المنصوري: الحكومة تنقصها "لمسة الشعبوية" والتعديل الحكومي مهم لضخ نفس جديد    حماس تعلن وفاة أحد الرهائن الإسرائيليين متأثرا بإصابته في غارة جوية    كأس العرش لكرة القدم .. الرجاء الرياضي يبلغ نصف النهائي بفوزه على حسنية أكادير (4-2)    تحذير وزاري لمستعملي الطرق السيارة    حضور متميز لأسود الأطلس في نهائيات المسابقات الأوروبية للأندية    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض وتلون السماء بأضواء قطبية    انطلاق المهرجان الدولي للفروسية "ماطا" بمنطقة "بن مشيش"    الأزمي ينتقد تضارب المصالح في الصفقات العمومية الكبرى واستخدام قوانين المالية لذلك    القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية تكشف تفاصيل مناورات "الأسد الإفريقي"    المنصوري تقول إن أعضاء حزبها ال44 ألفا غالبيتهم ليسوا فاسدين مع تبني "ميثاق الأخلاقيات"    شبكات المخدرات تواصل عملياتها بسواحل الجديدة.. الدرك أوقف 6 متهمين والمهربون نجحوا في تمرير 95 رزمة حشيش    مبابي يعلن رسميا مغادرته باريس سان جيرمان    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    جماعة طنجة تساهم بنحو 13 مليون درهم لتطوير وتوسيع مطار ابن بطوطة الدولي    مركز الاستثمار يروج لمؤهلات جهة طنجة في ملتقى اقتصادي بالامارات المتحدة    العين الإماراتي يسقط ذهابا أمام يوكوهاما الياباني في ذهاب نهائي دوري أبطال آسيا    فاطمة سعدي ضمن لائحة أعضاء المكتب السياسي للبام    بعد اعتقال بعيوي والناصيري.."البام" يصدر ميثاق الأخلاقيات    نشرة إنذارية | زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرَد بعدد من مناطق المغرب    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق    البحرين تحضر لانعقاد القمة العربية    دار الشعر بتطوان تفتتح ليالي الشعر في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    الكراوي يتناول "معطيات مرجعية" لتجربة تدريس العلوم الاقتصادية في المغرب    القنصل العام للسنغال بالداخلة: لا وجود لمهاجرين عالقين في الصحراء المغربية    المغرب يشيد باعتماد الأمم المتحدة قرار دعم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    المعرض الدولي للكتاب والنشر.. المجلس الأعلى للتربية والتكوين يناقش الرافعات الكبرى لحكامة المنظومة التربوية الوطنية    إطلاق أشغال إنجاز خط سككي بين الدار البيضاء وبني ملال قريبا    هلال: المبادرة الأطلسية مقاربة متبصرة لتحقيق التنمية المشتركة        بعد شهر على الانتخابات.. أمير الكويت يحل مجلس الأمة ويعلق بعض مواد الدستور    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تبرز الأدوار التاريخية والرهانات المستقبلية لقنواتها الأمازيغية في المعرض الدولي للنشر والكتاب    كونفدرالية الصيادلة تشتكي "مستشفى الشيخ زايد" بالرباط وتطالب بفتح تحقيق في توزيعه الأدوية    بنسعيد: المغرب منخرط في خلق صناعات ثقافية وإبداعية قوية وتنافسية    فرقة كانديلا ارت الفنيدق- تطوان تترافع عن التراث الوطني في المهرجان الوطني لهواة المسرح بمراكش    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو حول دعوتها للمشاركة في إدارة غزة    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    تصفيات كأس العالم لكرة القدم النسوية لأقل من 17 سنة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الجزائري    "الطاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    جديد موسم الحج.. تاكسيات طائرة لنقل الحجاج من المطارات إلى الفنادق    مدرب الجيش مطلوب في جنوب إفريقيا    صدمة جمهور الرجاء قبل مواجهة حسنية أكادير    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوصل بين الشيخ الصوفي والإمام الشيعي أوهام وإسقاطات
نشر في هسبريس يوم 22 - 08 - 2009

شبهات التداخل بين الولاية و النبوة وإسقاط التكاليف ""
مسالة التداخل بيبن مقام الولاية والنبوة على وجه التعارض أو التفاضل من طرف واحد ،وخاصة من جانب الولاية، قد تعتبر مشكلة مفتعلة من طرف المفرطين والمتطرفين سواء كانوا من المتمصوفة أو المتسلفة أو المتشيعة على حد سواء.وهي تمثل ظاهرة أو جرثومة خطيرة قد ابتلي بها الميدان الصوفي،وهي ليست إلا ضربا من تشويشات الزنادقة والملاحدة المبطنين الذين يرمون إلى تهديم قواعد الشريعة والتحلل من أحكامها وواجباتها حتى يتسنى لمن شاء أن يقول ما شاء بحجة أنه فوق مرتبة الشرع وأن الدين قد جاء للعوام،أما الخواص فإنهم قد لا يحتاجون إليه.
