هيئات المجتمع المدني وتحييد فعالياتها،بل وحتى الاستهزاء مما تذهب إليه. ذلك أن المطالبة باعتقال تسيبي ليفني فور وصولها إلى المغرب لم يكن مطلبا حكيما لأنه يفتقد القابلية للتنفيذ، والذين طالبوا بهذا التوقيف من حقوقيين وغيرهم يعرفون الأمر جيدا، لكنهم فضلوا الإعلان المتسرع المدفوع بالعاطفة الجياشة، ربما للاستهلاك الداخلي أو للتوظيف السياسي. 3) استطاع الأمازيغ أوبعضهم على الأقل،بعد الضجة التي أحدثوها حول وضعهم الإعتباري كهوية وكثقافة في مواقعهم وبلدانهم الأصلية ، أن يذهبوا بعيدا في مجال التحدي للمشاعر المغربية التي نسجت على امتداد قرون من الإحتكاك والتفاعل العربي الأمازيغي. فهذا أحمد الدغرني يجاهر بربط علاقات استراتيجية ومصلحية مع الكيان الصهيوني وكان له ذلك بفعل التعطش الإسرائيلي لإحداث فجوة في جدار الممانعة والتصدي لأشكال التطبيع مع كيان محتل. أما إسرائيل فقد وجدت في المبادرة "الدغرنية" طوق نجاة من استمرا عزلتها الشعبية.وإسرائيل عمليا ماضية مع هذا التدشين الذي هو بالنسبة لها فتحا عظيما،إلى التنقيب عن فئات أخرى متضررة تنفخ فيها روح الخصوصية أو العرق،بعد أن تكون قد وضعت لها طعما مناسبا. 4) هل تستطيع الذاكرة الشعبية ومعها الضمير العالمي أن ينسيا اليوم المشهود الذي لم تع فيه حياة النفس البشرية أغلى من حياة بعوضة طائشة. يوم أصبح الدم العربي أشبه ما يكون بمحلول كيميائي رخيص يتم التحكم في صبيبه بإيعاز من الآلة العسكرية الإسرائيلية، وبالتناسب مع الأهداف المرسومة في خطة الحرب؟.. هدأت الأجواء وجفت الدماء، لكن الحق ما زال قائما وما زالت غزة محاصرة ومنكوبة. لم تنفعها شعارات الشاعريين الحالمين بالنصر المبين، كما لم ينفعها ترديد طلاب الثانويات والجامعات الإنفعالي والظرفي، والغوغائي أحيانا "غزة غزة رمز العزة". فالعزة مطلب إنساني نبيل أفقدته المواقف الرسمية بريقه،وخذلته توجهات بعض من بني جلدتنا. ماذا ننتظر أكثر من اتساع دائرة الهوان على الأمة العربية؟ هذا هو سؤال الشعب العربي،لكن من بيدهم الحل والعقد لهم رأي آخر.فالإدانة الصريحة بالنسبة للبعض قد تكون تلميحا بالنسبة للبعض الآخر،وفي كلتا الحالتين تبقى العملية برمتها مجرد بلسم للجراحات السيكولوجية المفتوحة في الجسم العربي. على سبيل الختم: واحد مقابل ألف هو إذن عنوان غثائية الإنسان العربي في نظر محور الإستكبار والموالين لهم، ودليل على إصرار المجتمع الدولي الرسمي على تحييد الدور العربي وإقصاء الإنسان العربي من دائرة الفعل إلى دائرة الانفعال، بتكبيله بهذه الإهانة التي تمس وضعه الاعتباري على سلم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته السابعة. فمن حق أهالي المفرج عنهم أن يعلنوا عن فرحتهم لمعانقتهم أهاليهم، لكن قدرنا نحن أن نبتلع قسطنا من الإهانة مادمنا امتدادا لهذا الشعب الفلسطيني المكافح ، وما دامت المناورات السياسية بين الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية تعفينا من انتظار حل نهائي قد يأتي وقد لا يأتي.