على هامش الدورة ال25 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف كنت أتوقع أن يحظى موضوع "الحق في المدينة كحق من حقوق الإنسان" باهتمام واجب من لدن الفاعلين الحقوقيين و مجموع المدنيين الذين أتوا يمثلون مختلف دول العالم في الدورة ال25 لمجلس حقوق الإنسان بقصر الأممالمتحدة بجنيف، خاصة و أن كل العناوين التي أثثت هذه الدورة (والتي يفوق عددها 140 موضوع) لها علاقة وطيدة بالقضايا المدنية و التمدن و الايكولوجية و التنمية، و بالحق في السكن اللائق و نظام الرعاية الاجتماعية و الأمن الغذائي و حقوق فقراء الحضر، و باقي الحقوق الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية الأخرى. إن ما يؤكد قولنا هذا، هو الدعوة الملحة للأمم المتحدة في كل مناسبة، إلى تصميم و تنفيذ سياسات الإسكان و السياسات ذات الصلة و النهوض بجميع الحقوق بما فيها حق الأشخاص الذين لا مأوى لهم، و الدعوة لاتخاذ كل التدابير لمكافحة المضاربة العقارية و اعتماد إستراتيجية التخطيط الحضري الشامل لجميع سكان المدينة، و اعتماد التدابير اللازمة لتنظيم سوق التمويل السكني و المؤسسات المالية العاملة في هذا المجال. و لعل الحق في التنمية يعني في عمقه ما يعني من تعزيز و حماية جميع حقوق الإنسان، و من تصدي للاستبعاد الاجتماعي و الهشاشة و الفقر و بناء فضاءات اجتماعية توفر للساكنة الراحة و تقيهم شر الخوف من عمليات الإخلاء القسري، و من المضايقات و التهديدات، و توفر لهم الحماية القانونية الواجبة و ضمان اجتماعي كفيل باحترام الكرامة الإنسانية. مجلس حقوق الإنسان في دورته الخامسة و العشرون، استحضر كذلك جيل جديد من الحقوق المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، انه الحق في التمتع ببيئة آمنة و نظيفة و صحية و مستدامة، و توفير تدابير لحماية الحق في الحياة من خطر التلوث البيئي. و في العديد من المناسبات، تواصل تقارير مجلس حقوق الإنسان تسليط الضوء على حرية الدين و الحقوق الثقافية، و حرية التعبير، و الحق في التكوين و التعليم و عدم التمييز، و ذلك من أجل تعزيز الحريات الأساسية و حقوق الإنسان. و انطلاقا من الديناميات الاجتماعية التي باتت تشهدها المدينة في علاقتها بجميع الأشكال الحضرية، و انطلاقا من توقعات الأممالمتحدة المتعلقة بالتمدن و التي تشير إلى كون سكان المدن سيحتلون في السنوات القادمة ما يقرب 86% من العالم الحضري في الدول المتقدمة و 67% في الدول النامية، و بأن عدد المتمدنين سيصبح في أفق 2050، 7 على 10، فإن موضوع السياسة المتعلقة بانجاز و توزيع السكن، بات يتطلب سياسة سكنية ناجعة تقوم على الشفافية في الانجاز و التوزيع، و إدراج المدينة ضمن السمات المميزة للعالم الجديد، و العمل على دمجها في نسق متكامل و متناسق مع الهيئات المنفدة للسياسات العمومية. إن مجالات التعمير و التعليم و الصحة و النقل و البنوك و المصارف و الصناعة و التكنولوجيا.. باتت اليوم في علاقة و طيدة بالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية لآي بلد. و عليه، فإن وضع استراتيجيات تخص هده الميادين لا يمكن لها أن تنتعش إلا إذا استحضرنا المدينة كأنماط من الحياة الاجتماعية المختلفة جذريا عن أنماط التغير الجاهزة، الممكنة منها و المرغوب فيها. إن قيمة المساواة و أهميتها، حملت العديد من المدن التاريخية على النضال الدؤوب من أجل العدالة الاجتماعية. والاهتمام اليوم بسياسات المدينة و الحق في المدينة، يعد من الاستراتيجيات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لتجاوز الفقر و الهشاشة و الضياع. نعم، إن الفقر ظاهرة منتشرة في كافة بلدان العالم، لكن القضاء عليه بات ضرورة ملحة و آنية تستوجب التدخل السريع لكافة المتدخلين و الفاعلين المعنيين. و لعل ما يبهرنا اليوم، هو اهتمام المجتمع المدني عبر العالم بالحق في المدينة، و بكافة الحقوق في شراكة و تكامل بين الفاعلين الأساسيين و القائمين على شؤون المدينة. إن المدينة اليوم هي العيش المشترك بين سكانها، و هي إدماجهم في مجتمعهم عن طريق الحقوق و الواجبات، لان اللامساوات كما يقول غيدز- رائد نظرية الاستبعاد الاجتماعي - هي الحرمان و الإقصاء من المشاركة في تدبير الشأن العام. و في الختام، نتمنى – مستقبلا - إدراج هذه الرؤية للتفكير و الاقتراح و التعاون، من أجل جعل المدينة جزء لا يتجزء من الاستراتيجية الوطنية للنهوض بحقوق الإنسان، خاصة و أن النمو الحضري شكل في الآونة الأخيرة تحدي كبير للدولة المغربية. فمع انتشار أحزمة الفقر في هوامش المدن الكبرى و المتوسطة، و ما صاحب ذلك من بطالة و جريمة و تهميش و إقصاء للعديد من الفئات الاجتماعية، بات لا بد من وجوب تبني ديمقراطية حقيقية تقوم عليها السياسة السكنية، تحث على ضرورة التعاطي مع مقاربات جديدة للحد من الاختلالات و التفاوتات المفرطة بين القرى و المدن و ما يترتب عنها من استبعاد اجتماعي و إهدار للرأسمال البشري الذي يعتبر ثروة حقيقية للمغرب من جهة، و من جهة أخرى إقرار سياسة إدماجية و تشاركية، تعتمد على مبادئ الحكامة الجيدة و الشفافية و التشاور مع كافة الفرقاء المؤسساتيين و المنتخبين و كل الفاعلين في مجال التنمية الحضرية. - رئيس المنتدى الوطني للمدينة وعضو المكتب الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان