شردت بي قدماي ذات مساء نحو حي القصدير ببني مكادة و لم أكن قد تجاوزت السابعة عشرة من عمري , انطلق النداء من داخلي ملحاحا يدعوني لاكتشاف عالم الحياة تحت سقف قصديري. أهي الرغبة في التكيف مع الذات الأخرى أم هو الحنين إلى عدالة ضائعة في غياهب نظام إجتماعي منحني السكن في بيت من طوب وحجر وألقى بصديقي يوسف في البرارك ( مدن القصدير ) .. كان يوسف يدعوني لزيارة حيه بخجل شديد.. لم يكن يخفي فقره وغياب التلفزيون عن كوخ أهله لكنه كان يشيد ويفتخر بسلطة إخوانه وأسرته بالحي ولطالما أطنب في وصف بطولاتهم ومعاركهم مع الأغراب .. كان يوسف يريدني أن أتعرف على رجل يدعى المختار وهو صاحب دكان للبقالة يأوي ثلة من الشباب الملتحين من أتباع أحد الطرق الدينية. "" دخلت الحي من الجهة الجنوبية في اتجاه دكان السيد المختار.. كنت أتحسس طريقي وألف سؤال يطرق نفسي .. " لماذا يحكم على هؤلاء العيش في هذه الأكواخ ؟ وكيف نسمح لأنفسنا بأن نتمتع ببيوت ومدفئات وتلفزيونات ونحن نعلم أن وراء هضاب هذه المدينة المتلونة يعيش شعب آخر يتكلم لغتنا ويشاطرنا السماء والشمس والهواء فقط .. الله لا يمكن أن يكون ظالما .. فقد حرم الظلم على نفسه وحرمه على عباده.. فمن الظالم إذن ..؟ وكيف ومتى وأين تفرق الأرزاق ؟ كيف أدعي أن يوسف صديقي وأنا أعلم أنه ينام في نفس الغرفة هو وتسعة من أفراد عائلته .. أي بطش هذا الذي مزق الحلم واغتال فرصة الحياة وشوه الحقيقة ؟ " - السلام عليكم - وعليكم السلام ورحمة الله .. شني حب الخاطر آ ولدي؟ - أنا محمد سعيد .. الصديق د يوسف .. - آه أهلا وسهلا ..شحال عاودلي عليك .. قالي لغتك العربية ممتازة ..وكتحب البحث .. والأدب والشعر الله يهديك وصافي - شويش ( قليلا ).. يوسف كيبالغ آ عمي المختار .. يا انتينا هو المختار - نعم أنا هو وباينة فيك فاطن .. دخل دخل تفضل.. هذا محمد وهذا الفقيه عبد الواحد وهذا أحمد حتا هو تلميذ ممتاز من ثانوية ابن الخطيب .. والباقي ماجيين فالطريق - وشني كتعملو هنايا ( هنا ) .. سمح إلى اسألتك ؟ - كل الخير .. كنذكرو إسم الله .. وكنبهو الشباب فحالك للطريق المستقيم .. وكنعلموهم كيفاش هما ينبهو غيرهم لطريق الحق .. تماما كيف بدا الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة ديالو فمكة .. - ولكن .. - جلس .. وسمع وغاتفهم .. - واش ممكن نسألك .. - يا أخي .. اجلس أولا .. ومن بعد آرا ما نتسأل أحسست أنني مجبر على الجلوس .. كان المكان ضيقا وقليل الإنارة تفوح من جنباته رائحة العطور والطيب ممزوجة برائحة الزيت والصابون وباقي بضائع البقالة.. كان الكل يرتدي أثواب بيضاء كتلك التي يلبسها أهل الخليج ويضعون فوق رؤوسهم طواقي بيضاء بينما تزين وجوههم لحى خفيفة باستثناء السيد المختار الذي كان كثيف اللحية وقد تناثرت في أطرافها بعض الزغيبات البيضاء .. كان يضع كحلا بعينيه بينما بدت أسنانه بيضاء ناصعة من فرض السواك والتخليل. لاحظت حركة غير عادية خارج باب الدكان فحاولت استطلاع الأمر لكن أحد الحاضرين طلب مني الجلوس في مكاني إلى حين عودة السيد المختار.. أحسست أن الإنضباط هو أهم شرط لحضور هذه اللقاءات و فجأة التقط سمعي صوت يوسف وهو يتحدث بالخارج مع السيد المختار.. تجولت ببصري في أرجاء المكان فلم أجد ما يوحي بأن المجموعة تمارس نشاطا مخالفا للقانون .. ثم سالت نفسي عن جدوى وجودي هنا .. لقد جئت فقط لسؤال العم المختار عن سبب تحريمه لفن الرسم.. فما الذي لجلوسي وانضباطي إذن.. دخل السيد المختار وبدأ كلامه بوصف المنكر والتبرج المتفشي في المجتمع متهما النظام بالتقصير في فرض الحجاب والحكم بما أنزل الله .. حاولت سؤاله عدة مرات .. لكنه كان يمنعني من مقاطعته كل مرة.. - يا أخي المختار .. ملي جيت وأنا باغي نسألك سؤال واحد وانتينا كتمنعني.. شنو السبب ؟ - السبب هو أنني كنعرف الأسئلة ديالك كاملة قبل ما تطرحها.. وهادو لي كاتشوف قدامك كلهم كانو كيسألو وفالأخير فهمو بلي الحكمة فالسكوت والإنصات - ولكن أنا ما جيتشي باش نسمع ونسكوت .. أنا كنبغي نعرف ونسأل ونفهم .. ويلا ما قنعتينيشي ماش نختلف معاك - باش ماش نقنعك آولدي ؟ بغيتيني نقنعك بلي الإسلام هو دين الحق - علاش الديانات التانية ماشي ديانات د الحق .. ياك حتى هي من عند الله .. - ولكن الإسلام هو ختامها ومسكها .. - أكيد ..أنا قريت فالقرآن بأن الدين عند الله الإسلام - إيوا شفتي .. وما دونه فهو كفر - علاش .. علاش .. ؟! سيدنا موسى ماكانشي كافر .. وسيدنا عيسى ماكانشي كافر .. كلهم كانو مرسلين من عند الله تعالى - دابا نتينا ماجي باش تعلمني أو باش تتعلم .. ؟؟ - حاشا آ السي المختار .. أنا جيت حيت صاحبي يوسف قالي بلي انت خبرتيه بأن الرسم حرام وملي اختلفت معاه قالي نجي عندك باش تفسرلي علاش الرسم حرام ..؟ ولكن باين بلي ما عندكشي الخاطر باش تسمع كلامي .. نمشي فحالي حسن لي - ما تقلقشي آ ولدي نتينا باقي صغير .. وخصك تسمع بزاف وتقلل من السؤال والمجادلة - شمن مجادلة وشمن حريرة .. آ الشريف .. أنا أكثر حاجة كنكرهها فالمدرسة هي القمع . جاوبني على السؤال ديالي علاش قولتي ليوسف الرسم حرام ؟ شنو هو الدليل ديالك ؟ - إيوا سمعني مزيان .. إلا رسمتي أحسن أنك ترسم الجماد .. كل حاجة فيها الحياة حرام ترسمها - ولكن أنا كل مرة كنرسم وجه من الوجوه كنحس بالضعف أمام الله والقدرة ديالو العظيمة .. وكل مرة كنرسم حيوان إلا وكنعترف بعظمة الخالق .. علاش ماش يكون هادشي حرام .. الرسم هو نوع من أنواع التدبر فقدرة الله - انتينا باقي صغير .. وما يمكلكشي تهضر فالحلال والحرام هذا أمر خاص بالفقهاء والعلماء .. - شفتي .. ما قادرشي تناقشني .. وأنا ماشي صغير السي المختار أنا عمري 17 سنة .. وزيدون انتينا إلي كتكلم على التبرج .. واش معقول أن النسا يغطيو راسهوم والرجال ماشيين فالشارع كيف ما بغاو .. إلى بغيت تمنع التبرج خصك تمنعو على الرجال والنسا .. وزيدون كلامك كولو ما دخليشي فراسي .. أنا جيت باش نشوف صاحبي ونسمع منك جواب واحد وباينة ما عندكشي - ساليتي .. كملتي كلامك ..؟ - صافي .. تفضل - خرج عليا من حانوتي وما باقيشي نشوف كمارتك هنا .. انت إنسان ملحد.. باين فيك متأثر بديك الجماعة ديال الإشتراكيين الكفرة بالله من ثانوية ابن الخطيب - شوف .. جيتني راجل كبر مني فالسن ما غانجاوبكشي ولكن راك غير كتخور.. - يوسف خرج عليا هاد وجه الشيطان ولا ماش نعمل فيه شي موصيبة - الخروج ديالي ماشي هو الحل .. أنا وخا كتقول عليا صغير عقلي كبير وكنفهم التعاليم الدينية احسن منك .. ويلا كنت فعلا متيقن من كلامك ومن الحجج ديالك آجي عندنا للقسم مع السي التارجيستي وحاول تقنعو وحاول تقنع التلاميذ بلي الرسم حرام والشعر حرام والرياضة حرام .. وانتوما آالشريف أكثر من الديكتاتورين..انتوما الله يحفظ شي نهار تقولولنا التلفزيون حرام - كتهضر على الحل آ البزبوز وكأنك شي حاجة كبيرة..راه كلمة لاإلاه إلا الله هي العليا - عرفتي شنو .. أنا غلطت لي جيت لعندك..