شهد المغرب في الآونة الأخيرة زخما تشريعيا ومؤسساتيا كبيرا، لا سيما خلال الفترة التي تلت دستور 2011، حيث أصدر المشرع العديد من التشريعات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وهي مسألة في الوقت الذي يراها بعض المختصين غير عادية وتشكل تضخما تشريعيا، فإن بعض المواقف الأخرى، تنظر إليها من زاوية صحتها وضروريتها، بالنظر إلى اعتبارات عديدة منها ما يتعلق بتطور المجتمع واتساع مجالات الحياة ومنها ما يرتبط بظهور قضايا مستجدة تحتاج إلى ضبط وتقنين من قبل المشرع. ومن بين المسائل التي طرحت بحدة في العديد من المحطات المختلفة من تطور المنظومة التشريعية، مسألة الأجل المعقول، باعتباره حق يحدد مصير جميع الحقوق الموضوعية والشكلية التي يتعين لاستيفائها احترام تلك الآجال المقررة قانونا. ويراد عموما بالأجل المعقول من الناحية اللغوية اقتضاء الحق داخل أجل عادل ومنصف وبطريقة مقبولة ومصادفة للمنطق السليم للأشياء. إن الدافع من البحث في هذا الموضوع نابع من الأهمية التي تكتسيها مسألة الأجل المعقول، لا سيما حينما يتم الحديث عن حماية الحقوق والحريات، ليس لأن احترام تلك الآجال يرتبط فقط بمرحلة واحدة من مراحل التقاضي، بل يشمل هذا الاحترام مختلف المراحل بما في ذلك المرحلة التمهيدية التي تسبق مرحلة التقديم والمحاكمة. وعليه، أضحى من اللازم على ضابط الشرطة القضائية أن يراعي الآجال القانونية والمعقولة المنصوص عليها قانونا، أثناء تحريره للمحاضر وإحالتها على الجهات القضائية المختصة، لاسيما دراسة الشكايات المقدمة إليه وإعطائها الاتجاه المناسب لها، فضلا عن دعوة رؤساء الشرطة القضائية لمرؤسيهم إلى القيام بالأبحاث بالسرعة الواجبة وتوجيه التوجيهات المطلوبة للحث على المساهمة الفعالة في القيام بمختلف التدابير والإجراءات المنصوص عليها في القانون. صحيح أنه على مستوى النيابة العامة، هناك مجهودات متواصلة من خلال الدوريات التي توجهها رئاسة النيابة العامة إلى النيابات العامة بمختلف الأقاليم والعمالات، لا سيما دعوتها لاحترام الآجال القانونية في البت وتجهيز القضايا بما في ذلك ترشيد الاعتقال الاحتياطي والاقتصار على بعص الحالات الاستثنائية التي ترى فيها ضرورة القيام بهذا التدبير. لكن مقابل ذلك ينبغي تضافر جهود جميع الجهات القضائية المتدخلة من أجل المزيد من التنسيق والتعاون بين هذه الجهات والمصالح الأمنية ومصالح الدرك الملكي، بما يحقق النجاعة القضائية وتوفير المعلومات القضائية اللازمة لاسترداد الحقوق لأصحابها، وردع الاعتداءات التي تلحق هذه الحقوق. 1.الأجل المعقول في الدستور وبعض القوانين الأخرى سيلاحظ الراجع إلى قراءة الدستور وبعض القوانين المختلفة أن مفهوم الأجل المعقول ورد في المنظومة التشريعية المغربية، بداية بدستور 2011 ومرورا بقانون المسطرة الجنائية وبعض المقتضيات الخاصة الأخرى. وهكذا فقد نص دستور 2011 في فصله 120 على أنه "لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول". أما على مستوى قانون المسطرة الجنائية، فإن المشرع وإن لم يحدد مبدئيا أجلا معيناً لإنجاز الأبحاث القضائية. فإنه حدد مددا في بعض التدابير التي يؤمر بها أثناء البحث كما هو الحال بالنسبة للمادتين 40 و49 المحددتين لأجل سحب جواز السفر وإغلاق الحدود، فضلا عن المادة 66 الناصة على أجل تدبير الحراسة النظرية. وفي السياق نفسه، تشير المادة 37 من قانون التنظيم القضائي إلى مسألة صدور الأحكام داخل أجل معقول