ستكون سنة 2010 دون شك حاملة للكثير من المتغيرات في الساحة السياسية المغربية، فهي أولا سنة بدء التحضير لانتخابات 2012 النيابية، وهي أيضاً، سنة دخول مرحلة التدبير الجهوي الموسع في البلاد، حيز الإجراءات الفعلية، من خلال تبني المغرب لخيار الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية مع ما سيرافق ذلك، من تعديل دستوري، يعيد النظر في التقسيم الجغرافي في البلاد، ويؤشر على مرحلة جديدة في التدبير الترابي للمغرب . إنها دون مواربة سنة مليئة بالتحديات، وفي سلتها أكثر من ملف، يتطلب تكاثف إرادات، وتحفيزاً من قبل المشرف على الشأن العام في البلاد . على مستوى آخر تدخل مدونة السير هذا العام، إلى شوطها النهائي، قبولاً ورفضاً، في حين من المنتظر أن تنتهي الدورة التشريعية الخريفية بإخراجها إلى حيز التطبيق . بدأ منذ الآن، التلويح، من طرف النقابات المهنية في قطاع النقل، والتي يفوق عددها 60 نقابة مهنية، في وقت تحاول فيه الحكومة، في شخص وزارة النقل، استباق الوقت، وتمرير مشروع المدونة ضمن لجنة المالية والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية بمجلس المستشارين، بعد أن صادق عليها مجلس النواب في الدورة التشريعية للسنة الماضية، في تناقض تشريعي هو الأغرب من نوعه في البلاد . ويتوخى مشروع القانون الجديد، الذي يضم 308 مواد، تقنين السير بالمغرب وزجر المخالفين الذين يقفون وراء حوادث السير التي تتسبب في نزيف اجتماعي واقتصادي، يتجسد أساساً في فقدان آلاف الأبرياء لحياتهم، وتكبيد الدولة خسائر تفوق 11 مليار درهم سنوياً . وتوقفت مناقشة المشروع أمام لجنة المالية بمجلس المستشارين، بعد السيناريوهات المثيرة التي حكمت مسار النقاشات، انتهت بتعليق المشروع، والرضوخ لضغط النقابات في الاستجابة لمطالبها، وهي المطالب التي تخرج، اليوم، أكثر من نقابة لتؤكد أنها لم تكن في مستوى التوقعات، وبالتالي فإن استعراض قوة من المنتظر أن تشهده طرق المغرب خلال الأيام القليلة المقبلة . وسعت الحكومة لتطويق هذا الموقف إلى مأسسة هذا الحوار من خلال إحداث “لجنة مدونة السير” تضم الطرف الحكومي والمركزيات النقابية والهيئات النقابية والمهنية العاملة بقطاع النقل الطرقي . وخلص الحوار إلى التوقيع على محاضر الاجتماعات والجداول التي تتضمن الصياغات والاقتراحات المتوافق عليها، حيث من المنتظر أن يتم الأخذ بعين الاعتبار هذه الخلاصات أثناء البث في التعديلات والتصويت على مشروع مدونة السير بلجنة المالية بمجلس المستشارين . وأمام صعوبة التوصل إلى توافق حول الغرامات، قررت أطراف الحوار حول مدونة السير ترك أمر تحديدها للجنة المالية بهدف الحسم في هذه القضية . الأحرار قاب قوسين أو أدنى إلى ذلك يجد حزب التجمع الوطني للأحرار، اليوم، نفسه في وضعية حرجة جدا، بعدما تحولت الحركة التصحيحية التي يقودها داخله، وزير المالية وعضو المكتب السياسي صلاح الدين مزوار، من مطالبة بحق، إلى صاحبة المبادرة، بدعوتها إلى عقد برلمان الحزب، (المجلس الوطني للحزب) في23 و24 يناير/كانون الثاني الجاري وهي بذلك تسير إلى هذا التاريخ مطمئنة إلى صواب خطواتها وإلى نجاعتها في قلب الكفة لصالحها . وتمضي الحركة التصحيحية في خياراتها الجديدة، وهي متأكدة من نجاعة عملها، ومن قدرتها على كسب “المعركة”، بعد الاجتماعات التي عقدتها في مختلف أقاليم المملكة ل”توضيح الرهانات المستقبلية المطروحة أمام الحزب” . من جهة ثانية، لم يقف مصطفى المنصوري رئيس الحزب، ورئيس مجلس المستشارين، موقف المتفرج