حنين لذكريات الزمن الجميل أم تطاول على الأموات؟ كعادة المشاهد العربي كل رمضان ،تغريه متابعة انتاجاته فيتسمر أمام شاشة التلفزيون بترقب وشغف غير مسبوقين طوال شهور السنة ،بهرجة استثنائية ،وفوضى عارمة وتخبط عشوائي في القيم والإيديولوجيات فصار بذلك رمضان "شهر التلفزيون بامتياز" وضاع بذلك الهدف الحقيقي والحكمة البالغة منه (شهر المصالحة مع الذات ومحاسبة النفس على ما اقترفته طوال أشهر العام).. الدراما العربية تتحفنا بانتاجات تلفزيونية تعالج قضايا اجتماعية أحيانا وسياسية أحيانا أخرى لكي تجلب أنظار المشاهد العربي وتروق فكره وتشبع رغباته و"تسلي صيامه" مع التحفظ على هذا المصطلح المرفوض جملة وتفصيلا من لدن خطباء ووعاظ ودعاة رمضان ،لكن في العقد الأخير اختارت الدراما العربية نهجا أخرا وخطت لنفسها طريق سير الفنانين الذاتية نظرا لإشعاعهم ونبوغهم الفني حتى تربعوا على عرش قلوب محبيهم وعاشقيهم فمنهم من أدى به عشقه لفنان أو فنانة إلى الانتحار كما حصل مع " العندليب "عندما أعلنت وفاته ،ومنهم من اعتزل الزواج والغرام لأنه لم يضفر بحب" أم كلثوم" أو الارتباط بها مثلما حصل مع الموسيقار "محمد القصبجي".... بدءا من مسلسل "أم كلثوم" مرورا ب" العندليب" وصولا إلى"أسمهان "انتاجات تلفزيونية ضخمة ، بحرفية وإتقان غير مشهودين ،عبقرية في الأداء والإخراج وحبكة السيناريو...غير أن سيرة هؤلاء الفنانين نالت نصيبها من علامات الاستفهام ، حول حقيقة ما شاهدناه ؟؟؟ هل هو فبركة للسيناريوهات للتسويق الإعلامي والربح المادي لجلب أنظار عشاق أصواتهم عبر سبر أغوار حياتهم الشخصية كي يطلع عليها المشاهد العربي بأدق تفاصيلها ، بما فيها أسرارهم أم أنها حقائق بالفعل عايشها الفنانون (معاناة ، تجارب عاطفية فاشلة، منافسة شرسة على من يتربع على عرش الغناء العربي ويحضى بقلب محبيه وجيبه،الرغبة في انتقام فنان من منافسه في الساحة،تهديده بالقتل...)؟؟ حينما يبدأ المشاهد العربي في التساؤل عن جدوى تناول الدراما العربية لسيرة فنان توفاه الله ؟؟،فلا يتوانى المهتمون بالإنتاج التلفزيوني بالدفاع عن فكرتهم،بأنه أبسط " تكريم" لشخص الفنان والرفع من شأنه ، بين عشاقه ،وأن الموت لا يمحي بصماتهم التي سجلوها في الطرب العربي بمداد من فخر وبأن الفنان هو ملك لجمهوره ومعبوده الأبدي من حق جمهوره معرفة كيف عاش؟ ومن كان مقربا له؟ وتوجهه السياسي؟ وعلاقته بأسرته؟ حياة الفنان وسيرته الذاتية ليست من الطابوهات والمقدسات التي لا يمكن المساس بها هذه اكبر مغالطة يمكن أن يقع فيها الناقد أو المقريين منه. وهناك من الفنانين الجدد من يعتبر الأمر على أنه تعبير متواضع عن الحنين لذكرى هذا الفنان وللزمن الجميل الذي عايشه ، الزمن الموصوف ب: (الرومانسية الحقة ، وبمعاني الحياة الجميلة ، بالغناء الهادف الذي تطرب له الأذان، ويخاطب الوجدان ،قمة الأداء واللحن والكلمة ،لتعطي سيمفونية الحب الجميل ...) بينما يعتبر بعض النقاد وعشاق الفنانين ومقربوهم ، أن تناول سيرهم الذاتية ماهو إلا نبش لقبورهم بالتعدي على حرماتهم باعتبارهم موتى لا يجوز إلا الترحم عليهم والاستغفار لهم ، وليس عبر تشويه صورتهم من خلال فبركة سيناريوهات ملئ بالمغالطات التاريخية والأخطاء كما جاء في تصريح ل الأمير فيصل الأطرش ابن شقيق المطربين الراحلين أسمهان وفريد الأطرش في تصريحات شديدة اللهجة أن مسلسل "أسمهان" الذي يعرض على شاشات بعض الفضائيات في رمضان مليء بالأخطاء والمغالطات التاريخية مؤكدا الحلقات الأولى من المسلسل كشفت عن هذه الأخطاء التي كان قد حاول تداركها حين عرض عليه السيناريو قبل ما يزيد على عامين.. وفي الجانب الأخر قال المنتج الأردني إسماعيل كتكت أن المسلسل لا يحمل إساءة لأحد, وهو مسلسل دراما يحمل شخصيات حقيقية وأخرى غير حقيقية, وليس دراما تاريخية فلا نؤرخ للتاريخ بل نؤرخ للوطن..ولم نسئ لشخص "اسمهان " نحن تناولنا شخصيتها كما ورد على لسان مقربيها.وهذه الجعجعة الإعلامية التي أثارها احد مقربيها ماهي إلا لعبة تعطي له شهرة وتخدم مصلحته الشخصية ليس إلا؟؟ في حين اعتبر علي شبانه ابن عم عبد الحليم حافظ أن مسلسل العندليب قد " فشل بامتياز " على حد تعبيره كما اعتبره تشويه لصورة العندليب و سمعته مؤكدا على أن غالبية الأحداث التي عرضها المسلسل هي افتراء و خيال من نسج المؤلف و هذا ما وصفه شبانة اعتداء على ذاتية مطرب كبير له وزنه في العالم العربي و في تاريخ الطرب الأصيل كالعندليب عبد الحليم حافظ، فهل يعد حقا تطاولا على الموتى ما قام به منتجوا الدراما العربية؟؟ وهل هذا التطاول يخالف شريعتنا السمحة التي ترفض هذا التصرف وتعتبره من باب ذكر الموتى بالسوء المفترض في الأحياء ذكر محاسنهم بالخير كما جاء في الحديث النبوي الشريف :"أذكروا أمواتكم بخير" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . دعوة من الرسول الكريم صريحة إلى عدم التطاول على الموتى وطي صفحات الماضي بمأسيه ومعاناته ، بحكم أن الله عزوجل هو الكفيل بمحاسبة عباده بما اقترفته أيديهم في الحياة الدنيا وليس من حق أي أحد أن ينصب نفسه حاكما أو رقيبا على تصرفات الأشخاص سواء كانوا فنانين أو غيرهم /وما أدراك بتوبة هذا الفنان أو تلك قبل انقضاء أجله ؟ لايمكن لأي إنسان أن يحكم على تصرفات البشر من الظاهر لان الله تعالى هو الذي يتولى سرائر عباده؟ ويعجز أي صاحب سيناريو أن يحدثنا عما راج بخاطر ذاك الفنان عندما يناجي خالقه بالليل؟ الله عزوجل أرحم بعباده منا ؟كفانا من نبش قبور موتانا فنانين وغيرهم لأننا بذلك نكون تجاوزنا صلاحياتنا إلى ما ابعد من النقد إلى التجريح بالموتى والتطاول على حرماتهم "كما صرح بذلك "الشيخ عبد الله المصلح" في جوابه على أحد السائلين عن الحكمة من الحديث النبوي الشريف"اذكروا محاسن موتاكم بالخير". فهل سيصر المهتمون بالدراما العربية ، عن التغاضي عن ردود بعض النقاد لأعمالهم التي تناولت سير الفنانين والسماع لفتاوى تشيد بذكر الموتى بالخير وعدم التطاول على حرماتهم ؟ أم سيصرون على ضرورتها إيمانا منهم أنها "نوستالجيا "الزمن الجميل لا ينبغي محوها بفتوى شيخ أو حقد قريب لفنان أو مقص رقيب.!!؟؟ ""