مشروع قانون المسطرة المدنية.. "عدوان تشريعي" على المبادئ الدستورية المتعلقة بحقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة. (قراءة تأصيلية تحليلية) تقديم: إن المحاماة مهنة حرة، مستقلة، جزء من أسرة القضاء، و جناح من جناحي العدالة،تساهم في تحقيق الأمن القضائي، و الدفاع عن الحقوق و الحريات و النهوض بها، و المحامون بهذه الصفة يعتبرون شركاء للسلطة القضائية في تثبيت أسس دولة القانون و سيادة القانون، و الدفاع عن حقوق المواطنين و حرياتهم. وهكذا، فمن الطبيعي أن يتمسك المحامون بالمغرب، بأن تظل مهنة المحاماة حرة مستقلة، لأنه لا يجوز أصلا لغير المحامين مزاولتها، خلافا لما ورد في مشروع قانون المسطرة المدنية، و هو المبدأ الذي ورد في جميع القوانين المنظمة لها منذ الإستقلال، و التي عرفت خمس قوانين: 1959 و 1968 و 1979 و 1993 و2008، و لا يجوز للقوانين الإجرائية أو الموضوعية التعدي على المراكز و المكتسبات المهنية التي راكمتها مهنة المحاماة. ومن جهة أخرى، إن هيئات المحامين بالمغرب (نقباء و مجالس و جمعيات عمومية)، إلى جانب جمعية هيئات المحامين بالمغرب كإطار تنسيقي و مجال للتشاور، و توحيد الموافق، و التوافق على القرارات في القضايا المهنية و التشريعية، و الوطنية، لم تتردد في يوم من الأيام في الدفاع عن القضايا الوطنية والقومية، و الحقوق والحريات والديموقراطية و الإصلاحات الدستورية، و لازال دورها نشيطا، وازنا، و فاعلا، تؤمن بالحوار الديموقراطي، و إحترام الرأي و الرأي الآخر، لذلك لا يمكن تهميش المؤسسات المهنية، لما يتعلق الأمر بالشؤون المهنية أو بتشريع القوانين الإجرائية و الموضوعية. إن مسؤولية المحاماة لا تقل أهمية عن مسؤولية القضاء، و ذلك بالنظر إلى كونهما يمثلان جناحي العدالة، و في تحمل مسؤولية الحفاظ على مقومات العدالة كل من موقعه، في إطار إستقلالية كاملة بين القضاء و المحاماة في أداء رسالتهما و في ضمان الأمن القضائي. و نظرا لمكانة المحاماة و أهميتها في الحياة العملية و المجتمعية، و دورها المحوري في زرع ثقافة حقوق الإنسان، و التواصل مع جميع مؤسسات الدولة في إطار علاقة تكامل مع رسالتها النبيلة، القائمة على الدفاع عن الحقوق و الحريات، و المساهمة في بناء دولة القانون، لذلك لم يعد ممكنا للحكومة أو البرلمان أو السلطة القضائية معالجة القضايا المهنية و التشريعية دون تعاون مع الهيئات المهنية و مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب، و إشراكها في إعداد القرارات و مشاريع القوانين ذات الصلة بالممارسة المهنية. و عدم التفاعل إيجابيا مع إنتظارات المحامين و المتقاضين، أمر يتعارض مع مقاصد دولة القانون، و الديموقراطية التشاركية التي تعتبر مبدأ دستوريا، و كل إنكار لذلك يترتب عنه إحتقان لا يمكن التنبؤ بنتائجه. إن التذكير بمهام رسالة الدفاع، تقتضيه شروط المرحلة، التي تتميز بالإحتقان الناتج عن أعمال الحكومة أو من في حكمها، و التي يفهم منها أنها تستهدف مهنة المحاماة، دون الإفصاح عن الأسباب و الخلفيات صراحة لكن بإعمال قراءة موضوعية لخطاب الحكومة أو وزير العدل أو رئيس مجلس النواب، نخلص إلى القول بوجود من يسعى إلى "شيطنة"، المحاماة كمدخل من أجل إحتوائها، و تركيعها، عن طريق مباشرة الوسائل التشريعية و الإدارية و القضائية. و يعتبر التشريع الضريبي، و نظام التغطية الصحية، و مشروع قانون المسطرة المدنية، و مشروع قانون المسطرة الجنائية من بين الوسائل التي يتم تسخيرها في مواجهة مهنة المحاماة، و كأن رسالة الدفاع تمثل "معارضة سياسية راديكالية"، بقناع حقوقي. لكن، و مهما يكن من أمر، فالحكومة تمارس السلطة التنفيذية، و البرلمان يمارس السلطة التشريعية وفقا للشكل المبين في الدستور، عن طريق إصدار تشريعات التي يجب أن تكون مطابقة لأحكام النصوص الدستورية، و إلا تعرضت للحكم بعدم الدستورية. و هكذا، فالحق في التقاضي و حقوق الدفاع، و الحق في محاكمة عادلة هي من الحقوق التي يكفلها الدستور، و الإتفاقيات الدولية، الأمر الذي لا يجوز معه للمشرع إهدار هذه الحقوق أو تعطيلها، عن طريق وضع قيود عليها، أو بإغفال أو بإنكار القواعد الدستورية، عمدا أو عن غير عمد. علما أن البرلمان و إن كان يمارس السلطة التشريعية، و التي هي في الأصل ([1])، "سلطة تقديرية"، لكنها يجب أن تكون مطابقة للدستور، لكونها ليست سلطة مطلقة، بل مقيدة بحدود الدستور، خلافا لما يحصل مع مشروع قانون المسطرة المدنية. و يؤخذ من بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية، أنها تمثل و بحق تعديا على مبدأ المساواة بين الأفراد أمام القانون، و التحيز لمصلحة فئة معينة، علما أن القاعدة القانونية يجب أن تكون عامة و مجردة، الأمر الذي يفقد المشروع صفة التشريع أو القانون، لأن البرلمان مقيد بالدستور بوصفه يمثل السلطة التشريعية التي من مهامها تحقيق المصلحة العامة، و ليس الدخول في "صراعات سياسية"، و في تنازع مع المحاماة عن طريق تسخير التشريعات كوسيلة "للردع" دون سبب مشروع. و هكذا، سأتولى دراسة موضوع "مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، "عدوان تشريعي" على المبادئ الدستورية المتعلقة بحقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة"، و ذلك من خلال المحاور التالية: أولا: المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع و الحق في التقاضي: تعتبر حقوق الدفاع و الحق في التقاضي مبادئ كونية و دستورية، و ردت صراحة في الإعلانات و المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، و نصت عليها دساتير العديد من الدول، و من بينها المغرب، خاصة مع فترة "الإنتقال الديموقراطي"، بعد 2011، حيث اختار المغرب التحول نحو بناء دولة ديموقراطية، يسودها الحق و القانون، و مثل هذا الإختيار دستور 2011، الذي تضمن مبادئ و حقوقا لم تكن مألوفة، و لا منصوص عليها في دساتير 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996. ومن أهم المبادئ الواردة في دستور 2011، نجد ما يلي: * التراتبية القانونية؛ * فصل السلطات؛ * مبدأ المساواة أمام القانون؛ * الحقوق و الحريات الأساسية؛ * إستقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية و التنفيذية؛ * الحق في التقاضي؛ * حقوق الدفاع و الحق في محاكمة عادلة؛ * مبدأ الأمن القضائي؛ * الرقابة الدستورية السياسية أو القبلية على القوانين؛ * الرقابة الدستورية البعدية أو الفرعية على القوانين، (معطلة من طرف الحكومة و البرلمان). هذه المستجدات الدستورية، اعتبرها قسم واسع من الفقه الدستوري، بأنها تشكل مؤشرا على إنتقال المغرب إلى مرحلة بناء دولة القانون، وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان. فإلى جانب التشريع الدولي، الذي أولى حماية لحقوق الدفاع و الحق في التقاضي، و الحق في محاكمة عادلة، انخرط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، و من أهمها، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966. و هكذا نص دستور 2011، صراحة على دسترة "حقوق الدفاع" و "الحق في التقاضي"، و "الحق في محاكمة عادلة"، كما هو ثابت من الفصلين 120/ف1 و 118/ف1 من الدستور. و من أجل مقاربة موضوع المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع و الحق في التقاضي، ارتأينا أن نتطرق إلى المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع (I)، ثم إلى المرجعية الدستورية للحق في التقاضي (II)، و هما معا يعتبران من مقومات المحاكمة العادلة. I)- المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع: إن حقوق الدفاع تستمد مرجعيتها من القوانين الوطنية، و من التشريعات الدولية، و لا يجب أن تفهم حقوق الدفاع بأن نطاقها هو القوانين الإجرائية الجنائية، بل تشمل أيضا القوانين الإجرائية المدنية و الإدارية و التجارية، و كذا القانون المنظم لمهنة المحاماة، إضافة إلى القوانين الموضوعية. بالنسبة للمرجعية الدولية المؤطرة لحقوق الدفاع، نجد المواد 7 و 8 و 10 و 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948([2])، المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966 ([3])، و المادة 48 من ميثاق الحقوق الأساسية للإتحاد الأوروبي، و الإتفاقية الأوربية المتعلقة بحقوق الإنسان (المادة 6). و للإشارة، فقد أكدت المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان و المواطن في فرنسا إبان الثورة الفرنسية المؤرخ في: 26/08/1789 على حقوق الدفاع، و الإعلان المذكور، يعتبر مبدأ دستوريا في فرنسا، ورد صراحة في تصدير دستور الجمهورية الخامسة، المؤرخ في 04/10/1958 ([4]). و هكذا، جاء في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية "الناس جميعا سواء أمام القضاء، و من حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه و إلتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون". و حقوق الدفاع يجب أن تستغرق جميع القوانين، سواء كانت إجرائية أو موضوعية، و هو ما يعني بأنه ليس نطاقها قانون المسطرة المدنية أو قانون المحاماة، أو قانون السلطة القضائية، و لذلك فإن القواعد الناشرة لحقوق الدفاع قد ترد في القوانين الإجرائية أو في القوانين الموضوعية. و من المعلوم أن القوانين، تنقسم إلى قوانين تبين حقوق الأشخاص، و تحدد كيف ينشأ الحق و كيف ينقضي، أي القوانين المقررة للحقوق، كالقانون المدني و التجاري و العقاري، و قوانين تبين المسطرة التي يتعين مباشرتها للدفاع و حماية تلك الحقوق، أي قانون الشكل([5]) و العديد من مقتضيات القوانين الإجرائية المدنية تتعلق بالنظام العام([6])، خاصة تلك المتعلقة بالمبادئ الأساسية في التقاضي، كمبدأ علانية الجلسات، طرق الطعن في الأحكام و آجالها و تنفيذ الأحكام ([7]). و من أهم حقوق الدفاع، نجد الحق في توكيل محام، و الحق في الإطلاع على أوراق الملف، الحق في الطعن، الحق في محاكمة عادلة، و هي بذلك تعرف بأنها مجموعة من الضمانات المخولة للمتقاضين من أجل حماية حقوقهم خلال جريان الدعوى، الأمر الذي يعني بأن حقوق الدفاع هي من الحقوق الأساسية ذات قيمة دستورية، نطاقها قانون المسطرة الجنائية، و توسعت لتشمل جميع القوانين الإجرائية الأخرى، و كذا القوانين الموضوعية. إن المشرع، لم يعرف حقوق الدفاع، و هو الأمر الذي تولاه الفقه، و جاء في تعريف الفقيه إدريس العلوي العبدلاوي، للحق في الدفاع بأنه "كل ما يخوله القانون للخصم من وسائل في الخصومة لتكوين الرأي القضائي لصالحه، توصلا إلى الحكم لصالحه في النهاية" ([8]). ومن جهة أخرى، عرف الفقيه المصري عزمي عبد الفتاح، حق الدفاع، بأنه "حق الخصم في أن يسمع القاضي وجهة نظره، فإذا أصدر القاضي حكمه دون سماع الخصم الآخر، أو تمكينه على الأقل من إسماع القاضي دفاعه كان الحكم مشوبا بالإخلال بحق الدفاع" ([9]). إن حقوق الدفاع تندرج ضمن مجال حقوق الإنسان، و سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، هي سلطة تقديرية مقيدة بقيود دستورية، بحيث أنه لا يوجد تناقض بين حق الدفاع كحق دستوري أصيل، و بين تنظيمه تشريعيا بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة لتقييد أو إعاقة هذا الحق أو إهداره ([10]). وجاء في المادة 198 من الدستور المصري أن "المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة و سيادة القانون، و كفالة الحق في الدفاع و يمارسها المحامي مستقلا". II)– المرجعية الدستورية للحق في التقاضي: إذا كانت حقوق الدفاع هي من الحقوق الدستورية الأساسية للإنسان، فإنه لا يجوز الإنتقاص منها أو التضييق عليها أو تعطيلها بمقتضى تشريعات غارقة في عيوب عدم الدستورية، فالمشرع مطالب بأن يحقق التوازن بين حقوق الأفراد و حرياتهم، و بين مصالح الدولة، فإن نفس المبادئ تؤطر و تحكم الحق في التقاضي الذي يعتبر مبدأ دستوريا، ورد صراحة في الفصل 118/فقرة 1 من دستور 2011، و جاء فيه: "حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون". إن دسترة الحق في التقاضي، يترتب عنه ضمانه، بموجب التشريعات النافذة في الدولة، و عدم جواز مخالفتها للمبدأ الدستوري المذكور، تضييقا أو نقصانا، أو بالتوسع فيها، تحت طائلة شبهة عدم الدستورية، لأنه حق دستوري أصيل، يحظر التعدي عليه بأي وسيلة، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية، لأن حق التقاضي يكفله الدستور، و يتولى القانون تنظيمه في الحدود التي رسمها الدستور. ما معنى الحق في التقاضي؟ و ما هي مرتكزاته؟ إن الحق في التقاضي، يتمثل في الإمكانية المخولة لكل شخص في اللجوء إلى القضاء لطلب الحماية القانونية و الدفاع عن مصالحه و حقوقه التي يحميها الدستور. وبناء عليه، نعتقد بأن النص على حق التقاضي في الدستور، لا يجب أن يكون موضوع إنكار أو تقييد تشريعي، لأن حق التقاضي يعتبر من الحقوق العامة التي يكفلها الدستور، و من أهمها مبدأ المساواة في التقاضي بين المواطنين، لأنه لا يجوز حرمان طائفة معينة من المواطنين من حق التقاضي في ظل وجود منازعة تمس بحقوقها و بمراكزها القانونية، الأمر الذي يشكل تعديا على مبدأ المساواة أمام القانون لحرمانها من حق التقاضي، و هو المبدأ الذي أكدت عليه المحكمة الدستورية العليا في مصر([11])، في العديد من قراراتها و بشكل متواتر. وهكذا، فالسلطة التشريعية لا تملك الحق في الإعتداء على مبدأ حق التقاضي، لكونه مبدأ دستوريا، لأن التضييق من الحق في التقاضي بمقتضى قوانين إجرائية أو موضوعية، يصدرها المشرع، يشكل إعتداء على مبدأ سيادة القانون، و على مبدأ الفصل بين السلطات. ولذلك فكل نص تشريعي يخالف النص الدستوري هو نص باطل، و غير دستوري، لمخالفته القواعد الدستورية التي تحميه، و لذلك فإن الأصل في التشريع أن لا يقيد الإجراءات في التقاضي، أو وضع عراقيل أمام المتقاضين عن طريق جزاءات مالية أو غيرها من القيود. ومن أهم الضمانات المقررة في الدستور المغربي للحق في التقاضي، نجد ما يلي: * مبدأ فصل السلط (الفصل 1)؛ * مبدأ دستورية القواعد القانونية، و تراتبيتها (الفصل 6)؛ * مبدأ إستقلال القضاء (الفصل 107)؛ * مبدأ حياد و إستقلال القضاء (الفصل 109)؛ * مبدأ الأمن القضائي (الفصل 117)؛ * مبدأ الحق في محاكمة عادلة (الفصل 120)؛ * مبدأ مجانية التقاضي (الفصل 121)؛ * مبدأ علانية الجلسات (الفصل 123)؛ * الحق في صدور أحكام داخل آجال معقولة و في ممارسة الطعون (الفصل 120)؛ * الحق في جبر الأضرار المترتبة عن الأخطاء القضائية (الفصل 122)؛ * الحق في تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء (الفصل 126). و هكذا يستخلص من المبادئ الدستورية أنها تتكامل فيما بينها، لكونها تشكل ضمانة أساسية لحماية الحقوق و الحريات، و من بينها حقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة، التي تعتبر مبادئ دستورية ملزمة للسلطة التشريعية، و السلطة القضائية و السلطة التنفيذية (أي لجميع السلطات). و لما كانت القواعد الدستورية تحتل المكانة الأسمى في الهرم القانوني، و بأن الإتفاقيات الدولية تعلو على القوانين الوطنية بعد المصادقة عليها و نشرها بالجريدة الرسمية، و بعد معاينة عدم تعارضها مع الدستور، يتعين على المشرع مراعاة هذه القواعد في تشريعه، بما يكفل و يحقق التكامل و التعاون بين القانون الدستوري و القوانين الإجرائية والموضوعية من جهة، و مع الإتفاقيات الدولية من جهة ثانية، و ذلك من أجل ضمان إنتاج و إصدار منظومة تشريعية وطنية تتسم بالأمن القانوني كمدخل يكفل تحقيق الأمن القضائي. إن حقوق الدفاع و الحق في التقاضي يكتسيان حصانة دستورية ([12])، في ظل سيادة حكم القانون، و احترام تراتبية القوانين، و هو المبدأ الذي أكد عليه دستور 2011، بحيث أصبح مبدأ سيادة القانون مرادف لمبدأ المشروعية. و لكن، لا معنى لمبادئ سيادة القانون، و التراتبية القانونية، و الأمن القضائي، إذا لم يتم توفير الآليات المؤسساتية و التشريعية لحمايتها، و هو المبدأ الذي ينسحب أيضا على مبدأ حقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة المنصوص عليها دستوريا. إن الفصل 118/ف2 من الدستور ينص: "كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة". إن الفصل 118 من الدستور، ينص على مبدأين أساسين، و هما: مبدأ الحق في التقاضي، و مبدأ عدم تحصين أي قرار أو عمل إداري من رقابة القضاء، ليكون بذلك المشرع الدستوري قد عمل على دسترة دعوى الإلغاء أو دعوى المشروعية لأول مرة في النظام الدستور المغربي. إن المشرع الدستوري، و إلى جانب تقرير حق التقاضي للأشخاص كافة (مادية أو اعتبارية)، كمبدأ دستوري أصيل، نص أيضا على مبدأ حظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء ([13])، و كذا عدم جواز إصدار قوانين تتضمن مقتضيات مخالفة للدستور، احتراما لمبدأ سمو الدستور الذي يعتبر من المبادئ الملزمة ([14])، لأن تحقيق الأهداف الواردة في الدستور يجب أن يتم دون الإخلال بالمبادئ الدستورية ([15])، أي أن مراقبة دستورية القوانين – شكلا و جوهرا- تستلزم إستحضار المقاصد التي ابتغاها الدستور ([16])، سواء بالإنتقاص أو بالتوسع أو بإضافة قاعدة جديدة. و حقوق الدفاع و الحق في التقاضي، هي من الحقوق المتداخلة و المتشابكة، يصعب فصلها عن بعضها البعض، نظرا لوحدة الهدف المتمثلة في حماية حقوق المتقاضين أمام جميع المحاكم، و هو الأمر الذي يستفاد من أحكام الفصلين 118 و 120 من الدستور، الأول يتعلق "بحق التقاضي"، و الثاني نطاقه "حقوق الدفاع"، فهما معا ينظمان حقا من حقوق الإنسان، و يتكاملان فيما بينهما، عملا بالمبدأ الذي قررته المحكمة الدستورية بتأكيدها "أن الدستور متكامل في مبادئه و أهدافه و شروطه" ([17])، مما لا يجوز للمشرع مخالفة المبدأ المذكور. ثانيا: حقوق الدفاع و الحق في التقاضي في قضاء المحكمة الدستورية: إن الحق في التقاضي و حقوق الدفاع، و الحق في محاكمة عادلة، هي من الحقوق المضمونة بموجب الفصلين 118 و 120 من الدستور، يحق لكل شخص (مادي أو اعتباري) الدفاع عن حقوقه، و عن مصالحه التي يحميها القانون. و في هذا الإطار تعتبر الدعوى هي الوسيلة القانونية التي أقرها المشرع الدستوري، لكل شخص اللجوء إلى القضاء، لحماية و الدفاع عن حقوقه من الإعتداء عليها أو المطالبة بها ([18])، كما سبق و أن أوضحنا بأن "حقوق الدفاع" و "الحق في التقاضي"، نطاقهما جميع المنازعات التي تعرض على المحاكم، بجميع أنواعها و درجاتها، سواء كانت محاكم مدنية أو جنائية، أو إدارية، أو تجارية (…). و هكذا يستخلص من عمل المحكمة الدستورية، أنها قررت عدة مبادئ مستمدة من أحكام الدستور، و تتعلق بضمانات ممارسة الحق في التقاضي و حقوق الدفاع، التي تشمل "ضمانات إحترام حقوق الدفاع"(I)، و "ضمانات إحترام شروط المحاكمة العادلة" (II). I)- في ضمانات إحترام حقوق الدفاع: من أهم الضمانات الدستورية المتعلقة بحقوق الدفاع، التي وردت صراحة في قرارات المحكمة الدستورية، نجد من أهمها ما يلي: * ضمان مبدأ التكافؤ بين سلطتي الإتهام و الدفاع([19])، (حق الإطلاع و الحصول على الوثائق المدرجة في ملف الإتهام)؛ * ضمانات ممارسة حقوق الدفاع بإعطاء محامي المتهم و الطرف المدني الحيز الزمني الكافي لإعداد دفاعهم([20])؛ * ضمانات حق التقاضي بإعفاء الطاعن من تضمين عريضة الطعن في الإنتخابات عنوان المنتخب المنازع في إنتخابه ([21]). * ضمانات حق التقاضي بإعفاء الطاعن من وجوب تقديم عريضته من طرف المحامي في المادة الإنتخابية ([22])، هذا المبدأ جدير بالملاحظة و الدراسة المتبصرة. II)- ضمانات إحترام شروط المحاكمة العادلة، و عدم الجواز للمشرع بإضافة قاعدة قانونية جديدة من شأنها تغيير القاعدة الدستورية: * مراعاة مبدأ التناسب بين العقوبة و المخالفة ([23])؛ * إحاطة قرار العزل من مسؤولية انتدابية بالضمانات القضائية([24]) (الحق في الترشح)؛ * مراعاة مبدأ التوازن بين حسن سير التحقيق و حسن ممارسة حقوق الدفاع ([25])، و صدر قرار في إطار مراقبة المحكمة الدستورية أحكام القانون رقم: 01-129 القاضي بتغيير المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية، و جاء فيه: "إن إمتداد مفعول الأمر بعدم تسليم محضر الشرطة القضائية و باقي وثائق الملف، كليا أو جزئيا إلى محامي المتهم و محامي الطرف المدني، و عدم إنتهائه إلا عشرة أيام قبل بدء الإستنطاق التفصيلي، من شأنه أن يخل بمبدأ التوازن بين حسن سير التحقيق و حسن ممارسة حقوق الدفاع، الذي يعد من ضمانات المحاكمة العادلة، مما يجعل القانون رقم: 129.01 المذكور، من هذه الوجهة غير مطابق للدستور". * إحاطة مسطرة الجزاءات بأقصى الضمانات؛ ولما كانت حقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة، مبادئ دستورية، فإن عملية التشريع يجب أن تتم في إطار إحترام كامل للمبادئ الدستورية، و هكذا أكدت المحكمة الدستورية أنه يتعين على المشرع بمناسبة إصدار قوانين، إحترام المبادئ التي لها قيمة دستورية ([26])، و إحترام المبادئ الرامية إلى صيانة الحقوق و الحريات الأساسية ([27])، و من ضمنها حق التقاضي المضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون، و حقوق الدفاع، المنصوص عليها على التوالي في الفصلين 118 و 120 من الدستور. كما أن المشرع ملزم بإحترام القواعد الدستورية، و ذلك بالحرص على عدم إضافة قاعدة جديدة من شأنها تغيير القاعدة الدستورية نفسها ([28])، كما لا يحق للمشرع تعطيل نفاذ قانون بقانون جديد ([29])، تطبيقا لأحكام الدستور، (حالة المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020 المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية ضد الدولة و الجماعات الترابية، التي عطلت مقتضيات الفصل 126 من الدستور). كما أنه يتعين على المشرع أن يتجنب الإغفال التشريعي، أي بسكوت أو امتناع المشرع بتنظيم الموضوعات التي تدخل ضمن اختصاصه، و ذلك إما عمدا أو إهمالا، مما يؤدي إلى الإخلال بالضمانات الدستورية للموضوع محل التنظيم ([30]). وتجنب إضفاء صيغة الديمومة على تدابير إستثنائية، و جوب تطابق القواعد القانونية مع الأهداف المتوخى منها في الدستور، حظر التمييز و الإخلال بمبدأ المساواة، و عدم رجعية القوانين. ثالثا: حقوق الدفاع و الحق في التقاضي في ضوء العمل القضائي لمحكمة النقض و محاكم الموضوع: تعتبر محكمة النقض أعلى هيئة قضائية في المملكة، تتمثل وظيفتها في مراقبة العمل القضائي للمحاكم، و معاينة مدى تقيدها بحسن تطبيق القانون، تطبيقا سليما، على المنازعات المعروضة عليها، و من أهدافها توحيد العمل