ولقد كانت حجة القائلين بهذا قصة نبي الله:موسى و العبد الصالح الخضر عليهما السلام،حيث جرهم وهمهم وفكرهم المعوج إلى اعتقاد أفضلية الخضر والحط من شأن موسى وذلك بسبب أن الخضر قد كان يعلم بواطن بعض الأشياء،بينما موسى لم يكن له نصيب من هذا العلم،وبدا كأنه قاصر العلم والفضل في القصة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف.
ناسين أن ذلك قد كان في حد ذاته تشريعا للبشر وتربية لهم وتعليمهم آداب الصحبة وأخذ العلم،كما فيها بيان لقدرة الله سبحانه وتعالى على إيتاء حكمته من يشاء من عباده وأن يختص برحمته من يشاء حتى يلجأ إليه بالتضرع والعبادة والتقوى لينالوا حظهم من العلم الذي اختص الله به بعض عباده الصالحين،كما يذكره أبو نصر السراج في كتابه اللُّمع .
ولقد خصص ابن تيمية فصلا له في مجموع فتاواه حول هذه المسألة ابتدأه كالتالي:
"تكلم طائفة من الصوفية في خاتم الأولياء وعظموا أمره فجعلوه ممدا في الباطن لخاتم الأنبياء، تبعا لغلوهم الباطل حيث يجعلون الولاية فوق النبوة موافقة لغلاة المتفلسفة الذين قد يجعلون الفيلسوف الكامل فوق النبي" .
فالذي يستنتج من ظاهر النص أن الفكرة مستمدة من الفلسفة الدخيلة على الإسلام والمسلمين والمشخصة في الفلسفة الإشراقية الأفلاطونية التي تقول بالمدينة الفاضلة التي تجعل الطبقة الأولى من حكامها فلاسفة والذين تعطيهم مطلق الحكم والتصرف في توارث حكمها والتشريع لها.أي أنهم سيصبحون مصدر التشريع والمرجعية الأولى والأخيرة في كل ما يهم أحكام المعاملات والعقائد والسياسة وغيرها،وهذه الفكرة قد تبناها فلاسفة زنادقة في بعض مراحل حضارة المسلمين،فرفعوا قيمة الفيلسوف فوق قيمة النبي،وتعلقوا بالفلسفة وانسلخوا عن الدين بسبب تعظيمهم للفلاسفة الذين شوشوا عليهم عقيدتهم،مما دفع بالغزالي أن يرد على هذا الافتتان بهم في كتابه:"تهافت الفلاسفة" حتى أنزلهم إلى درجة عوام الناس يزلون كما يزل هؤلاء و يخطئون كما يخطئون لا فضل لهم على بعضهم إلا بالتقوى واتباع الشرع الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله سبحانه تعالى .
وليس زنادقة الصوفية هم الذين وحدهم ادعوا هذه الخرافات ولكن طوائف شتى قد نالت نصيبها من هذا الخطر يذكر من بينهم ابن تيمية "جهال القدرية والأحمدية واليونسية"الذين غالوا في تفضيل شيوخهم على الأنبياء حتى أضفوا عليهم صفات من القداسة وادعوا فيهم نوعا من الألوهية،وكذلك هناك طائفة تفضل أيضا الولي على النبي ويدخل في حكمهم أيضا غلاة الرافضة".
ولعله قد وقع خلط متعمد بين بعض مبادئ الصوفية في التزكية الروحية وبين مواقف الشيعة من أئمتها التي قد تذهب فيها أي مذهب من حيث اعتبار عصمتهم ووراثتهم الروحية باستحقاق وغيره،كما يرى أحمد أمين بأن الشيعة لما قالت بأن الإمامة تورث"زعم بعض الصوفية أن مشيخة الطرق تورث،فنور الشيخ ينتقل منه إلى ابنه،وإذا مات وخلف صبيا فهو الشيخ ولو كان رضيعا لأن فيه نور أبيه،ورأوا الشيعة تقول بعصمة الأئمة،فاعتقد العامة بعصمة الأولياء،فلا يصح الطعن على من سموه وليا ولو رأوه يشرب الخمر،وكفوا ألسنتهم وأيديهم عنه،بل وتبركوا به،لأنه فوق أن يسأل عن عمله.وكم فسد الإسلام من هذه الأوهام،ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" .
