تضع الانتخابات التشريعية، التي تشهدها إندونيسيا بعد غد الأربعاء، التجربة الديمقراطية في هذا البلد الذي يعد رابع بلد في العالم من حيث عدد السكان ( 250 كليون نسمة)، على أبواب مرحلة سياسية جديدة لاختيار 19699 عضوا برلمانيا يتوزعون بين البرلمانات الجهوية والاقليمية والبرلمان الوطني. وتعد الاستحقاقات الانتخابية القادمة في إندونيسيا ثاني أكبر عملية انتخابية تجري في يوم واحد في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث يشارك 186 مليون ناخب في التصويت للاختيار ممثليهم من بين حوالي 200 ألف مرشح يمثلون 15 حزبا لشغل 19699 مقعدا نيابيا موزعة بين 565 عضوا بمجلس النواب المركزي (الوطني) و132 عضوا في مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية في البرلمان) و2112 عضوا في برلمانات 33 إقليم و16895 عضوا في البرلمانات المحلية ب 508 محافظة ومدينة . فبخلاف الولايات الثلاثة الماضية التي عرفتها إندونيسيا عقب التحول الديمقراطي الذي أطاح بنظام سوهارتو في ماي 1998، والتي خصصت لوضع أسس الاصلاح السياسي والمؤسساتي، فإن الولاية الرابعة التي تنطلق مع انتخابات 9 أبريل الجاري تفتح الباب أمام مرشحي 15 حزبا للتنافس على ثقة 186 مليون ناخب يتطلعون إلى نخبة تقود مركب الاصلاح السياسي إلى بر الأمان وتسير إلى أبعد حد بمسيرة القضاء على الفساد والرشوة وتعزيز دولة المؤسسات في وقت يصعب فيه على المراقبين ومراكز البحث استشراف نتائج انتخابات يوم الأربعاء المقبل أو توقع ترتيب الأحزاب الكبرى التي ستدخل البرلمان القادم للسنوات الخمس المقبلة. إلا أن مراكز الاستطلاع الإندونيسية، وعددها أربعين مركزا، انطلقت من رأي الناخب حول الحملات الانتخابية، التي ركزت على محاربة الفساد والرشوة واستعمال المال في الحياة السياسية، لتتنبأ بأن خمسة أحزاب مؤهلة لتحقيق مراكز متقدمة خلال هذه الانتخابات هي حزب النضال من أجل الديمقراطية بزعامة ميغاواتي سوكارنو بوترى ، وهي ابنة أحمد سوكارنو أول رئيس لإندونيسيا، وحزب مجموعة العمل (غولكار) بزعامة رجل الأعمال أبو ريزال بكري، وحزب إندونيسيا العظمى -حديث العهد - بقيادة الجنرال السابق برابوو، والحزب الديمقراطي بقيادة الرئيس الحالي سوسيلو بامبنغ يوديونو، وحزب العدالة والرفاه برئاسة النائب السابق لرئيس البرلمان أنيس متى. وأجمعت جل مراكز الاستطلاع على أن الناخب الإندونيسي متشبث إلى أبعد حد بالرغبة في انتخاب أشخاص يتوفرون على الجرأة والقوة لمواجهة مجموعات الضغط المالية وبالتالي القضاء على الفساد والرشوة ومواصلة الاصلاح المؤسساتي الذي أطلقه الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبنغ يوديونو خلال الولايتين الماضيتين من خلال برنامج يحافظ على معدل نمو مرتفع ( 6 في المائة) وتعزيز اللامركزية وتقوية دور كل من المحكمة الدستورية وهيئة مكافحة الفساد والرشوة. وخلال هذه الانتخابات، التي يخوضها 15 حزبا، 12 منها على المستوى الوطني، وثلاثة تتنافس على مقاعد البرلمان الإقليمي والبرلمانات المحلية في إقليم آتشية ( شمال جزيرة سومطرة) طبقا لاتفاقية السلام التي وقعتها حركة تحرير آتشه مع الحكومة الإندونيسية سنة 2005 والتي تمنح للإقليم حكما ذاتيا متقدما، يحتدم الصراع بين الأحزاب التقليدية المستندة إلى شعبية تاريخية، وأخرى جديدة تركن إلى القدرة المالية أو دعم مؤسسات قوية في البلاد، لإقناع الناخب بأن مرشحيها هم الأقدر على تحقيق التطلعات والقضاء على الفساد ، بالرغم من أن وسائل الإعلام الإندونيسية تناقلت خلال الأسابيع الماضية أخبارا عن تورط معظم الأحزاب، والكبيرة منها على وجه الخصوص، في أزمات وخلافات داخلية أو قضايا فساد تلاحق كبار المسؤولين فيها، مما أفقدها ثقة الشارع الإندونيسي. وفي السياق ذاته أبرزت استطلاعات للرأي أن الإقبال على التصويت أو العزوف عنه سيخضع لمعيار واحد يتمثل في مدى تورط المرشحين في قضايا الفساد الشيء الذي دفع بالمراقبين إلى توقع مفاجآت قد تغير الخريطة الحزبية في البرلمان المركزي والمحليات وتؤثر بالتالي على مسار الانتخابات الرئاسية التي تعتبر الأهم في الحياة السياسية بإندونيسيا والتي ستنظم في التاسع من يوليوز القادم. ويرى المراقبون أن جل المعطيات تعزز إمكانية وقوع المفاجئة خاصة وأن أغلب الناخبين هم شباب (29 في المائة من مجموع الناخبين هم دون سن ال 29 عاما، من بينهم 21 مليون يدلون بأصواتهم لأول مرة) تواقين للتغيير ومعادين للفساد ورموزه. وعلاوة على ذلك فإن القوانين المنظمة للانتخابات أعطت للناخبين إمكانية إغلاق الطريق في وجه من يحصل على نسبة تقل عن 3،5 في المائة من الأصوات لدخول البرلمان كما أنها تشترط على أي حزب أو ائتلاف ان يحصل على ما لا يقل عن عشرين في المئة من مقاعد البرلمان أو 25 في المائة من الاصوات ليقدم مرشحا الى الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد ثلاثة أشهر. هذه القوانين تحتم على الناخب الإندونيسي البحث عن بديل خارج الأحزاب التي اتهم عدد من أعضائها بالفساد وخارج الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي انخفضت شعبيتها من 34 في المائة سنة 1998إلى 26 وأقل من 20 في المائة سنة 2014. وفي ظل هذا المشهد ، يبرز المتتبعون تخوف الناخب الإندونيسي من استمرار "طغيان المال في الانتخابات" ونجاحه في قلب المعطيات والتكهنات في بلد يتكون من أكثر من 17 ألف جزيرة ويضم أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم ويحتل موقعا استراتيجيا إذ تعتبر مياهه الاقليمية أهم الممرات البحرية في جنوب شرق آسيا.