مناسبة الخوض في هذا النقاش هو التحضير الجاري للمؤتمر الوطني للجمعية الذي تباشره أجهزتها وهياكلها المختصة. ودون الغوص في الأمور التي يمكن أن تحسب داخلية ضمن هذا التحضير فاني ارتأيت أن أتناول بعض النقط التي تعتبر شأنا عاما على الأقل بين أعضاء الجمعية و المتعاطفين معها. ما يحركني لإبداء رأيي ضمن هذا المقال هو السؤال الذي يطرح نفسه علينا كأعضاء وعلى المؤتمر بالتحديد و هو المتعلق بمآل الجمعية: هل ستتحول إلى منظمة جماهيرية تكافح إلى جانب المحرومين من اجل انتزاع حقوقهم ؟ أم أنها ستنحصر في تأثيث الفضاء الجمعوي ببلادنا؟ ومن الآن اجزم بان بداية هذا التحول هي في معالجة الوضعية القانونية للفروع لأنها تعد الآن نقطة الضعف الأساسية للجمعية. وان كانت ديباجة القانون الأساسي الحالي تؤكد تحت مبدأ الجماهيرية : " ..هذه الحقوق لا يمكن أن تنزل من السماء أو تمنح من لدن أي كان كما أن الجمعية لا تتوقع أن تتمكن نخبة من النخب مهما بلغت ثقافتها وخبرتها وحسن نيتها و استعدادها النضالي من انتزاع هذه الحقوق لفائدة عموم المواطنين." . بالرغم من هذا التأكيد فالقانونين الأساسي و الداخلي لا يعكسان هذا التوجه الجماهيري. وحتى لا نغالط أنفسنا فعدد المنخرطين (حوالي 8000 منخرط ) لا يعكس أيضا هذه الجماهيرية كما أن اغلبهم له انتماءات سياسية سابقة على الانخراط الذي يأتي لأجل توسيع القاعدة الانتخابية. وإذا كان طموحنا أن يكون للجمعية صدى عند أوسع الجماهير حتى تتعاطف مع نضالاتنا وتنخرط فيها لانتزاع حقوقها التي هي حقوقنا فيجب أن نعترف أننا مازلنا جمعية صغيرة تأثيرها مازال محدودا. إن الجمعية تزخر بالكثير من المناضلين الذين لهم تجارب متنوعة وقدرات على الفعل والتأثير في الواقع لكن بقوة القانون الذي يحكم الجمعية وقوة الأمر الواقع تنحصر "العناصر الفاعلة" في أعضاء مكتب الفرع الذين يشكلون باقي الأجهزة التنسيقية كمجلس الجهة ومكتبها وفي أعضاء اللجنة الإدارية الذين يشكلون من بينهم المكتب المركزي وباقي أعضاء اللجان المركزية. وبعملية حسابية تقديرية نجد أن عدد "العناصر الفاعلة" لا يتعدى على الصعيد الوطني 1185 عضوا. فعدد أعضاء اللجنة الإدارية كما يحددهم القانون الأساسي هو 75 عضوا على الأكثر (المادة 7) وعدد أعضاء مكتب الفرع لا يزيد على 15 عضوا (المادة 15 من نفس القانون) أما عدد الفروع فهو حوالي 74 فرعا. هل بهذا العدد نحن في مستوى الشعارات التي تؤطر مؤتمرات الجمعية؟ هل بهذا العدد نكون قادرين على انتزاع الحقوق لأكثر من ثلاثين مليون "ساكنة المغرب"؟ و فيما يلي سنرى كيف يتحول باقي أعضاء الجمعية إلى مجرد أرقام انتخابية. فبالرجوع إلى القانون الأساسي يمكن الاطلاع على : " المادة 16 : يعقد الفرع جمعا عاما عاديا كل سنة ونصف . وتكون مهمة الجمع العام العادي هي الاستماع إلى التقريرين الأدبي والمالي والبث فيهما وانتخاب المكتب الجديد وغير ذلك من القضايا المتعلقة بنشاط الفرع." " المادة 17 : يستعين مكتب الفرع في اختصاصاته ومهامه بلجان مختصة أو محلية عند الضرورة يكونها من بين أعضاء الفرع." إن تشكيل اللجان المختصة أو المحلية يعود لرغبة مكتب الفرع أولا و أخيرا وفي حالة تشكيلها فهي للاستعانة ولا تتمتع بأي صفة تقريرية وهذا ينزع منها المبادرة ويبقى في الأخير الذي يعطيها الحيوية أو يقتل نشاطها هو المكتب لأنه هو المشرف على عملها. هذا عن القانون أما في الواقع فبعض الفروع تكتفي بالمكتب فقط ما دام الأمر اختياري وفي الكثير من الفروع الأخرى بعد تشكيل هذه اللجان تكتفي باجتماع أو اثنين و أحيانا لا تجتمع و لو مرة واحدة طيلة المدة الفاصلة بين الجمعين العامين الانتخابيين. و المحزن حين يحصل هذا في المدن الكبيرة ويرتاح المكتب للاشتغال وحده وسط ساكنة تعد بالملايين. هذا الواقع هو الذي يقلص دور المناضلين في الفروع ويحولهم إلى أصوات انتخابية بمناسبة كل جمع عام عادي وأتمنى من المؤتمر القادم أن يتعامل مع هذه النقطة بالجدية اللازمة. وليست اللجان وحدها التي يقزم القانون الأساسي دورها فمجلس الفرع الذي يتكون أساسا من أعضاء المكتب وأعضاء اللجان المختصة أيضا يتم تقليص دوره لصالح المكتب. وبالرجوع إلى المادة 21 من القانون الداخلي يتضح ذلك بشكل جلي: "بالإضافة إلى الجمع العام الانتخابي المشار إليه في المادة 16 من القانون الأساسي تعقد الفروع جموعا عامة دورية لتقييم النشاط وتسطير برامج العمل و يجوز في حالة تعذر عقد هذه الجموع العامة تتم الدعوة لانعقاد مجلس الفرع الذي له دور استشاري وتعبوي." فمجلس الفرع الذي من المفترض فيه أن يضم اكبر عدد من المتطوعين إلى العمل الحقوقي على مستوى الفرع وبالتالي اغلب الحساسيات و الآراء لا يعطيه القانون حق التقرير في أية مهمة كما لا يلزم المكتب بالدعوة إلى عقده في آجال محددة مما يفتح الباب للاستغناء عنه وهذا ما يحدث في غالب الأحيان. أما الجمع العام الدوري المختص في تقييم النشاط وتسطير برامج العمل على الرغم من أهمية هذه الصلاحيات فلا القانون الأساسي و لا الداخلي حدد لدورته متى تبتدئ ومتى تنتهي ؟ لعل المؤتمر القادم يجيب عن هذا التساؤل. لكن الخطير في القانون انه يتكلم عن الدعوة لعقد مجلس الفرع في حالة تعذر عقد هذا الجمع دون شرح هذا التعذر. المكتب حاليا بسكوت القانون هو الذي يملك صلاحية تقييم الوضع والاستغناء عن الجمع لتعذر عقده تحت أي مبرر بدون بدل أي مجهود ممكن. حالة التعذر يجب أن تحددها القوانين لا أن تبقى اعتباطية كما هو الحال الآن. وإذا كان القانون تحدث عن الجمع العام العادي فهو لم يتحدث عن الجمع العام الاستثنائي. وعلى المؤتمر القادم ألا يتجاهل هذه النقطة وان يحدد الحالات التي فيها يلجأ الفرع إلى هذا الجمع وما هي صلاحياته والأغلبية المطلوبة لعقده و اتخاذ القرار خلاله؟ وما هي الجهة التي تدعو له وبأية أغلبية؟ إذن من خلال ما سبق فأعضاء الفرع من غير أعضاء المكتب خاصة المستعدين منهم للفعل و العطاء منزوعة منهم الإرادة ولا يتمتعون بقرار المبادرة لا من داخل اللجان المختصة ولا داخل مجلس الفرع ولا يستطيعون انتظار موعد محدد لجمع عام للتقييم و التقرير ماعدا الجمع العام الانتخابي بعد سنة ونصف الذي لا يخلو من النواقص. هذا الوضع إن شئنا الاختصار يميزه استفراد المكتب بالقرار وغياب التواصل بين أعضائه وباقي المنخرطين