ويقول أيضا في هذا الإطار حول شبهات المهدي المنتظر عند الشيعة واقتراب مفهومها لدى بعض زاعمي الانتماء الصوفي :
"وشيء آخر تولد من فكرة المهدي المنتظر،ذلك أن الصوفية اتصلت بالتشيع اتصالا وثيقا،وأخذت فيما أخذت عنه فكرة المهدي،وصاغتها صياغة جديدة وسمته"قطبا"وكونت مملكة من الأرواح على نمط مملكة الأشباح،وعلى رأس هذه المملكة الروحية:القطب،وهو نظير الإمام أو المهدي في التشيع،والقطب هو الذي" يدبر الأمر في كل عصر،وهو عماد السماء،ولولاه لوقعت على الأرض"ويلي القطب النجباء ...
وهكذا كون الصوفية مملكة باطنية وراء المملكة الظاهرية،اتخذوا فيها فكرة المهدي،وغيروا ألفاظها،وكملوا نظامها،وكلها سبح في الخيال وجري وراء أوهام كلها شعر،ولكنه ليس شعرا لذيذا،بل هو شعر أفسد على الناس عقائدهم وأعمالهم،وبعدهم عن المنطق في التصرف في شؤون الحياة،وقعد بهم عن المطالبة بإصلاح الحكم وتحقيق العدل،فكانوا يهيمون في أودية الخيال والحكام يهيمون في أودية الفساد،وكأنهم تواضعوا على ذلك،فالحاكم يفسد والشعب يحلم وحالة الأمة تسوء" .
وهذا الذي ذكره أحمد أمين وصوره عن متمصوفة زمانه،أو في عصر الانحطاط بعد سقوط بغداد وقرطبة،لم يكن يمت إلى التصوف الذي ذكرنا أصوله العقدية والسلوكية بصلة.كما أن مسألة الوراثة الجزافية لا يوجد لها مبدأ عند الصوفية المحققين،بحيث سنجد الشعراني يتبرأ من أهل زمانه ودعواهم للمشيخة والتصوف وذلك في تعبير بليغ كما يقول:"وقد بلغنا أن الذئب الذي اتهم بأنه أكل يوسف عليه الصلاة والسلام كان من حلفه أنه قال:"وألا أكون من مشايخ القرن العاشر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما أكلت يوسف! فكيف يصح لأحد منا دعوى الطريق وهو في النصف الثاني من القرن العاشر الذي استعاذ الذئب أن يكون واحدا من أشباهنا فيها" .
كما أن الشعراني هذا قد يبطل زعم شمولية الوراثة باسم النسب المحض في الطريقة الصوفية التحقيقية،بحيث يرى أن من شأن:"المريد أن لا يقنع في طريق فقره بالآباء والجدود كما عليه أولاد غالبية المشايخ،بل يجب عليه أن يتخذ له شيخا يربيه،فليست المشيخة بالإرث إنما هي بالجد والاجتهاد"الذي سبق وعرضنا منهجه في ساحة التصوف السني.
"وكان الرازي رحمه الله يقول:لا ينبغي للشيخ أن يبادر لأخذ العهد على أولاد المشايخ المتشيخين بالآباء والجدود إلا بعد امتحانهم في الصدق في طلب الطريق ودخولهم تحت أمره ونهيه،فإن غالبهم يرى نفسه أفضل من جميع المشايخ الظاهرين في عصره ممن ليس له سلف في المشيخة" .
فمن نموذج عدم ضرورة الوراثة النسبية وخاصة بين الشيخ الأب وابنه ما نجده عند الشيخ عبد السلام بن مشيش ووراثة سره ومعارفه من طرف تلميذه الشيخ أبي الحسن الشاذلي،بحيث قد كان للشيخ عبد السلام أولاد صلحاء لكنهم مع ذلك لم يستحقوا وراثة المشيخة أو الأستاذية،وهو نفس الشيء الذي نجده عند الشيخ سيدي أبي مدين القادري بودشيش – رغم أنه كان له أولاد - حينما أورث سره للشيخ سيدي العباس وابنه سيدي حمزة القادري بودشيش - الشيخ الحالي للطريقة القادرية البودشيشية - في حين أن وراثة الشيخ سيدي حمزة لأبيه سيدي العباس رحمه الله تعالى قد كانت على استحقاق،وانتظار انتقالها عبره كانت مجرد وقت، وذلك لأنه كان قد نالها ابتداء من طرف شيخه الأول:الشيخ أبو مدين رحمه الله تعالى،رغم أن الغالب على بيت الصلاح- أي بيت- وكنتيجة منطقية ومعقولة وكذلك مشروعة حينما يكون الشخص مؤهلا علميا ومعرفيا وسلوكيا أن يرث الولد أباه على المستوى الروحي وذلك على قاعدة"وورث سليمان داوود"و"ذرية بعضها من بعض"وأيضا "الولد سر أبيه".
في حين أن لزوم وجود النسب الشريف عند الشيخ ليست ضرورية في التصوف السني بشكل قطعي،وهذا ما تخالف فيه الطريقة الصوفية مذاهب الشيعة اعتقادا وسلوكا،والدليل على ذلك وجود كثير من أقطاب التصوف ورجاله ليسوا من أهل البيت نسبا وإن كانوا من خيرة رجال هذه الأمة علما وسلوكا وطريقة من بينهم: أبو حامد الغزالي الطوسي الفارسي ومحيي الدين بن عربي الحاتمي الأنصاري وغيرهما،رغم أن من كمال الشيخ وجمعه بين الحسنيين أن يكون ذا نسب ونسبة كما هو الغالب على الشيوخ وخاصة أصحاب الطرق والزوايا والذين كان على رأسهم الشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني رحمه الله تعالى.
فكما نقل عن كتاب "البداية والنهاية"لابن كثير تعريفا به " هو عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله الجيلي ثم البغدادي،ولد بكيلان، ووفد بغداد شاباً سنة 488 ه، وتفقه على عدد من مشايخها خاصة أبي سعيد المُخَرَّمي،وكان على مذهب الإمام أحمد في صفات الله عز وجل، وبغض الكلام وأهله،وفي القدر،وفي الفروع،خلف شيخه أبا سعيد المُخَرَّمي على مدرسته،ودرَّس فيها وأقام بها إلى أن مات.قال ابن السمعاني عنه: (إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح، ديِّن خيِّر، كثير الذكر،دائم الفكر، سريع الدمعة).ولد للشيخ عبد القادر تسعة وأربعون ولداً،سبعة وعشرون ذكراً والباقي إناث.جلس الشيخ عبد القادر للوعظ سنة 520ه،وحصل له القبول من الناس، واعتقدوا ديانته وصلاحه،وانتفعوا بكلامه ووعظه".
فلقد كان فقيها وعالما من كبار علماء الشريعة في الظاهر المبسط والواضح من غير تأويل كما نجده في كتابه "الغنيةّ"الذي يدل بقوة على انتمائه إلى أهل السنة مذهبا وعقيدة،ومما اشتهر عن الشيخ عبد القادر رحمه الله كدليل على فقهه وثبات قدمه في العلم ما حكاه عنه ابنه موسى كما قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:"سمعتُ والدي يقول:خرجتُ في بعض سياحاتي إلى البرية،ومكثت أياماً لا أجد ماءً،فاشتد بي العطش،فأظلتني سحابة نزل عليَّ منها شيء يشبه الندى، فترويت منه، ثم رأيت نوراً أضاء به الأفق،وبدت لي صورة،ونوديت منها:يا عبد القادر أنا ربك، وقد أحللت لك المحرمات،أو قال:ما حرمتُ على غيرك؛فقلت:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ يا لعين؛فإذا ذلك النور ظلام،وتلك الصورة دخان، ثم خاطبني وقال:يا عبد القادر نجوتَ مني بعلمك بحكم ربك وفقهك في أحوال منازلاتك،ولقد أضللت بمثل هذه الواقعة سبعين من أهل الطريق؛فقلتُ:لربي الفضل والمنة؛قال: فقيل له:كيف علمتَ أنه شيطان؟ قال: بقوله: وقد أحللتُ لك المحرمات".
في حين أنه كان ممن يسلم له و يعترف به كبار العلماء من شتى المذاهب وخاصة تقي الدين ابن تيمية -رغم ما جره عليه بعض المغالين والمتطرفين من خرافات وافتروا عليه من أساطير وأوهام-وذلك باعتباره مؤسسا للطريقة الصوفية في شكل مدرسة تربوية وعلمية شعبية،ذات دور تحصيني واجتماعي وسلوكي ضد الخلل والاضطراب الذي وقعت فيه الأمة من جانبها العقدي والسلوكي والسياسي والاقتصادي،بعد سقوط بغداد وطغيان التتار.
