الجزء الثاني عندما تطرقت في موضوع سابق لإهانة المهندس عاتبني بعض الأصدقاء الذين وجدوا أن كلمة إهانة مستفزة كثيرا وتخلو من البلاغة طالبين مني تعريف المهان وحيثيات الإهانة... لهؤلاء أجدد أن المهان إسم مفعول لفعل " أهان" والمهان المقصود هنا ضمير حي تنموي مستتر منصوب عليه تقديره المهندس.... والإهانة وإن لم تكن لتصيب هؤلاء المهندسين اللائمين والمستفزين (بفتح الفاء) فإنه وفي ظل واقع مترد ونظام أساسي متجاوز وجائر لم تراجع بنوده الأساسية منذ ما يربو عن ربع قرن مشكلا بذلك استثناء صارخا دوناً عن باقي الأنظمة الأساسية لباقي الوظائف والأسلاك، أصبحت تطال وإن بدرجات متفاوتة فئة هامة من المهندسين. إلى هاته الفئة إذا من المهندسين التي أضناها طول انتظار تحسين أوضاعها المادية والمهنية اكتب هذه الخاطرة .......... ومن سواها التي تخال نفسها غير معنية و نخبة فوق شبهة الإهانات أجدد طلب الصفح والتفهم والمعذرة.... إننا كمهندسين عندما نضطر بعد عقد أو أكثر من العمل المضني إلى عد السنوات تلو السنوات ترقبا للترقية تضيف بعض المئات من الدراهم لراتبنا الهزيل ولما تتوفر فينا الشروط النظرية للترفي يقال لنا بكل جرأة وشماتة بأن الكوطا (أي %33 كحصيص مالي للترقي عن طريق الاختيار) قد استنفدت بالكامل منذ سنين لأن عملية التوظيف قد توقفت نهائيا أو تكاد وتجديد الحصيص والحصول على إمكانيات جديدة للترقي أصبحت مستحيلة في ظل شروط النظام الحالي وأننا سنضطر للانتظار لسنين طويلة أخرى أو إلى الأبد إن لم يراجع القانون الأساسي للمهندسين فتلكم قمة الإهانة........ وعندما نجد كمهندسين نفسنا ممثلين برأسين متناحرين ونحن الدين نأمل أن يرى نظامنا الأساسي النور لينصفنا بعدما جعلنا وضعنا المادي والمهني نلعن اليوم الذي فكرنا فيه ولوج مدارس التكوين الهندسي لنبوغنا المبكر وتميزنا اللافت بدل سلك طريق سهل وقصير ومضمون مادام نظامنا الأساسي لا يغنينا حتى عن أساسيات الحياة ويصادر المعنيون بالأمر حقنا حتى في وحدة الصف والصوت لبلوغ الوطر, فتلك إهانة ما بعدها إهانة لكن قد يسأل سائل، ما سبب كل والتردي الغير المسبوق الذي تعيشه الهندسة الوطنبة حاليا؟ وأين كان المهندس ومن كان يمثل المهندس حتى يستفيق على هذا الوضع الكارثي؟ في رأيي المتواضع والدي قد يجده الكثير متشائما أو إلى حد ما مستفزا، يوجد الخلل في كوننا كنا وما زلنا نحن المهندسين ساذجين ونصدق كل ما قيل لنا ......... قيل لنا أن سبب تعاسة المهندس وتردي أوضاعه المهنية والمالية والاجتماعية وانحطاط مستواه في بورصة المهن هو مكتب الإتحاد الوطني للمهندسين المغاربة القديم الذي انساق أعضاؤه وراء مصالح شخصية وتواطئات مصلحية ضاربين مصلحة المهندس عرض الحائط ...فصدقنا . قيل لنا أن انبعاث قيمة المهندس رهين بمؤتمر يجدد الدماء في شرايين هذا الإتحاد ويقطع بغير رجعة مع ممارسة شيوخ المكتب القديم الذين استعملوا المهندس مطية لكسب ود الدوائر الرسمية وانتزاع مناصب وقضاء مآرب تتماشى مع طموحاتهم اللامحدودة.......فصدقنا قيل لنا أن التفكير في عقد هذا المؤتمر مرده الغيرة المطلقة والا مشروطة على المهندس لا غير وأنه من المجحف ربطه بحسابات أو إملاءات سياسية أو نقابية من أي جهة كانت .........فصدقنا قيل لنا أن الذين فكروا في خلق نقابة هندسية هم خوارج بل خونة لا تعنيهم مصلحة المهندس في شيء ماداموا ينشدون التفرقة، وأن غايتهم لاتعدوا أن تكون نزوات شخصية وآفاق مصلحية ....فصدقنا أو كدنا أن نصدق. قيل لنا أن الحضور المكثف لليوم الموعود لانتخاب الطاقم المنقذ سيعيد الإشعاع للمهندس المغربي وسيؤدي الى استرداد مكانته الإجتماعية في ظرف قياسي...فصدقنا وحضرنا وهتفنا وصفقنا وزغردنا . قيل لنا بعد حبك كل السيناريوهات وإسدال الستار على الانتخابات أن النصر تاريخي بكل المقاييس وأن الطاقم الجديد بتنوع أطيافه السياسية والنقابية جدير بالثقة وأن مجرد الشك في نزاهته وقدرته على رفع صوت المهندس مدويا وعلى فرض نظام أساسي للمهنة جدير بها وجديرة به، يعتبر جريمة لاتغتفر ....، فصدقنا وامتثلنا . قيل لنا أن مشروع هذا النظام جاهز ولن يخضع إلا لرتوشات أخيرة قبل عرضه في أيام قليلة على الحكومة بعد انتخاب هياكل الإتحاد من قبل الصفوة المنبثقة عن المؤتمر، وأن فرضه على الدوائر المعنية هو رهان مربوح مسبقا بكل الضمانات ....فصدقنا وحلمنا. قيل لنا أن الوزير الأول قد استقبل وفد الإتحاد وأبدى تفهمه المطلق لمطالب المهندسين وعزمه الحثيث لإحقاق الحق مادام المهندس وراء كل الأوراش المفتوحة على طول وعرض البلاد...فصدقنا وافتخرنا. قيل لنا أن المشروع قد وضع لدى الوزارة الأولى وأن هده الأخيرة أحالته على الوزارات المعنية لإبداء الرأي وأن البث فيه هي مسألة أيام أو أسابيع قليلة وأن القلق غير مبرر البتة....فصدقنا قيل لنا بعد ذلك أن كل الوزارات تفهمت المطالب بل أبدت استعدادها لاستقبال مكتب الإتحاد إلا وزارة المالية في شخص وزيرها المتعنت، وأن الإتحاد لا يعرف للاحباط طريقا وأنه سيكون صارما وسيفرض الحوار اللامشروط في الأيام التي تلي ....فصدقنا وانتظرنا قيل لنا بعد انتظار طال أمده أن صبر الإتحاد قد نفذ وأنه عازم على تسطير برنامج نضالي صارم يرغم الحكومة على الرضوخ للحوار بشكل استعجالي ....فصدقنا وتعبئنا. قيل لنا أنه بعد اجتماع هياكل الإتحاد المسؤولة تقرر بشكل مسؤول وسلمي، حمل شارة الاحتجاج تسبقها حملات تحسيسية جهوية واسعة ترعب من يهمه الأمر وتجعله يجنح للحوار آجلا....فاستغربنا للطرح مادامت الحكومة لاتحاور حتى من يعتصم ويرابط قبالة البرلمان لكننا... صدقنا وامتثلنا. قيل لنا أن التجمع التاريخي الحاشد والمدعوم من قبل أعتى النقابات الوطنية ليوم السبت المعلوم بالرباط لن يترك للحكومة فرصة للتنفس ولا مهلة للتفكير ولن تتأخر في طلب الصفح من المهندسين والإستجابة الفورية لكل مطالبهم مع الاعتذار عن التأخر ... فترددنا في التصديق لكننا في الأخير ....صدقنا وصفقنا طويلا. قيل لنا أن الإتحاد قرر أن يكون هذه المرة أكثر جرأة وأنه قرر بعد استشارة كل هياكله خوض إضراب وطني يوم 11 فبراير 2010 وأن التعبئة له واجب تاريخي رغم أن كل المؤشرات تصب في كون أن الملف سيجد الحل النهائي قبل هذا التاريخ...فشككنا طويلا لكننا صدقنا مضطرين . قيل لنا وبشكل مفاجئ أن الإضراب قد علق بعد وعد الحكومة بفتح حوار جدي يوم 2 مارس 2010 وكأن الحوارات التي سبقت كانت للضحك على الدقون فقط. ضحكنا بدورنا كثيرا وترددنا في التصديق كثيرا لكننا لم نجد بدا من التصديق. قيل لنا أن الانصياع وراء " خصوم وحدة المهندس" في إضراب 17 فبراير 2010 سيضعف موقف الإتحاد ويعتبر من الكبائر وخيانة العهد....صدق الكثير منا وانتظروا يوم الفصل. جاء يوم 2 مارس بعد ترقب غير مسبوق وتهاطلت الرنات على هواتف الوفد المفاوض المقفولة وتصفحنا بوابة الإتحاد رغبة منا في معرفة مآل الحوار عشية 2 مارس وطيلة يوم 3 مارس لكننا لم نجد وبخط أزرق كزرقة تلكم القرارات غير بلاغ إلغاء الإضراب "التاريخي"... فأقسمنا " أو هكذا يخل لي" أننا لن نصدق أحدا بعد اليوم. طالعنا البلاغ أخيرا يوم 4 مارس لكننا لم نجد فيه ما يشفي الغليل حيث كان انشائيا حتى النخاع و تحاشى الكلام عن أي اجراء ملموس في حالة عدم وفاء الحكومة بالتزامها الموعود لتسوية الملف في نهاية شهر ماي المقبل ....فكرنا مليا وطويلا ولم نجد بدا فصدقنا مكرهين.....وقلنا حسبنا الله ونعم الوكيل. (*) مهان دس زراعي/ القصر الكبير