إزاء ما يجري، بل بادر بدوره، نهاية الأسبوع الماضي، إلى عقد اجتماع في الرباط، دعا إليه منسقي الحزب في المغرب، وأصدر هؤلاء بياناً عبروا فيه عن “تمسكهم بوحدة الحزب وتراص صفوفه ووحدة كلمته” و”تشبثهم بالشرعية” داخل صفوف التجمع الوطني للأحرار . ودعوا في بيانهم، فيما يشبه القبول بهدنة مؤقتة إلى “تغليب جانب الحكمة والرزانة والمصلحة العليا للحزب” و”نبذ الحسابات الضيقة التي يمكن تجاوزها بالحوار الهادئ والديمقراطي داخل الهياكل الشرعية للحزب” . وبينما حاولت الحركة التصحيحية استباق الأحداث، والدعوة لعقد المجلس الوطني، فإن هيئة المنسقين، سددت هدفها، وتحاول أن تغلق الباب على الحركة التصحيحية، بالدعوة إلى عقد اجتماع للجنة المركزية في 16 من الشهر الجاري، على أساس ان تدعو هذه الأخيرة إلى عقد اجتماع للمجلس الوطني للحزب، ما يعني أن حزب التجمع الوطني للأحرار، يمضي بخطة “واثقة” نحو الانشقاق، ليسدل بذلك الستار عن حزب أسسه أحمد عصمان صهر الملك الراحل الحسن الثاني، ولعب دوراً أساسياً في الحياة السياسية والحزبية في المغرب، حيث اشتغل مدة طويلة، كعمود في الأغلبية الحكومية، خلال أكثر من عشرين سنة من تدبير الشأن العام في البلاد . العودة إلى الأصل سنة ،2010 لن تكون سنة الانشقاقات الحزبية، ولا سنة التعديل الدستوري الجزئي، ولا سنة الجهوية الموسعة وتنزيل خطة الحكم الذاتي على أرض الواقع، ولكنها ستكون أيضا محاولة ما يسميه المهتمون بالحقل السياسي المغربي بتجميع العائلة الاتحادية من جديد، وهو حلم يراود طيفاً واسعاً من اليسار المغربي، وبالأخص الأحزاب التي انشقت عن الاتحاد الاشتراكي، وهي المؤتمر الوطني الاتحادي والحزب العمالي وحركة الوفاء من أجل الديمقراطية التي اندمجت في الحزب الاشتراكي الموحد . لكن هذه العودة ليست أمراً يسيراً، بالنظر إلى المياه الكثيرة التي جرت تحت الجسر، وأيضاً بسبب الإخفاقات التي ذاق مرارتها الجميع، الخارجون أو الباقون، في حين لم تثمر تجربة التحاق الحزب الاشتراكي، المنشق عن منظمة العمل، والذي حل نفسه واندمج في الاتحاد الاشتراكي، عن ما كان متوقعاً منه . وفي هذا الإطار، يأتي اللقاء الذي جمع أحد صقور حزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، وعبد الكريم بنعتيق المنسق الوطني للحزب العمالي، وهو لقاء تقاربي، روج له بشدة، وأراد من خلاله بنعتيق، الذي ينتمي إلى تيار الاشتراكيين المغاربة الجدد، أن يبعث برسالة مزدوجة إلى كل من حلفائه في “القطب التقدمي الحداثي”، (حزبا التقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية)، وزملائه القدامى في الاتحاد الاشتراكي، مفاد هذه الرسالة أنه مستعد لأن يكون جسر عبور في الاتجاهين، في أفق تحقيق الحلم بتجميع أحزاب اليسار أو من لها مرجعية اشتراكية داخل قطب واحد كبير . لكن شتان ما بين الحلم والواقع، ففي الوقت الذي تتحرك فيه المساعي، فإن هناك قناعة بأن اليسار لا يمكن أن يتوحد بناء على اتفاقات طارئة أو مرحلية، بل إن وحدته تستوجب بناء تحالفات استراتيجية، وهذا رأي إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي . ويبدو أن عبد الكريم بنعتيق مستعد لحل حزبه والاندماج مجدداً في الاتحاد الاشتراكي، لكنه يرى أن “حل الحزب العمالي له شروط، تفرضها القوانين، والمؤتمر الوطني للحزب هو الذي يحسم في الأمر”، معتبراً أن اللقاء الذي جمعه مع رفيقه السابق في الحزب، هو انطلاقة لحوار داخل الأسرة الاتحادية، في أفق تدشين حوار يساري يساري، تفرضه التحولات، التي