مرت منذ يومين ذكرى اليوم العالمي للبيئة، والذي يعد بمثابة محطة للمهتمين بالشأن البيئي، يقفون خلالها على ما تحقق من إنجازات تساهم في وقف التدهور البيئي الكارثي الذي تشهده بلادنا على اختلاف درجات حدته، وتنوع المصادر المتسببة فيه، وعلى رأسها الملوثات الغازية والصلبة والسائلة. وتكمن خطورة التلوث، الذي يؤثر سلبا على جودة التربة والماء والهواء، في تهديده للموارد الأساسية لإنتاج الثروة وكسب العيش للأجيال الحالية، ولكن الأخطر هو تزايد التهديد بالنسبة إلى الأجيال الصاعدة. والملاحظ أن وتيرة الاهتمام بحفظ البيئة والحد من العوامل الملوثة لها زادت مع دق المنظمات الدولية المختصة ناقوس الخطر للنتائج الوخيمة للتلوث العدو الأول للبيئة على مقدرات عيش الإنسان ووضعه الصحي وتدهور محيطه، إذ إن وتيرة الإفراط في الاستغلال الصناعي للموارد الطبيعية تعد أكبر من وتيرة حفظ البيئة. وفي المغرب، ما يزال الوضع البيئي مثار قلق وتهديد كبيرين، خصوصا في ظل غياب أو ضعف الثقافة البيئية لدى المواطن العادي والفاعل الاقتصادي، يعكسها سلوك صحي سليم يرى في الشارع والغابة والمصنع والنهر والسهل... يضاف إلى ذلك غياب أو ضعف الآليات القانونية التي من شأنها وضع حد للأنشطة الاقتصادية التي يخل أصحابها بالتوازن البيئي لصالح المنافع المادية العاجلة، ومن أبرز المصادر المضرة بالبيئة نجد الغازات المنبعثة من الوحدات الصناعية ووسائل النقل، والنفايات المنزلية والصناعية والطبية، وكذا مياه الواد الحار والمواد الكيماوية، ويضاف إلى ذلك اندحار المجال الغابوي بفعل التوسع العمراني والأنشطة الاقتصادية، وضمنها مقالع الرمال... وعلى الرغم مما بذلته الحكومات المتعاقبة للمحافظة على البيئة والحد من العوامل المضرة بها، إلا أنه تبين بالملموس أنه لا يمكن حل المشكل إلا في إطار تبني رؤية شمولية تعتمد مبدأ التنمية المستديمة، والتي تدمج في مراحل الإنتاج المعطى البيئي كعنصر أساسي للتعامل مع الموارد الطبيعية والمكونات البيئية، وهذا شأن الفاعلين الاقتصاديين كافة، ومن جهة أخرى تظهر أهمية معالجة النفايات، سواء كانت منزلية أو صناعية أو فلاحية أو طبية، بشكل يحد من حجم إضرارها بالبيئة، وأيضا يحولها من عوامل هدم إلى عوامل بناء، بإعادة تصنيعها واستغلالها في الدورة الاقتصادية، وهذا شأن السلطات الحكومية والجماعات المحلية بتشارك مع القطاع الخاص. ومساهمة من التجديد في إثارة الانتباه إلى أن المشاكل البيئية التي تعرفها مناطق قروية في المغرب لا تقل حدة من مشاكل المدن، التي غالبا ما تقترن المشاكل البيئية بها، نقدم استطلاعا عن دوار إمهليون، الواقع بمنطقة الأخصاص التابعة لإقليم تزنيت، ومعاناة أهله من الضرر الفادح الذي يلحقه النشاط الصناعي المتمثل في استغلال المقالع بشجرة الأركان التي تشكل مورد رزق أساسي للساكنة، كما تحدثت التجديد مع أحد المهتمين والمشتغلين في المجال البيئي في منطقة إنزكان أيت ملول. محمد بنكاسم محمد التفراوتي، عضو مجموعة عمل لجنة السياحة والتنمية المستدامة لالتجديد:النفايات واستنزاف الموارد المالية أكبر خطر على البيئة بالمغرب بمناسبة الخامس من شهر يونيو من كل سنة الموافق لليوم العالمي للبيئة، التقت التجديد أحد المهتمين والمشتغلين بالشأن البيئي على تراب عمالة إنزكان أيت ملول، محمد التفراوتي، وتحدثت معه عن القضايا المرتبطة بالبيئة، وعن دور وسائل الإعلام في التوعية والتربية البيئية، وللإشارة فالمحَاور مندوب الشبكة الوطنية للمراسلين الصحفيين المهتمين بالشأن البيئي بجهة أكاديرتزنيت وتارودانت، وعضو مجموعة عمل لجنة السياحة والتنمية المستدامة ببرنامج مذكرة 21 منسقية أكادير، وأمين نادي الصحافة بإنزكان. وقد كان معه الحوار الآتي: عند الحديث عن البيئة ينصرف تفكيرنا مباشرة نحو التلوث، فهل من تعريف لهذا المفهوم؟ الأكيد أن كل فرد يتساءل عن ماهية التلوث أو تعريفه، والتعريف البسيط الذي ينطرح في الذهن هو أن التلوث يعني «كون الشيء غير نظيف»، وهو يحيلنا أيضا على ما ينجم عن ذلك من أضرار ومشاكل صحية للإنسان، بل وللكائنات الحية والعالم بأكمله. ولكن إذا نظرنا لمفهوم التلوث بشكل أدق، فيمكن القول: هو إحداث تغير في البيئة التي تحيط بالكائنات الحية بفعل الإنسان وأنشطته اليومية، مما يؤدي إلى ظهور بعض الموارد التي لا تتلاءم والمكان الذي يعيش فيه الكائن الحي، ويفضي ذلك إلى اختلاله، والإنسان في ذلك هو الذي يتحكم بشكل أساسي في جعل هذه الملوثات إما موردا نافعا، أو تحويلها إلى مورد ضار، فمياه الواد الحار على سبيل المثال إذ ما عولجت فستستخدم كمخصبات للتربة الزراعية، أما إذا تم التخلص منها عن طريق مصارف المياه فستؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة. ما هي في نظركم أسباب تلوث البيئة؟ الإنسان هو السبب الرئيس والأساس في إحداث التلوث، وظهور جميع الملوثات بأنواعها المختلفة، وذلك بفعل التوسع الصناعي والتقدم التكنولوجي وسوء استخدام الموارد والانفجار السكاني. فالإنسان إذن هو الذي يخترع، ويصنع ويستخدم. هل يمكن تصنيف أنواع البيئة؟ يوجد نوعان من البيئة: بيئة مادية، وتعني الهواء والماء والأرض، وبيئة بيولوجية ويقصد بها النباتات والحيوانات والإنسان. كما أن هناك تصنيفا آخر مرتبطا بالتطور الذي أحدثه الإنسان. ثم هناك بيئة طبيعية (الهواء والماء والأرض)، وبيئة اجتماعية: وهي مجموعة من القوانين والنظم التي تحكم العلاقات الداخلية بين المجموعات البشرية، وثمة أيضا بيئة صناعية، أي ما أقامه الإنسان من مدن وبواد. هل يعتبر التثقيف الصحي أحد الوسائل الناجعة لمواجهة مشاكل البيئة؟ وما هي المجهودات التي قمتم بها في هذا الباب؟ التثقيف الصحي وسيلة مهمة وضرورية لضمان جودة الحياة، ومفهوم شامل لا بد له من قنوات تتمثل في وسائل الإعلام، وهي وسيلة قوية من وسائل التعليم للنهوض بمستوى الصحة، بحيث يمكن تسخيرها لإزالة كافة الحواجز التنظيمية التي تعترض التثقيف في مجال الصحة، ومن هنا تأتي مبادرة كتابة الدولة في البيئة لخلق شبكة وطنية للمراسلين الصحفيين المهتمين بالبيئة، أو إحداث وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان لجائزة الحسن الثاني للبيئة. وقد عملت رفقة زملائي المراسلين في جهة أكاديرتزنيت وتارودانت على إنجاز مجموعة من الأنشطة التي تصب في هذا الاتجاه، بإنتاج برامج إذاعية ومقالات صحفية، فضلا عن الإشراف على تكريس مفهوم التربية البيئية بالمدارس التعليمية، لأن التعليم هو أكثر الوسائل تأثيرا وفاعلية، زيادة على الإعلام، لتشكيل وصياغة عالم الغد، وذلك من خلال بعض الأنشطة التي قمنا بها على سبيل المثال لا الحصر بكل من مدارس إخربان بالتمسية، ومدرسة أبي ذر الغفاري عبر تحميل التلاميذ مسؤولية رعاية نباتات مؤسستهم، وإقامة مساحات خضراء، ثم تشجير مرافقها، وذلك بالتعاون مع المكتب الوطني للمطارات بمطار المسيرة في إطار انفتاح هذه المؤسسة على محيطها البيئي والتربوي، أو من خلال تأطير بعض الأنشطة داخل جمعيات أو مؤسسات تعليمية كثانوية حمان الفطواكي في إطار برنامج سنوي غني بالأنشطة البيئية، ومن الأعمال التي نقوم بها أيضا مواجهة الأحداث والنقط السوداء التي تؤثر في البيئة عبر القنوات الجاري بها العمل. لماذا الاحتفال باليوم العالمي للبيئة؟ لقد غدا موضوع البيئة والمحافظة عليها يفرض نفسه بإلحاح على أبناء القرية الكونية (كوكب الأرض)، حيث تفاقمت الاختلالات البيئية بفعل التدهور المطرد للغطاء النباتي والغابوي، واتساع ظاهرة التصحر، والمخاطر المحدقة بالفرشة المائية، وزحف التصحر المستمر، فضلا عن اتساع ثقب الأوزون. مما يفجر أحاسيس الخوف والهلع للمشتغلين. وقد خصص يوم 5 يونيو يوما عالميا للبيئة، وما يرتبط بها من مجالات تؤهل لكسب رهان التنمية عبر المحافظة على البيئة. ولقد عرف المجال البيئي في السنوات الأخيرة تدهورا مخيفا، نتيجة لتأثير السياسة العامة للتنمية على المحيط البيئي الطبيعي، لذلك يجب تناول المسألة البيئية ضمن منظور شمولي يقارب الإشكالية في أبعادها المختلفة، عبر تفعيل ترسانة التشريعات، وإصدار قانون بيئي صارم، واتخاذ التدابير الوقائية للحفاظ على الثروات الطبيعية. عند الحديث عن القمم التي ناقشت مشاكل البيئة، تتبادر إلى ذهننا قمة جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا. هل هذه القمة هي القمة الوحيدة التي ناقشت مشكل البيئة؟ ليست تلك القمة الأولى من نوعها حول مشاكل البيئة والتنمية، بل سبقتها مؤتمرات أخرى كان أولها بستوكهولم سنة ,1972 وأفضت أشغالها إلى إحداث برنامج الأممالمتحدة للبيئة، كما أن هناك برتوكول مونتريال، الذي يحظر بعض الموارد التي تؤثر سلبا على طبقة الأوزون. وفي سنة 1987 تم التوقيع على معاهدة فينيا من أجل حماية طبقة الأوزون، ونشر تقرير لجنة برونت لاند (اللجنة الدولية للبيئة والتنمية)، والذي كان يحمل عنوان مستقبلنا كلنا، وقد كرس مفهوم التنمية المستدامة. وكانت سنة 1992 الموعد مع قمة الأرض في ريو دي جانيرو (البرازيل)، وقد انتهت بإصدار إعلان ريو الذي أكد على حماية البيئة ومكافحة الفقر، كما اتفقت البلدان المشاركة على برنامج عمل يخص القرن الحادي والعشرين، أطلق عليه اسم أجندة ,21 ويضم 2500 توصية، وقد تم تعريف التنمية المستدامة بأنها «تنمية تستجيب لمتطلبات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال القادمة على تلبية متطلباتهم». إذن كيف تنظرون إلى حال بيئتنا في المغرب؟ في نظري هناك مشاكلان يحتلان الأولوية: أولا مشكل النفايات، بحيث ينتج كل مغربي 0,75 كيلوغرام من النفايات المنزلية يوميا، ومن جهة أخرى ينتج المغرب 100 طن من النفايات الطببة، وتكلفه معالجة النفايات السائلة 14,5 مليار درهم. ثانيا، مشكل استنزاف الموارد المائية، إذ يقدر الخبراء الطلب المائي في أفق 2020 ب 1165 مليون متر مكعب: 90 مليون متر مكعب من الماء الصالح للشرب و1075 مليون متر مكعب لسقي 150 ألف هكتار، في وقت تحتوي فيه المنطقة على مياه سطحية محدودة الكمية، حيث يبلغ المتوسط 635 مليون متر مكعب في السنة. هل من كلمة أخيرة؟ عندما تنظر إلى خريطة المغرب البيئية تجد أن كلمة بيئة كلمة مضادة وليست مرادفة للراحة، فالراحة معناها ألا يكون هناك إجهاد للحواس، وعندئذ يمكننا وصف البيئة بأنها مريحة. أتمنى أن نصل إلى هذا الإحساس. حوار: محمد بنيج