الشيخ الصوفي والإمام الشيعي في تباين الأبعاد
كما أن الشيخ في التصوف قد يفترق عن مفهوم الإمامة عند الشيعة افتراقا جوهريا ووظيفيا،وذلك لأنه لا يتبنى العمل السياسي كممارسة على عكس الإمام الشيعي الذي يتصدر المرجعية الروحية والسياسية في آن واحد.
إذ أن الشيخ الصوفي قد يكون ناصحا وموجها لرجل السياسة بل مربيا له من أجل المصلحة العامة لا المذهب والمنفعة الخاصة،وذلك لزهده في طلب الدنيا وحب الرياسة التي تتنافى مع مسلكه وتفرغه ومقصده، كما نجد هذا المثال الرائع من حوار بين رجل صوفي صالح هو ابن السماك والخليفة هارون الرشيد العباسي.
فلقد بعث هارون الرشيد إلى ابن السماك وكان من أئمة السلف الصالح،فدخل عليه وعنده يحيى بن خالد،فقال يحيى:إن أمير المؤمنين أرسل إليك لما بلغه من صلاح حالك في نفسك وكثرة ذكرك لربك عز وجل ودعائك للعامة؛فقال ابنُ السماك أما ما بلغ أميرَ المؤمنين من صلاحنا في أنفسنا فذلك بستر الله علينا؛فلو اطلع الناس على ذنب من ذنوبنا لما أقدم قلبٌ لنا على مودة ولا جرى لسانٌ لنا بمدحة؛وإني لأخاف أن أكون بالستر مغرورا وبمدح الناس مفتونا وإني لأخاف أن أهلك بهما وبقلة الشكر عليهما.وطلب الرشيد ماء ليشرب،ثم قال لابن السماك:عظني.فقال له:بالله عليك يا أمير المؤمنين لو مُنعت هذه الشربة بكم تشتريها؟ قال بنصف ملكي، قال: لو مُنعت خروجَها بكم كنت تشتريه؟ قال بنصف ملكي الآخر، فقال:إن ملكا قيمته شربة ماء وبولة لجدير أن لا يٌنافس فيه !فبكى هارون بكاء شديدا وقال له ابن السماك يوما:إنك تموت وحدك وتدخل القبر وحدك وتبعث منه وحدك،فاحذر المقامَ بين يدي الله عز وجل والوقوفَ بين الجنة والنار؛حين يؤخذ بالكَظَم،وتزل القدم،ويقع الندم ،فلا توبةٌ تقبل ولا عثرةٌ تقال،ولا يقبل فداءٌ بمال. فجعل الرشيد يبكي حتى علا صوته فقال يحيى بن خالد له:يا ابن السماك لقد شققت على أمير المؤمنين الليلة فقام فخرج من عنده وهو يبكي وينتحب.
فهذه القصة قد ذكرها الغزالي في كتابه الإحياء كنموذج من منهج الصوفية في الوعظ وتصور قضايا الدنيا وقيمتها وجودا ومآلا،كما ذكرها غيره في نفس الإطار لتبيين مستوى التصور ورقيه عند المسلمين الورعين والزهاد وذوي الهمم العالية.
في حين أنها قد تلغي وتبطل ما كان يدسه الزنادقة على الخلفاء وخاصة العباسيين منهم وعلى رأسهم هارون الرشيد هذا ،والذي شوهت صورته من خلال كتب الافتراء وزعماء الشعوبية والزندقة على مستوى الكتابة كنموذج كتاب "الأغاني"للأصفهاني الذي تأثر به بعض الأدباء في العصر الحديث بوجه أو آخر -من بينهم أحمد أمين وغيره- بل قد اعتمد لديهم كمرجع لتصوير الحالة الاجتماعية في العصر العباسي خاصة،وذلك من دون الشعور بأن كتاب الأغاني كان يمثل نموذجا دقيقا لتأسيس منهج الأكاذيب والتفنن في الدس والاختلاق.
هذا الاختلاق والدس على الخلفاء من الحكام العباسيين وغيرهم ومعهم الشيوخ والصالحين في هذه الأمة قد تفطن له ابن خلدون في كتابه"المقدمة"وذهب إلى تبرئة هارون الرشيد بلغة علمية وتحليلية قد يستحيل معها اجتماع أوصاف ومضاداتها على نفس المستوى والقوة في رجل واحد كما يقول عنه:"وأما ما تموه به الحكاية من معاقرة الرشيد الخمر واقتران سكره بسكر الندمان"فحاشا لله ما علمنا عليه من سوء".
وأين هذا من حال الرشيد وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدين والعدالة، وما كان عليه من صحابة العلماء والأولياء،ومحاورته للفضيل بن عياض وابن السماك والعمري،ومكاتبته سفيان الثوري،وبكائه من مواعظهم ودعائه بمكة في طوافه،وما كان عليه من العبادة والمحافظة على أوقات الصلوات وشهود الصبح لأول وقتها!؟".
من هنا فالتصوف قد يبتعد عن التشيع بعدا كبيرا في باب المغالاة والتطرف العقدي أو السلوكي،كما أن الصوفي لا يستعمل القول بالتقية الاجتماعية أو البداء العقدي المبنيين على الخرافات والأكاذيب والتمويه بالمغيبات المستقبلية أو الماضية غير الصحيحة للوصول إلى الأهداف الدنيوية والسيطرة على قلوب الناس ورقابهم،وأيضا فإن الشيوخ لا يغترون بالأتباع وعددهم لكي يستعرضوا العضلات في وجه السلطان على سبيل المنافسة أو فرض المذهب بالقوة،لأنهم متوكلون على الله وراجون له وقائمون به وليس بالأشخاص وكثرة العدد والعدة،بل إن عصارة أتباعهم ونخبتهم قد تكمن في صدق القلة وإخلاصها وليس في شعار كثرة النسبة وضوضائها رغم أن وجود كثرة الأتباع لديهم بحكم المحبة والميل الروحي فيه مصلحة الأفراد والمجتمع وعنوان على الصلاح ومظاهره.
بحيث قد يحكى –والحكي هنا بين الخيال والواقع-أن شيخا صوفيا كان قد كثر أتباعه واشتهر صيته لغاية أن السلطان في زمانه قد تضايق منه وأصابه قلق سياسي بسببه .فما كان منه إلا أن استدعى الشيخ لكي يناقش معه موضوع استقطاب الجماهير لصالحه وذلك كتعبير عن تخوفه من ضعف سلطته بجانبه،فقال له الشيخ باختصار شديد:إن هؤلاء القوم الذين تراهم معي ليس لي فيهم من حظ سوى فقير ونصف فقير –أي مريد واحد صادق ومخلص ونصف مريد !-.فقال له السلطان أثبت لي قولك هذا بالملموس.قال الشيخ :يا مولاي أعلن في الملأ بأن السلطان سيحاكم الشيخ وقد يشنقه في الساحة العامة وحينئذ سترى رد الفعل بأم عينيك .!فكان الأمر كما اتفقا عليه بواسطة البراح:يا أيها الناس لا تسمعوا الآن إلا شرا ،السلطان سيشنق الشيخ الفلاني في الساحة العامة وفي الوقت كذا !.فما كان من الأتباع إلا أن خيم عليهم الصمت والتوجس وربما تخفى وتملص الكثير من انتمائهم إلى طريقة الشيخ...وفي الساعة المعلومة وعند حضور السلطان وبصحبته الشيخ أمام المشنقة لم يحرك أحد من الجماهير ساكنا لإنقاذه.في حين أن الشيخ نظر بتفحص إلى الجماهير المحتشدة أمامه فلاحظ فقيرا (مريدا) يعض على تلابيب أو قب جلبابه ويهم بالهجوم على منصة السلطان لإنقاذ شيخه.هنالك التفت الشيخ إلى السلطان قائلا له :هذا هو نصف الفقير الذي قلت لك.فقال له السلطان فأين المريد الكامل الذي وعدتني به؟.هذا المريد قد كان رجلا عصاميا وقنوعا وساعيا في كسب قوت أولاده من خلال اقتلاع ثمرة الجمار في الغابة،وبينما هو منهمك على عمله هذا مر به شخص فقال له: ماذا تفعل يا هذا وشيخك قد يشنقه السلطان حالا في الساحة العامة .فما كان من المريد الصادق إلا أخذ حديدته وأسرع من غير التفات يخترق جموع الجماهير المشلولة الإرادة حتى وصل إلى منصة السلطان لكي ينتقم منه لشيخه المفترض إعدامه.هنالك أشار إليه شيخه بأن قف وتمهل،ثم التفت إلى السلطان فقال له :هذا هو المريد أو الفقير الذي أملك حقيقة وذاك هو نصفه وأما ما تبقى من الجماهير الذين تراهم وتتخوف منهم فاستودعهم في جيبك ودائرتك ويكفيني أنني جمعتهم على ذكر الله تعالى عوض اجتماعهم على الملاهي والمناكر وأوكار الفتنة والفواحش والضياع وهذا فيه مصلحتك ومصلحة البلاد والعباد ووحدتهم".
