"تحسن طفيف" أفرزه احتساب البيانات الرسمية لمؤشر ثقة الأسر المغربية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2024، وفق مندوبية التخطيط؛ إذ جاء مستقرا عند 46,5 نقط عوض 46,2 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق و44,3 نقط المسجلة خلال الفصل الرابع 2023. ويقدر محللون وأكاديميون اقتصاديون، استطلعت هسبريس تعليقاتهم في الموضوع، أن هذا التحسن مرده إلى الإعلان عن تفعيل زيادات في أجور وتعويضات بعض الفئات المهنية، فضلا عن مراجعة سعر الضريبة على الدخل لعموم الأجراء والموظفين نحو خفضها وتخفيف بعض العبء المالي والمعيشي عن الأسر. نتائج بحث الظرفية الفصلي لدى الأسر (برسم آخر فصول السنة المنقضية)، المنجز من لدن المندوبية السامية للتخطيط، وَفرَ أربع نتائج رئيسة بالنسبة لصانعي السياسات والباحثين؛ من أبرزها "استمرار التشاؤم بشأن توقع ارتفاع البطالة وتدهور قدرة الادخار"، لافتة إلى "تصور شبه عام بارتفاع أثمنة المواد الغذائية". كما أبرزت آراء الأسر المستطلعة "توقعات بتحسن مستوى المعيشة خلال الأشهر المقبلة"، مقابل تسجيلها "تشاؤما مستمرا بشأن القدرة على الادخار"، بما يفضي إلى "تصور سلبي" للأسر حول وضعيتها المالية. "تضخم قد يعود" يوسف كراوي الفيلالي، خبير اقتصادي رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، عزا "التحسن الطفيف" في مؤشر الثقة داخل الأسر بالمغرب إلى "عامليْن"؛ أولهما "الإجراء الأخير بقرار الحكومة حول تنفيذ التسوية الطوعية جعل ثقة أكثر". أما العامل الثاني، وفقه، فيتمثل في ما "تم إجراؤه من إصلاحات على الضريبة على الدخل، مما زاد من الثقة بين المواطنين وأعطى انطباعا بذلك لديها". وعلى الرغم من أن المؤشر "مطمْئن"، فإن كراوي الفيلالي نبه، مصرحا لهسبريس، إلى ما وصفها "إشكالية أكبر من ذلك بتوقعات موجة تضخمية جديدة تلوح بالأفق(...) لأن الأسعار العالمية لبرميل النفط ومواد الطاقة بدأت ترتفع، مستحضرا "صعود اليورو والدولار وتقلباتهما". وأبرز الخبير الاقتصادي إلى أن "ارتفاع أسعار الغذاء"، خصوصا الخضر، سيؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، لافتا إلى "أننا نشهد بوادر تلك الموجة التضخمية مع "اقتراب شهر رمضان، وقد تستمر، بزيادات في أسعار بعض الخضر من 10 إلى 20 في المائة؛ ما سيؤثر بشكل مباشر على قفة المواطن"، وفق تقديره. "نعيشُ مرحلة تضخمية لم نخرج منها، رغم توقعات الحكومة أن يبقى التضخم في حدود 2 في المائة وفقا لقانون المالية لعام 2025؛ لكن الواقع مختلف بتضرر القدرة الشرائية لمعظم الأسَر". بطالة "تتفاقم" بانتقاله إلى مؤشر البطالة، اعتبر كراوي الفيلالي أن "البرامج الحكومية لم تحقق، إلى حدود اليوم، المتوخى منها بخلق فرص شغل، خاصة في القطاع الصناعي الذي يستثمر في البنية التحتية؛ لكنه لا يوفر فرص عمل كافية". وزاد مسجلا ضمن تصريحه استمرارا "مقلقا" لتأثير عامل "الجفاف الهيكلي بالمغرب وشح المياه أدى إلى انخفاض القيمة المضافة في القطاع الفلاحي وفقدان مناصب