في18فبراير2008شهدت الساحة السياسية المغربية حدثا لم يكن ينتظره أحد تمثل في الاعلان عن اعتقال الأمين العام لحزب البديل الحضاري ذ.المصطفى المعتصم والناطق الرسمي لنفس الحزب د.محمد الأمين الركالة وأمين عام حزب الأمة ذ.محمد المرواني الى جانب عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية د.العبادلة ماء العينين وعضو شبيبة الحزب الاشتراكي الموحد ذ.حميد نجيبي ورجل اعلامي هو ذ. عبد الحفيظ السريتي مراسل قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني،وقدم الجميع للمحاكمة بملف ضخم هو الاعداد لثورة دموية في المغرب، لم يكن أحد ليصدق كلام وزارة الداخلية في روايتها الرسمية التي قدمت من خلالها الأحداث بالنظر للعديد من الحيثيات ليس أقلها ما عرفت به القيادات الاسلامية المعتقلة من الدعوة الى خيار الاسلاميين الديمقراطيين القائم على نبذ العنف وادانته والداعي الى توحيد صفوف المغاربة تحت عنوان كبير هو الاسهام في انجاز الانتقال الى الديمقراطية بقيادة العاهل المغربي محمد السادس . وأكيد أن فهم أبعاد مايحدث اليوم في المغرب يستدعي وضع الملف في سياقه العام بأبعاده الدولية والجهوية والمحلية، وذلك بالنظر الى تداخل هذه الأبعاد وتشابكها في صناعة الموضوع وتوجيهه . السياق الدولي: -بداية النهاية للبوشيزم باعتبارها الترجمة السياسية و العسكرية لعقيدة المحافظين الجدد بأقانيمها الاستراتيجية و الثقافية:الحرب على ما يسمى الإرهاب-الحرب الاستباقية-حرب الحضارات، هذه الرؤية القيامية أدت إلى تراجع الضغط الأمريكي لصالح المد الديموقراطي، مما اقتضى العودة للحقبة الريغانية المتسمة بحماية الأنظمة الشمولية و الرجعية و غض الطرف عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان خصوصا إذا كان الضحية ينتمي إلى التعبير الإسلامي الحركي المعتدل أو الصوت المنحاز للمقاومة،وقد جاءت هذه الاعتقالات متساوقة مع اقتراب نهاية حقبة بوش و تواتر الدلائل على فوز أوباما مما جعل العقل المخابراتي الأمني يقوم بهذا الإخراج السيئ(سئ لأنه-على الأقل- جمع ما لا يجمع:القاعدة مع حزب الله مع اليسار...) استباقا لأي تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية لصالح دعم احترام حقوق الإنسان و الديمقراطية و الحكم العادل. السياق الإقليمي: يمكن اجماله في مسألتين أساسيتين هما : المسألة الأولى: عودة خطابات التقاطب الإثنية اما عرقية(العرب/الكرد أو الأمازيغ)واما مذهبية (السنة/ الشيعة) واما اديلوجية(اسلاميين/ علمانيين،"خصوصا يساريين") مما جعل أجهزة سلطوية وقمعية وأمنية تسعى لمحاصرة الأصوات الرافضة لهذا المنحى و التي تنظر بإيجابية إلى الاختلافات الإثنية العرقية و المذهبية و الإيديولوجية باعتبارها عوامل إخصاب الهوية الحضارية متعددة الأبعاد،خصوصا اذا أضفنا الى عوامل الاختلاف هذه عناصر أخرى هي بمثابة قواسم مشتركة بين شعوب المنطقة،ونخص بالذكر منطقة المغرب العربي، من شأن الحفاظ عليها (العناصر) واستثمارها تعزيز أية وحدة اتحادية- حتى لا نقول اندماجية- بين دوله،هذا اذا توفرت طبعا الارادة السياسية الصادقة عند قياداته،وان كان هذا الأمر- أمر الوحدة الاتحادية- يبدو بعيد المنال في الأمد المنظور ان لم نقل المتوسط،ويكفي للاستدلال على ذلك أن نسوق مثالين فقط: أولهما:استغلال مشاكل هامشية بين بلدين جارين بل وشقيقين،كان يمكن أن تحل بالطرق الدبلوماسية،لتوتير الأجواء وتسميم العلاقات...بلغت حد فرض تاشيرة الدخول واغلاق الحدود،مما ترتب عنه قطع وشائج القربى والمصاهرة ... للعقد الثاني على الأقل. واكثر من ذلك،تبني هذا المكون أو ذاك من المكونات المغاربية أطروحة انفصاليين مثلا بل ودعمهم اللامحدود لاضعاف مكون آخر. ثانيهما: ليس ما وقع بين الجزائر ومصر رسميا وشعبيا بسبب "ماتش" كرة قدم عنا ببعيد، لدرجة تصورمعها البعض منا أننا لا زلنا نعيش زمن داحس والغبراء،في الوقت الذي قطعت فيه دول بالجوار،شمال المتوسط،أشواطا بعيدة في موضوع الاتحاد تكاد تصل حد الاندماج علما أنها ليست لها،على مستوى العلاقات البينية،نفس عناصر ومقومات الوحدة كما ونوعا كما هو الشأن عند شعوب ودول المنطقة المغاربية. ومن عناصر ومقومات هذه الوحدة على سبيل التمثيل:*وحدة المذهب السني المالكي*وحدة الرواية التي يقرأ بها القرآن(رواية ورش عن نافع)*وحدة الجغرافيا(سلسلة