يمكن لأي خبير اقتصادي مغربي، كما يمكن لأي صحافي متمرس أو أي محلل و متتبع نبيه أن يسرد معطيات اقتصاد الجنس سواء بداخل دول الاتحاد الأوروبي أو بداخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها من الدول المتقدمة، كما يمكن لهؤلاء الخبراء و المحللين أن يحددوا بدقة حجم الرأسمال المتداول بداخل هذا القطاع. هذا الحجم اللايتصور من الرأسمال المالي المكون من عائدات اقتصاد الجنس يغري بعض السياسيين و الإعلاميين بل و يغري حتى الحكومات الوطنية بداخل دول العالم المتخلف، خصوصا الحكومات التي لازالت أنظمتها القضائية و التعليمية و الصحية تحتل أسفل درجات الترتيب في السلم العالمي. "" هذا الحجم الهائل من الرأسمال الجنسي جعل اقتصاد الجنس يزحف رويدا رويدا على عقول و أذهان المغاربة، و أصبح أباطرته يعبدون الطرق و الممرات بداخل نظامنا الاقتصادي الغير مهيكل. الأباطرة يقومون بهذا، في حين بعض الخائفين على سمعتهم من التلوث سرعان ما يعملون جاهدين على دفع التهمة عنهم عبر كتابة المقالات: فكم من صحافي و كم من كاتب عمود رأي و كم من مثقف يتناول موضوع الجنس فقط بدافع إبعاد التهمة عنه في حين كان أولى و أصح أن يتناول أحد هؤلاء هذه الظاهرة من وجهة النظام الاقتصادي المستنبت المرعي و الموجه لخلق فرص الشغل الملوثة و تدمير البنية الأخلاقية و البنية النفسية الممانعة للأفراد و الجماعات... الدراسات التاريخية لظاهرة اقتصاد الجنس في المغرب غير موجودة تماما لسبب بسيط و هو أن هذا الاقتصاد لم يكن موجودا قط في التاريخ المغربي؛ لقد كانت هنالك عاهرات و قوادات و كان هنالك شواذ و لكن اقتصاد الجنس لم يكن قط موجودا. خلال سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي مثلا، تقريبا في كل المدن المغربية، و في كل القرى و المداشر كان هنالك ثلة من العاهرات و القوادات و ثلة من الشواذ. كانوا يلازمون أماكنهم المعهودة و لا واحد من أفراد المجتمع الأسوياء كان يولي لهم أي اهتمام، غير المنحرفين و الشواذ طبعا؛ أما في الحاضر فأصبح لهؤلاء العاهرات و القوادات والشواذ عصبونات اجتماعية و طرق سيارة للمعلومات بالإضافة إلى معامل و أندية للتفكير، ناهيك عن أباطرة أشداء يقدمون لهم كل الحماية و الدعم... هؤلاء الأباطرة الجدد أصبحوا مخيفين، فالدولة تحارب حاليا أباطرة تجار المخدرات و لكن تحارب كذلك حتى أباطرة تجار الجنس، لأنها أقتنعت أخيرا بأن معظم هؤلاء هم مصدر الانفلاتات الأمنية التي تقع في معظم المدن المغربية. بعض وسطاء هؤلاء الأباطرة "المجنسين" sexués أصبحوا يحثون المتهورين من الشباب و بعض المنحرفين من الراشدين على القيام باستعراضات جنسية وسط الشارع العمومي لدرجة أن بعضهم في بعض المدن المغربية التي تعرف ازدهارا ملحوظا مثل مدينة العيون جوهرة الأقاليم الصحراوية وصلت بهم الوقاحة حد التلويح بأعضائهم التناسلية أمام المارة ، تماما كما كان يفعل قوم لوط؛ و سكان مدينة العيون الأسوياء شاهدون على هذا ... لقد اكتسح هؤلاء الوسطاء "المجنسين" تقريبا كل المجالات المتعلقة بالتمثلات بما فيها حتى المجال اللغوي حيث أمموا لأنفسهم المفردات و التعابير ،و أصبحت مفردات مثل "الزميل"،"كيف كيف"، "اللعيبة"، "الطحين"، "صاحبي" و غيرها من المفردات البريئة التي يستعملها المتكلم العادي الغير مجنس ذات حمولة جنسية تحيل إلى الثقافة التي يريدون استيطانها بداخل أذهان و عقول ما تبقى من أسوياء هذا المجتمع. بواسطة هذا القاموس يهيئون المخيال الجماعي و يكتسحونه. قوم لوط كما في قديم الأزمان لازال يعيش بيننا ويجب أن نحتاط من قاموسه و من ألاعيبه؛ لأنه حينما نقبل لا شعوريا بمعاني قاموس قوم لوط نكون صراحة نتنازل بكل طواعية عن قاموسنا النبيل الذي بنيناه وبدون أي خلفيات جنسية. التحولات الرأسمالية التي اجتاحت معظم مناطق العالم، بعض تجلياتها بدأت للتو تهب على نظامنا التداولي التاريخي و من بين هذه التجليات تشكل الرأسمال الجنسي و النظام الاجتماعي الجنسي. هذه التحولات الرأسمالية هي جوهر المعضلة. الصحافيون و المثقفون و المعبرون عن أرائهم الذين يحاولون دفع التهمة عنهم فقط معتمدين في ذلك على تصريح إنشائي مكتوب في مقالة صحفية يخص قضية الشواذ مثلا، مثلهم مثل أولائك الأشخاص الذين لا يروا سوى نقطة سوداء بداخل لوحة مزركشة. هذه اللوحة المزركشة هي لوحة اقتصاد الجنس المروع الذي يربح المسافات تلو المسافات من أجل استعبادنا و تشييئ ما تبقى من كرامتنا التي استباحتها الرساميل الجبانة الأخرى. هذه اللوحة المزركشة فيها حانات اقتصاد الريع و كباريهات اقتصاد الريع، فيها كل شيء، فيها الانتاجات السمعية البصرية،و القصص الخيالية حول الأسوياء، فيها الاستيهامات، فيها كل ما تريدون، المعامل الصناعية السرية، المتاجر المختصة في تسويق أدوات الجنس، من ألبسة و أصفاد و كرباشات و غيرها من الضمادات والعقاقير الصيدلية المقوية للرغبة و المقوية للعضلات. اقتصاد الجنس اقتصاد متكامل يتداخل فيه الصناعي بالأمني و الإعلامي بالثقافي و السياسي بغيره. الشريحة الاجتماعية الجديدة لاقتصاد الجنس مثلها مثل كل الشرائح الاجتماعية الملتصقة عضويا بالرأسمال، هي فاقدة لوجودها المستقل و تعيش على الاستيهامات مثلها مثل شريحة العبيد بداخل النظام العبودي البائد. هذا النظام تميز تاريخيا بسيطرة السيد على باقي العبيد حيث كان هذا السيد يستبيح أجسام العبيد و يستبيح عقولهم بل و يستبيح حتى أجسام نسائهم و أجسام أطفالهم و رغم ذلك في الأحاديث اليومية لهؤلاء العبيد كانوا يتحدثون عن فحولتهم الجنسية و عن رجولتهم. كان هذا تاريخيا أما اليوم بداخل المجتمعات الحديثة و بداخل المملكة المغربية بالخصوص فجمعية واحدة هي من استطاعت أن تنظم نفسها بصراحة و تقف بكل شجاعة أمام وسطاء اقتصاد الجنس الذين يريدون استعباد أجسام الأطفال الأبرياء. هذه الجمعية هي جمعية "ما تقيسش ولدي" أما جمعيات و منتديات الدفاع عن الحريات الفردية فهي جمعيات لم تأخذ بعين الاعتبار الأساس المادي و القانوني الذي يتأسس عليه اقتصاد الجنس، فهذا الاقتصاد يؤسس ذاته عبر بعض المطالب المتعلقة بالحريات الفردية؛ لأنه خلال المرحلة التاريخية التي تكون فيها الكتلة الجماهيرية المسماة شعب غير قادرة على فرض خياراتها سواء لجهلها بمصالحها أو لعدم قدرتها على المواجهة و التدبير ، خلال هذه المرحلة تصبح فيه بعض المطالب حول الحريات الفردية أساس مادي صلب لاكتساح اقتصاد الجنس لباقي الاقتصاديات الأخرى المنتجة. هذا النوع من الاقتصاد يزحف حاليا على المجتمع ليأكل مما تبقى من رصيده التاريخي و الاجتماعي.