لا يتعلق الأمر بمزايدة سياسية تعرفها عادة مناطق السكن الصفيحي خلال الفترات الانتخابية، بوصفها مناطق تكثر فيها الأصوات ويسهل فيها الاستقطاب السياسي عبر العزف على وتر الحاجة والفقر والسكن، في الوقت الذي يغيب فيه غالبا الوعي بقيمة المسؤولية الوطنية المقابلة لعنصر التصويت، ويتهافت البعض لجني الأرباح المؤقتة من سماسرة الانتخابات. لا يتعلق الأمر أيضا بمعارضة من أجل المعارضة ونبش اختلالات رئيس المقاطعة . الأمر يتعلق بحي نشأ في حملة انتخابية برلمانية، ليكرس خلال عشرين عاما أزمة اجتماعية . فإذا كان نشوء الحي بداية الأمر بناء على اختلال خطير تتحمل فيه السلطات آنذاك مسؤوليتها، فإنه لا يمنعنا الآن من الدفاع عن هاته القضية ، ليس دفاعا عن التسيب في البناء، ولا اعتراضا على مبدأ زجر المخالفات المرتبطة بالسكن الصفيحي الناشىء . ولكنها قصة معاناة طويلة لأبناء ولدوا ونشأوا وترعرعوا داخل السكن الصفيحي، إنهم أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أنفسهم من دون عنوان، بل وفي حالات من دون شهادة ميلاد أو شهادة وفاة . إنها قضية أبناء حي الدهاري 2 الصفيحي الذين ساقهم القدر مجددا للبقاء متشبثين بالصفيح ، فتزوجوا ليكرروا نسخا جديدة من البراريك تزاحم أخريات بناها آباءهم . قصة الأبناء المحزنة التي تجعلهم تائهين طوال اليوم بين زحام الصفيح وغياب الماء والكهرباء، وصعوبات الدراسة التي تضطرهم سريعا لمغادرة حجرات الدرس نحو شقاء العمل والطفولة المغتصبة . الأمر الذي يؤكده البحث الذي أجريناه بمدرسة بئر الشفا 1 "الصفيحية" بالتعاون مع الأستاذ البشير المرابط وعدد من أطر المؤسسة، والذي شمل كل التلاميذ القادمين من الأحياء الصفيحية المجاورة بما فيها حي الدهاري2. وقد تبين أن نسبة الهدر المدرسي تكثر خاصة بين التلاميذ القادمين من أحياء الصفيح ، بحيث تصل نسبة الانقطاع بين هؤلاء إلى 36.47 في المائة ، لسرعان ما ترتفع إلى 71.42 في المائة عند بلوغهم المرحلة الإعدادية والثانوية ، وهي المرحلة التي يصبحون فيها قادرين على العمل ، وهو ما يؤكده ارتفاع نسبة الانقطاع بسبب الاشتغال إلى 69.23 في المائة . كما قد يبدو غريبا أن تكون نسبة الانقطاع بين الإناث أكبر منها عند الذكور وخلال كل مراحل الدراسة وبفرق شاسع (الابتدائي: ذكور23.68%/ إناث %46.80) ( الإعدادي ذكور60.00%/ إناث84.61%)، تبررها معطيات مرتبطة بقلة الوعي الاجتماعي، والرغبة في الاستفادة من المساعدة التي يمكن أن تقدمها الفتيات في البيت خاصة تربية الأبناء، في غياب الأبوين وسعيهما لتحصيل لقمة العيش. أزمة اجتماعية لا تنحصر عند هذا الحد ولكنها تصيب بلهيبها الآباء والأبناء ، الآباء الذين عجزوا وخلال مدة عشرين عاما عن القيام ببناء إسمنتي يأويهم ، ويحميهم من فيضانات المنطقة، يعانون شظف العيش وقلة ذات اليد ، وضعف مستويات الدراسة ، مما لا يؤهلهم لشغل مناصب مذرة لدخل يكفي حاجاتهم . ساكنة حي الدهاري 2 التي طرقت كل الأبواب باحثة عن الحل، من دون أن تفلح في تفعيل التعاقد الاجتماعي الموقع مع شركة العمران، والقاضي بترحيلهم نحو بقع أرضية جديدة مقابل تخليهم عن السكن الصفيحي. هو ذاك الذي وعد به رئيس مقاطعة بني مكادة في برنامج تلفزيوني قبل أسبوعين بقناة دوزيم، لكن مطرقة القضاء عاجلتهم مجددا بآخر إبلاغ بالإفراغ تنقضي مدته هذا اليوم ، ليجعل الساكنة تحت رحمة السلطة التنفيذية وسلطة القضاء . رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين ممثلة في شخص رئيسها الدكتور منصور، لم تدخر جهدا في الدفاع عن حل اجتماعي لساكنة حي الدهاري، هو ذاك الذي ما فتئ يطالب به السيد عبد السلام حمادي عضو الرابطة وأحد ساكنة الحي، بحيث طالب بالتعجيل في تنفيذ مختلف التعاقدات السابقة، خاصة وأن الساكنة تشتكي كل يوم من أوضاع اجتماعية مزرية لم تعد قابلة للاحتمال، بحيث يسود الترقب الشديد مجددا داخل هذا الحي الصفيحي في انتظار ما سيأتي به الغد من جديد. من جانبه أكد الدكتور محمد نجيب بوليف (برلماني عن حزب العدالة والتنمية بطنجة) أنه أبلغ خلال هذا الأسبوع السيد وزير الداخلية بهاته المعضلة الاجتماعية التي يعانيها الحي، وسلمه مختلف الوثائق القانونية الخاصة بالملف.فيما يتابع مستشارو العدالة والتنمية بمجلس مقاطعة بني مكادة هذا الملف بالتشاور مع عدد من الفاعلين والشركاء. وتبقى معاناة السيد محمد البقالي نموذجا صارخا للأزمات الاجتماعية التي يمكن أن تعصف بالاستقرار الاجتماعي لعدد من ساكنة بهذا الحي الصفيحي، خاصة بعدما تسبب الهدم الذي تعرض له مسكنه الصفيحي، في تشريد أسرته وفصله عنها إلى أجل غير مسمى.فأي مصير مجهول ينتظر عائلة محمد البقالي المشردة؟ وإلى متى تنقضي قصة معاناة أبناء حي الدهاري وآبائهم؟ وهل ستشرق شمس الغد على صفحة جديدة من سجل معاناتهم الطويلة ؟