إلا ما يدخل ضمن العلاقات الاجتماعية. ويولد ذلك حالة من الاحتقان غالبا ما تنفجر بمناسبة كل جمع عام انتخابي و تضاف إلى برنامجه الثقيل من البث في التقريرين الأدبي والمالي إلى انتخاب المكتب الجديد. وهنا فقط تظهر أهمية المنخرط بشكل بارز أو للتدقيق صوته لان أفكاره ومقترحاته لا يرغب فيها احد غير جماعته السياسية الصغيرة. لأنه بالنظر إلى ضيق الوقت وعدم تمكين المنخرطين من الاطلاع على التقريرين مسبقا واستحالة الاطلاع على الوثائق التي تتبث المعطيات الواردة بهما لكل من يطلب ذلك خلال الجمع إضافة إلى عدم تمكين جهاز آخر غير الجهة المسيرة للفرع –أي المكتب- من دراسة التقريرين مسبقا وإبداء رأيها المستقل قبل البث فيهما كل هذا يجعل التداول فيهما خلال الجمع شكلي والتصويت عليهما سياسي بامتياز يتحكم فيه منطق "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". وبهذا ربما يبقى الدور الوحيد للمنخرط داخل الفرع هو التصويت على المكتب الجديد والمساهمة في مالية الجمعية بثمن بطاقة سنوية جديدة. ومن اجل تجاوز هذه الوضعية و تقوية فروع الجمعية اقترح بعض التعديلات القانونية والتي هي في حاجة بدورها إلى مزيد من النقاش و الاغناء : _ أن تكون من مهام الجمع العام العادي الذي يعقد كل سنة ونصف انتخاب مجلس للفرع _ أن يعكس عدد أعضاء مجلس الفرع حجم هذا الأخير بان لا يقل عن 25% من عدد أعضاء الفرع _ أن يعقد مجلس الفرع اجتماعات داخل اجل شهر لانتخاب مكتب الفرع وتشكيل اللجان المختصة من بين أعضائه _ أن يعقد جمع عام داخل اجل شهرين من اجل انتخاب مجلس الفرع و لمناقشة برنامج العمل والمصادقة عليه او تعديله _ أن يعقد مجلس الفرع اجتماعا على الأقل مرة كل شهرين لمناقشة حصيلة عمل المكتب واللجان المختصة واتخاذ القرارات اللازمة لتنفيذ البرنامج بما في ذلك تطعيم اللجان _ أن يعقد جمع عام للفرع على الأقل مرة كل ستة أشهر للاطلاع على حصيلة عمل الفرع وأجهزته وتقييم نشاطه وإدخال التعديلات المناسبة على برنامج العمل وانتخاب المرشحين لمناصب شاغرة داخل المجلس _ أن يشكل مجلس الفرع لجنة على الأقل شهرا قبل موعد الجمع العام الانتخابي لدراسة التقرير الأدبي والمالي الذي تتسلمه مباشرة من المكتب. و أن تضع ملاحظاتها عليه رهن إشارة أعضاء الفرع أسبوعين على الأقل قبل الجمع. أن تكون من مهام هذه اللجنة أيضا ضبط لائحة المنخرطين والتأكد من توزيع الدعوات ومن النصاب القانوني. _ أن يكون ممكنا بطلب من ثلثي أعضاء الفرع عقد جمع عام استثنائي تحت إشراف احد أعضاء اللجنة الإدارية لإقالة مجلس الفرع وانتخاب مجلس جديد. والإقالة تشمل أيضا مكتب الفرع و اللجان المختصة. هذه بعض الأفكار العامة للفت انتباه المؤتمر القادم لوضعية الفروع التي يجب تقويتها ليس فقط بعدد المنخرطين لكن بمراجعة وضعيتها القانونية بما يمكن مناضليها من الانتقال إلى الاقتراح و الفعل. الفروع في هذه الوضعية لا تعيش حيوية يمكن التفاؤل بها وعدد لا باس به لا يتحرك إلا لتخليد الأيام الوطنية والعالمية وطبعا تجاوبا مع دعوات المكتب المركزي. *عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان