بدأ المغرب في الآونة الأخيرة يهتم في سياساته الدولتية بالجانب الاجتماعي، للحد من الآثار الجانبية لسياسة التقويم الهيكلي، التي خلفت كدمات كثيرة في جسد المجتمع المغربي. ويشكل موضوع التعليم أحد البؤر السوداء التي عرت هذا الواقع، وأزمت خطط الحكومة الاجتماعية، رغم ما يخصص لها من ميزانيات مهمة من الميزانية العامة، والتي يتم توظيف الجزء الكبير منها في ميزانية التسيير، دون النظر إلى الموضوع من زاوية مندمجة تراعي الموظفين والأساتذة، كما تراعي أيضا القدرة الشرائية، والميزانية للأسر المستفيدة من هذا المرفق العمومي، وكان من نتيجة ذالك أن تخرجت من المدرسة المغربية جحافل من المهدرين للدراسة في السنوات الأولى، مسببين لتبدير رهيب، ويتوجهون إلى الانضمام إلى الشريحة الواسعة من المعطلين أو أشباه العطلين، ويتكرر هذا السيناريو كل سنة، ويلجأ القطاع المعني إلى نفس المقاربة، وتقف باقي القطاعات الحكومية الأخرى دون القيام بمقاربة تراعي بالضرورة مختلف الظروف التي تصاحب العملية التعليمية. إن القرارات الموضوعة من طرف الوزارة بشكل عمودي، دون إشراك مختلف الفعاليات من الأساتذة وآباء التلاميذ والمجتمع المدني، تؤدي رغم وجاهتها في بعض الأحيان إلى الفشل أو إلى الإفشال، علما أن كل مقاربة لا تأخذ بعين الاعتبار فلسفة التشارك، والاندماج والفعالية، لا تصل إلى مبتغاها، بل إنها تقوم بإعادة إنتاج نفس الوضع، ونفس الآفة؛ آفة إنتاج أجيال غير متعلمة، تكون عالة على المجتمع، ويستوجب ذلك تخصيص ميزانيات مهمة لمعالجة مظاهرها المختلفة، ولعل أحد أهم هذه المظاهر والتي تهدد تلك النخبة المتعلمة من هؤلاء آفة البطالة، أما المظاهر الأخرى، فنحدد من بينها ضعف إنتاجية هؤلاء، وعدم تمكنهم من دفع تكاليف الرعاية الاجتماعية، والتطبيب، بل إنهم يكونون مصدرا لإنتاج فقراء جدد على حساب الطبيعة بتعبير مالتوس. إن التدابير الأخيرة والمتسمة بالاستعجال التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، والتي رصدت لها ميزانيات مهمة، لا زالت وفية إلى نفس المقاربات القديمة، بل إن العنصر البشري قلما يتم الحديث عنه في هذه الإجراءات، وكأن مشكل التعليم هو مشكل مجرد عن المجتمع يخص فئة لا تعيش في هذا المجتمع ولا علاقة لها به، وأن الأمر يتعلق بمشاكل تقنية محضة سيتم تصحيحها بضخ بعض الأموال، وإنشاء جمعيات "ناجحة" -من مدرسة النجاح- تنضاف إلى جمعيات الآباء التي لا يكون فيها الآباء للأسف، وعلى المغاربة أن ينتظروا قطف نتائج السياسة الإستعجالية لوزارة أخشيشن في أواخر سنة 2012. إن السمة الغالبة على البرامج الاجتماعية للدولة، هو غياب الرؤية الواضحة، وغياب فلسفة تؤطر هذه الرؤية، وغياب التشاور الواسع مع مختلف الفرقاء المعنيين، خصوصا وأن المجتمع المغربي يعرف دينامية مجتمعية مهمة تتمثل في جمعيات المجتمع المدني، التي بإمكانياتها البسيطة لها من التجربة والحنكة، ما يمكن أن تفيد بها وزارات حكومتنا الموقرة، ومتخصصيها المبجلين، دون حتى أن يكلفهم ذالك تكاليف خبرة يعلم الله بكم يتم إنجازها من طرف مكاتب الخبرة الأجنبية، وتطبق قراراتها وأفكارها على رقاب أبناء هذا الشعب بكل سلاسة وبرودة دم. إن التعليم باعتباره قطاعا استراتيجيا، ليس محل خطط يتم استعجال تصورها وتنفيذها، بل من المطلوب أن يتم التخطيط له وفق تصور واضح ومندمج، يأخذ بعين الاعتبار الواقع المغربي اللغوي والثقافي، والاجتماعي والاقتصادي، وكذا الجغرافي، ومكانته التاريخية والحضارية، ورصيده الرمزي، وتكون هذه المنطلقات هي الكلمات المفتاح لتصور جديد، لا يقزم التعليم في عملية تقنية ميكانيكية، أو قطاع غير منتج، يأكل ثلث ميزانية الدولة وكفا، وهذا للأسف ما هو سائد إلى حدود الآن في الخطط التي تنزل علينا كوحي لا يقبل النقاش، يخرج من مكاتب مكيفة لا علاقة لها بواقع التعليم والواقع المتأزم للمواطن المغربي، وبطبيعة الحال لا يمكن أن ننتظر ذلك إلا من صانعي قرار لهم غيرة على الوطن، ومسئولون على هذا المواطن المغربي. لن نخاف من درجات دنيا في مؤشرات التنمية الدولية التي تصدرها الهيئات الأممية بين الحين والآخر، إذا ما تم معالجة المعضلات الاجتماعية سواء التعليم وغيره من المعضلات، بشكل يأخذ مختلف تلك المؤشرات بعين الاعتبار في أي سياسة حكومية مرتقبة، وفي كل البرامج الدولتية المقبلة. وبغير دلك فإن بلادنا ستبقى خالدة في قعر اللوائح الدولية للتنمية والرشوة والتعليم، وغيرها من الدراسات التي تبنى على تصور متكامل ومندمج للمجتمعات تخترقها علاقات وأنساق إجتماعية مختلفة، وتخضع لديناميات متعددة.