مهان إسم مفعول لفعل " أهان" والمهان هنا ضمير تنموي مستتر منصوب عليه تقديره المهندس.... والإهانة وإن لم تكن عامة بين عموم المهندسين فإنه وفي ظل واقع مترد ونظام أساسي متجاوز وجائر لم تراجع بنوده الأساسية منذ ما يربو عن ربع قرن مشكلا بذلك استثناء صارخا دوناً عن باقي الأنظمة الأساسية لباقي الوظائف والأسلاك، أصبحت تطال وإن بدرجات متفاوتة فئة هامة من المهندسين. إلى هاته الفئة من المهندسين التي أضناها طول انتظار تحسين أوضاعها المادية والمهنية اكتب هذه الخاطرة .......... ومن سواها التي تخال نفسها غير معنية و نخبة فوق شبهة الإهانات أطلب الصفح والتفهم والمعذرة.... أعتذر إذاً لكل الذين سمحت لهم ظروفهم المادية وأنسابهم الراسخة في الجاه والسلطة أن يلجوا مدارس ومعاهد التكوين الهند سي داخل الوطن وخارجه بواجبات شهرية قد تساوي ضعف أو أضعاف راتب المهندس المبتدإ بالوظيفة العمومية..... أعتذر للذين ولجوا معاهد و مدارس المهندسين الوطنية بمكالمة هاتفية أو محابات مجانية في حين صدت أبوابها في وجوه نوابغ أبناء الشعب بحجة محدودية المقاعد..... أعتذر للذين ظلت المناصب العليا في دواليب المؤسسات العمومية والخاصة وكذا المكاتب الفارهة والمكيفة شاغرة في انتظار استكمال تكوينهم الهندسي في حين ظلت طوابير خريجي اعتي المعاهد والكفاءات من أبناء الشعب ترابط قبالة البرلمان في انتظار منصب براتب زهيد قد يأتي أو لا يأتي أو اضطرت في النهاية الى مغادرة الوطن بحثاً عن حضن يؤويها ويثمن قدراتها....... وأعتذر للذين وجدوا حرجاً حتى في حمل شارة الاحتجاج الحمراء ليوم 11 نونبر المنصرم لأنهم لم يضطروا للإحتجاج يوما مادام النسب في هذا البلد يغني عن السؤال وما دامت المناصب تورث كما تورث الثروات التي راكمها ناهبو خيرات هذا الوطن في غفلة من مصلحي هذا الوطن أو المنشغلين في تعزيز توابت الوطن وتقديم التضحيات تلو التضحيات من أجل عزة وسؤدد الوطن.... أعتذر للدين لا يتقنون حتى لغة الوطن الرسمية واللذين يكدسون أرصدتهم بالبنوك السويسرية واللذين يتهافتون على تكديس العقارات بالمنتجعات الوطنية والأجنبية لكون الوطن لا يعدو بالنسبة لهم هوية يدلون بها عند الاقتضاء...... لكل هؤلاء الذين لا يعدون لحسن الحظ أن يكونوا استثناء أعتذر...... وأكرر الإعتذار أما الإهانة التي أعتقد أنها تلازم السواد الأعظم من المهندسين في هذا البلد فتتعدد تجلياتها بتعدد أسبابها وتختلف حدتها باختلاف العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والمهنية المصاحبة لها.... فأنت كمهندس عندما تضطر للاقتراض لسد حاجياتك الدنيا لهزالة راتبك الشهري بعد أكثر من عقد أو عقدين من الزمن في العمل المضني تشعر بالاهانة...... وعندما تعجز عن السفر مع عائلتك لزيارة أماكن طالما حلمت بزيارتها منذ الطفولة أو عن شراء سيارة مستعملة تغنيك عن صخب وسائل النقل العمومية فأنت مهان لامحالة..... وعندما تضطرك ظروفك المادية للبحث عن منزل للكراء في حي شعبي أمام ذهول وحيرة جيرانك ومعارفك وتفضل ركوب الحافلة على سيارة الأجرة رغم أنك في عيون المجتمع من نخبة نخبه فذلك لون آخر من الإهانة ............. وعندما تؤرقك الحسابات بحلول مناسبات رسمية على قلتها كالدخول المدرسي أوعيد الأضحى أو مناسبات طارئة كمرض قريب أو زفاف صديق أو سفر اضطراري فتلك قمة الإهانة......... وعندما يقال لك بأنك عماد التنمية وركنها الأساسي في هذا البلد فأنت الذي صممت وبنيت السدود والموانئ والطرقات والمنشآت المهيكلة التي تملأ أرجاء البلد وأنك المعول عليه في إنجاح مخطط المغرب الأخضر.....لكنك عند المناسبات والمكافآت تغيب عن الواجهة لا فتقارك ربما حتى لهندام يليق بالحدث فتلك لامحالة إهانة...... عندما توضع في وجهك كل عقبات الدنيا وعراقيلها لتلج مدرسة أو معهداً للمهندسين وتسهر الليالي الطوال للحصول على الشهادة وعندما تعمل ( إذا كنت محظوظا) يوكل اليك بأعمال لا تمت لتكوينك بصلة وتقتصر في مجملها على كتابة الرسائل أو الفاكسات ويرأسك من كانوا يرون فيك القدوة في دراستك ويتوددون ويتقربون إليك لتساعدهم في إنجاز التمارين العلمية المستعصية وهم يتنبئون لك بمستقبل قلما يحلمون به...فأنت لاشك تحس بالإهانة....... وعندما تضطر بعد عقد أو أكثر من العمل الى عد السنوات تلو السنوات ترقبا للترقية تضيف بعض المئات من الدراهم لراتبك المتواضع استبقتها ربما ببعض المشاريع المتواضعة ولما تتوفر فيك الشروط النظرية للترفي يقال لك بكل جرأة وشماتة بأن الكوطا (أي %11 كحصيص مالي للترقي عن طريق الاختيار) قد استنفدت بالكامل منذ سنين لأن عملية التوظيف قد توقفت نهائيا أو تكاد وتجديد الحصيص والحصول على إمكانيات جديدة للترقي أصبحت مستحيلة في ظل شروط النظام الحالي وأن هناك من سبقك بسنوات ولازال ينتظر وسيضطر الجميع للإنتظار لسنين طويلة أخرى أو إلى الأبد إن لم يراجع القانون الأساسي للمهندسين فأنت تصاب بالإحباط قبل الإهانة........ وعندما يجعلك وضعك المادي والمهني تلعن اليوم الذي فكرت فيه ولوج التكوين الهندسي لنبوغك المبكر وتميزك اللافت بدل اختيار طريق سهل وقصير ومضمون مادام نظامك الأساسي لا يغنيك حتى عن أساسيات الحياة ويصادر المعنيون بالأمر حقك حتى في مناقشة مشروع مراجعته وتحيينه مع الدوائر المعنية فتلك إهانة ما بعدها إهانة..... (*) مهان دس زراعي/ القصر الكبير [email protected] mailto:[email protected]