جبال الأطلس نموذجا)*وحدة اللغة العربية الدارجة، ووحدة اللغة الأمازيغية، حد التطابق بين اللغتين عند شعوب المنطقة*وحدة العادات والتقاليد*وحدة التاريخ المشترك(عديدة هي الدول التي حكمت هذه المنطقة موحدة من الشاطئ الشرقي للأطلسي الى مشارف مصر)*.... المسألة الثانية: انقسام الصف الرسمي العربي و نخبه إلى محورين: ما سمي بالإعتدال، ويقف في الجبهة الأمريكية، و محور الممانعة و المقاومة،و إذا كانت بعض الأنظمة قد نأت بنفسها عن هذا التقاطب(النظام المغربي نموذجا،وكما اكد ذلك أيضا الرئيس السوري بشار الأسد في الكلمة التي ألقاها في اللقاء الأخير للأحزاب العربية المنعقد ببلاده) فإن بعض أجهزتها المخابراتية كانت دوما تسعى لمحاصرة و توريط كل الشرفاء من القوى الوطنية و الإسلامية و القومية و اليسارية الداعمة للمقاومة. السياق المحلي: برز ملف المعتقلين السياسيين الستة في ملف "خلية بلعيرج " في سياق محلي عرف بدوره العديد من المتغيرات الكبرى التي لا زالت آثارها تتفاعل يوما بعد آخرمنها محاولة بعض الجهات العمل على إعادة تأثيث المشهد السياسي عبر التمهيد لقدوم الحزب/الوافد الجديد،كترجمة سياسية و تنظيمية للمنزع الإستئصالي لجزء من القريبين من مطبخ صنع القرار مما كان يستلزم طبخ الملفات الأمنية التي تبرر مشروعيته عبر الإيهام أن ليس في القنافذ أملسا، محاولة بعض الجهات الأمنية الرجوع بالمغرب إلى سنوات الجمر و الرصاص باعتبار تراجع دورها السياسي و التدبيري مع بدايات العهد الجديد الذي حاول جادا وبشجاعة غير مسبوقة إيجاد مناخ من المصالحة الوطنية بين الدولة والمجتمع ممثلا في نسيجه السياسي والحقوقي اضافة الى جزء كبير ممن تعرضوا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان أو ذويهم بالنسبة لمن قضوا جراء ما تعرضوا له من اصناف التعذيب وغيره زمن سنوات الرصاص(هيأة الانصاف والمصالحة)، وهو اتجاه لا يخدم مصالح هذه الجهات الأمنية و المخابراتية بما فيها المصالح المادية و الريعية. بكلمة ان ما حدث ليس سوى فصل جديد من فصول صراع قوي بين إرادتين كانتا ولا زالتا تقسمان المغرب وتفسران أحداثه السياسية : -الإرادة الأولى هي الطامحة الى انتقال المغرب نحو الزمن الديمقراطي الحقيقي، والذي ضحت من أجله أجيال من المناضلين المغاربة، ومما غذى لديها هذا الطموح الاشارات الكثيرة التي طبعت العهد الجديد خصوصا في سنواته الأولى. - الإرادة الثانية وهي الراغبة في إبقاء الأوضاع على ما كانت عليه من استفادة فئات محدودة ومتنفذة من كل الخيرات الوطنية.ارادة كانت ولا زالت تقاوم أية محاولة للتغيير. النجاح المطرد لهذا العقل الأمني وبتواطؤ واضح من طرف بعض الأحزاب الادارية وبعض الأحزاب الكلاسيكية سيشجع الذين يقفون وراء الارادة الثانية(مناهضو الانتقال الى الديمقراطي ) على التقدم أكثر ، فكان السيناريو هو –ولم لا – العمل على اعادة انتاج نفس اللحظات التي عاشها المغرب خلال أسوأ فترات حكم الراحل الحسن الثاني أي ابتداع هيكل سياسي سيتصدى لمواجهة المعارضة الناهضة والممثلة خصوصا في الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية. وقد اقتضت الاستراتيجية أن تكون البداية ، في تقدير هذا العقل الأمني ، من الحلقة الضعيفة والمزعجة ،في آن واحد، في الساحة أي رأس الاسلاميين الديمقراطيين (البديل الحضاري كأبرز نموذج ممثلا في قيادييه الأستاذ المعتصم والدكتور الأمين الركالة)،مع ارسال برقية سريعة ومشفرة لكل من يفكرفي التعاون مع هؤلاء وفك الحصار عنهم فكانت الرسالة الأولى للحزب الاشتراكي الموحد باعتقال حميد النجيبي،داخليا،أما خارجيا فكانت الرسالة موجهة ل"حزب الله" باعتقال مراسل "المنار" عبد الحفيظ السريتي، ظنا من هذا العقل الأمني أنه قد تكون لحزب الله علاقة بهذه المعارضة الناهضة ،كحرب استباقية. وكان موضوع الارهاب بالطبع الاطار المعد لهذه التصفية السياسية ، هكذا تمت المؤامرة وتعمد العقل الذي صاغ الملف أن يجعله بالشكل الذي جاء عليه ليبعث أكثر من رسالة لأكثر من جهة.لكن السيناريو والاخراج كانا رديئين الشئ الذي جعل كل الحقوقيين و السياسيين ومنابر اعلامية ومؤسسات مجتمع مدني وكثير من الفعاليات يشككون في الرواية الرسمية فضلا عن عدم تصديقها،بل نكاد نزعم أن حتى جهات رسمية لم تستسغ هذه الرواية. *المسؤول الاداري لحزب البديل الحضاري