تجمع العديد من كتب التاريخ على أن المملكة المغربية ساهمت إسهاما حقيقيا واضطلعت بدور محوري في نشر تعاليم الإسلام وترسيخ قيمه الروحية والعلمية والحضارية في العالم ولاسيما عن طريق النماذج الخيرة من شيوخ التصوف ومريديهم من التجار وذوي السلوك. "" ومن بين مسالك هذا الإشعاع المشرب التيجاني، الذي انطلق من المغرب على يد القطب العارف بالله أبو العباس أحمد بن محمد ابن المختار ابن أحمد بن محمد سالم التيجاني الشهير بسيدي أحمد التيجاني (1150ه -1230 ه) (1737م -1815 م)، وتم احتضان طريقته على المستويين الرسمي والشعبي. وبناء على ذلك، لا يمكن استحضار جانب الزوايا الصوفية في العلاقات المغربية الأفريقية، دون أن تفرض الزاوية التيجانية نفسها بقوة باعتبارها ساهمت بفعالية في نشر الثقافة والعلوم الإسلامية والهوية الثقافية من خلال تربية الأجيال المتعاقبة، على المحبة والسلام والوئام، محققة بذلك وحدة روحية وهوية ثقافية تجمع شعوب أفريقيا وقبائلها وأجناسها، وحدة تجمع بين المادة والروح والعلم والعمل. وظلت هذه المبادئ مترسخة وقائمة وقوية بفضل رعاية ملوك وسلاطين الدولة العلوية وحدبهم المتواصل، ومجهوداتهم المحمودة في الحفاظ على هذا الموروث العلمي والروحي، الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الذات الإسلامية ويمثل بجلاء دين الاعتدال والسلم والوسطية. وفي هذا السياق يندرج تنظيم مشيخة الطريقة التيجانية، تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ابتداء من اليوم الأربعاء وإلى غاية الجمعة المقبلة بالزاوية التجانية الكبرى في مدينة فاس جمعا عالميا لتخليذ الذكرى المأوية الثانية لوفاة الشيخ سيدي أحمد التيجاني. وترمي هذه التظاهرة، التي ستفتتح أشغالها بعد عصر اليوم بمشاركة منتسبين للطريقة من 29 بلدا، إلى رعاية الوشائج الناتجة عن العلائق التاريخية مع الخارج كما أثمرتها الطريقة التيجانية ورعاية الإسلام في عمقه الروحي كما تمثله الطرق المنطلقة من أرضيته والتجاوب مع العرفان المستديم عند الآخذين بالطريقة التيجانية الذين ينظرون إلى المغرب على أساس أنه التربة التي انطلقت منها هذه المنابع الخيرة. كما يندرج تنظيم هذه التظاهرة في الإسهام في تعزيز أنواع من الصلات والتقارب من شأنها تقوية أخلاق الإسلام وكل المبادرات التي تتطلبها تحديات العصر الحاضر ولا سيما في مجال التضامن وحفظ الأمن والوئام علاوة على خلق فرصة لإطلاع المنتسبين للطريقة التجانية على جهود المملكة المغربية من أجل بناء نموذج من التدبير في المجال الديني يراعي صيانة كل المقومات الأساسية في ديننا الحنيف ويراعي ما يتطلبه العصر من الانخراط الفاعل في صيانة القيم وحفظ كرامة الإنسان. وسطرت اللجنة التنظيمية لهذا اللقاء برنامجا يمتد على مدى ثلاثة أيام يشتمل على محاضرات يليقها بعض علماء الطريقة تتناول مراحل حياة الشيخ سيدي أحمد التيجاني، الذي كرس حياته للتربية الروحية والأخذ بيد السالكين لترقيتهم إلى أعلى درجات القرب من الله. ويتصل نسب سيدي أحمد التيجاني، الشريف الحسني بالإمام محمد بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم. وولد الشيخ التيجاني بقرية عين ماضي 1150ه /1737م وتوفي بمدينة فاس عام 1230 ه (14-1815 للميلاد) ودفن بزاويته بالحومة المعروفة بالبليدة بمدينة فاس. وقد حفظ القرآن الكريم كما درس العلوم الشرعية وارتحل متنقلا بين فاس وتلمسان وتونس والقاهرة ومكة والمدينةالمنورة. ولم يكتف سيدي أحمد التيجاني بالرصيد الفقهي والصوفي، الذي حصله خلال رحلاته، فشد الرحال إلى مدينة فاس سنة 1171 ه الموافق ل 1758 م. وبهذه المدينة الإدريسية ذات المكانة العلمية والرمزية التاريخية والشحنة الروحية القوية كان العلامة سيدي أحمد التيجاني يحضر مجالس العلم ويحاور كبار العلماء، وإن كان اهتمامه قد انصب على الجانب الروحي أكثر من أي شيء آخر. وفي عام 1196 هجرية أنشأ طريقته بقرية أبي سمغون وصارت فاس المركز الأول لهذه الطريقة ومنها انتشر إشعاعها إلى عموم "بلاد السودان". ومن أبرز الآثار التي خلفها سيدي أحمد التيجاني كتاب "جواهر المعاني وبلوغ الأماني، في فيض سيدي أبي العباس التجاني"، الذي قام بجمعه تلميذه علي حرازم برادة. وتقوم الطريقة التجانية على الاقتداء بالرسول الكريم (ص) واتباع هديه والتزام سنته، ملتزمة بالعقيدة الأشعرية ومتمسكة بالمذهب المالكي، مع ملء الأوقات بذكر الله عز وجل والصلاة على النبي الأكرم والمواظبة على تلاوة القرآن والمحافظة على الصلوات مع الجماعة والإقلاع عن المعاصي والذنوب بالتوبة والاستغفار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.