عمل هامة من خلاله لا سيما بالقرى". وختم بأن "الحاجة إلى إجراءات عملية مستعجلة لتحسين سوق التشغيل، خاصة بين الشباب، ستجنب المغرب عددا من الإشكاليات الاجتماعية المرتبطة بها (التضرر الأسري، زيادة الفقر والهشاشة، حالات طلاق وعزوف عن الزواج...) التي قد تتفاقم إذا لم تُحل مشكلة البطالة ولم تتعزز ثقة الأسر". "مستوى متدن" اتفق الأكاديمي الاقتصادي عبد الرزاق الهيري مع ما ذهب إليه كراوي الفيلالي من حيث "توقعات بارتفاع مستوى البطالة بسبب الظروف المناخية غير الإيجابية"، واصفا بأن توقعات الأسر المغربية "في محلها"، بسبب استمرار "تأثير سلبي للظروف المناخية وقلة التساقطات على الموسم الفلاحي الحالي ودينامية خلقه لمناصب شغل، علما أنه "يشغل حوالي 28 في المائة من السكان النشيطين". ورصد الهيري، ضمن إفادات تحليلية لهسبريس، أن "التأثير السلبي لعدم اليقين المناخي يمتد إلى خلق الثروة في القطاع الفلاحي، مع تأثيره على القطاعات الإنتاجية الأخرى، ثم بشكل غير مباشر على دينامية التشغيل عموما"، مؤكدا "الحاجة إلى جهود إضافية لمواجهة البطالة، عبر تفعيل البرامج الحكومية لخلق مناصب شغل للشباب وحاملي الدبلومات". مدير مختبر "تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية" في كلية الاقتصاد بفاس أكد أن "مؤشر ثقة الأسر لا يزال في مستوى متدنٍ مقارنة بالسنوات قبل 2022" رغم التحسن، راصدا منحاه التنازلي الملموس. الحاجيات والادخار في سياق متصل زكى المحلل ذاته "توقعات بتحسن مستوى المعيشة للأسر"، قائلا إنه "يعود إلى عوامل عديدة؛ منها زيادة الأجور في القطاعين الخاص والعام، مع إقرار تخفيضات ضريبية أو إعفاءات أحيانا تحفز التحسن". ولفت إلى أنه "تم إحراز نتائج إيجابية في التحكم بمستوى التضخم"، مستدركا: "رغم النتائج الإيجابية، فإن نسبة التضخم لا تزال تؤثر سلبا على القدرة الشرائية للأسر"، وختم بأن قراءة المؤشر تعكس "تأثيرات الاقتصاد الكلي على الأسر ومستوى معيشتهم. أما "التصور السلبي للأسر فمرتبطٌ بوضعها المالي"، وفق الهيري، الذي برز في عاملين رئيسيين: الأول هو "التدهور في القدرة الشرائية للأسر، خاصة مع الموجة التضخمية المؤثرة بشكل خاص على المواد الغذائية". أما العامل الثاني فهو "اتساع دائرة الحاجيات التي يجب تلبيتها، وتطور نمط الحياة المُعولَم يزيد من الحاجيات". وأثار الانتباه إلى أن "غالبية الأسر ترى أن دَخلها لم يعد كافيا لتغطية جميع المصاريف في ظل اتساع دائرة تلك المرتبطة بالحاجيات مع مرور الوقت"، مسجلا أن "ارتفاع الأسعار واتساع نطاق الاحتياجات يساهم في انخفاض قيمة الادخار". وزاد: "النظرة التشاؤمية حول الادخار تؤثر سلبا على قدرة الاقتصاد الوطني على تمويل الاستثمار؛ فيما تحسين القدرة الشرائية يتطلب جهودا للتحكم في المستوى العام للأسعار، مشددا على "حكامة السياسات البنيوية، مثل سياسة الماء وتحلية مياه البحر، كضرورة للتحكم في أسعار المواد الغذائية"، مع "إيجابية التحكم في الاستهلاك بما يساعد في زيادة الادخار لتمويل الاستثمار".