من خلال تنصيصها على أنه "يمارس حق التقاضي بحسن نية، وبما لا يعرقل حسن سير العدالة. تطبق المساطر أمام المحاكم وتنفذ الإجراءات بما يضمن شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع في جميع مراحل التقاضي، وبما يحقق البت في القضايا وصدور الأحكام داخل أجل معقول". وينبغي إثارة انتباه ضباط الشرطة القضائية هنا إلى أن هناك بعض النصوص القانونية الخاصة، التي تنص صراحة على آجال محددة ينبغي فيها على الضباط تحرير محاضرهم وتوجيهها للنيابة العامة، ويندرج في هذا الإطار ما نصت عليه المادة 167 من القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك التي جاء فيها "يترتب على إثبات المخالفات تحرير محاضر توجه إلى وكيل الملك المختص داخل أجل لا يمكن أن يتعدى 15 يوماً من تاريخ إتمام البحث...". أما من ناحية الآجال القانونية التي نص عليها المشرع المغربي والتي تتصل بمهام القضاء، فقد اعتبرت بعض المقتضيات أن احترام الأجل المعقول في إصدار الأحكام والقرارات القضائية من بين المعايير المعتمدة في ترقية القضاة، وفي هذا الإطار نصت المادة 75 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث نقرأ فيها ما نصه " يراعي المجلس عند ترقية القضاة... الحرص على إصدار الأحكام في أجل معقول". 2.الآثار المترتبة عن عدم احترام الأجل المعقول بالنسبة لضباط الشرطة القضائية بطبيعة الحال تنتج عن عدم احترام الأجل المعقول آثار سلبية بالنسبة للمتدخلين في تدبير مهام الشرطة القضائية، حيث يعتبر التأخير غير المبرر في إنجاز المساطر أو إهمال مسألة من المسائل المنصوص عليها قانون من أشكال الخطأ الجسيم الذي قد يبرر توقيف ضابط الشرطة القضائية السامي (قاضي النيابة العامة)، وقد أشارت إلى ذلك المادة 97 من القانون التنظيمي لرجال القضاء. وهو ما جعل الجهات القضائية التي تشرف على التدبير والتنقيط، تراعي اثناء تقييمها لعمل القاضي، المعطيات المتعلقة باحترام الأجل المعقول ومدى المساهمة في تحقيق الولوج الفعال والسريع للعدالة. وعلى مستوى ضابط الشرطة القضائية العادي، يمكن إذا ما لم يُراعِ الأجل المعقول أن يعرض نفسه للمساءلة من خلال الشكايات التي قد يضعها المرتفقين ضده، وهو ما يمكن معه إثارة مسؤولية الضابط التأديبية وتعريضه للعقوبات سواء الإدارية أو أمام الغرفة الجنحية المكلفة بتأديب ضباط الشرطة القضائية كما هو معلوم. كما ينبغي الإشارة إلى أنه حتى على مستوى الممارسة القضائية، هناك توجهات قضائية صدرت أخيرا تتجه إلى اعتبار عدم احترام الأجل المعقول شكل من أشكال الخطأ القضائي الذي ينبغي التعويض عنه، ومن أمثلة ذلك ما أكدته المحكمة الابتدائية الإدارية في حكمها الي نقرأ فيه أن تقدير الأجل المعقول للبت ينبغي أن يراعي جسامة الخطأ والضرر الناتج عن تأخر البت للقول بانعقاد مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي الناتج عن عدم احترام الالتزام الدستوري بالبت في الأجل المعقول. ختاما، ينبغي على ضابط الشرطة القضائية سواء تعلق الأمر بالضباط السامون أو العاديون أن يأخذوا بعين الاعتبار مسألة الأجل المعقول في تدبير الشكايات والمحاضر والملفات القضائية، تفاديا للمسؤولية الإدارية والجنائية التي قد يتعرضون إليها، ولن يتأتى ذلك إلا بتكريس الممارسات الفضلى ومواجهة التحديات المطروحة بمختلف الوسائل الممكنة خاصة من خلال توجيه المذكرات المصلحية والدوريات لتذليل الصعوبات الواقعية في مجال احترام الأجل المعقول.