القضائي، بمناسبة النظر في الطعون بالنقض ضد الأحكام و القرارات الإنتهائية ([31])، و لذلك "فإن قاضي النقض هو قاضي القانون". و هكذا، سنتولى عرض بعض المبادئ التي تدخل ضمن حقوق الدفاع، و الحق في التقاضي، من خلال العمل القضائي لمحكمة النقض و لمحاكم الموضوع. لما كان مبدأ حقوق الدفاع و الحق في التقاضي من المبادئ الدستورية، فهي جديرة بالحماية القضائية، و هكذا ورد في قرارات محكمة النقض و محاكم الموضوع ما يلي: * عدم تمتيع الطاعن بالضمانات التأديبية المنصوص عليها في القانون، يعتبر خرقا لحق الدفاع الذي يعتبر من المبادئ العامة للقانون (حكم المحكمة الإدارية بالدارالبيضاء، عدد: 322 بتاريخ: 14/06/2004). * عدم تنصيص القانون الداخلي لمؤسسة عمومية على إمكانية تنصيب المستخدم المتابع تأديبيا لمحام قصد الدفاع، لا يعني هذا حرمانه من حق الدفاع، مادام هذا الحق من المبادئ العامة التي تسمو عل القوانين الداخلية (حكم المحكمة الإدارية بالرباط، رقم: 581 بتاريخ: 11/06/1998، ملف رقم: 1310/97). * عدم تبليغ المحكمة للمذكرة الجوابية المرفقة بوثائق حاسمة إلى الطرف الخصم، يجعلها خارقة للحق في الدفاع، مما يترتب عن ذلك نقض القرار المطعون فيه، (قرار محكمة النقض عدد: 733 بتاريخ: 06/05/2009، ملف تجاري عدد: 489/3/2/2007). * عدم عرض وثيقة مدرجة بملف القضية على أطراف الدعوى لتحديد موقفهم بشأنها، تعتبر بمثابة خرق لحق من حقوق الدفاع الموجبة للنقض (قرار المجلس الأعلى عدد: 844 بتاريخ: 27/05/2009، ملف تجاري عدد: 241/3/2/2007). * إذا تقرر إخراج الملف من المداولة و أعيد إدراجه بالجلسة وجب على المحكمة أن تستدعي الأطراف من جديد و تتحقق من توصلهم بالإستدعاء تحت طائلة النقض، (قرار المجلس الأعلى عدد: 310 المؤرخ في: 14/03/2007، ملف تجاري عدد: 327/3/1/2005). رابعا: قراءة و تقييم للمقتضيات المتعلقة بحقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 في ضوء المبادئ الدستورية: سنحاول في هذا الفرع من الدراسة، مساءلة مدى تطابق الأحكام الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 ذات الصلة "بحقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة" مع المبادئ الدستورية المؤطرة لتلك الحقوق. إن "حقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة" هي من الحقوق التي يحميها الدستور (الفصلين 118 و 120 من الدستور)، و نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية)، و التي صادق عليها المغرب و تم نشرها بالجريدة الرسمية. و لذلك فالمشرع و بمناسبة مناقشة ثم التصويت و الموافقة على مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، ملزم بأن يستحضر المبادئ الدستورية في نصوصه، و أن يتأكد من عدم تعارضها مع أحكام الدستور، تحت طائلة عدم الدستورية، و بأنها تتلاءم مع الإتفاقيات و المعاهدات الدولية. و الطعن في عدم دستورية القانون، يكون إما بصفة قبلية بعد المصادقة عليه، و قبل إصدار الأمر بتنفيذه، و في هذه الحالة نكون أمام رقابة سياسية قبلية، يمارسها أصحاب الصفة، أو بصفة آلية، إذا تعلق الأمر بالقوانين التنظيمية، التي تخضع للرقابة الدستورية الإجبارية ([32])، أو تكون لاحقة لإصدار القانون، و هي ما تعرف بالرقابة القضائية البعدية، أو الدعوى الدستورية الفرعية، المنصوص عليها في الفصل 133 من الدستور، و هي موضوع مشروع القانون التنظيمي رقم: 15-86 "المتعلق بتحديد شروط و إجراءات الدفع بعدم دستورية قانون"، و الذي لم يصدر بعد، لأسباب سياسية و مالية، رغم عرضه على المحكمة الدستورية في مناسبتين، و هو ما ينم عن تعطيل الحكومة و البرلمان لوسيلة دفاعية جوهرية لمواجهة النصوص القانونية غير الدستورية، و لذلك نرى من الضروري التطرق إلى الشروط المؤطرة لمسطرة إحالة القوانين العادية على المحكمة الدستورية (I)، ثم مناقشة حدود السلطة التقديرية للمشرع لما يتعلق الأمر بتنظيم الحقوق و الحريات (II). * الشروط المؤطرة لإحالة القوانين العادية على المحكمة الدستورية: مع دستور 1992، تم تبني حق الإحالة الإختيارية للقوانين العادية على القضاء الدستوري، و هو المبدأ الذي ورد أيضا في دستور 1996، ثم في دستور 2011، في الفصل 132، و يتعلق الأمر بإحالة القوانين التي صوت و وافق عليها البرلمان، و قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور. و هكذا، فالإحالة الإختيارية، مقررة لإصحاب الصفة، و هم: الملك، رئيس الحكومة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس المستشارين، خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، و يتم البت فيها داخل أجل شهر، غير أن هذا الأجل يخفض في حالة الإستعجال إلى ثمانية (8) أيام بطلب من الحكومة. و من المقرر قانونا، أن الإحالة لا تمثل طعنا في القوانين، بل هي مجرد "إحالة"، لا تستوجب أن تستند إلى حجج و وسائل طعن، لأن المحكمة الدستورية تمارس في هذه الحالة رقابة سياسية قبلية على القانون في جوانبه الشكلية و الموضوعية. و من جهة ثانية، إن الإحالة و إن لم تستند إلى حجج و وسائل طعن، فإن ذلك لا يرتب جزاء عدم القبول، بالنظر إلى عدم وجود نص دستوري أو قانوني يقضي بذلك، ما دام أن الأمر يتعلق بإحالة و ليس بطعن ([33]). إن المشرع الدستوري، لم يشترط أن تكون رسالة الإحالة معللة بأسباب، بل أن الإحالة لتكون مقبولة، يجب أن تكون في شكل رسالة مكتوبة، و أن تقدم من طرف أصحاب الصفة، و أن تتوفر على النصاب الدستوري لما تكون صادرة عن أعضاء البرلمان، و أن تكون موقعة، و يتعين توجيها إلى رئيس المحكمة الدستورية ([34]). لكن، و رغم عدم و جود نص دستوري يقضي بوجوب تعليل رسالة الإحالة على المحكمة الدستورية، إلا أن المادة 25 من القانون التنظيمي رقم: 13/066 المتعلق بالمحكمة الدستورية، ورد فيها بأنه يمكن لرئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو أعضاء البرلمان، أن يدلوا إلى المحكمة الدستورية بما يبدوا لهم من ملاحظات كتابية. و هكذا يلاحظ بأن المشرع استعمل كلمة "يمكن" و ليس "يجب" و هو ما يتوافق مع مضمون الإحالة المنصوص عليها في الدستور (الفصل 132/فقرة 3)، أي أن تعليل الإحالة ليس بشرط وجوبي بل إختياري، مما يجوز لأصحاب الصفة إحالة مشروع القانون دون تعليل على المحكمة الدستورية من أجل البت في دستورية القانون في جوانبه الشكلية و الموضوعية. II–حدود السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق و الحريات: من المعلوم أن الحكومة ملزمة بأن ترفق مشاريع القوانين الرامية إلى سن تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة حول آثارها، و ذلك تطبيقا لأحكام المادة 19 من القانون التنظيمي رقم: 065.13 المتعلق بتنظيم و تسيير أشغال الحكومة و الوضع القانوني لأعضائها. ويلاحظ بأن الحكومة لم تتقيد بأحكام المادة 19 أعلاه، بمناسبة إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02،لأن الغاية من دراسة الآثار القانونية و الإقتصادية و المالية والإجتماعية والإدارية، هي لتفادي التضخم في سن النصوص، و كذا عدم استقرار القانون، و عدم اضطراب الإجتهاد القضائي. ومن جهة ثانية، يجب على الحكومة ملائمة مشروع قانون المسطرة مع التشريعات الوطنية (من أهمها القانون رقم: 28.08 المنظم لمهنة المحاماة)، و الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو إنضم إليها، مع وجوب القيام بالمشاورات القبلية مع الأطراف ومع المؤسسات المعنية بمشروع قانون المسطرة المدنية، و هو المبدأ الذي تنكرت له الحكومة ضدا على مقاصد الديموقراطية التشاركية. إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق و الحريات أنها سلطة تقديرية، ما لم يفرض الدستور على ممارستها قيودا لا يجوز تخطيها لضمان أن يكون الإنتفاع بتلك الحقوق مقيدا و فعالا. ولقد اعتبر المجلس الدستوري المغربي، أن السلطة التقديرية للمشرع يجب أن لا تتسم بالخطأ البين في التقدير، و هو ما يعني بأن القضاء الدستوري لا يراقب إختيارات المشرع، بل أن عمله يقتصر على مراقبة التشريع في ضوء الدستور ([35]) (شكلا و موضوعا). وفي جميع الأحوال، كل تأويل للدستور، يجب أن يكون تأويلا ديموقراطيا، تراعى فيه المبادئ و القواعد الدستورية المؤطرة للحقوق و الحريات، و التي لا يجوز مخالفتها،و ألا تنفصل النصوص القانونية عن الأهداف التي يتوخاها المشرع الدستوري، و من أهمها المصلحة العامة، و ضمان الأمن القانوني الذي يعتبر رافعة للأمن القضائي. ومن المعلوم أن المطابقة القانونية لنص تشريعي مع الدستور، تعتبر مسألة جوهرية ملزمة للمشرع، بحيث أنه ملزم بأن يحترم كل مشروع قانون المبادئ التالية ([36]): * تراتبية القواعد القانونية؛ * المطابقة مع أحكام الدستور؛ * الملائمة مع الإتفاقيات و المعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، و تم نشرها بالجريدة الرسمية؛ * التقارب مع قوانين الإتحاد الأوروبي. إن عدم إحترام هذه القواعد في النص التشريعي، سيترتب عنه لا محالة إصدار قانون يتسم بإضطراب دستوري و قانوني، يمثل و بحق تقصيرا أو عوارا تشريعيا، يتطلب زوال النصوص غير الدستورية، و هو المبدأ الذي ينسحب على مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، كما يتبين من الجدول التفصيلي في هذه الدراسة. إن مبدأ سيادة و سمو الدستور، يعني وجوب خضوع السلطة التشريعية لأحكام الدستور، و التشريع في إطاره، دون مخالفة مبادئه و قواعده، لأن سلطة المشرع، لا يمكن أن تكون سلطة تقديرية مطلقة، بل هي سلطة تقديرية مقيدة بأحكام الدستور. إن السلطة التقديرية للمشرع ليست مطلقة، بل مشروطة وجوبا بعدم مخالفتها للدستور، أي أنها سلطة مقيدة بالقواعد الدستورية يجب أن لا يعتريها خطأ في التقدير. أنه بالرجوع إلى مواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، يتبين بأن المشرع و ان كان مفوض له بموجب الدستور، ممارسة السلطة التشريعية (الفصل 70 من دستور 2011)، إلا أن ذلك يجب أن يتم وفقا لأحكام الدستور، ولا حق للبرلمان بأن يتوغل في مجال الدستور، بإضافة قواعد قانونية جديدة أو تغيير مضامين القاعدة الدستورية، فمثلا، مبدأ المساواة أمام القانون كمبدأ دستوري، تم التعدي عليه بشكل ظاهر، لما عمد المشرع إلى "تقييد" حق التقاضي و الحق في مباشرة الطعن بالإستئناف أو النقض، كما أنه أقام تمييزا بين المقاضين بسبب مراكزهم الإجتماعية، و أحدث تفاضلا بين الأشخاص المعنوية العامة من جهة، و الأشخاص المعنوية الخاصة أو الأفراد من جهة أخرى، في تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، بحيث أنه منح وضعا خاصا و إمتيازا للأشخاص المعنوية العامة، في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، و هو ما يتعارض مع أحكام الفصل 126 من الدستور. وهكذا، سنتولى عرض المقتضيات الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، و التي لها اتصال مباشر أو غير مباشر بحقوق الدفاع و الحق في التقاضي، و الحق في محاكمة عادلة و الموسومة بعيوب عدم الدستورية. خامسا: عدم دستورية المواد المنصوص عليها في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 لتعارضها مع "حقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة" بوصفها مبادئ دستورية: يعتبر قانون المسطرة المدنية أو قانون المرافعات المدنية أو قانون الشكل، هو القانون العام للإجراءات القضائية و غير القضائية، غايته حماية حقوق الأشخاص المادية و الإعتبارية، و هو بذلك يمثل القانون الذي يحدد حقوق المتقاضين، و واجباتهم أثناء التقاضي، و هو فرع من فروع القانون الخاص، لكن إذا نظر إليه بوصفه ينظم وظيفة عامة للدولة، فهو في هذه الحالة فرع من فروع القانون العام ([37]). لكن، و مهما اختلفت التسميات في الأنظمة القانونية، إلا أن قانون المسطرة المدنية يظل هو الشريعة العامة للتقاضي، الذي ينظم الإجراءات القضائية و غير القضائية، يبين كيفية توزيع الإختصاص بين جهات القضاء المختلفة، و يرسم القواعد المتعلقة برفع الدعاوى، و الشروط الواجب توفرها في المقالات و الطلبات، و بيان كيفية إدارة الدعوى، و آجال تقديم الدفوع و الطعون، و كيفية إصدار الحكم و شروطه، و تحديد شروط تنفيذ الأحكام القضائية و الإشكالات التي قد تعتريها. و من المعلوم أن الدستور يتكامل في مبادئه و أهدافه، و لذلك لا يجوز للمشرع أن يصدر تشريعات تتعارض مع المبادئ و الأهداف المنصوص عليها في الدستور، و الملاحظ بأن مشروع قانون المسطرة المدنية، أنه قيد حقوق الدفاع و الحق في التقاضي، و الحق في محاكمة عادلة، لما عمد إلى استحداث نصوص تحد من الحق في الولوج إلى العدالة، و إقامة تمييز بين المتقاضين، و تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة ضد أشخاص القانون العام، هذه الحالات و غيرها، تؤكد قيام مخالفة دستورية، لا يمكن تبريرها بمنطق، "السلطة التقديرية للمشرع"، لأن الأمر لا يتعلق بإختيار تدابير تشريعية مقررة في الدستور، مما يترتب على ذلك عدم دستوريتها. و من صلاحيات المحكمة الدستورية مراقبة مشروع قانون المسطرة المدنية عند إحالته عليها من طرف أصحاب الصفة، لأن الدستور يتسم بالسمو على جميع القوانين، لذلك من الواجب تطبيقه نصا و روحا، و هو المبدأ الذي يتعين على المحكمة الدستورية مراعاته بمناسبة نظرها في القضايا التي تعرض عليها ([38]). ومن المعلوم أن القانون (La loi) لا يعبر عن الإرادة العامة، إلا بإحترام الدستور، والمبادئ ذات القيمة الدستورية ([39])، و هو المبدأ الذي أخذ به المجلس الدستوري الفرنسي. وهكذا نخلص إلى أن بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 لا تتوافق مع أحكام الدستور، و لا تعبر عن الإرادة العامة و المصلحة العامة للمجتمع أو الدولة، و لا تتلائم مع الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب و تم نشرها بالجريدة الرسمية، بل أن المشرع خالف تلك المبادئ إما بشكل معتمد، أو أنه إنزلق إليها بغير قصد، الأمر الذي يتطلب إنهاء المخالفات الدستورية من طرف المحكمة الدستورية، لأن تنظيم و تحديد الحقوق و الحريات و إن كان من ولاية المشرع، لكن ذلك يخضع للرقابة المباشرة للقضاء الدستوري ([40]). وبناء عليه، سنتولى عرض أوجه المخالفات الدستورية التي تعتري بعض نصوص مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، إما عمدا، أو إغفالا، أو تقصيرا، أو عن غير عمد، و ذلك وفق التفصيل المبين أدناه. سادسا: الجدول الكاشف لمواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 المخالفة للقواعد و المبادئ الدستورية، مع تحديد فصول الدستور موضوع المخالفة الدستورية: خلاصات: من خلال استقراء المواد الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، و المشار إليها أعلاه، يمكننا إستنتاج ما يلي: -تنكر المشرع لمبدأ الأمن القانوني و لمبدأ الأمن القضائي، إما إغفالا أو عمدا (الفصل 117 من الدستور). -خرق مبدأ دستورية القواعد القانونية، و تراتبيتها بوصفها قواعد ملزمة للكافة، (الفصل 6 من الدستور). -التعدي على مبدأ "ممارسة مهنة المحاماة للمساطر القضائية و غير القضائية، و هو ما يتعارض مع القانون رقم: 28.08 المنظم لمهنة المحاماة"؛ -المساس بمبدأي إستقلال المحاماة و حصانة الدفاع؛ -تحميل المحامي إلتزامات تتعارض مع قيم مهنة المحاماة و مع المركز القانوني للمحامي، و التي ليست من مهامه أو من واجباته؛ -خرق مبدأ المساواة بين المتقاضين؛ -خرق مبدأ مجانية التقاضي؛ -خرق مبدأ الحق في التقاضي؛ -خرق مبدأ الحق في محاكمة عادلة؛ -خرق مبدأ حقوق الدفاع. و لذلك، فالبرلمان مدعو بأن يستحضر بمناسبة مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، القواعد و المبادئ الدستورية المشار إليها أعلاه، من أجل ضمان إصدار قانون مطابق للدستور، و خال من مثالب عدم الدستورية. إن المحكمة الدستورية معنية بحماية الدستور الواجب التطبيق في نصه و روحه ([41])، و هو ما يتعين عليها مراعاته بمناسبة نظرها في جميع القضايا التي تعرض عليها، و التي من المرتقب أن يحال عليها مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، لأن الدستور له السمو على كل من عداه، و يتعين على الجميع مواطنات و مواطنين و دولة، التقيد بأحكامه و مبادئه. و هكذا، لا يجوز للمشرع أن يعطل جوهر الحقوق و الحريات التي يحميها الدستور، بعلة تنظيم هذه الحقوق، بالحد من مداها، بل ينبغي أن يتم ذلك وفقا للدستور، و ليس من أجل غايات سياسية، لأن الحقوق (الحق في التقاضي، الحق في الدفاع، الحق في محاكمة عادلة)، تؤطرها قواعد موحدة، و لذلك لا يحق للمشرع أن ينال منها، أو يحد منها أو يعطل النفاذ إليها، الأمر الذي يعتبر إخلال صريحا للحماية التي يكفلها الدستور لتلك الحقوق جميعها. – دكتور في الحقوق، ومحام بهيئة وجدة، وأستاذ زائر بجامعة محمد الأول بوجدة. الهوامش [1] – سامي جمال الدين، الرقابة على اعمال الادارة، جامعة