ولكن يوسف هو لي حصلني - لا آ خاي سعيد حشوما عليك الرجل كبر منك وعالم فالدين - عالم فالخ ... حشا الحاضرين .. العلماء خصهوم يكونو متفتحين.. هاذ خيينا كيمارس الدين بحال تابقالت.. المهم آخاي يوسف .. خليني نمشي فحالي راني ملي دخلت لعند هاد بنادم قلبي تقبط.. هاذ البشر كيكره الناس في الدين - وغير برد آخاي سعيد راه الفقيه المختار راجل مزيان والشباب بزاف كيحبوه وحتى الشيخ الكبير كيقدرو - المهم أنا نازل لعلي باي .. يا الله تمشي معايا نلعبو شي بارتيدو ( مقابلة ) قبل ما يطيح الليل - لا .. غير مشي أنا ماش نبقى باش نسمع الدرس مع السي المختار - وخليك مع هاذ الكلاخ .. ظل ذلك اليوم علامة فارقة في حياتي ولم أتمكن بعده من تأمل أو تدبر أي خطاب ديني غير مبني على أسس معرفية صلبة .. لقد كان وقوفي عند محطة هذا العالم المزيف أول وآخر فرصة لرجال الدين بالمغرب ليقنعوني بأن نضالهم هو من أجل فكرة واضحة تتجاوز شعار لاإلاه إلا الله لكنهم فشلوا في فعل ذلك..وكم تمنيت أن يكون خطاب السيد المختار أكثر براجماتية وعقلانية وتمنيت لو أنه طرح حججا وأدلة يقبلها العقل قبل القلب لكنه لم يفعل .. كم أبعدني ذلك الحادث عن الصلاة وكم فرق بيني وبين التقيد بتعاليم الدين فبت أرسم بشراهة ليس حبا في الرسم فقط ولكن عنادا وتحديا لذلك المفهوم الذي اخترعه علماء الدجل والتحريف .. كم لعنت ذلك الرجل في خلوتي فبسببه انفرط ذلك الخيط الفطري بين وبين مكتبة والدي والتي كانت تضم صحيح البخاري ومسلم وموطأ الإمام مالك وكتب خالد محمد خالد وعلى رأسها " خلفاء الرسول " و " رجال حول الرسول " خاصمت الدين بكل طقوسه وبدأت أستفسر طروحات أكثر عقلانية من خطاب لاهوتي على لسان أناس يعبثون به دون علم أو فقه. أحمد الله اليوم أنني لم أبالغ في تطرفي نحو العقل ولم أشرك بربي أحدا لكنني أتأسف لذلك اللقاء الذي قدم لي الدعوة الإسلامية مشوهة وساذجة و مانعة لفعل العقل .. ولم يكن لي من بديل سوى ذلك الدين الرسمي الذي تقدمه الإذاعة والتلفزة المغربية ويا ويلكم من فظائعه وفتاويه فهذا يقضي حلقة الدين في وصف مبطلات الوضوء وآخر يفتتح اللقاء بمقدمة تضم شتى أنواع النفاق والكذب والتحايل على عقول العامة .. أحسست أن الله حاضر في أعماقي في طاعة الوالدين وصلة الرحم وتجنب الكذب وتحاشي النفاق والإحسان ومساعدة المعوزين وجدته تعالى في خلوتي قبيل الإمتحانات وعند الضر والحزن. فظل الدين سرا أخفيه عمدا وتحديا ضد من نصبوا أنفسهم باسم الدولة أوصياء على المعتقد وضد من وجدوا في التطرف والعنف اللفظي باسم الدين أسهل السبل لإدراك أهدافهم ومراميهم. ولم تكن صدفة أن أسأل عن موقع الدين في تاريخ بلادي .. مدققا في سلوكيات شعبي وتناقضاته.. فباسم الشرف وباسم الدين يضيق الخناق على المرأة الأخت وبنت العم وبنت الخال وباسم الرجولة نستعرض فحلوتنا على أخت الآخر وابنة عمه وابنة خاله .. فأين الدين ؟! واين تعاليمه ؟! ثم قيل لي إحذر ما تقرأ .. وانتقي من الكتب أجودها .. فوقفت عند مفترق الطرق في حيرة من أمري تائها شاردا أبحث عن جزء من حقيقة ضائعة ما زلت إلى اليوم أبحث عنها .. وكم يحن قلبي لذلك الطفل الصغير الذي كان يحفظ القرآن مع أقرانه في المسيد غير آبه بترجمات الفقهاء وصراعاتهم .. كم اشتقت لصلاة الجماعة وراء أبي وهو الإمام والقدوة والصورة المثال غير مغال أو مفرط في الفهم والجري وراء لعنة المنطق الذي بات يفرض نفسه قسرا على كل قولي وفعلي.. وتربع السؤال فوق صهوة المنطق والعقل وأشهر الطفل الصغير من أعماقي سلاح البراءة قائلا: " ستظل مسلما يا محمد بالفطرة ولن تنساق وراء ساسة هذا الدين وتجاره وفقهاء البقالة " لم تنتهي ولن تنتهي للتسجيل في موقع الفايس بوك للكاتب إضعط على هذا الرابط http://www.facebook.com/pages/Elmuhajer-TV-Arabic-Moroccan-Community-Television-Channel-Online/183876248108 www.elmuhajer.com http://www.elmuhajer.com