مرت أربع وثلاثون سنة على الجريمة كما يوصفها ضحايا الطرد من الجزائر وهم يحكون لك شيئا عالقا في ذاكرتهم المجروحة. هكذا رأيناهم وسمعناهم في الملتقى الثاني للمغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر. بوجوه منهكة من الكفاح من أجل لقمة العيش وأجساد مدكدكة من النضال من أجل كرامة ذبحها بومدين ورفاقه ذات عيد أضحى ليتكلف بعدها مسؤولو المغرب ( ليس بتضميد جراح هذه الكرامة طبعا) بمواصلة تذبيحها بدم بارد. مما جعل الكثير من الضحايا يتساءلون في ذهول واستنكار: لماذا لعنة الطرد تلاحقنا ولم نذنب والله؟ فهم يقولون أن لا ذنب لهم في الطرد سوى أنهم عضوا بالنواجذ على وطنيتهم واعتزوا بمغربهم، فوجدوا أنفسهم مطرودين على الحدود الشرقية للبلد الشقيق الجزائر،مجردين من ملابسهم وممتلكاتهم وأحبائهم وأحلامهم التي تشاركوها مع إخوانهم الجزائريين. ففي الوقت الذي كان فيه المسلمون يشحذون سكاكينهم استعدادا لنحر الأضحية في سنة 1975 كان طباخ الجريمة السيد بوتفليقة يشحذ سكينا مشركا بالأخوة المغربية الجزائرية ليقدمه للجزار بومدين الذي تكفل بنحر إنسانية 45000 أسرة مغربية، وفي الوقت الذي كان يستمتع فيه المسلمون بشواء أكباد أضحيتاهم، كان الجزارون يتلذذون بشواء أكباد الأمهات اللواتي طردن إلى المغرب وفلذات أكبادهن في الجزائر. ورغم أن هؤلاء المغاربة أحبوا الجزائر كما وطنهم وأخلصوا في دفاعهم جنبا إلى جنب أخوانهم الجزائريين في صد العدوان الاستعماري غير أن الضغينة والحسابات السياسية الضيقة أعمت بصيرة هذه العصابة التي كانت تحكم الجزائر سنة 1975 وجعلت منهم مصاصي لدماء الأخوة وعابثين بالتاريخ الجهادي المشترك. "" إن المصيبة الكبرى هي أن هؤلاء الضحايا لم يستقبلوا بالورود في بلدهم المغرب، فمزيد من الأشواك كانت في انتظارهم. فمن ذل وطغيان المعتقلات الجزائرية إلى قهر المخيمات في المغرب وبعد معاناة يندى لها جبين "المواطنة" تم تشغيلهم في أتفه الوظائف وإسكانهم في مساكن إدارية واليوم بعد أن بلغوا من الشيب عتيا يقال لهم اخرجوا للشارع..فأين أنتم يا أصحاب حقوق الإنسان ألا نستحق أن نوسم المغرب والجزائر في المراتب الأولى ضمن البلدان التي تحترم الإنسان؟؟ أم أنك أيها الغرب دائما تتآمر على "العرب" بدون وجه حق؟؟ الجميل في الأمر أن الدولة المغربية معروفة بتدليلها وكرمها الطائي في استقبال زوارها خاصة إن كان الأمر يتعلق بنجمة بخاصرة شرقية يسيل لها لعاب ميزانية حكومتنا. أي نعم حكوماتنا المتعاقبة عقلانية ودائما تكشر أنيابها وتقول أنها تعلن سياسة تقشفية لكن هذا فقط عندما يتعلق الأمر بأبناء الوطن الذين يدفعون الضرائب، أما أصحاب الفرفشة والحداثة الراقصة الماجنة فمستعدون أن يدفعوا لهم ليثبتوا للعالم أننا بلد المهرجانات وأرض الخير والسلام حتى لو كان ذلك على حساب ملايين المغاربة الذين يرزحون تحت الفقر المدقع. الجميل في الأمر أيضا أن وطننا غفور رحيم بمعنى أنك إذا حملت السلاح مع البوليساريو في وجه إخوتك المغاربة وذات ليلة جاءت التوبة وقررت الفرار إلى المغرب فإنك ستستقبل بالأحضان وبأرقى المناصب حتى لو كنت أميا لأن وطننا كما قلت غفور رحيم. لكن المشكلة التي تثير أعصاب ضحايا الطرد من الجزائر هو أن هذا الوطن ذاته يضيق صدره بأبسط حقوقهم وعندما تقاعدوا لم يشفق عليهم كحالة استثنائية تستحق القليل من العطف والرحمة مكافأة على إيمانهم بوطنهم الذي كلفهم غاليا. فهل جزاء من أحسن إلى وطنه إلا الإحسان؟. والجديد في القضية بعد مرور السنوات على الجريمة هو أن الضحية لم يعد راغبا الاستمرار في وأد هذه الذات المجروحة ولم يعد يفضل التهرب من الحديث عن الماضي بكل آلامه ولم يعد يستح من أن يقول أمام الأهل والجيران "أنا مطرود" بل تحلى بالجرأة ليقولها أمام العالم ومستعد ليقولها في المحاكم الدوليةعل الظالم يلقى جزاءه ليشفي قليلا من غليله الذي لم يشفه الصمت بل زاد من وضعه سوءا. وهاهو بومدين في المقبرة في حين أن الجريمة لم تقبر بعد ولن تقبر فما ضاع حق وراءه مطالب. فعيد أضحى 1975 يوم موشوم بدم كرامة أهدرت على الحدود المغربية الجزائرية ولا زالت تنزف إلى اليوم آلاما ومعاناة وتشتتا وقطع أواصر صلة الرحم بين الأب وبناته وبين الأم وفلذات أكبادها وبين الحبيب وحبيبته فقلوب تبكي هناك وقلوب تنوح هنا. فماذا بعد أن صمت الآذان وجفت رحمة القلوب الرسمية الجزائرية منها والمغربية فهل ستفتح العدالة الدولية صدرها لهؤلاء المستضعفين؟ أم أن محاكمة جلادي الجزائر غير واردة حاليا في لائحة المغضوب عليهم من طرف "السادة" الصهاينة؟. Fatimazahrazaim.elaphblog.com