الاسكندرية، كلية الحقوق، 1992، ص: 33. [2] – اعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 215 الف (د-3) بتاريخ 10 دجنبر 1948. [3] – تم اعتماده بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200-أ(د-21)، بتاريخ 16 دجنبر 1966، و دخل حيز النفاذ بتاريخ 23 مارس 1976، وقع عليه المغرب في 19 يناير 1977، و صادق عليه بظهير رقم: 4-78-1 بتاريخ 21 ماي 1979، و نشر بالجريدة الرسمية عدد: 3525، بتاريخ 21 ماي 1980. [4] – Le préambule de la Constitution Française de 1958 dispose «le peuple français proclame solennellement son attachement aux droits de l'homme et aux principes de la souveraineté nationale tels qu'ils été définis par la déclaration de 1789 (.....). [5] – أحمد أبو الوفا، أصول المحاكمات المدنية، الدار الجامعية، بيروت، 1983، ص: 46. [6] – مدلول النظام العام، هو كل قاعدة امرة Impérative، تحقق مصلحة عامة و تمس النظام الأعلى للمجتمع، و لا يجوز الإتفاق على عكسها، و القاضي ملزم أن يحكم تلقائيا ببطلان الإجراءات، كما يحق لكل طرف في الدعوى أن يثير ذلك. [7] – أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص: 48. [8] – إدريس العلوي العبدلاوي، الوسيط في شرح المسطرة المدنية، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الدر البيضاء، ص 1، 1998، ص: 314. [9] – عزمي عبد الفتاح، واجب التقاضي في تحقيق مبدأ المواجهة بإعتباره أهم تطبيق لحق الدفاع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990، ص:6. [10] – المحكمة الدستورية العليا المصرية، قضية رقم: 15، لسنة 14 قضائية، المحكمة الدستورية العليا، "دستورية". [11] – الحكم الصادر في القضية رقم (67 لسنة 6 ق.د) جلسة 16 فبراير 1985، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية، الجزء الثالث، ص: 145. [12] – أحمد عبد الفتاح طه القصاص، التجريم الدستوري، دراسة تحليلية مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2020، ص: 23. [13] – مجدي محمود محب حافظ، موسوعة أحكام المحكمة الدستورية العليا من عام 1971 إلى عام 2008، الجزء الثالث، دار محمود للنشر و التوزيع، القاهرة، ص: 1787-1792. [14] – قرار المجلس الدستوري رقم: 937 بتاريخ: 29 مايو 2014. [15] – قرار المجلس الدستوري رقم: 943 بتاريخ: 25 يوليو 2014. [16] – قرار المجلس الدستوري رقم: 937 بتاريخ: 29 مايو 2014. [17] – قرار المجلس الدستوري رقم: 817 بتاريخ: 13 أكتوبر 2011. [18] – محسن الصويب، ياسين مومن، إشكالات الإذن بالتقاضي في نزاعات أراضي الجماعات السلالية، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، العدد: 173، 2023، ص: 161. [19] – قرار المجلس الدستوري رقم: 921 بتاريخ: 13 غشت 2013. [20] – قرار المجلس الدستوري رقم: 921 بتاريخ: 29 غشت 2013. [21] – قرار المجلس الدستوري رقم: 943 بتاريخ: 25 يوليو 2014. [22] – قرار المجلس الدستوري رقم: 943 بتاريخ: 59 يوليو 2014. [23] – قرار المجلس الدستوري رقم: 817 بتاريخ: 13 أكتوبر 2011. [24] – قرار المجلس الدستوري رقم: 820 بتاريخ: 18 نونبر 2011. [25] – قرار المجلس الدستوري رقم: 921 بتاريخ: 13 غشت 2013. [26] – قرار المجلس الدستوري رقم: 660 بتاريخ: 23 شنتبر 2007. [27] – قرار المجلس الدستوري رقم: 630 بتاريخ: 23 يناير 2007. [28] – قرار المجلس الدستوري رقم: 921 بتاريخ: 13 غشت 2013. [29] – قرار المجلس الدستوري رقم: 943 بتاريخ: 25 يوليو 2014. – قرار المجلس الدستوري رقم: 250 بتاريخ: 24 أكتوبر 1998. [30] – عبد العزيز محمد سلمان، رقابة الإغفال في القضاء الدستوري، ص: 5، على موقع WWW.f.law.net د/مهند صالح الطراونة، العلاقة بين السلطتين التنفيذية و التشريعية في النظام البرلماني، ط1، دار الورق، الأردن، 2009. [31] – إدريس بلمحجوب، قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف، الجزء الأول، مطبعة الأمنية، الرباط، 2005، ص: 10. [32] – إن القوانين التنظيمية تعد منبثقة عن الدستور و مكملة له و تعدو أحكامها بعد تصريح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور إمتدادا له، (راجع قرار المجلس الدستوري رقم: 786/2010، بتاريخ 02 مارس 2010. [33] – يحي حلوي، المجلس الدستوري المغربي، دراسات و تعاليق (1994-2017)، الطبعة 1، مطبعة المعاريف الجديدة، الرباط، 2017، ص: 360. [34] – راجع المادة 23 من القانون التنظيمي رقم: 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، و قرار المجلس الدستوري رقم: 1400/14، ملف رقم: 943/14.م.د، بتاريخ 25 يوليو 2014. [35] – محمد أتركين، مباحث في فقه الدستور المغربي، مطبعة شمس برنيت، سلا الطبعة الأولى، 2020، ص: 269. [36] – الامانة العامة للحكومة، الدليل العام لمساطر معالجة مشاريع النصوص التشريعية و التنظيمية، سلسلة "الوثائق القانونية المغربية"، الطبعة الأولى، المطبعة الرسمية، الرباط، 2015، ص: 26. [37] – أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص: 50. [38] – قرار المجلس الدستوري، رقم: 819/2011، صادر بتاريخ: 16 نوفمبر 2011، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 5997، بتاريخ: 22 نوفمبر 2011، الصفحة 5562. [39] – Cons. Const., décis. N° 85-197 DC, 23 août 1985. [40] – عبد العزيز سالمان، قيود الرقابة الدستورية، دار نهضة القانون، 1998، ص: 108. [41] – قرار المجلس الدستوري رقم: 819/2011 بتاريخ: 16 نونبر 2011، الجريدة الرسمية عدد: 5997 مكرر بتاريخ: 22 نونبر 2011، ص: 5562.