فالقصة رغم أنها قد تبدو خيالية إلا أنها تتوافق مع الواقع بشكل مثير في تصوير علاقة الجماهير بالشيوخ أو متزعمي العمل الروحي بصفة عامة أو قل حتى متزعمي العمل السياسي من حزبيين وغيرهم وميلهم دائما نحو السلطان عن طريق الموالاة أو الخوف من المتابعة القضائية والاستخباراتية...كما أنها تؤكد لنا بأن الميدان الصوفي هو ميدان ثمين وغالي ودقيق وأن الصادقين في طريقه قليلون ومستخلصون لكي يكونوا مخلصين بالمعنى الكامل للكلمة.،ومن ثم فهم لا يجازفون بأنفسهم بسبب تحريض الغوغاء لهم بالمعارضة الصادمة ولا يغررون بالجماهير لإيقاعهم في شباك السياسة الاستدراجية والاستغفالية،ولكن مع ذلك فكل من ينتمي إليهم أو يحترمهم سواء كان سلطانا أو من عامة الجمهور قد يستفيد من كيميائهم الروحية التي قد تعود على الجميع بالخير والبركة مصداقا لقول الله تعالى في الحديث القدسي عن أهل الذكر ومجالسهم:"هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
إضافة إلى هذا فإن المصطلحات التي يوظفها الشيوخ في مجالسهم كمصطلح القطب والعارف بالله قد لا تعني في الحقيقة سوى ما سبق وبينا حدودها و مستوياتها المعرفية المقبولة شرعا وعقلا كما يقول القشيري في هذا:
"اعلم أن من المعلوم أن كل طائفة من العلماء لهم ألفاظ يستعملونها انفردوا بها عمن سواهم تواطئوا عليها لأغراض لهم فيها من تقريب الفهم على المخاطبين بها أو تسهيل على أهل الصنعة في الوقوف على معانيهم بإطلاقها،وهذه الطائفة مستعملون ألفاظا فيما بينهم قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم والإجماع والستر على من باينهم في طريقتهم لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب غيرة منهم على أسرارهم أن تشيع في غير أهلها،إذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع تكلف أو مجلوبة بضرب تصرف،بل هي معان أودعها الله تعالى قلوب قوم واستخلص لحقائقها أسرار قوم..." .
فليس مصطلح القطب أو الغوث أو النجباء والنقباء عند أهل السنة من الصوفية سوى مصطلحات تعبر عن مقامات معرفية ودرجات مدرسية لا يعرف معناها غير أهلها من الملازمين للعمل الصوفي والمتعرضين للمعاني الروحية المباشرة من غير اقتباس و تأثر خارجي أو تخطي لعتبة النبوة وتجاوزها،إذ أن كل تجاوز لها عقدا أو سلوكا قد يهدم كل طريقتهم ويصرفهم عن جوهر غايتهم،وهم الذين- كانوا وما يزالون- ديدنهم و شغلهم وتوجههم ووسيلتهم منذ البداية حتى النهاية هو الخلق المحمدي وسيرته صلى الله عليه وسلم الذي لا باب لهم غيره كما يقول البصيري رحمه الله تعالى:
فاق النبيين في خلق وفي خلق ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
أما الزعم بأن الشيخ محيي الدين بن عربي قد يرى تفضيل الولاية على النبوة فهذا مجرد هراء وافتراء يرد عليه بنفسه ونيابة عن باقي الشيوخ الصوفية السنيين قائلا:"فكان من شرف النبي صلى الله عليه وسلم أن ختم الأولياء في أمته نبي ورسول مكرم هو عيسى عليه السلام وهو أفضل هذه الأمة المحمدي،وقد نبه عليها الترمذي في الكم في كتابه ختم الأولياء له وشهد له بالفضل على أبي بكر الصديق وغيره،فإنه وإن كان وليا في هذه الأمة والملة المحمدية فهو نبي ورسول في نفس الأمر،فله يوم القيامة حشران:يحشر في جماعة الأنبياء والرسل بلواء النبوة والرسالة،وأصحابه تابعون له،فيكون متبوعا كسائر الرسل،ويحشر أيضا معنا وليا في جماعة الأولياء من عهد آدم إلى آخر ولي يكون في العالم،فجمع الله له بين الولاية والنبوة ظاهرا،وما في الرسل يوم القيامة من يتبعه رسول إلا محمد صلى الله عليه وسلم،فإنه يحشر يوم القيامة في أتباعه عيسى وإلياس عليهما السلام،وإن كان كل من في الموقف من آدم فمن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم،والولاية المخصوصة بهذا الشرع المنزل على محمد صلى الله عليه وسم ختم خاص هو في الرتبة دون عيسى عليه السلام لكونه رسولا..." .