يعيشها المغرب حتى يبقى اليسار جزءاً من المعادلة السياسية. ضمان الحقوق وحرية التعبير سنة،2010 ستكون أيضا، سنة النضال الحقوقي، وتجاوز الكوابح التي أدت إلى حدوث تراجعات في ،2009 فبعض الملفات لا تزال عالقة، ومنها على وجه الخصوص، الملفات الحقوقية وحرية التعبير والصحافة، واستقلالية ونزاهة القضاء، وهي كلها ملفات، مطالب المغرب، بإيجاد أسئلة سريعة حولها، بعدما تبين بالملموس، أن الحاجة على مجتمع مدني مغربي وحقوقي قوي، ليس ترفاً فكرياً ولا ديكوراً، بل هو ضرورة ضمن ضرورات بناء دولة الحق والقانون . فالمغرب اليوم، في ظل التعقيدات المحيطة به، يحتاج أكثر إلى مجتمعه المدني، وإلى نسيجه الحقوقي، ولقد كانت واقعة أمنتو حيدر، خير دليل، على الدور المنقذ للدولة وللسياسة الرسمية والذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني والحقوقي في حال الأزمات السياسية الكبرى . وخدمة المجتمع المدني والحقوقي، للمصالح العليا للمغرب، لا يلغي المطالبات المشروعة التي يرفعها من حيث إقرار حرية التعبير وضمانها والحق في ممارسة إعلامية حقيقية وصون الكرامة وحقوق الإنسان . ومن هنا تأتي سلة المطالب التي يرفعها المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، والذي يصر على ضرورة اعتذار الدولة عن انتهاكات الماضي، وعزل المسؤولين السابقين عن تلك التجاوزات، وعدم تمكينهم من ممارسة إدارة الشأن العام . ولم تتبدل لغة المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وبقيت على حالها، منذ تأسيسه سنة ،1999 عن لغته الهجومية، والتي ترسم صورة قاتمة لواقع حقوق الإنسان في المغرب . ومن بين أهم مطالبات المنتدى التي ستطبع هذه السنة، أيضا، ما يتعلق بإجلاء الحقيقة كاملة والكشف عن مصير المختطفين ومجهولي المصير، وإطلاق سراح الأحياء منهم وتسليم رفات المتوفين لذويهم لدفنهم حسب مشيئتهم وضمان حق العائلات في الطعن في نتائج التحليلات الجينية، والمساءلة ومناهضة الإفلات من العقاب وتحديد المسؤوليات لتمكين الضحايا من حقهم في متابعة المسؤولين قضائياً، وإبعاد المتورطين منهم بشكل مباشر أو غير مباشر من وظائفهم ومن تسيير الشأن العام، والتسوية الفورية والشاملة للأوضاع المادية والاجتماعية والإدارية لجميع الضحايا سواء منهم الذين وضعوا طلباتهم داخل الآجال أو أولئك الذين وضعوا الطلبات خارج تلك الآجال أو الذين لم يتمكنوا من وضع طلباتهم لسبب من الأسباب ومن دون استثناء أية فئة من الضحايا وأية من المناطق المتضررة، والعمل على حفظ الذاكرة وإنعاشها ووقف الأعمال الرامية إلى طمس معالم جرائم الماضي، والاعتذار الرسمي للدولة رداً لاعتبار الضحايا والمجتمع، وإنجاز إصلاحات مؤسساتية وقضائية من خلال إقرار دستور ديمقراطي لضمان عدم تكرار ما جرى . في حين أن الكثير من التحديات مطروحة على النسيج الحقوقي في المغرب، ومن بين هذه التحديات، توحيد المواقف في العديد من القضايا، ومن بينها قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، ووضع السجناء المتطرفين في السجون المغربية، واستمرار بعض حالات الاختطاف والاختفاء القسري، وتنامي الانتهاكات الأخرى، المستجدة، ومن بينها الانتهاكات الاقتصادية، والحقوق الثقافية، وبالأخص مع قرب الشروع في عمل كبير، تستدعيه تدابير الحكم الذاتي وأثرها في التركيبة الجهوية في المغرب، بما هي تركيبة ثقافية واقتصادية وتنموية، لا يمكن أن يتحقق إلا بثقافة حقوقية جديدة، تنظر إلى حقوق الإنسان في إطارها الشمولي والكوني. *عن الخليج الإماراتية