"الدولة" الكونية، "الدولة" الوطنية، "الدولة" الجهوية و "الدولة" المحلية. رباعيات خيام العولمة؛ بداخل هذه الرباعية يبحث كل واحد عن خيمته و عن الخريطة الدفاعية التي سوف يدير بها مجاري المياه الجارفة التي تأتي بها الفيضانات و الأعاصير. "" التاريخ هو هكذا يرمي دائما و بدون سبق إنذار، بأشياء جارفة من شكل أنواع "الدول" و طبائعها، فمن يتكيف و يساير ينجو و من يتعارض و يتصلب تدوسه الأرجل و الحوافر. بداخل دول الاتحاد الأوروبي تتعايش أنظمة الدول الأربعة المومأ إليها أعلاه بدون أن تعيق الأولى الثانية و بدون أن تقف الثالثة حجرة عثرة أمام تقدم الرابعة، و بدون أن تلجا دول الاتحاد الأوروبي الحالية إلى إحداث دول مصطنعة جديدة. بل حتى أشباه الدول، بقايا يوغوسلافيا سابقا التي تتهيآ للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تتكيف مع طابع الجهات.. الذين يبحثون عن غد أفضل بداخل الدولة الوطنية الحالية يتساءلون إلى أي قبلة سيولون وجوههم، هل إلى مؤسسات الدولة الوطنية التي لا تعيرهم أي اهتمام، أم إلى مؤسسات الدولة الكونية المجسمة في المؤسسات الدولية والتي كانوا إلى أمس قريب ينعتونها بالامبريالية. أمام عجز الدول الوطنية بشمال إفريقيا الاستماع إلى شكاوي مواطنيها فكر البعض في خلق "الدولة الجهوية"؛ وهناك من ذهب بعيدا في وضع أسس هذه الدولة لدرجة انه اختلط الحابل بالنابل فأصبحت الدولة لا هي بالدولة الوطنية الديمقراطية كما حلم بها اليساريون القدامى، و لا هي بالدولة اللبرالية الكونية كما حلم بها "الأحرار" القدامى كذلك...أمام هذا الخلط الغير معهود لم يجد المحافظون الجدد بالمغرب غير الدولة الإسلامية يولون إليها شكاويهم و دعاويهم أما المتشبعون بمنطق المؤسسات الدولية فإنهم في أعماقهم يحلمون بالدولة المحلية... رغم كل التقديرات الواهية، الدولة الوطنية الممركزة هي أول تلميذ نجيب لنظام العولمة. بمجرد صدور تقرير عن المؤسسات الدولية المعولمة ترتعش فرائص الدولة الوطنية الممركزة و تبدأ في تشغيل كل مخزونها الاحتياطي لإصلاح ما يمكن إصلاحه... قبل أن يفوت الأوان و تغضب المؤسسات الدولية؛ الغريب في الأمر، حينما تصدر نفس التحذيرات و التقارير من المواطنين المحليين سواء المنضوون في النقابات، الأحزاب السياسية أو المستقلون الذين يستطيعون اختراق صفحات الجرائد المستقلة، حتى حينما تصدر هذه التحذيرات فان مؤسسات الدولة الوطنية لا تعيرهم أي اهتمام. التحديات العويصة التي تعترض مستقبل الدولة الوطنية الممركزة هي كالتالي: للحفاظ على نفسها من الواجب عليها أن تبقى وطنية، للحفاظ على مواطنيها من الواجب أن تتحول إلى دولة محلية، للحفاظ على خصوصية تراب ديموغرافيتها التاريخي من الواجب عليها أن تصبح دولة جهوية و للانخراط في نظام العولمة عليها أن تستنبط مقومات الدولة المعولمة المجسمة في المؤسسات و القوانين الدولية. أربع دول في دولة واحدة. لكن تجاوز هذه التحديات بداخل نظام العولمة هو غير يسير لان أسياد نظام العولمة مثلهم مثل كل أسياد الدول القوية عبر العصور لا يسمحون بالمساس برموز سيادتهم، لهذه الغاية وضعوا مسافة بين أسياد الدولة الوطنية من جهة و أسياد العولمة من جهة أخرى. لقد وضعوا نظام خاص للمنافسة و التباري بين أسياد الدولة الوطنية المتجاورين على شاكلة "سطار أكاديمي" ليتنافس في ما بينهم المتنافسون. بعض أسياد الدول الوطنية المتجاورين استوعبوا جيدا مقومات الصراع بداخل نظام العولمة لهذا جعلوا مواطنيهم يعيشون الويلات و الأزمات، لا لشيء فقط لربح المسافات الزمنية وربما لتغير الأوضاع في اتجاه أخر... قانون المنافسة الجديد بين الدول المتجاورة الخاص بنظام العولمة هو مستمد من مقومات النظام العالمي الجديد الذي يتنافس فيه العلماء و السياسيون، أما العقائديون القوميون منهم و الدينيون فيتم توظيفهم للتهييج فقط. تاريخيا كلما نال العلماء و السياسيون من العقائديون تقدمت الديمقراطية. تاريخ الديمقراطية بداخل المجتمع الدولي تاريخ طويل و لكن المحطات الحاسمة للتحولات الديمقراطية جد محددة في الزمن و المعالم. خبراء التحولات الديمقراطية يعرفون هذا جيدا و يستطيعون تحديد المحطات الحاسمة التي عرفت فيها المجتمعات البشرية تقدما نحو الديمقراطية كما يستطيعون إيجاد تفسيرات لبعض الأحداث الصغيرة المبهمة التي ربما يهيئها جيدا خبراء التحولات الديمقراطية. خبراء الديمقراطية لديهم شبكات للتقويم و تقنيات دقيقة للزج بالمجتمعات اللاديمقراطية في خيار الديمقراطية... قبل النظام العالمي الجديد وقبل ظهور نظام العولمة المستند على التكامل و التقارب بين شعوب دول الجوار كان الصراع بشكل عام صراعا عموديا قائما بين ما يسمى بالدول الغنية الموصوفة بالامبريالية و الدول الفقيرة التي كانت تستنزف-برفع التاء- ثرواتها. حتى بداخل الدول الوطنية نفسها سواء الدول الغنية أو الدول الفقيرة فالصراع كان صراعا عموديا كذلك، صراع ما بين ممثلي الفقراء و ممثلي الأغنياء من اجل تدبير مصالح البلاد، لهذه الأسباب كان هنالك دور واضح للأحزاب و النقابات أما مع نظام العولمة الذي فرض نظام قانون المنافسة الدولي الأفقي، الجهوي و المحلي فواجهة الصراع أصبحت تحتلها جماعات الضغط و الإستراتيجية من علماء، صحافيين، مفكرين و مخترعين... الصراعات و الحروب التي كانت تقوم بين ممثلي الدول الوطنية كانت ذات طبيعة اقتصادية تنم عن أطماع محددة للسيطرة على منابع الثروة ؛ أما اليوم فقد أصبحت المنافسة الدولية لدول الجوار بالخصوص ذات طبيعة سيادية تمثيلية. من يستطع تمثيل قيم نظام العولمة إقليميا و من يستطع تجسيم مثلها محليا هو من سيستحق التمثيلية الإقليمية للمنطقة. إنها الخطاطة الجيوستراتيجية الجديدة التي على أساسها تتحرك دول الجوار حاليا. النظام العراقي لم يستوعب الخطاطة الجديدة جيدا فاصطدم معها مثل الثور الاسباني وهنالك بشمال إفريقيا من هو سائر على نفس النهج حينما اختار السير ضد تقارب شعوب شمال إفريقيا بواسطة دولها الحالية.