أصبح رفع الشعارات البيئية من مقتضيات «الموضة» الحديثة... فالجميع أصبح يتقن الخطاب البيئي ويتشدق بمصطلحاته... والكل في نفس الوقت يشهد على معاناة البيئة ويساهم في الإضرار بها بقصد أو غير قصد. حكومتنا على رأس هذه القائمة... فهي الجهة الموكول إليها رسميا برعاية هذا القطاع وحسن تدبيره... ولكن بدون مبالغة فالفشل كان رديف هذا التدبير لعقود طويلة. بتحليلنا للسلوك الرسمي في المجال البيئي نستطيع رصد العديد من الاختلالات والمعيقات، يمكن إيجازها في عشر:
اعتبار الخوض في الشأن البيئي من الكماليات
بحيث تظل التوجهات والبرامج الحكومية رهينة ضغوط المطالب الاجتماعية الآنية والملحة... مما يبعد من دائرة الاهتمام كثيرا من القضايا الأخرى وعلى رأسها تلك المرتبطة بالبيئة... إلى درجة اعتبار البعض مراعاة الشأن البيئي معرقلا للجهود الرامية لإقرار التنمية الاجتماعية والاقتصادية... ولا يمكن اعتبار مثل هذه الأفكار والتصورات إلا تجليات واضحة لجهل مطبق بمبادئ وأسس مفاهيم «التنمية المستدامة» المعتمدة بشكل رئيسي في السياسات الاقتصادية السليمة على الصعيد العالمي.
ضعف الترسانة التشريعية الخاصة بالمجال البيئي
إن التطور الكبير الذي يشهده هذا المجال يجعل من اللازم مواكبته على المستوى التشريعي، وتوقيع المغرب على مجموعة من الاتفاقيات والمواثيق الدولية بهذا الخصوص يستلزم نفس الشيء... ولكن واقع الحال يظل دون المستوى المطلوب بحيث يسجل فراغ كبير في هذا الإطار، وحتى التشريعات التي يتم إخراجها إلى الوجود تبقى موقوفة التنفيذ.
"البيئة" قطاع بدون إمكانيات
وقد خصصت الدولة المغربية قبل أكثر من عقد قطاعا للبيئة، ضمن القائمة الحكومية... ولكنه بقي قطاعا مسلوب الإمكانيات وغير واضح المعالم والتوجهات وتتقاطع اختصاصاته مع اختصاصات قطاعات وهيئات حكومية أخرى، وهو مدرج دائما كقطاع داخل وزارات متعددة التخصصات.
محاولات منعزلة بدون برامج مندمجة
فكثيرة هي القطاعات والجهات التي تتدخل في المجال البيئي، ومعظم التدخلات تكون منعزلة ومحصورة في الزمان والمكان دون أن يربط بينها خيط ناظم، ولا سياسة إستراتيجية واضحة المعالم... مما تترتب عنه إنجازات محدودة التأثير على واقع البيئة.
الفعل البروتوكولي هو السائد
فركوبا لموجة "الموضة" التي سبقت الإشارة إليها تبقى معظم الأنشطة المهتمة بالشأن البيئي ذات طابع استعراضي، وقد تصرف الأموال الطائلة في تنظيم المؤتمرات والعروض والندوات دون أن ينبثق عنها أي فعل إجرائي أو برنامج عمل حقيقي في الميدان.
"البيئة" تحت رحمة لوبيات المصالح
لوبيات الصيد البحري... لوبيات المقالع... لوبيات المياه الجوفية... لوبيات العيون والمياه السطحية... لوبيات العقار... لوبيات الغابات... كلها تدمر البيئة والموارد الطبيعية بنهم شديد وبدون حدود، لا يهمها إلا الربح السريع ومراكمة الثروات على حساب الطبيعة والملك العام المشترك.
"البيئة" مفوضة لجماعات غير فاعلة
يعتبر تدبير البيئة من أبرز الاختصاصات التي أناطها الميثاق الجماعي بالجماعات المحلية... وندرك جميعا البنية البشرية لهذه الجماعات... المشكلة من منتخبين لا علاقات لمعظمهم من قريب ولا من بعيد بالبيئة ومفاهيمها وآلياتها وتقنياتها... فأنا لهم أن يحسنوا فعلا في هذا المجال الذي يتطلب دراية ومعرفة تخصصية.
"التربية البيئية" منوطة بمدرسة قاصرة
وأي مدرسة؟... مدرسة لم تعد تمكن روادها حتى من الكفايات الأساسية الخاصة بالقراءة والكتابة... فكيف تمكنهم من مراقي أعلى كالخاصة بالكفايات البيئية... وقد فشل النظام التعليمي والمتعاقبون على تسييره من وضع برنامج حقيقي للتربية البيئية لتبقى مفاهيمها مجزأة ومقطعة بين وحدات تعليمية منفصلة في مستويات مختلفة ومواد متنوعة، مما لا يتحقق معه الهدف المنشود.
الوصلة البيئية الشاردة في الإعلام العمومي
إعلام رسمي فاسد الذوق... عديم القيم... قائم على ثقافة الاستهلاك... كيف له أن يرتقي إلى مستوى أداء الرسالة البيئية... وكل محاولة لإقحام الشأن البيئي في هذا المشهد الإعلامي تبقى شاردة وخارج سياقها.
البيئة والسلوك الطائش للأفراد والمؤسسات
ثمة هناك ميولات راسخة في ثقافة وسلوك الأفراد ناتجة عن تراكمات العلاقة غير الودية مع الشأن العام والمرفق العمومي... علاقة مشحونة بتمثلات النفور والاستعداء نسجتها طبيعة السياسات الرسمية المتبعة لعقود طويلة والتي يتم ترجمتها في كثير من الأحيان وبشكل لا شعوري بسلوكات طائشة وقاسية تجاه البيئة...
المؤسسات العمومية والخاصة أيضا تنفذ مختلف أنشطتها وبرامجها دون أن تأخذ بعين الاعتبار المعطى البيئي... فهو آخر ما يفكر فيه... فلا وجود لأنظمة حقيقية لإدارة البيئة على مستوى هذه المؤسسات، ولا برامج لتشجيع وتحفيز المحافظة على البيئة بها.