فهل بعد هذا التعظيم والتقدير لنبوة ورسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من تعظيم واحترام؟.
إن إشاعة أوهام تفضيل الولاية على النبوة لدى بعض من يزعمون انتماءهم إلى التصوف ليس سوى ذات قصد خبيث ومغرض من طرف الزنادقة ومظلمي القلوب لاستنقاص مقام الولاية أولا وحذف حضورها من ساحة المسلمين،وذلك كمقدمة للتجرؤ على مقام النبوة والأخذ في النيل منها تضييقا واستصغارا ونقصان توقير،وذلك لأن الولاية هي خير مقرب روحي ووجداني وسلوكي لمعاني النبوة وأنوارها.
وطبيعي أنه إذا ما سقطت قيمة النبي صاحب الشرع من النفوس وانتقص من قدره أن يقل احترام الناس لشرعه وهدم العمل به وبالتالي نبذه والسخرية منه.
وهذا قد كان هو هدف الزنادقة الغنوصيين الذين كانوا وما يزالون لا يسعون إلا إلى إماتة الحياة الروحية والخلقية عند المسلمين والتي أساسها الحب الذي يؤلف بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته،وأيضا فتح باب التفاضل الإسقاطي الذي يقارن بينه وبين عادة الناس وعامتهم في إيصال الحق وتبليغه وإرشاد الخلق وإنارة الطريق لهم حتى ينالوا هداية الله سبحانه ويستصبحوا بنوره في قلوبهم.
فإذا تخلى الناس عن الشرع الذي شرعه الله لهم وبلغه إياهم بواسطة هذا النبي الذي كان هو الوحيد المميز عن سائر أولئك البشر،لخصوصية اختصه الله بها وفضله عليهم، فسيكثر فيهم الخلاف والكذب والمراء بغير حق،وستتولد وتشيع فيهم الشعوذة ويقع الناس بقصد أو غيره في مزالق ومشاكل سلوكية وعقدية،ومن ثم سيصبحون كالأنعام أو أضل سبيلا،وتلك هي الآفة التي جرها زنادقة الصوفية وباطنية الرافضة على صوفية السنة والأخلاق الفاضلة المحمدية حتى صار اسم التصوف كلما ذكر عند بعض المتنطعين والمغرضين إلا واقترن بنعت الشعوذة والخرافة والانحراف ووصف أهله بالقبوريين والحلولية والاتحادية...وهذه كلها أحكام خاطئة ومضللة ومحرفة لمفهوم التصوف التحقيقي السني المشرب والمذهب،والذي قد كان وما يزال عند أهله ينبني على أعلى مستوى من الاقتداء والاستمداد من الخلق النبوي المحمدي الشريف.
بقي أن أضيف شيئا مثيرا للتأمل والحذر وهو أن جل تلك الأفكار أو العقائد المنحرفة الممثلة للجانب الذي اصطلحنا عليه بالتطرف عند بعض من يدعون انتسابهم إلى التصوف هي ذات أصل غنوصي متداول بين الفرس والهنود واليونان - كما سبق وذكرنا-إذ فكرة وحدة الوجود لها جذورها عند الأيونيين اليونانيين في حين أن عقيدة الحلول والاتحاد قد تستوطن بقوة عند المسيحيين الذين ربما قد أخذوها عن الهنود والنحل الهندية القديمة كالسمنية والبراهمة وغيرهما ،والتي قد كانت ذات أثر ظاهر في خراسان وفارس والعراق والموصل إلى حدود الشام ،وهكذا الحال حول باقي الأفكار والتصورات المنحرفة والمتطرفة الأخرى.
ولقد كان التمازج بين هذه المذاهب الغنوصية شديدا واستطاع هذا المزيج الغنوصي العجيب – كما يعبر علي سامي النشار-أي غنوص الأفلاطونية المحدثة وغنوص المذاهب الإيرانية أن يترك أثره في أوساط المجتمع الإسلامي،وبالتالي أثر سلبا في أوساط المتصوفة أو المتمصوفة الجاهلين،لا الصوفية السنيين المسلمين العارفين بالله تعالى الذين ظلوا ثابتين على المحجة البيضاء والتوجه الكلي نحو الحق من غير التفات إلى السوى أو غفلة عن ذكر الله تعالى الذي هو عمدتهم ابتداء وانتهاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.