المفكرون الأحرار يتلاسنون بالأفكار و النظريات، أما العبيد فتكفيهم الاستيهامات التي يحجزون أنفسهم بداخلها... "" سنة 1918 لجأ الرئيس الأمريكي وودوورد ويلسون إلى خبرة الجامعيين الجدد لأمريكا لدرجة انه صاح بأعلى صوته "إنني لا أريد سياسيين، أريد جامعيين فقط" هؤلاء الجامعيون هم من صاغو بنود معاهدة فرساي و ساهموا في صياغة بنود عصبة الأمم كذلك؛ أما اليوم فالتاريخ يسجل مساهمة الجامعيين في صياغة مجموعة من بنود التاريخ الحديث، بل حتى سكان الولاياتالمتحدةالأمريكية استنجدوا بجامعي اسود من جامعة شيكاغو لكي يخلصهم من مخلفات أل بوش العويصة. أحد السمات المميزة للتاريخ البشري الحالي هي السعي الحثيث وراء احتواء مخلفات الخلافات التاريخية القديمة مثل الخلاف التاريخي القديم بين الجمهورية الفرنسية و الجمهورية الفدرالية الألمانية و الخلاف التاريخي القديم بين المملكة المغربية و الجمهورية الشعبية الجزائرية. هذه الخلافات هي خلافات على مستوى الهيكل فقط، أما المحتويات المهمة فيتم غض الطرف عنها. الخلاف التاريخي الفرنسي الألماني، رغم أن قوانين الاتحاد الأوروبي احتوت معظم تفاصيله إلا أن هذا الخلاف لازال قائما على مستوى التمسك بالهيكل الفكري العام. لان الفرنسيين خائفون جدا من إمكانية ذوبان تجربة جمهوريتهم اليعقوبية بداخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تقودها القاطرة الألمانية بدهاء لا يتصور؛ لتفادي مسببات هذا الخوف تجند أحد الباحثين الجامعيين للدفاع عن الجمهورية الفرنسية اليعقوبية. هذا الباحث هو بيير ايلار الذي اخذ على عاتقه تحذير الفرنسيين من مغبة ترسيم الهيكل الفكري العام الألماني بداخل التشريعات الأوروبية. في كتابه "انحلال الأمم الأوروبية" الفقرة السادسة من الفصل الأول يحذر بشكل قوي من مغبة ترسيم المعطى الاتنوغرافي بداخل الدستور الأوروبي. أول كتاب صدر لهذا المفكر هو "أقليات وجهات بداخل أوروبا الفدرالية". بيير ايلار يعترف بحقوق الشعوب المشكلة للأمة الفرنسية و لكنه يقوم بهذا ليس حبا في هاته الشعوب و لكن إنقاذا لهفوات الجمهورية اليعقوبية القاتلة. يستغرب بيير ايلار كثيرا و يتساءل لماذا لم يستطع الفرنسيون تحجيم الطموحات الألمانية في بناء اتحاد أوروبي على مقاسهم فيجيب على هذا الاستغراب قائلا بان الاتحاد الأوروبي بناه سياسيون و لم يبنى على أساس سياسات واضحة. يرى بيير ايلار بان دستور الاتحاد الأوروبي قام بترسيم الواقع الاتني بداخل دستور الاتحاد الأوروبي، يتجلى هذا في البند الأول الفقرة الثانية و الفقرة الثالثة، كما تم ترسيم هذا الواقع الاتني في الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية البند الأول الفقرة 82 و83 مع العلم أن القانون الأوروبي هو أسمى من القوانين الوطنية للدول الأوروبية. بالنسبة لهذا المفكر الذي لكي يقنع الفرنسيين اختار العودة إلى تحديد الأسس الأولى لمفهوم الاتنية عند الشعب الجرماني بالخصوص، لأنه بالنسبة إليه، الاتنيات الجرمانية، هي أصل البلاء الذي أصاب دستور الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى بلاء الاتنيات الجرمانية هنالك كذلك بلاء غلو قوانين الجمهورية الفرنسية الثالثة التي استمرت حتى بداخل قوانين الجمهورية الفرنسية الخامسة و التي لازالت سارية المفعول. قوانين هذه الجمهورية ساهمت في عدم الاعتراف بالشعوب المكونة للنسيج الاجتماعي الفرنسي. مقارنة قوانين الجمهورية الفرنسية الثالثة بالقيم التي رسخها لويس الرابع عشر يقول بيير ايلار بان هذا الأخير كان ذا نظرة أكثر حقوقية وإنصاف من نظرة قوانين الجمهورية الثالثة، لأنه حينما كان يخاطب الشعب الفرنسي على الأقل كان يخاطبه قائلا "يا شعوبي"، أما قوانين الجمهورية الفرنسية الثالثة فقد تعالت على خصوصيات و مطالب الشعوب المكونة للأمة الفرنسية من اجل مواطن متعالي و مجرد من كل اتنية. هكذا تم غبن حقوق الشعوب المكونة للأمة الفرنسية، لدرجة أن هذه الشعوب أصبحت تجد نفسها غريبة بداخل وطنها؛ فالالزاسيون الفرنسيون مثلا هم أكثر انجذابا نحو الألمان و الكورسيكيون الفرنسيون يجدون أنفسهم اقرب إلى الإيطاليين والى شعوب البحر الأبيض المتوسط منه إلى الفرنسيين. هذه كلها حقائق كان من الواجب على الدولة الفرنسية اليعقوبية الاعتراف بها ومعالجتها يقول بيير ايلار لكن بدون السقوط في ما يسميه بالغلو القبلي. إذا كان بعض الجامعيين الفرنسيين فضلوا الدفاع عن تجربة جمهوريتهم اليعقوبية فبعض الجامعيين الأسبان المتمسكين بجادة الصواب فضلوا الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية، لأن هؤلاء الجامعيين اعتبروا اسبانيا بمثابة البلاء التاريخي الذي أصاب مناطق الجنوب المغربي منذ سنة 1884. أحد الأساتذة الجامعيين الأسبان المختصين في القانون الدولي يذهبون حد نعت القانون الدولي الذي يسمح ببلقنة المملكة المغربية بالقانون المنحرف. هذا الأستاذ الجامعي هو السيد Victor Morales Lezcanoالمختص في الفترة الممتدة من سنة 1850 إلى سنة 2000 . يرى هذا الأستاذ الجامعي أنه إذا ما فتح باب خلق من كل جهة من جهات الدول دولة مستقلة فانه سيحصل، ليس فقط خراب هذه الدول بل كذلك خراب القانون الدولي الذي يرفض المساس بوحدة الدول. يستند هذا الجامعي بهذا الصدد من اجل الدفاع عن موقفه على موقف السيد U Thantالذي هو ثالث أمين عام للأمم المتحدة و الذي تقلد هذا المنصب من سنة 1961 إلى سنة 1972 .صرح هذا الأمين سنة 1970 قائلا "« L’O.N.U. n’a jamais accepté et n’acceptera jamais, je pense, le principe de séparation d’une partie d’un Etat » " سوف لن تقبل الأممالمتحدة أبدا مبدأ فصل جزء من دولة ذات سيادة و جعل منه دويلة. انه مبدأ مرفوض" هذا المثقف الاسباني ينسف الأساس الذي وضعت عليه سكة تسوية المناطق الجنوبية للمملكة المغربية. انه يرفض إجراء استفتاء لتقرير المصير بدون مشاركة الشعب المغربي بأكمله يقول بهذا الصدد:" المملكة المغربية اقترحت مشروع الحكم الذاتي للصحراء و لكن إذا ما ألحت بعض الدول على إجراء استفتاء لتقرير المصير بالصحراء فيجب على كل المغاربة تقرير مصير وطنهم"