المتتبع للشأن السياسي المغربي منذ قبل الاستقلال وإلى حدود 6 نونبر 2009، سيلاحظ بأن النسق السياسي المغربي ليس هو الذي تأسست عليه آنذاك الآليات والخلفيات التي صاحبت وثيقة 11 يناير 1944 بين المؤسسة الملكية وأحزاب الحركة الوطنية ذات المطالب الديمقراطية. "" فالخطاب الملكي، حتى وإن كانت تمليه المرحلة ،بيد أن الجزائر من خلال مواقفها العدائية اتجاه وحدة المغرب الترابية لم تتغير، فإن الخطاب الأخير أسس وبكل المقاييس مرحلة جديدة، ليس فقط في التعامل مع قضية المغاربة الأولى، ولكن أيضا في رسم معالم وملامح المنهجية الديمقراطية المعتمدة على مقاربة سياسية جديدة في تقوية المسلسل الديمقراطي الذي تعرفه بلادنا. فمضامين خطاب جلالة الملك من خلال الأبعاد السياسية التي سطرها، جعلت منه خطابا تاريخيا يربط الماضي بالحاضر والحاضر بالمستقبل. هذا المستقبل الذي يريده جلالة الملك أن يتأسس على ديمقراطية حقيقية محورها الأصلي النظرة التشاركية لتأسيس عمل سياسي مبني على رؤية مجتمعية مستمدة من جميع شرائح المجتمع المغربي. لهذا فالخطاب الملكي جعل المؤسسة التشريعية في قلب قضية الصحراء المغربية. هاته المؤسسة أصبحت ملزمة من خلال دورها المؤسساتي، بالتعاطي أكثر مع الملف من خلال منهجية ديمقراطية تشاركية تجعلها أكثر فاعلية وتمثيلية للساحة السياسية المغربية. هذا الدعم والسند السياسي للمؤسسة التشريعية، من خلال تعاطيها مع الملف، سيجعلها أكثر قوة في ممارسة دبلوماسية حقيقية قوية في مواجهتها للدبلوماسية النفطية الجزائرية. فنحن هنا أصبحنا أمام تعاقد تاريخي يدشن لمرحلة جديدة في ممارسة العمل السياسي، هذا المعطى يتجلى خصوصا من خلال التوصيات الملكية الخمس التي تلزم المؤسسة التشريعية، البرلمان بغرفتيه، بخلق جبهة وطنية قوية هدفها تعزيز المسلسل الديمقراطي أولا، ثم ثانيا جعل الإجماع الوطني داخل تأطير النص الدستوري أهم ركائز عملية التوافق / الإجماع. فبعد اللاتوافق الذي كرس مرحلة من مراحل المغرب، دخلنا مرحلة التوافق بكل ما تحمل الكلمة من معنى، من خلال الدفع أكثر بعملية تجديد التواصل مع الفاعلين السياسيين الحزبيين وحثهم أيضا على ترسيخ قيم الغيرة الوطنية والمواطنة الحقة. فالشرعية في زرع وتقوية قيم الغيرة الوطنية أصبحت جميع القوى الفاعلة كالهيآت السياسية والنقابية والجمعوية والإعلامية لها الحق في ذلك. هنا نرى بأن الحياة الدستورية الممتدة منذ سنة 1977 حتى زمن قريب لم يعد الحديث عنها مجديا. فقيمة التأسيس للتعاقد السياسي الجديد أصبحت الآن مرتكزة على فعالية المساطر الديمقراطية التي أسستها الرغبة الملكية منذ سنة 1999. فتوضيح عدالة القضية الوطنية، كمهمة أصبحت موكولة للدولة ولكل مكونات الشعب المغربي. وبما أن المقاربة الأمنية والمقاربة التسويقية للملف تم تجاوزها، من خلال وضع مقاربة سياسية مبنية على رؤية تشاركية، قياسا على فعل المشاركة في مبادرة المسيرة الخضراء العبقرية، فإن التصدي لتآمر الخصوم على وحدتنا الترابية لن يتأتى إلا بخلق ديناميكية اقتصادية تجعل من مناطقنا الصحراوية فضاء رحبا يحتضن أبناءها. لهذا فالمخطط الملكي المندمج القائم على رؤية حكيمة يجعل من السهولة ترسيم المسلسل الديمقراطي مؤسساتيا. هاته التوجهات تنطوي في أبعادها على دلالات كبيرة في ترسيخ ثقافة سياسية مواطنة،لأن الديمقراطية ليست مجرد مؤسسات سياسية وتعددية حزبية، بل هي أيضا تحولات جذرية في بنية المجتمع وفي الثقافة السياسية السائدة. هكذا نكون قد أسسنا فعلا لمرحلة جديدة: مرحلة ما بعد الانتقال الديمقراطي، مرحلة المسؤولية في الممارسة السياسية من خلال مؤسسة تشريعية تشتغل في فضاء سياسي يتسم بالتراضي وثوابت الملكية والدين الإسلامي ومغربية الصحراء بقوة.