تشهد المملكة تفاوتات مجالية وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، والتي سلطت الضوء على الفجوات الاقتصادية بين مختلف جهات المغرب، وقد باتت تُثار بقوة في النقاش الاقتصادي، خاصة مع استمرار ارتفاع معدلات الفقر في بعض المناطق مقارنة بأخرى. وأفادت المندوبية السامية للتخطيط، في تقريرها يوم أمس الاثنين، بأن معدل الفقر المطلق على المستوى الوطني انخفض من 4.8 في المائة سنة 2014 إلى 3.9 في المائة سنة 2022. وعلى الرغم من هذا التحسن العام، فإن خمس جهات في المغرب سجلت معدلات فقر تفوق هذا المتوسط الوطني. وفي هذا الإطار، قال محمد جدري، خبير اقتصادي، إن "الأرقام التي أعلنتها المندوبية السامية للتخطيط لم تكن مفاجئة للمتابعين الاقتصاديين؛ نظرا لأن التفاوتات المجالية في المغرب تُعد من بين التحديات الهيكلية الكبرى. بل وأكثر من ذلك، فإن النموذج التنموي الذي تم اعتماده منذ يناير 2005 يهدف إلى تقليص هذه التفاوتات بنسبة 95 في المائة، وفقا لمؤشر جيني المعترف به عالميا". وتابع جدري ضمن تصريح لهسبريس: "عندما نلاحظ أن خمس جهات تتجاوز فيها معدلات الفقر المطلق المتوسط الوطني البالغ 3.9 في المائة، مقارنة بسبع جهات أخرى، فإن ذلك يثير تساؤلات حول نجاعة السياسات العمومية، خاصة فيما يتعلق بالاستثمار الأساسي والبنية التحتية. الجهات المعنية بهذا التفاوت تشمل الجهة الشرقية، وجهة درعة تافيلالت، وجهة فاسمكناس، وجهة بني ملالخنيفرة، وجهة كلميم واد نون. والمشترك بين هذه الجهات هو بعدها عن المحور المركزي الرابط بين طنجةوالجديدة، وضعف بنياتها التحتية الأساسية". وأردف: "على سبيل المثال، مدينة بني ملال لم يتم ربطها بالطريق السيار إلا حديثا، بينما لا تزال درعة تافيلالت بدون طريق سيار، وكذلك كلميم واد نون. أما جهة الشرق فهي تعاني من التأثير الاقتصادي المباشر لإغلاق الحدود مع الجزائر". وأبرز الخبير الاقتصادي أنه "من بين الحلول الأساسية التي يجب العمل عليها هو تحقيق توزيع عادل للثروة والاستثمار. في هذا السياق، يسعى الميثاق الجديد للاستثمار إلى تقديم حوافز مجالية من أجل دفع الاستثمارات إلى خارج المحور المركزي طنجة-الجديدة، نحو جهات مثل درعة تافيلالت، كلميم واد نون، والجهة الشرقية. أما جهتا فاسمكناسوبني ملالخنيفرة، فهما تعانيان بشدة من موجات الجفاف التي أثرت على المغرب لأكثر من 25 سنة؛ وهو ما يفرض ضرورة تعزيز البنية التحتية المائية لضمان استدامة الأنشطة الفلاحية والصناعية". وأكد المتحدث أن "الجهات الأخرى، مثل درعة تافيلالت وكلميم واد نون، تحتاج إلى جهود أكبر لفك العزلة عنها عبر تحسين شبكات الطرق والمطارات وربطها بالمحيط الأطلسي. كما أن تحفيز الاستثمار في القطاعات الواعدة، مثل صناعة السيارات والطيران والنسيج والصناعات الجلدية والصناعات الغذائية، يمكن أن يساهم في تنميتها وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية التي تفصلها عن الجهات الأكثر نموا"، مشددا على أن "تحقيق هذا التوازن سيشكل خطوة أساسية نحو تنمية أكثر عدالة وشمولية على المستوى الوطني". من جانبه، قال يوسف كراوي الفيلالي، خبير اقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، معلقا على اتساع الفوارق المجالية: "في السابق، كنا نتحدث عن الطبقة المتوسطة والفقيرة. أما اليوم، ومع هذا الارتفاع الكبير في الأسعار والضغط التضخمي، فقد بدأت تظهر فئات اجتماعية جديدة، مثل الطبقة تحت المتوسطة، بل وطبقة فقيرة جدا. هذا التحول يعزى إلى عوامل عديدة؛ من بينها الاحتكار في الأسواق، المضاربات القوية، ارتفاع معدل البطالة، وعدم مواكبة سوق الشغل لمتطلبات المعيشة. كل هذه العوامل ساهمت في تفاقم الأزمة، مما جعل الأسر المغربية تواجه تضررا كبيرا على مستويات متعددة". وقال كراوي الفيلالي، ضمن تصريح لهسبريس، إنه "عند الاطلاع على أرقام ومؤشرات المندوبية السامية للتخطيط، يتضح أن الإنفاق قد ارتفع وسيستمر في الارتفاع، وهذا مرتبط بطبيعة الحال بمعدلات التضخم. الوضع الاقتصادي الذي نعيشه اليوم يخضع بشكل مباشر لقانون العرض والطلب، والذي يتأثر بعوامل عديدة؛ من بينها المضاربات والاحتكار". وتابع الخبير الاقتصادي قائلا: "لا شك في أن هناك ظروفا مناخية غير مستقرة تؤثر على الموسم الفلاحي، ولكن ضعف مراقبة الأسواق يؤدي إلى تفاقم النفقات الأسرية، مما يجعلها في منحى تصاعدي مستمر". وأشار رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير إلى أنه "على الرغم من التحسن الطفيف الذي نشهده حاليا في مستوى المعيشة، فإن الارتفاع المهول في الأسعار يفوق هذا التحسن، مما يضع الأسر المغربية تحت ضغط كبير على مستوى الإنفاق؛ وهو وضع مرشح للاستمرار حتى نهاية السنة". وختم الخبير نفسه بالقول: "هذا أمر مؤسف، على الرغم من اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاجتماعية، مثل الدعم المباشر وتخفيض الضريبة على الدخل وزيادة الأجور في القطاع العام. ورغم هذه التدابير، فإن النفقات الأسرية لا تزال في ارتفاع؛ نظرا لاستمرار الضغوط التضخمية التي تؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين".