في مكتب فرع دمشق لحزب البعث أقدم أعضاء في الحزب الذي كان يتزعمّه الرئيس بشار الأسد على تسليم أسلحة خفيفة الخميس لعناصر في الفصائل المسلحة التي باتت تسيطر على العاصمة. وقال ماهر سمسمية (43 عاما)، الذي كان مديرا للشؤون الإدارية في "كتائب حزب البعث"، الذارع العسكرية للحزب الحاكم، متنفسا الصعداء: "لم نعد بعثيين"، ويضيف: "كنّا مجبرين على الانتماء (إلى الحزب). بالنسبة لهم ما لم تكن معنا فأنت ضدنا". وكان الحزب الذي حكم سوريا على مدى ستين عاما أعلن الأربعاء تعليق أنشطته بعد سقوط حكم بشار الأسد الأحد، و"تسليم كافة الآليات والمركبات والأسلحة" التي يملكها لوزارة الداخلية، على أن "توضع كافة أملاكه وأمواله تحت إشراف وزارة المالية، ويودع ريعها في مصرف سوريا المركزي". وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام على سقوط حكم بشار الأسد وفراره إلى روسيا. ومارس الحزب سياسة الترهيب وتحكّم في كل مفاصل الحياة، وكان المنتمون إليه بين المحظيين القلائل الذين يحصلون على وظائف مثلا وخدمات؛ وروى سمسية أن جميع المسؤولين عنه تواروا عن الأنظار منذ الأحد؛ "هربوا، اختفوا فجأة". وعلى مدخل المكتب وقف مسلحون يتسلّمون الرشاشات ويكدّسونها فوق بعضها البعض. وقال ماهر إن مهمته في الحزب كانت "استقطاب المدنيين ليتمّ تسليحهم ليقفوا إلى جانب الجيش السوري"، وتابع: "فقدنا الكثير من الشهداء... ذهبوا لأجل قضية لا يعرفون عنها شيئا". وعلى غرار ماهر سمسمية سلّم فراس زكريا (53 عاما) سلاحه أيضا. وقال الرجل الذي كان موظفا في وزارة الصناعة: "طُلب منّا تسليم السلاح، ونحن نؤيد هذا الأمر... نحن متعاونون لمصلحة هذا البلد". ومثل كثر غيره روى زكريا أنه كان مرغما على الانتماء إلى الحزب ليتمكّن من الحصول على وظيفة في الدولة، وأضاف: "بحكم وجودنا في هذا البلد كان ينبغي أن نكون في حزب البعث العربي الاشتراكي لنحصل على أي عمل". وفي العام 2012 تمّ إقرار دستور جديد في سوريا ألغى الدور القيادي للحزب الحاكم. وحلّت مادة نصّت على "التعددية السياسية" محل المادة الثامنة التي تشدّد على دور الحزب "القائد في الدولة والمجتمع". لكن كان ذلك فقط على الورق. في يوليو 2024 فاز الحزب مجددا بغالبية مقاعد مجلس الشعب، في رابع انتخابات، مثيرة للجدل، بعد اندلاع النزاع في العام 2011. – صور ممزقة – في مقرّ القيادة المركزية لحزب البعث وسط دمشق لم تبق إلا صور ممزقة لبشار الأسد، وسيارات مهجورة أمامه، وأوراق مبعثرة، ومكاتب فارغة، ومسلحون من هيئة تحرير الشام يقفون حراسا للمكان. وخلا المقر من جميع المسؤولين والعاملين فيه. وهناك كان يجتمع بشار الأسد، الأمين العام للحزب، مع الأعضاء والقيادات. وفي الباحة الخارجية تمثال لحافظ الأسد محطّم على الأرض، وسيارات فارهة صينية الصنع يبدو أنها كانت لمسؤولين في الحزب، أوقفت في الخارج، تم تحطيم نوافذها وأبوابها. وفي الطابق الأرضي للمبنى لوحة على الجدار لحافظ الأسد وابنه باسل الأسد الذي قضى في حادث سير، مع شخصيات أخرى؛ وهي الصورة الوحيدة لعائلة الأسد التي نجت من التمزيق والتكسير بعد أن دخل متظاهرون ليلة سقوط حكم حزب البعث إلى المقرّ. وفي مكتب من مكاتب المبنى المؤلف من طبقات عدّة أوراق تكدّست في مكتبات أو تبعثرت عشوائيا على الأرض، إحداها مؤرخة في 12 نوفمبر 2024، عبارة عن اقتراح من فرع حلب لحزب البعث ل"طرد" رفاق بسبب "خيانتهم الوطن والحزب من خلال تعاملهم مع العصابات الإرهابية المسلحة وقيامهم بالتدريس في مدارس ما يسمى 'الائتلاف المعارض'". وبقيت فناجين من القهوة وقطع خبز وطعام في مكانها في غرفة أخرى من غرف المقر، وكأن من تركها غادر على عجلة. وفي طابق تحت الأرض يقول المسلحون الذين يحرسون المكان الآن إنه كان يستخدم سجنا تبعثرت هراوات وبطاقات وبزات عسكرية على الأرض. وفي مستودع خارجي عثر المسلحون على صناديق تحتوي على قنابل يدوية ذات صناعة روسية. وعدد البعثيين في سوريا غير معروف. وقال مقبل عبد اللطيف (76 عاما) بدوره إنه كان مجبرا على الانتماء إلى الحزب، مضيفا أنه عضو في الحزب العبث منذ أن كان في المدرسة، وتابع: "لو سار حزب البعث بشكل صحيح لكانت البلاد بخير"، وأضاف: "في الستينيات كان حزب البعث حقيقيا... البعث الحقيقي الذي نعرفه هو اشتراكية ومحبة والكبير مثل الصغير، هذا ما نعرفه عن حزب البعث الاشتراكي، لا الإقطاعي".